fbpx

كيف قتل الجيش الاسرائيلي فلسطينيا اعزلا وصور الجريمة بأن الضحية “ارهابي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بضعة مئات من الأمتار هي ما تفصل بين الأب المكلوم والشخص الذي قتل ابنه. الآن، في تلك اللحظة تحديداً، يصل شاب من القرية ليقول إنه رأى مُطلق النيران ثانية يقود سيارته الرباعية على مسافة ليست ببعيدة، وهو مسلحٌ ببندقية، هي ذاتها التي قتلت بلا شكٍ خالد، ابن ماهر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
الضحية خالد ابن ماهر وقربه طفله “يوسف”

من سطح منزل أخيه المجاور لمنزله، أشار ماهر نوفل إلى البؤرة الاستيطانية العشوائية (غير مصرح بها) المُقامة على أرض عائلته الممتدة على منحدرات التلال في الجهة المقابلة. يعيش في تلك الجهة، في ذاك الكوخ الخشبي القريب، الرجل الذي أطلق الرصاص على ابن ماهر وأرداه قتيلاً. تفصل مئات قليلة من الأمتار فحسب بين ذاك الكوخ وحظائر الأغنام حوله التي شيدت بصورة غير قانونية على أرضٍ تعود لشقيقة نوفل، وبين منزله في قرية رأس كركر، الواقعة شمال غرب رام الله. 

فقط بضعة مئات من الأمتار هي ما تفصل بين الأب المكلوم والشخص الذي قتل ابنه. الآن، في تلك اللحظة تحديداً، يصل شاب من القرية ليقول إنه رأى مُطلق النيران ثانية يقود سيارته الرباعية على مسافة ليست ببعيدة، وهو مسلحٌ ببندقية، هي ذاتها التي قتلت بلا شكٍ خالد، ابن ماهر. لم تُصادر تلك البندقية، ولم توجه أيّ تهم للمستوطن الذي أطلق الرصاص منها.

في إحدى المرات، صودرت البندقية التي يمتلكها ذلك المستوطن، وهو مزارع اسمه إيتان زئيف يعيش في بؤرة سديه إفرايم الاستيطانية ويُزعم أنه من أطلق الرصاص على خالد. كان ذلك في أواخر أغسطس/آب، عندما أصاب بنيرانها فلسطيني من قرية “بديا”. وفي سبتمبر/أيلول، وُجهت إلى زئيف تهمة التسبب في إصابة خطيرة في ظل ظروف مشددة، وهو اتهام نادر للغاية ومن الصعب تخيله خاصة عندما يتعلق الأمر بأعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون، وهذا يدل على مدى خطورة فعلته، لكن بعد ذلك أُطلق سراحه ولم تبدأ محاكمته إلى الآن. وقد تدخل قائد لواء بنيامين في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يفتاخ نوركين، من أجل إعادة البندقية إلى زئيف، المستوطن مطلق النيران، بل وعلى نحو غريب ومثير للغضب قدم إفادة إيجابية حول شخصيته نظرتها المحكمة في الخريف الماضي. 

لكن في نهاية المطاف، لم تُعاد البندقية إلى مالكها، رغم جهود قائد اللواء، نصير المستوطنين.

في ساعة مبكرة من فجر الجمعة (5 فبراير/شباط)، أطلق زئيف النيران على فلسطيني آخر. لكنه في تلك المرة أرداه قتيلاً. يقال إن البندقية تعود إلى زوجته أو أحد العاملين لديه. تُظهر لنا أسرة القتيل صورة يظهر فيها زئيف وهو يتسلم شهادة تقدير من يوسي داغان، رئيس مجلس شمرون الإقليمي، نظير تصرفه “الشجاع” المتمثل في إطلاق النيران على فلسطيني الصيف الماضي، وهي المرة التي يحاكم بسببها. وبالطبع سوف يتسلم عما قريب شهادة تقدير أخرى.

ماهر يشير الى المستوطنة

لن نعرف أبداً ما الذي حدث تحديداً في الساعات الأولى من صباح الجمعة 5 فبراير/شباط عند مدخل بيت إيتان رئيف في بؤرة سديه إفرايم الاستيطانية غير القانونية. هرع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى إصدار روايته الخاصة عن الحادثة مثلما نقلها مطلق النيران ومن يعملون لديه في مزرعته إلى الجيش، قائلاً: “يُشير تحقيق أولي في موقع الحادثة أنه في الساعة 3:45 صباحاً توجه إرهابي يقود سيارته بسرعة إلى عمق أراضي مزرعة سديه إفرايم وعبر المزرعة بأكملها ليوقف سيارته في النهاية عند مدخل بيت صاحب المزرعة مباشرة. ثم خرج الإرهابي من السيارة وركض صوب منزل صاحب المزرعة وهو يصيح ‘الله أكبر’ محاولاً اختراق الباب، الذي كان مغلقاً. في تلك اللحظة، شاهد حارس المزرعة الإرهابي وبدأ ينادي على باقي الحراس النائمين في موقع قريب. واصل الإرهابي ركضه نحو حارس المزرعة، الأعزل، وهاجمه وتشاجر معه. لذا قام حارس آخر بتصفية الإرهابي بسلاحه، بالاشتراك مع صاحب المزرعة الذي خرج من بيته حاملاً سلاحاً أيضاً. ثم فتش خبراء المتفجرات جثة الإرهابي وسيارته، ولم يُعثر على سلاح مع الإرهابي”.

بعد ذلك بالطبع، لم تعد ثمة حاجة للتحقيق في أيّ شيء: فقد سرد من ارتكبوا جريمة القتل روايتهم، وهذا كافي. لكن توجد أسئلة ملحة لا تزال تطرح نفسها على نحوٍ مضطرب: ما الذي كان يفعله محاسب شاب يعمل في وزارة المالية الفلسطينية -متزوج وأب لطفل وكان على وشك الانتقال إلى شقة جديدة مع عائلته- في تلك البؤرة الاستيطانية في جوف الليل؟ ما الذي كان ينوي فعله هناك؟ وهل كان من الضروري قتله رغم أنه لم يكن مسلحاً بل وفي الواقع لم يُعرض أيّ شخص في المزرعة للخطر؟ ستظل هذه الأسئلة دون إجابة للأبد.

تريد أسرة الفقيد، المجتمعة في عمارة سكنية كبيرة في قرية رأس كركر، استعادة جثمان فقيدهم لدفنه على أقل تقدير، لكن ترفض السلطات الإسرائيلية كعادتها إعادتها. عمِل الأب ماهر نوفل، وهو مقاول في أعمال الصيانة والكهرباء يبلغ من العمر 61 عاماً، طوال حياته في إسرائيل والمستوطنات، كان آخرها مستوطنة حشمونائيم. يتهدج صوت الأب أحياناً عندما يتكلم.

تخرج خالد ذو الـ34 ربيعاً من جامعة بيرزيت في اختصاص المحاسبة، ولديه شقيقان محاميان. وقد عمِل في مديرية ضريبة الأملاك التابعة لوزارة المالية الفلسطينية في رام الله. كان خالد متزوجاً من سوزان نوفل، وهي معمارية في الثلاثينيات من عمرها أيضاً ومولودة في الأردن لكنها انتقلت للعيش في الأراضي الفلسطينية. لدى الزوجان طفل واحد في الخامسة من عمره اسمه يوسف. يظهر الأب وابنه الصغير في صورة عائلية وهما يرتديان بدلات رسمية. منذ تفشي وباء كورونا، والأم والطفل يعيشان في عمان مع عائلة سوزان، والآن ليس في إمكانها العودة إلى القرية بعد إغلاق جسر الملك حسين نتيجة القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا. 

يخبرنا ماهر أنه في يوم الخميس (4 فبراير/شباط)، كان خالد في مكتبه برام الله كالمعتاد، ثم توجه بعد ذلك إلى ورشة محلية لإصلاح سيارته. وعند الظهيرة عاد إلى المنزل وتناول الغداء مع والديه. واتفق ماهر مع ابنه على الذهاب إلى رام الله في اليوم التالي، الجمعة، لرؤية الشقة الجديدة التي كان ينوي خالد الانتقال إليها. 

أراد خالد الانتقال إلى الشقة التي تمتلكها العائلة لكي يكون أقرب إلى مكان عمله. قال ماهر أنه كان ينوي مساعدة خالد في إجراء بضعة إصلاحات وتجديدات أخيرة قبل الانتقال. وخطط يوم الجمعة أن يقوم بتركيب الغاز وتوصيل دُشّ الاستحمام. وقد تم بالفعل نقل معظم الأثاث والأشياء الأخرى إلى الشقة في رام الله. أخبر خالد والده أنه طلب أيضاً من شركة تنظيف أن تأتي يوم الجمعة لتجهيز الشقة للانتقال. وقالت والدة خالد، ابتسام التي تبلغ من العمر 56 عاماً، أنها كانت تنوي الذهاب معهم إلى الشقة وقد أعدت بالفعل الطعام لأخذه معها. ثم شاهدوا التلفاز وخلد ماهر للنوم. لم يدر أنه لن يرى ابنه ثانيةً.

في الساعة 6 صباحاً استيقظ ماهر على أصوات طرق عنيفة على الباب، وسرعان ما أدرك أنها قوات الجيش. طلب الجنود رؤية بطاقة هويته الشخصية وأرادوا معرفة مكان خالد. كان ماهر واثقاً من أن ابنه نائماً في شقة الطابق الأول، التي تعلو الشقة التي يعيش فيها الوالدين. طلب منه الجنود التحدث عبر الهاتف إلى رجل أمن من جهاز الشاباك الذي طرح عليه بعض الأسئلة عن خالد. ولم يخبره أحد بما حدث.

وصف ماهر تلك اللحظة قائلاً “يوقظونك في الصباح الباكر وتندفع كافة الأفكار إلى ذهنك، لكنني لم أفهم ما حدث حينها. فقد أصابتني الحيرة والاضطراب، وعندما سألوا عن خالد، أدركت أن شيئاً ما قد حدث له”. بعد ذلك لاحظ ماهر أن سيارة خالد، وهي من طراز أوبل كورسا موديل 2007 لونها فضي لامع، لم تكن في المكان المخصص لها. كان متأكداً من أن خالد ذهب إلى الشقة الجديدة خلال الليل. يقول والده الآن إن “خالد شخص بيتوتي. لذا اعتقدت أنه إما هنا في منزل العائلة أو في شقته الجديدة”.

اقتاد الجنود ماهر إلى برج المراقبة العسكري عند مدخل القرية، وهناك كان “النقيب” في جهاز الشاباك الذي تحدث مع ماهر على الهاتف في انتظاره، وأراه الرجل على هاتفه الخلوي صوراً لسيارة خالد وحذائه وسترته وقميصه. لم يتعرف ماهر على القميص والحذاء. أخبره رجل الأمن أن السيارة تم العثور عليها في مستوطنة “سديه افرايم”، لكن خالد لم يتم تحديد مكانه بعد. أطلق النقيب في جهاز الأمن سراح ماهر، وقال إنه سيتصل به حالَمَا يعرف مكان خالد.

إقرأوا أيضاً:

لم يتصل حتى يومنا هذا.

عاد ماهر إلى منزله وبعد فترة قصيرة تلقى اتصالاً من السلطة الفلسطينية، قالوا فيه: إن ابنك قتل بالقرب من الريسان، وهو الاسم الفلسطيني للمنطقة التي تقع فيها مستوطنة “سديه افرايم”. علم ماهر من وسائل الإعلام الإسرائيلية أن ابنه دخل المستوطنة أعزلاً لا يحمل أي سلاح، وربما حتى حافي القدمين وفقاً لإحدى الروايات، وأُطلق عليه النار وقتل هناك.

تتناثر العديد من البؤر الاستيطانية الهمجية في منطقة التلال حول قرية راس كركر، فتجد كوخ مبني هنا وكوخ مبني هناك بطريقة غير منسقة. هذا ما تبدو عليه منطقة مستوطنة طلمون وما يتبعها. ووفقاً لما ذكره ماهر، فإن إسرائيل تتعمد إحضار المجرمين للعيش هناك، من أجل إثارة الوقيعة بينهم وبين الفلسطينيين. مضيفاً “أنهم مثل اللغم الأرضي الذي أحضرتموه [أنتم الإسرائيليون] إلى هنا حتى نخطو عليه وننفجر. فأنتم تحضرون الحُثالة إلى الأراضي الفلسطينية. لقد حولتم المنطقة إلى مكب نفايات. والشخص الذي قتل خالد هو مجرم أيضاً”.

يجلس ماهر في منزله متحدثاً إلينا، بينما ما زال يحاول فهم ما حدث لابنه. يقول “لقد فكرت ملياً فيما حدث. إذا صدقت ما يقال في إسرائيل، فإن ابني إما غادر القرية وأراد الذهاب إلى رام الله، وألقى المستوطنون القبض عليه عند نقطة التقاطع وأخذوه عنوةً إلى “سديه افرايم”، أو أنه ذهب إلى هناك بمفرده – وليس لدي أدنى فكرة عن سبب ذهابه. فهو لم يذهب إلى هناك من قبل أبداً، ما الذي دفعه إلى الذهاب الآن؟ لا أحد يجرؤ على الذهاب إلى هناك. لقد أصبحت مشوّش الذهن تماماً. ولا أعرف أي شيء. ولا أفهم ما الذي حدث. فقد درس جميع أولادي، ثلاثة أبناء وبنتان، في الجامعة، وجميعهم متعلمون ومدللون، ولا ينقصنا أي شيء، ولم نتسبب في إثارة المشاكل. لقد عملت أربعين عاماً في إسرائيل، وأنا عضو في مجلس القرية، ولم نواجه أنا وأولادي أي مشاكل قط”.

قبل 22 عاماً، أصيب ماهر نفسه عام 1999 في حادثة طعن حين هاجمه شاب في حي حباد بمدينة اللد. كان لديه شريك عمل يهودي آنذاك، وكان بمثابة أخٍ له، بحسب وصف ماهر. فقد كانا يعملان سوياً في أعمال البناء في ذلك الحي، عندما هاجمه شاب من الخلف وطعنه في صدره. نُقل ماهر على إثرها إلى “مركز أساف هاروفيه الطبي”، كما كان يُسمى آنذاك، وتلقى العلاج في المستشفى؛ فقد أصابت الطعنة رئتيه. وعندما عاد إلى العمل، يروي أن الحي بأكمله جاء لتقديم الاعتذار له. لدرجة أن أحدهم عرض عليه عقد جلسة صلح، وفقاً للتقاليد العربية، إلا أن ماهر قال إنه رفض وتجاوز الأمر. في حين أودع الشخص الذي هاجمه في مستشفى الأمراض العقلية في بلدة بئر يعقوف.

قال ماهر متحدثاً والدموع تنهمر من عينيه لأول مرة، “أنا لا أدري ماذا أقول، أنتم [أيها الإسرائيليون] تعتقدون أننا لسنا بشراً. أنا لا أفهم سوى شيئ واحد في الحياة: مهما كان الإنسان سيظل إنساناً، لا فرق بين كونه عربياً أو يهودياً. لقد سلبتم أرضنا بالقوة، على الأقل لا تقتلوا أطفالنا”.

ثم فتح باب شقة ابنه المغلقة التي كان من المفترض أن ينتقل منها هذا الأسبوع، والتي تكاد تكون خاوية على عروشها إلا من أكوام الملابس الملقاة على الأرض، وصور الطفل الأشقر يوسف وهو يبتسم المعلقة على جدران غرفته المطلية بلون السماء الزرقاء والمزينة برسومات دمى الدببة، لتشهد أن هذا المكان كانت تدبّ فيه الحياة قبل أسبوع مضى من الآن.

جدعون ليفي وأليكس ليفاك

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.