fbpx

انفجار جديد في قلب ضحايا مرفأ بيروت… السياسة تعيد التحقيقات إلى الصفر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أخي كان بعيداً من الموت، هم استدعوه إلى هناك ليطفئ الحريق، لقد قالوا له تعال لتموت…”. تخوّف أهالي الضحايا من دوامة المماطلة واضح، إلا أنهم عاجزون حالياً عن اتخاذ أي خطوة للضغط على المعنيين…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يجلس قتلة أهالي بيروت في هذه الأثناء في بيوتهم آمنين، يرتشفون القهوة مع عائلاتهم، ويحضّرون للوجبة المقبلة بسلام. فزمن الحقيقة مؤجّل إلى يوم آخر، والمحاسبة لن تأتي الآن، وربما لن تأتي أبداً. ناقلو الأمونيوم وسارقوه ومفجّروه في مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس، يتنفسون الصعداء الآن، وفي أحسن الأحوال ربما يختبئون في غرفهم من خطر “كوفيد- 19” وليس من مطرقة العدل، فبعد مرور أكثر من 6 أشهر على جريمة العصر وانفجار العصر في مرفأ بيروت، لم تتوصل التحقيقات إلى أي مكان. وما زال المجرمون المسؤولون عن مقتل أكثر من 200 شخص وجرح وتشريد الآلاف، خارج قضبان السجون، بحجة الحصانات النيابية والوزارية تارة، ومن أجل السلم الأهلي تارةً أخرى.

“خطة سحب الملف من القاضي صوّان هي خطوة سياسية بحتة، وما الخاسر فيها إلا أهالي الضحايا”

ما وصلنا من هذه التحقيقات أن عدداً من المسؤولين السياسيين كانوا على علم بوجود نيترات الأمونيوم في مرفأ العاصمة، لكنهم لم يحرّكوا ساكناً. وحين بدأ المحقق العدلي القاضي فادي صوان باستدعائهم واحداً واحداً للتحقيق معهم، كان أن كفّت محكمة التمييز الجزائية في لبنان يده عن التحقيقات في قضية المرفأ. وهو مشهد يوحي، لا بل يؤكد التدخل السياسي في القضية وفي عمل القضاء عموماً، فالاعتراض على صوان وعلى سير التحقيق، ليس جديداً، بل بدأ مذ استلم الرجل القضية في آب/ أغسطس الماضي. إذاً بعد 6 أشهر على انفجار مدينة كاملة، ستعود التحقيقات إلى المربع الأول، وسنبدأ من الصفر. وهنا أسئلة كثيرة يجب أن تطرح اليوم فيما أهالي الضحايا يجوبون الطرق بدموعهم ومأساتهم، ما مصير الملف؟ وهل انتهى التحقيق؟ هل تنحية صوان باب جديد للمزيد من المماطلة وتمييع القضية؟ على أي أساس سيتم تعيين قاضٍ جديد؟ وهل سيحصل ذلك قريباً؟ أم سيضطر الأهالي إلى انتظار أشهر أو سنوات لمعرفة من قتل أحباءهم ومن أدخل مواد متفجرة ووضعها في وسط مدينتهم، بين بيوتهم ومدارس أولادهم؟

أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله كان بشرنا قبل يومين اثنين من تنحية صوان، بأن “التحقيق في انفجار المرفأ انتهى والآن من واجب القضاء إعلان نتيجة التحقيق”. وتابع: “قيمة التعويضات لمتضرري انفجار المرفأ تصل إلى مليار ومئتي مليون دولار وحصول الناس عليها رهن بالإفراج عن نتائج التحقيقات”. الأمر لا يمكن أن يصنّف مصادفة، فنصرالله يعرف دائماً كيف يوجّه الرسائل ومتى، حتى أنه يصنع المصادفات متى شاء. وقد قالها بالفم الملآن “انتهى التحقيق”، وأكمل حياته كأنّ شيئاً لم يكن، وكأن المرفأ الذي انفجر لا يعنيه في شيء، مجرّد ملف من ملفات كثيرة وحان وقت إغلاقه. وتُرجمت رسالة نصرالله سريعاً مع سحب الملف من يد صوان.

المحامي نزار صاغية المدير التنفيذي لـ”المفكرة القانونية”، علق على “تويتر” قائلاً: “‏تمت تنحية صوان بعد هجوم شاركت فيه قوى نافذة رغم تناقضها من حزب الله إلى نادي رؤساء الحكومات. الهجوم عليه حصل فقط لأنه تجرأ على السياسي. وهو هجوم يستهدفه ويستهدف كل قاض قد تسوله نفسه غداً التجرؤ على اي من هؤلاء”.

“فجّروا التحقيق أيضاً”

“كما فجّروا المرفأ في 4 آب، فجّروا التحقيق الآن… إنه انفجار جديد في قلب أهالي الضحايا…”، يقول الناطق الرسمي باسم أهالي ضحايا انفجار المرفأ إبراهيم حطيط لـ”درج”، معتبراً أن تلك الخطوة أعادت التحقيق إلى نقطة الصفر… “القاضي صوّان أنجز عشرة آلاف صفحة في التحقيق، سيستغرق القاضي الجديد الذي سيدرس الملف أكثر من 5 أشهر ليبدأ العمل، وما هذا سوى مماطلة وتمييع للقضية”.

يؤكد حطيط، الذي فقد أخاه في انفجار 4 آب، أنه “غير مؤمن بالقضاء اللبناني المرتهن سياسياً، وأنه وسائر الأهالي مستمرون بالضغط على الأجهزة المعنية والتصعيد في الشارع حتى محاسبة المجرمين”.

التخوّف الحقيقي الذي يجتمع عليه أهالي الضحايا هو تكرار سيناريو القاضي صوّان مع القاضي الآخر الذي سيُكلّف بمتابعة الفساد. فيقول حطيط، “ما الذي يضمن لنا أن القاضي الجديد لن يُقال إذا ما استدعى رؤوساً كبيرة إلى التحقيق؟ أو إذا ما كشف أمراً ما؟… سندور في حلقة مفرغة”.

تخوّف أهالي الضحايا من دوامة المماطلة واضح، إلا أنهم عاجزون حالياً عن اتخاذ أي خطوة للضغط على المعنيين بإعادة الملف إلى القاضي فادي صوّان، خصوصاً أن قرار محكمة التمييز لا يردّ، ولا يمكن حتى الطعن فيه. وبذلك لا يبقى أمامهم سوى “التصعيد لتعيين قاضٍ جديد بأسرع وقت”، وفق ما أكّدوه لـ”درج”.

استدعوه إلى الموت!

صورة لرجل الإطفاء جو نون وهو يحاول فتح باب العنبر رقم 12 لإطفاء الحريق قبل وقوع الانفجار.

“فقدت أخي بأبشع طريقة… بقينا 8 أيام نبحث عن أشلائه في المرفأ، والآن قتلوه مرّة أخرى… أستغرب هذا البلد الذي يُقتل فيه الفرد مرة واثنتين وثلاثاً”، يقول وليام نون، وهو أخ رجل الإطفاء جو نون الذي انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يفتح باب العنبر رقم 12، حيث كانت مادة نترات الأمونيوم مخزنة.

يتذكّر وليام أخاه وبدلته الحمراء التي كان يرتديها في ذلك اليوم، ويقول، “أخي كان بعيداً من الموت، هم استدعوه إلى هناك ليطفئ الحريق، لقد قالوا له تعال لتموت…”.

يرى وليام أن “خطة سحب الملف من القاضي صوّان هي خطوة سياسية بحتة، وما الخاسر فيها إلا أهالي الضحايا”. إلا أنه يؤكد أن هدفه الحالي الوحيد هو محاسبة المسؤول عن الجريمة، “المعركة طويلة أعرف، وأتوقّع كل السيناريوات السيئة، ولكن ما الذي سيحصل أسوأ من انفجارٍ مهول أفقدني شقيقي؟ أنا مستمر في معركتي حتى الرمق الأخير”.

“اعذروني، نائم من الإحباط”… قال الشاب محمد اسكندر عندما حاول فريق “درج” التواصل معه لأكثر من مرّة ولم يجب.

محمد الذي فقد ابن عمّه حمزة، الذي أمضى معه كل مراحل حياته وفق ما يقول، يرفض أن يوصف ما يشعر به بالاستسلام… “إنه الواقع”، يقول.

ويضيف، “منذ 4 آب وأنا أعلم أن تبيان حقيقة مسار التحقيق هو حلم. لقد أصبح ذلك حلماً من أحلام الانتفاضة التي جمعتنا يوماً ما… القاضي صوّان أو غيره، لن نصل إلى نتيجة في ظل قضاء مسيّس وخاضع… حق حمزة ضائع!”.  

تضييقات فعناد فتنحية

ادعى صوان في 10 كانون الأول/ ديسمبر على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، هم وزير المالية السابق علي حسن خليل ووزيرا الأشغال السابقان غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، إلا أن أحداً منهم لم يمثل أمامه في جلسات حدّدها لاستجوابهم كـ”مدعى عليهم”. وأثار الادعاء على المسؤولين الأربعة اعتراض معظم الجهات السياسية التي شعرت بأن خطر ظهور الحقيقة قد يكون قريباً.

وتقدّم زعيتر وخليل المقربان من رئيس البرلمان نبيه بري، إثر ذلك، بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طلبا فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر، بعدما اتهما صوان بخرق الدستور بادعائه على وزيرين سابقين ونائبين في البرلمان، بينما يتمتع هؤلاء بحصانة دستورية ويفترض أن تمرّ ملاحقتهما بمجلس النواب. ووفق المعلومات المتوافرة، حجة عزل صوان الآن، هي أن المحكمة اعتبرت أن “ارتياب” الوزيرين في “حياد المحقق العدلي” مشروع كونه من المتضررين من الانفجار بعد تعرّض منزله لأضرار، ما يضر بموضوعيته خلال سير التحقيقات.

علّق صوان التحقيقات نحو شهرين قبل أن يستأنفها راهناً، بعدما أعادت محكمة التمييز الملف إليه في انتظار البتّ في طلب الوزيرين، وحينها صدر القرار بتنحيته.

والجهات السياسية التي ضغطت لإبعاد صوان من القضية، هي نفسها تمارس ضغوطاً لتمييع التحقيق الذي لم يسفر حتى اللحظة عن نتائج ملموسة، على رغم توقيف 25 شخصاً على الأقل، بينهم مسؤولون عن إدارة المرفأ وأمنه.

وبناء على طلب من لبنان، عمّم الانتربول النشرة الحمراء بحق ثلاثة أشخاص أفاد القضاء اللبناني بأنهم مالك السفينة التي نقلت نيترات الأمونيوم وقبطانها والتاجر الذي اشترى حمولتها.

وكان صوان سطّر استنابات إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية طلب بموجبها تبيان كامل هويات ثلاثة رجال أعمال سوريين يحملون أيضاً الجنسية الروسية، والتثبت من امتلاكهم مكان إقامة في لبنان تمهيداً لاستدعائهم إلى التحقيق، بعد تقارير إعلامية أفادت عن وقوفهم خلف صفقة شراء شحنة نيترات الأمونيوم من جورجيا بواسطة شركة يُعتقد أنها وهمية مقرها بريطانيا. أما الآن وقد استبعد صوان بعد أشهر من بدء التحقيق، فسيكون على القاضي المفترض تضييع أشهر جديدة في دراسة الملف وفهمه، هذا في حال تمّ تعيينه.

في دراسة حديثة لـ”المؤسسة الدولية للمعلومات”، تبيّن أن 220 اغتيالاً أو محاولة اغتيال في لبنان حصلت بين عامي 1943 و2021، والفاعل فيها ما زال مجهولاً. الآن تمكن إضافة جريمة المرفأ كمحاولة لاغتيال الشعب اللبناني، فاعلها يشرب قهوته بسلام الآن، فيما يقرأ هذا التحقيق ويضحك ضحكة القاتل المنتصر على العدالة… لكن ليس إلى وقت طويل يا حضرة القاتل.

إقرأوا أيضاً: