fbpx

مقابلات رغد صدام حسين :
“بطولة” الديكتاتور و”مظلوميته”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حاولت قناة “العربية” ، بما تمثل، استثمار رغد في صراعها مع إيران، ومنحتها منبراً لانتقاد الساسة الجدد في العراق وعدم ولائهم للوطن، فيما حاولت رغد استثمار القناة، لتمجيد والدها وجعله “بطلا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مقابلات تلفزيونية متتالية على قناة “العربية”، تظهر رغد صدام حسين، لتسرد تفاصيل ومواقف وحوادث عن علاقتها بوالدها، خلال الطفولة والصبا والحرب مع إيران والحصار والتدخل الأمريكي، فترسم صورة عن الدكتاتور السابق للعراق، تتراوح بين “البطل الوطني” الذي دافع عن بلاده حتى الموت وبين “الأب الحنون” الذي لم يستخدم العنف مع بناته ولو لمرة واحدة.

فرغد ترفض طرح مستضيفها أن والدها وُجد في حفرة ثم اُعتقل، مستدركة بسرعة، أن المكان، هو ملجأ حيث يختبأ المقاتلون مؤقتاً ليعودوا لاحقاً إلى المعركة، فيما الحفرة، بطبيعة الحال، مكان الخائفين والهاربين، واستدراك رغد هذا، كان واحداً من استدراكات كثيرة، أرادت منها، ترميم أي جانب من الضعف الإنساني قد يعتري صورة “الوالد”، فهو “إنساني” كأب لم يعاقبها حيث أيقظته، مع عدي وقصي، من قيلولته، واكتفى بتأديب الذكور، وهو “الإنساني” لأنه تقصد العيش بـ”تقشف” أيام الحصار، ليتماهى مع مأساة شعبه. 

الفصل بين الضعف و”الإنساني”، في وعي رغد، مرده، جعل “الإنساني”، وظيفة، أكثر منها حالات وأمزجة وطبائع ومشاعر متضاربة، هي تجرّد “الوالد”، من حالات الضعف البشري، وتستدخل “إنسانيته” المزعومة، في أدوار الأبوة، مرة مع العائلة وأخرى مع الشعب، فتبقيه في مرتبة “البطل”، الذي يعيش ضمن أدوار ومواقف ملحمية حاسمة، لا تتسع للهشاشة والخوف والتردد. وكأنها تتبع وصفة أدولف هتلر الذي أنّب أحد جنرالاته لوقوعه في علاقة غرامية، قائلا له “نحن وجدنا لنعيش أدواراً تاريخية وننقذ الشعب”.

الفصل بين الضعف و”الإنساني”، في وعي رغد، مرده، جعل “الإنساني”، وظيفة، أكثر منها حالات وأمزجة وطبائع ومشاعر متضاربة.

لكن صدام يفوق قدرة ابنته على تركيب صورة مزجية عنه تراوح بين “البطولة” و”الإنسانية”، فحين قُتل زوجها حسين كامل بعد عودته إلى النظام الذي انشق عنه منتصف التسعينيات، حزنت رغد، ولم تقبل أي ترضية من صدام، وهي إذ تفصح عن تفاصيل حميمية في علاقتها مع كامل، حيث عاشت قصة حب قصيرة، ولحظات غيرة على الرجل الذي “سطع نجمه” كما تقول، فإنها تعود إلى لعبة الاستدراكات سريعاً، لترميم صورة “الوالد”، ملخصة قتل زوجها بعبارة “من يخطاً يعاقب”، وكي تستكمل نزع صدام من صفة القاتل، وتعيده إلى صفة “البطل”، تجيب عن استفسار حول محاولتها رفع المسؤولية عن “الوالد” في جريمة كامل، بالقول “الرئيس صدام لا يحتاج أن نرفع عن كاهله المسؤولية”.

و”البطولة” لا تقبل التردد، إذ إن رئيس البلاد يجب أن يملك شجاعة اتخاذ القرارات، التي إن احتملت الخطأ، فإن هذا الخطأ، ينسحب على الخصم أيضاً، مثل احتلال الكويت، التي تصفه رغد بالخطأ المزدوج من الطرفين، محيلة الأطماع ببلد مجاور إلى خصومة بين الأخوة، الذين يتشاجرون ثم يتصالحون.

وصورة “البطولة” التي أرادت رغد تلفيقها لـ”الوالد”، جرى تصعيدها درامياً في مشاهد الاعتقال والمحاكمة والشنق، فتحول الدكتاتور من “بطل” سلوك ومواقف، إلى بطل تراجيدي “يموت من أجل شعبه”. ورغم مواصلة رغد رفضها وضع والدها، الذي كان يطلب السيجار خلال اعتقاله، موضع الضعيف وفاء لصورة “البطل”، فإن القناة، عمدت إلى تحويل دراما المحاكمة والشنق إلى مظلومية، عبر تمرير مشاهد مطعمة بموسيقى حزينة، تظهر صدام تارة يجادل قاضي المحكمة، وطوراً يصرخ باسم العراق فيما حبل المشنقة يلتف حول عنقه.

وإمعاناً في صنع المظلومية، يتجنب المحاور، صهيب شراير، سؤال رغد عن ضحايا والدها الذي قتلوا في السجون وفي قمع الانتفاضات وبالقصف وبالكيماوي، كما يتجنب إحراجها في أي سؤال أو تحديها بمعلومات تكذب ما تقوله عن والدها، فهو جزء من آلة صنع المظلومية، التي تريد تصوير صدّام، كرئيس عربي استفادت إيران، من إسقاطه بواسطة الأميركيين، لتتمدد في العراق ودول الإقليم، وعليه، فلا مكان لذكر سنوات الديكتاتورية، التي هي، على ما تقول رغد، “أسطوانة مشروخة” حيث “العالم كله دكتاتوري وأميركا نفسها بدليل احتلال العراق”. 

صدّام لا يزال يمتلك شعبية في أوساط السنّة العراقيين والعرب، لأسباب تتعلق بعدم تطوير الساسة السنّة صيغ للتفاهم مع الجماعات.

حاولت القناة، بما تمثل، استثمار رغد في صراعها مع إيران، ومنحتها منبراً لانتقاد الساسة الجدد في العراق وعدم ولائهم للوطن، فيما حاولت رغد استثمار القناة، لتمجيد والدها وجعله “بطلا”. وهنا تناقض الطرفان في قراءة ضعف صدام، فلفقته رغد في سياق “بطولي” يتجنب الإنساني إلا بوصفه دوراً، واستخدمته القناة كمظلومية، تستثير مشاهد عدد من العراقيين والعرب.

الشيء الصحيح الوحيد الذي قالته رغد في مقابلاتها حتى الآن، أن والدها يتمتع بشعبية في العراق والعالم العربي، صحة هذا الطرح بقدر من تستدعي من أسف، فإنها تحيل إلى سوء أداء، الحكام الذي سيطروا على السلطة بعد سقوط صدام إذ قدموا نموذجاً سيئاً للغاية، يمزج بين الطائفية والفساد والولاء لإيران وتقديس المليشيات، كما تحيل إلى عدم وجود حساسية ضد الدكتاتورية في بلادنا، ذاك أن الأخيرة، لا تنتهي بزوال نظام الحكم، طالما أنها مرتبطة بالصراعات الطائفية والإثنية، وعليه، فإن صدّام لا يزال يمتلك شعبية في أوساط السنّة العراقيين والعرب، لأسباب تتعلق بعدم تطوير الساسة السنّة صيغ للتفاهم مع الجماعات، انطلاقاً من نبذ وهم الخلافة وتمظهراتها الحديثة من قومية وسواها، ولأسباب تتعلق بالجماعات الأخرى لاسيما الشيعة الذين افتقر ساستهم لنموذج للحكم يقفز فوق الانتقام، ويرتب لعقد اجتماعي جديد، وفضّلوا الارتماء في حضن ولاية الفقيه الإيرانية واستراتيجياتها التوسعية.

رغد تستغل هذا الفشل المزدوج، فتظهر لتسويق “بطولة” مزعومة لدكتاتور ألغى وطناً بكامله، وقتل وعذب وشرّد عشرات الآلاف، متبجحة بالقول لـ”الوالد” شعبية واسعة، وذلك عبر قناة من يقف ورائها، ربما يريد، الاستثمار سياسياً بابنة الرئيس السابق، التي أجابت على سؤال حول إمكانية ممارسة دور سياسي، بالقول “كل شيء وارد”. 

إقرأوا أيضاً: