fbpx

هل تغير تونس نظامها السياسي الهجين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“تعيش تونس برأسين للسلطة التنفيذية وبرلمان لا تتوفر له أدنى شروط العمل لترجمة الدستور إلى قوانين، لا من حيث الإمكانات البشرية ولا المادية…”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعيش تونس على وقع أزمة سياسية حادة بسبب صراع الرؤساء الثلاثة، رئيس الدولة قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، من أجل المواقع والصلاحيات المتداخلة في ظل نظام سياسي هجين. أزمة لم تنفرج على رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على انطلاقها، وكشفت بوضوح حالة عدم الاستقرار والانفلات التي بات عليها المشهد السياسي في ظل نظام سياسي مشوه “شبه شبه” (لا هو برلماني ولا هو رئاسي)، أدى منذ إرسائه إلى تشتيت السلطات. وقد فتح مجدداً الجدل بشأن تغييره أو تعديله، بحيث يتسنى لكل سلطة ممارسة صلاحيتها من دون عقبات بدل التداخل المعقد بينها، الذي أدى إلى تعطيلات مستمرة في سير مؤسسات الدولة، كان آخر ذلك التعديل الوزاري الذي ينتظر منذ أسابيع إشارة العبور، بسبب معركة الصلاحيات التي أفرزها النظام السياسي الجديد (2014).   

ومنذ أكثر من عشرين يوماً لم يتسنَّ لـ11 وزيراً في تونس نالوا ثقة البرلمان مباشرة مهماتهم، بسبب الخلاف السياسي بين رئيس الحكومة هشام المشيشي وحزامه السياسي البرلماني (النهضة، ائتلاف الكرامة وقلب تونس) من جهة، ورئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة أخرى. فسعيد رفض أن يؤدي هؤلاء اليمين الدستورية أمامه، بسبب أسماء بينهم ترتبط بشبهات فساد وتضارب مصالح.

ويذكر أن الفصل 89 من الدستور يلزم رئيس الحكومة ووزراءه بأداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية حتى تتسنى لهم ممارسة مهماتهم.

اعتمدت تونس بعد نقاشات دامت لثلاث سنوات نظاماً برلمانياً معدلاً أو ما يسمى بشبه البرلماني عام 2014

وطيلة هذه الفترة حاول الأطراف السالف ذكرهم اللعب على وتر الصلاحيات لفرض خياراتهم، ولكن من دون جدوى، لا سيما بين رأسي السلطة التنفيذية المتمثلة في رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهمورية وتمسك كل طرف بخياراته ومواقفه ورفض التراجع. وفي خضم هذه الصراعات باتت مؤسسات الدولة مهددة بالشلل في ظل حكومة تعمل بنصف عدد وزرائها، ودخل المشهد السياسي التونسي في أزمة دستورية غير مسبوقة في ظل غياب المحكمة الدستورية التي تعثّر تشكيلها منذ سنوات بسبب الخلافات الحزبية حول أعضائها. وفي ظل غياب هذه المحكمة التي تعد الهيئة القضائية الوحيدة المخولة للنظر في مثل هذه الخلافات، تعود إلى الواجهة معركة الصلاحيات بين السلط الثلاثة التي تركها النظام السياسي فضفاضة ومتداخلة.

واعتمدت تونس بعد نقاشات دامت لثلاث سنوات نظاماً برلمانياً معدلاً أو ما يسمى بشبه البرلماني عام 2014. ومنح هذا الشكل من النظام السياسي مجلس نواب الشعب صلاحيات التشريع ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها والرقابة على عملها، وأعطى رئاسة الحكومة جل الصلاحيات التنفيذية، فيما حصر اختصاص رئيس الجمهورية في ثلاثة مجالات هي الدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية، على رغم أنه منتخب من الشعب بصفة مباشرة.

وأحدث نظام الحكم البرلماني المعدل الذى تبنته تونس في دستور 2014، شتاتاً برلمانياً عمّق أزمة البلاد أكثر. ولهذا ومنذ إقراره، أثيرت ردود فعل كثيرة حوله وتتالت الدعوات لتعديله وتغييره. فعلى رغم الضمانة التي وفرها بشأن عدم العودة إلى مربع الاستبداد عبر تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة الحكومة ورئيسها، إلا أن الصراعات المتتالية التي ظهرت وتفاقمت تدريجيا بين رأسي السلطة التنفيذية وأيضاً السلطة التشريعية جعلت الأصوات المنادية بتغييره تتزايد.

وكان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أول الشخصيات المهمة في البلاد التي دعت صراحة إلى تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي معدل، يمنح الرئيس المزيد من الصلاحيات، في خطاب ألقاه لمناسبة عيد الاستقلال بتاريخ 20 آذار/ مارس 2019، إذ قال إن لديه “تحويراً جاهزاً للدستور”، مشيراً إلى أن التونسيين يحبذون النظام الرئاسي، وانتقد تراجع صلاحياته لمصلحة رئيس الحكومة.

إقرأوا أيضاً:

ودعا السبسي لذلك بعد الصراع الكبير الذي جد بينه وبين رئيس الحكومة حينها يوسف الشاهد وما شابه من توترات بسبب الصلاحيات التي لم تكن متوازنة بين الرجلين ومتداخلة في بعض الأحيان. 

إضافة إلى يوسف الشاهد اصطدمت معظم الحكومات بعقبات ضخمة عرقلت عملهما وانزلقت جميعها في صراعات مع البرلمان ورئاسة الجمهورية، ولعل هذا ما يبرر عمرها القصير. ولعل مسرحية التعديل الوزاري المعلق حتى الآن بسبب معركة الرئاسات دليل آخر على أن تغيير النظام السياسي في تونس له ما يبرره.

القيادي المستقيل من “حركة النهضة” لطفي زيتون تحدث هو الآخر منذ 2016 صراحة عن ضرورة إجراء تعديل دستوري يتم خلاله تغيير النظام السياسي باتجاه منح الرئيس المزيد من الصلاحيات. وقال حينها: “تعيش تونس برأسين للسلطة التنفيذية وبرلمان لا تتوفر له أدنى شروط العمل لترجمة الدستور إلى قوانين، لا من حيث الإمكانات البشرية ولا المادية. هو نظام شبه رئاسي شبه برلماني، أنتج وضعاً أشبه ما يكون بوضع الجمهورية الفرنسية الرابعة التي شهدت من عام 1948 إلى عام 1958، 21 حكومة أي بمعدل حكومة كل ستة أشهر”.

وفي أيلول/ سبتمبر 2018 تحدث الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي عن وجوب تغيير النظام السياسي، إذ اعتبر أن توزيع السلطة التنفيذية بين شخصين وإن كان يحمي من الاستبداد إلا أنه محمل بهشاشة خطيرة لا تقدر إلا بالتجربة.

وفي أيلول 2019 وتحديداً إبان الحملات الانتخابية، أشار وزير الدفاع السابق والمرشح للرئاسة آنذاك عبدالكريم الزبيدي إلى إجراء استفتاء شعبي حول تغيير نظام الحكم. كما أعربت في الفترة ذاتها، المرشحة عن “الحزب الدستوري الحر” عبير موسي عن رغبتها في تفعيل الصلاحيات الموصولة لرئيس الجمهورية طبقاً للفصل 143 من الدستور الحالي وتغيير النظام السياسي. 

اصطدمت معظم الحكومات بعقبات ضخمة عرقلت عملهما وانزلقت جميعها في صراعات مع البرلمان ورئاسة الجمهورية، ولعل هذا ما يبرر عمرها القصير.

وانضم الرئيس قيس سعيد إلى هؤلاء، عندما أعلن إبان ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2019 أنه سيقدم مبادرة تشريعية من أجل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي. وما زال يلمح لهذا الهدف، لا سيما في ظل الاستياء الشعبي من أداء البرلمان الذي بات وكراً لصراعات حزبية ضيقة وبوقاً للفاسدين، على حساب مصلحة البلاد.

وتتسع دائرة مؤيدي هذا الخيار تدريجاً، بسبب الحصيلة الصفرية لعشر سنوات من تجربة هذا النظام ووضوح الرؤية بالنسبة إلى التونسيين، بأن معركة الصلاحيات بين رؤوس الحكم تتزايد من سنة إلى أخرى متسببة في تعطيلات كثيرة تظهر تداعياتها في كل القطاعات المنهارة. 

أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ اعتبر أن النظام السياسي التونسي “معطل ومشوه”، وأدى إلى تفتيت السلطات، داعياً، إلى تعديل الدستور بما يسمح بترتيب العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وداخل السلطة التنفيذية.

وقال محفوظ لـ”درج”، “حصيلة السنوات الماضية كانت عدم الاستقرار والانفلات في ظل نظام سياسي يعاني مشكلات داخل السلطة التنفيذية برأسيها، فصلا عن الفوضى وعدم التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بخاصة بين رئاسة الجمهورية والبرلمان”.

وشدد محفوظ على ضرورة منح من يحكم البلاد بالانتخاب المباشر من الشعب آليات أوسع للحكم من أجل تنفيذ برنامج تحت المراقبة الدستورية والبرلمانية والقضائية، داعياً إلى مراجعة عاجلة وجدية للنظام السياسي للحيلولة دون عوائق إرساء نظام ديموقراطي متوازن، وقبل ذلك ضرورة الإسراع وتشكيل المحكمة الدستورية لتجاوز فراغها الذي يلقي بظلال وخيمة بخاصة هذه الفترة. 

واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن القوى السياسية التي ترفض فكرة تعديل الدستور باتجاه تغيير النظام السياسي لتجاوز العقبات والأزمات التي تشهدها البلاد، تخشى خسارة موقعها في المشهد السياسي بمجرد حدوث هذا التغيير. 

النهضة لا تريده رئاسيا

وتمسكت “حركة النهضة الإسلامية” مطولاً برفضها الخوض في مسألة تعديل النظام السياسي خاصة باتجاه النظام الرئاسي خوفاً من أن يسحب البساط من تحت أقدامها باعتبارها الطرف الأكثر استفادة من النظام الراهن على أكثر من صعيد. أولاً، على رغم تراجع شعبيتها إلا أنها في ظل المنظومة الحالية ما زالت القوة السياسية الأساسية المتحكمة بإدارة السلطة وبالقرار السياسي. ثانياً، يريد رئيسها ورئيس البرلمان راشد مواصلة البقاء في منصبه مستفيدا من الصلاحيات الواسعة التي منحها الدستور للبرلمان، لا سيما بعدما بات يقيناً بالنسبة إليه أنه لا أمل يرجى من ترشحه لا حقا لمنصب رئاسة الدولة باعتباره الشخصية الاكثر كرها في البلاد. ثالثا فإن واقع الحال اليوم يمكنها من التنصل من المسؤولية أمام التونسيين وتعويمها. وعلى رغم أن الحركة كانت مهندسة كل الحكومات أو على الأقل شريكة قوية في ذلك منذ عام 2011 إلا أنها دأبت على تحميل شركائها مسؤولية الفشل ليقينها أن تشتت السلطات وتداخلها يجعل من الصعب تحديد هوية المسؤول الوحيد بدقة.   

ولهذا عندما كسرت “الحركة” القاعدة منذ أيام وأيدت فكرة التعديل، وأرادته باتجاه نظام برلماني بصلاحيات واسعة لرئيس الحكومة على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية منصباً شرفياً، كما أعرب عن ذلك راشد الغنوشي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.