fbpx

حوض المتوسط بلا مناخ متوسطي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مع ازدياد حرارة وجفاف حوض المتوسط، يزداد خطر الإجهاد المائي وحرائق الغابات والفيضانات الساحلية، ناهيك بحدوث تقلبات في تساقط الأمطار الموسمية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حوض البحر الأبيض المتوسط في طريقه للتحول من مناخ معتدل ومنطقة خصبة للزراعة والسياحة إلى صفيح ساخن. فهذا الحوض الذي يستقطب، إلى الوقت الراهن على الأقل، ملايين الناس من شتى أنحاء العالم سنوياً للاستمتاع بمناخه المعتدل، والنبيذ والطعام المتنوع والمناظر الطبيعية التي يتسم بها، أصبح محل اهتمام مراكز علمية وأكاديمية في السنوات الأخيرة، وذلك جراء تغيرات مناخية عنيفة بدأت ملامحها في هذه المنطقة التي توصف غالباً بقلب العالم. 

كان الحوض المتوسطي من الحالات المناخية التي درسها معهد “مكنزي الدولي” في شهر آذار/ مارس 2020، في تقرير بعنوان: مخاطر المناخ والاستجابة لها: الأضرار المادية والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية. وفي صيف العام ذاته أجرى باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT  في أميركا، دراسة علمية تشرح آليات الاحترار في البحر الأبيض المتوسط وأسبابه. وبحسب البيانات التي يوفرها التقريران، يشهد “المتوسط” نقصاً حاداً في الموارد المائية وذلك بسبب تناقص الهطول المطري خلال العقود المقبلة، جراء تغيرات مناخية قاسية تضرب المنطقة، الأمر الذي يهدد الزراعة والسياحة بالدرجة الأساس. 

يتوقع أن يؤثر تناقص تساقط الأمطار وزيادة التبخر في إمدادات منطقة البحر الأبيض المتوسط من المياه العذبة، وتشهد الموارد المائية انخفاضاً يصل إلى 25 في المئة بحلول عام 2050.

لقد ارتفع متوسط درجة الحرارة في حوض البحر الأبيض المتوسط بمقدار 1.4 درجة مئوية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وذلك مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 1.1 درجة. وفي حال غياب سياسات إزالة الكربون والتحسين البيئي، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة إضافية بحلول عام 2050. ومن المتوقع أن يرتفع التباين الهيدرولوجي جراء الارتفاع ذاته، ما يزيد من مخاطر الجفاف والإجهاد المائي وحرائق الغابات والفيضانات. وستظهر آثار هذا التغير بشكل واضح في عدد الأيام التي تزيد فيها درجة الحرارة عن 37 درجة مئوية في كل مكان. وفي شمال أفريقيا وجنوب اسبانيا وتركيا، ستضاعف الأيام الساخنة (فوق 37 درجة مئوية) من 30 يوماً الى 60 يوماً. إضافة إلى الموجات الحارة والتي يصاحبها نقص في الأمطار، سيلحق التغير المناخي الأضرار بالمدن الساحلية إثر ارتفاع مستوى سطح البحر، الأمر الذي يؤدي إلى تدمير البنى التحتية للمدن ومواقعها الأثرية واقتصاداتها.

أسباب وآليات حصول التغير

بحسب الفريق المتخصص لدراسة تغير المناخ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، هناك عاملان أساسيان يتضافران ويساهمان في تغيير مناخ حوض المتوسط أكثر من غيره. يتمثل العامل الأول في حصول تغيرات في الغلاف الجوي على بعد 10 كيلومترات من الأرض، وهي المنطقة التي تحصل فيها التغيرات المناخية والطقسية ناهيك بتغيرات في دوران الهواء. وتفرض طبيعة هذا التغير ضغطاً هوائياً عالياً في إقليم البحر الأبيض المتوسط. أما العامل الثاني فهو أن البحر المتوسط بركة مياه كبيرة محاطة بالأراضي من كل النواحي. تسخن الأراضي جراء التغيرات المناخية أكثر من مياه البحر في الشتاء، بينما تكون هذه المياه أكثر دفئاً من الأراضي في الظروف المناخية الطبيعية. وترتفع درجة حرارة الأرض نتيجة ذلك أكثر من درجة حرارة البحر ويجعلها أبرد مما حوله نسبياً، ولن تكون سخونته تالياً بمستوى سخونة الأرض، ما يؤدي إلى تشكل منطقة ضغط هوائي عال حول البحر الأبيض المتوسط. 

ويشبه عالم المناخ الطاهر الفاتح، حاوره “درج” طريقة دوران الرياح في حالة وجود منطقة ضغط هوائي عال، بدوران عقارب الساعة. ووفق هذا الأساس العلمي، فإن رياح شرق البحر الأبيض المتوسط تفرّغ حمولتها الرطبة أثناء اجتيازها المناطق العالية نحو المناطق المنخفضة. أي أن المناطق التي تقع خلف المرتفعات حيث تفقد الرياح الجزء الأكبر من حمولتها من بخار الماء فوق سفح الجبال المواجهة لها، تشهد القلة في الهطول المطري. وبالتالي، يصبح إقليم شرق البحر الأبيض المتوسط نتيجة التغير في دوران الرياح منطقة تسمى بـRain Shadow، أي صحراء الظل المطري وتقل فيها مستويات الأمطار بشكل واضح. أما الرياح الآتية من الصحراء الكبرى إلى المغرب وإسبانيا، فتؤدي إلى تقليل مستويات الأمطار أيضاً، ذاك أنها رياح ساخنة وجافة. ويشمل هذا التغير المناخي، إضافة إلى بلدان المغرب العربي وأجزاء من اسبابنا، وتركيا من جهة شرق المتوسط، كل من لبنان وسوريا وفلسطين في جنوب المتوسط. 

الآثار المناخية

تختلف آثار التغير المناخي باختلاف المناطق، وتتسم في الغالب بعدم مساواة مكانية من ناحية الأضرار الاقتصادية المصحوبة بتغيرات في الزراعة والسياحة. ويتوقع أن تلحق زيادة الأيام شديدة الحرارة الأضرار بالقطاع السياحي في حوض المتوسط والذي يمثل اليوم ما يقرب 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لبلدان المتوسط، بينما يؤدي التغير ذاته الى خلق فرص في بلدان أوروبية شمالاً لتستفيد من مناخها الدافئ. وتتأثر الزراعة بالدرجة ذاتها بالتغيرات المناخية وقد شهدت مناطق متوسطية عدة تغيرات في درجات الحرارة وهي منطاق معروفة بجودة عنب النبيذ الخاص بها، ما يشكل خطر فقدان مكانتها البارزة على خريطة زراعة الكروم، بينما بإمكان مناطق غير تقليدية في زراعة العنب أن تستفيد من ذلك أيضاً. وتعد بلدان جنوب الحوض المتوسطي، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأكثر تضرراً من جهة الموارد المائية وارتفاع درجات الحرارة، بخاصة أنها تعاني من مشكلات بيئية “مزمنة” بسبب موقعها الجغرافي شبه القاحل، والقاحل في أجزاء كثيرة. 

مع ازدياد حرارة وجفاف حوض المتوسط، يزداد خطر الإجهاد المائي وحرائق الغابات والفيضانات الساحلية، ناهيك بحدوث تقلبات في تساقط الأمطار الموسمية.

هل من حلول؟

تعد الحلول القائمة على الطبيعة من الوسائل المتاحة ليس أمام المراكز العلمية فقط، بل حتى أمام المجتمعات المحلية لمواجهة التغير المناخي. وتتمثل الحلول المستندة إلى الطبيعة بإصلاح واستعادة النظم البيئية مثل المناطق الرطبة والغابات النظام الطبيعي، ناهيك باستغلال مستدام للأراضي والموارد الطبيعية. ويعتبر التخفيف Mitigation في هذا السياق طريقة فعالة لتفادي آثار الأزمة المناخية، تقتضي هذه الطريقة تغيير نمط الحياة على المستوى العالمي من خلال تقليل الاستهلاك وتخفيض الغازات الدفيئة، وذلك عبر تخفيض استخدام السيارات واستهلاك الكهرباء والطاقة. كما يلعب التكيف مع الظروف المناخية دوراً مهماً في تخفيض الأضرار الناجمة عن التغير، وذلك عبر الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية واستخدام التكنولوجيا الحديثة للزراعة والاكتفاء الذاتي الفعّال (الاستخدام الذكي للمياه). 

 التغيرات الحاصلة، تقتضي تغيير السياسات التعليمية في المدارس الابتدائية من أجل تنشئة أجيال جديدة قادرة على فهم ما يحصل من جانب، وتقتضي من جانب آخر تعليم المجتمعات على المستوى المحلي حول ألف باء التغير المناخي وسبل مواجهته. اقتضاباً، من شأن تغيير نمط الحياة والاستهلاك مع سياسات تعليمية حديثة تتضمن تغير المناخ مثل الرياضيات والعلوم الطبيعية، التقليل من آثار المناخ المتغير، إنما هناك نقطة مهمة يشار إليها بشكل خجول في الأوساط الأكاديمية والسياسية، وهي الصحة الإنجابية. لو تمت مراجعة البيانات الخاصة بالضغط المناخي والآثار الاقتصادية والنفسية السلبية التي يتركها على المجتمعات، تحتل البلدان والمناطق المكتظة بالسكان والفقيرة من جهة الموارد الطبيعية، مساحة أكبر من بين البلدان الأخرى في العالم. لذلك تلعب الصحة الإنجابية دوراً فعالاً ومهماً في مكافحة التغير المناخي. ولا ننسى في هذا السياق أهمية دور الإعلام في توعية المجتمعات لفهم الأزمة المناخية وسبل مواجهتها.

إقرأوا أيضاً:


سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.