fbpx

الجن الذي قتل إسراء غريب!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“قرار الإفراج عن المتهمين بقدر ما كان صادماً، إلا أنه متوقع في سياق عام تعاني فيه منظومة التشريعات العقابية والحمائية للنساء من ضعف شديد…”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد عام وستة شهور، “الجن” يعترف بمسؤوليته عن مقتل  الشابة إسراء غريب؛ ليظهر الحق ويبرأ شقيقاها وزوج شقيقتها من قتلها ويطلق سراحهم بكفالة 10 آلاف دينار أردني (13 ألف دولار)،  ويتم القبض على “الجني الشرير” الذي اتهمته العائلة إنه في داخل إسراء، وكل ما قاموا به محاولة لإنقاذها وإخراجه من داخلها، ولكن الجن رفض وقتلها.

تبدو هذه المقاربة وجهاً ساخراً ضرورياً من جريمة قتل الشابة الفلسطينية إسراء غريب وهي جريمة يبدو أن فصولها مستمرة. 

ففي آب/ أغسطس 2019  قتلت إسراء غريب على يد شقيقيها وزوج شقيقتها بالضرب المفضي إلى الموت، وفقاً للائحة الاتهام التي قدمتها النيابة العامة. تعرضت الفتاة لعنف جسدي ونفسي وأعمال شعوذة بحجة أنها تعاني  “مساً من الجن”، وانتشر فيديو صرخاتها على مواقع السوشيال ميديا من داخل مستشفى في بيت لحم، في ما يوحي أنها تتعرض للضرب، لاحقاً سمح الأطباء بعودة إسراء إلى المنزل ثم أعلن عن وفاتها. التحقيقات في حينها تناقضت مع ادعاء العائلة بأن إسراء سقطت من شرفة منزلها، إذ وصلت مصابة بكسر في العمود الفقري وكدمات تدل على تعرضها لعنف شديد.

عاد اسم إسراء غريب إلى واجهة النقاش في كانون الأوّل/ ديسمبر 2020، بعدما أعرب نشطاء عن شكوكهم ومخاوفهم من وجود محاولة لـ”لملمة القضية” و”مساعدة الجناة على الإفلات من العقاب”، مستندين في شكوكهم إلى تقارير كانت تداولتها صفحات مواقع التواصل، وتفيد بأن السلطات تنوي الإفراج عن المتهمين بعدما طالب أهاليهم بمحاكمتهم طلقاء وإلا سيقومون بتنفيذ “إضراب جماعي” وهذا ما حصل بالفعل فصدر في شهر شباط/ فبراير قرار الإفراج، بعد مطالبات متعددة من محامي المتهمين بالإفراج عنهم مع استمرار جلسات المحاكمة وهم طلقاء.

يقول المستشار القانوني في مركز “شمس” لحقوق الإنسان، محمد النجار: “قرار الإفراج عن المتهمين  بقدر ما كان صادماً، إلا أنه متوقع في سياق عام تعاني فيه منظومة التشريعات العقابية والحمائية للنساء من ضعف شديد وما سبق القرار من شائعات في فترات متفرقة حول نية الإفراج عن المتهمين بقتل الفتاة، يوحي ببالونات اختبار كان يتم التراجع عنها أمام الضغط والغضب الشعبي على عكس هذه المرة”. 

في المناطق الفلسطينية لا تتوافر منظومة تشريعات رادعة تساهم في الحد بشكل فعال من العنف ضد النساء،  فالتشريعات القائمة بحسب النجار قديمة ومتهالكة، “نحن أمام أزمة تشريعات، ولا يمكن إغفال مسؤولية القوى المناهضة لإقرار قانون حماية الأسرة من العنف باستخدام شعارات زائفة لتشويه هذا القانون بالغ الأهمية وتأخير إصداره لسنوات أخرى”.

وهنا تبرز مسألة ضغط الرأي العام في تحرك القضاء وتفعيل آليات المحاسبة، فجريمة قتل اسراء استلزمت نحو أسبوع ليتحرك القضاء بعدما تحولت الى قضية رأي عام وسارت تظاهرات احتجاجية تطالب بالمحاسبة.

اليوم، مع مرور الزمن يبدو وكأن فعالية المحاسبة عادت الى آلياتها التقليدية.

تؤكد المختصة في علم الجريمة وعلم النفس الجنائي، كفاح مناصرة، أن تعامل القضاء في البداية مع قضية إسراء كان إيجابياً، وسمحت للرأي العام متابعة جلسات المحكمة، بالإضافة إلى أن هيئة المحكمة كانت مشكلة من ثلاثة قضاة؛ لكن في آخر أربع جلسات، وقرارات وتغيرات في القضاء الفلسطيني تم تحويلها إلى قاض واحد بدلاً من ثلاثة للنظر في هذا النوع من المحاكم، وتضيف مناصرة: “هذا الأمر خطير جداً في قضية تحقيق العدالة والنظر في قضايا الجنايات، ويعتبر نقطة ضعف لمصلحة الضحايا”.

جرائم قتل النساء إلى ارتفاع

شهدت جرائم قتل النساء تزايداً واضحاً في السنوات الأخيرة، استناداً إلى إحصاءات المراكز النسوية والحقوقية، مع استمرار مسلسل قتل النساء في المجتمع الفلسطيني بوتيرة متصاعدة، وبشكل ملحوظ، فبحسب بيان صادر عن “تحالف أمل لمناهضة العنف” و”منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة“، توزعت جرائم قتل النساء في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) كالتالي: 

تباطؤ القانون

التشريعات والنصوص القانونية في فلسطين متداخلة بسبب اعتمادها على قوانين من العهود العثمانية، والبريطانية، والأردنية، والمصرية، كما أن فلسطين انضمت في العقد الأخير إلى اتفاقيات خاصة بالمرأة آخرها اتفاقية “سيداو”. فقانون الأحوال الشخصية الأردني نافذ في الضفة الغربية، وقانون أحكام العائلة معمول به في قطاع غزَّة، وحتى بعد التعديلات التي أدخلتها السلطة الفلسطينية على القانون لأجل حماية المرأة، فلا يزال القضاء هو المتحكم بإصدار العقوبات التخفيفية.

ثقافة ذكورية سائدة

أنواع عدّة من العنف تتعرض لها النساء الفلسطينيات، لفظية وجسدية ونفسية واقتصادية، وأحياناً يكون الموت هو نهاية المطاف، وبينها قاسم مشترك هو تعرض معظم النساء للتعذيب قبل الوفاة والتعنيف من قبل أحد أفراد أسرتها الذكور، فالنظام الأبوي يتعامل مع المرأة على أنَّها جسد فحسب، متاح لذكور العائلة التصرف به كيفما شاؤوا، فبحسب تقرير المرأة والرجل في فلسطين قضايا وإحصاءات الصادر عام 2020 عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن العنف النفسي ارتفع في إحصاء عام 2019 مقارنةً بإحصاء عام 2011، مع ظهور نوع جديد من العنف وهو العنف الاجتماعي عام 2019.

وبحسب التقرير ذاته، فإن نسبة العنف النفسي هي الأعلى بين صفوف الإناث من عمر 18 إلى 29 سنة ولم يسبق لهن الزواج، ويليه العنف الجسدي، كما أن النساء في قطاع غزة يعانين من عنف أعلى من النساء في الضفة الغربية، إلا أن النسب متقاربة في كلا القطاعين. 


هذه النسب في هذا الجدول هي نسب العنف ضد النساء وحسب، لم توضع نسب الذكور بحسب جدول الإحصاء.

يشير النجار، إلى أن الرجل ينشأ في المجتمعات الذكورية مشبعاً بمفاهيم عن حقه في استخدام العنف كوسيلة للسيطرة على النساء القريبات (الأخت، الزوجة، البنت… إلخ) ويخضع لتربية توهمه أن هذا حقه وواجبه في ممارسة التربية والدفاع عما يسمى “شرف العائلة”. الطرفان بشكل أو بآخر سواء الذكور أو الإناث ضحايا لهذه الضغوط. وعليه لا يمكن عزل جريمة قتل إسراء غريب التي هي حالة من مئات الحالات، على مدار سنوات، عن هذه الخلفية وهذا السياق. ويقول: “للأسف، نحن أمام حالة تكاتفت فيها ظروف العجز والقصور في المنظومة التشريعية، مع الممارسات القضائية الضعيفة، والثقافة العامة المعادية للنساء. وهي منظومة متكاملة تدفع النساء ثمنها بالدم وانتهاك حقهن في الحياة وفي السلامة الجسدية والصحة النفسية”.

تقول مناصرة بصفتها مراقبة في جلسات المحكمة بالنيابة عن حراك “بكفي لمناهضة العنف الأسري”: “إن شقيق إسراء طبيب أسنان وزوج أختها يحمل درجة الماجستير، ونحن لا نتحدث عن أسرة ذات مستوى متدنٍ من التعليم والثقافة، كان عليهم اصطحابها إلى أطباء مختصين لمعالجتها من العنف بدلاً من المشعوذين، كما أن العائلة ما زالت تقدم دفاعاً مستميتاً مستبقاً في كل الشهادات عن زوج شقيقتها وتدافع عنه أكثر من الأبناء وكأن إسراء هي الخصم في هذه القضية والتركيز على حماية المتهمين أكثر من البحث عن تفاصيل تساعد المحكمة على تحقيق العدالة لها”.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!