fbpx

الجزائر… الحراك الشعبي إلى الشارع والسلطة تهادن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن السلطة الجزائرية قد تحسست الخطر وقررت مهادنة الشعب مجدداً، لا سيما في ظل وعيهم بأن محاولات قطع الطريق بالقوة أمام المحتجين في الأيام المقبلة، ستكون لها نتائج عكسية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استبق الجزائريون تاريخ 22 شباط/ فبراير باعتباره الموعد الرسمي للذكرى الثانية للحراك الشعبي الذي شهدته البلاد، وتدفقوا بالآلاف في الـ16 من الشهر ذاته في مدينة خراطة (شرق الجزائر) لإحياء هذه الذكرى باكراً، وإعلان العودة إلى الشارع. 

وعلى رغم الضوابط التي تضعها الدولة بسبب جائحة “كورونا”، إلا أن الجزائريين كسروا القيود ونزلوا بأعداد كبيرة إلى الشارع مكررين الشعارات التي كانوا رفعوها قبل سنتين، والتي تطالب بدولة مدنية ورفض حكم العسكر وحرية التعبير وإطلاق سراح المعتقلين وغيرها من المطالب التي تتقاطع مع ما سبق. تحرك من المرجح أن يتسع ويحرج السلطات في البلاد التي تواجه بدورها أزمة سياسية واقتصادية حادة، وتسابق الزمن من أجل التوصل إلى هدنة مع مواطنيها قبل أن يسكنوا الشوارع ويطالبوا برحيلها.   

قبل سنتين وتحديداً في 16 شباط 2019 تجمع آلاف الجزائريين بشكل تلقائي في مدينة خراطة، داعين إلى تغيير النظام في البلاد، ربما لم يكن متوقعاً حينها أن تتحول هذه الخطوة إلى الشرارة الأولى لحراك شعبي نجح في إزاحة الرئيس السابق بوتفليقة وعدد كبير من حاشيته.

فتدريجاً، ومع إعلان بوتفليقة الترشح لولاية خامسة اتسعت دائرة التحركات وعجزت أجهزة الأمن عن قمع الحراك الشعبي الجزائري، الذي شاركت فيه كل شرائح المجتمع وقطاعاته، من نساء ورجال وشباب وحتى أطفال، وبلغ أوجه في 22 من شباط 2019، ولذلك اعتبر التاريخ الرسمي لانطلاق هذه الانتفاضة. وتمسك الجزائريون بخيار الشارع لأسابيع متتالية للضغط على السلطات للاستجابة لمطالبهم. 

ما بعد بوتفليقة

أدى ضغط الشارع الجزائري إلى سقوط حكم بوتفليقة وإبعاد عدد مهم من حاشيته، ولكن الحراك لم يتوقف حتى بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للبلاد في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وطالبوا برحيله معتبرين أنه رئيس معين وليس منتخباً.

وأمام هذا الوضع، حاولت السلطة مهادنة الشعب الغاضب، وفي خطاب تنصيبه، صرح تبون بأنه منفتح على الحوار مع الحراك وأعلن أن حكومته سترسخ الديموقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وفي الثاني من كانون الثاني/ يناير 2020، أفرِج عن حوالى 70 معتقلاً من الحراك في اليوم الذي عين فيه تبون حكومة جديدة، لكن اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين  (جمعية تعنى بأوضاع متظاهري الحراك المعتقلين) ذكرت أنه قد تم استثناء 80 متظاهراً من عملية الإفراج. 

ولإيهام الشعب بأنها تسير في اتجاه التغيير الذي يتطلع إليه، قامت باستفتاء لصوغ دستور جديد ولكن لم تتجاوز نسبة المشاركة فيه 23 في المئة، إذ حصل الدستور الجديد على تزكية 3.3 ملايين من مجموع 24.3 مليون ناخب. وحدث ذلك بسبب حملة المقاطعة التي أطلقها الجزائريون الذين أدركوا أن وثيقة الدستور الجديدة لن تكون في مستوى تطلعاتهم، وأن لا شيء تغير سوى رحيل بوتفليقة عن سدة الحكم، فيما تستمر السياسة ذاتها والنظام ذاته. وكان القرار هو البقاء في الشارع حتى إجبار الوافدين الجدد إلى السلطة على الاستجابة لمطالبهم.

ولكن جائحة “كورونا” غيرت المخططات وأجبرت نشطاء الحراك على تعليق تحركاتهم في الشارع منعاً لانتشار الوباء، ليتنفس حينها النظام الجديد الصعداء وتتحول اليد الممدودة إلى الشعب يداً مسلطة عليه بخاصة على قادة الحراك ونشطائه الذين تم اعتقالهم وترهيبهم كما فرضت جملة من القيود على التظاهرات بحجة الفايروس ولأسباب أمنية أيضا.

وفي الأول من نيسان/ أبريل 2020 وقع الرئيس تبون مرسوماً بالعفو عن 5037 سجيناً، في محاولة لتقليص عدد نزلاء السجون لمواجهة تفشي “كورونا”، لكن العفو لم يشمل نشطاء الحراك المسجونين. وصدرت أحكام جائرة بحق نشطاء وصحافيين قاموا بتغطية الحراك.

وبحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، فقد أصدرت إحدى محاكم الاستئناف في الجزائر في 15 أيلول/ سبتمبر حكماً بالسجن لمدة عامين بحق الصحافي خالد درارني بسبب تغطيته الحراك الشعبي في البلاد بعدما كان الحكم الأول ثلاث سنوات. 

في 27 نيسان، اعتقل وليد كشيدة مؤسس ومدير الصفحة الساخرة على فايسبوك “حراك ميمز” Hirak Memes، في سطيف واتهم بـ”ازدراء وإهانة رئيس الجمهورية” و”الإساءة إلى المعلوم من الدين”. وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات في 4 كانون الثاني 2021.

في 24 آب/ أغسطس 2020 حكم على عبد الكريم زغيليتش مدير الإذاعة الرقمية “راديو سرباكان”، بالسجن عامين بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية” و”إهانة رئيس الجمهورية”، بسبب تدوينة دعا فيها إلى إنشاء حزب سياسي جديد. استأنف دفاعه الحكم، علماً أن زغيليش مسجون في قسنطينة منذ 23 حزيران/ يونيو من العام ذاته.

في 21 أيلول 2020 منعت وزارة الاتصال قناة “إم6” M6 التلفزيونية الفرنسية من العمل في الجزائر، بعد يوم واحد من بثها فيلماً وثائقياً عن احتجاجات الحراك، بحجة أن طاقم إم6 استخدم “رخصة تصوير مزورة” للتصوير في الجزائر. 

إقرأوا أيضاً:

وذكرت لجنة الإفراج عن المعتقلين أن أكثر من 70 شخصاً ما زالوا في السجن في الجزائر بسبب نشاطهم في الحراك الشعبي بتهم تتعلق في أغلبها بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن على رغم التضييقات، إلا أن نشطاء الحراك الشعبي ما زالوا عازمين على استكمال مسيرتهم التي توقفت بسبب الجائحة. ولهذا بدأت الدعوات  للنزول إلى الشوارع مجدداً بالتزامن مع ذكرى الحراك الموافقة لـ22 شباط تطفو على السطح. 

وكان ائتلاف “نداء 22 فبراير”، الذي يضم عشرات النشطاء والنخب المدنية والنشطاء السياسيين، قد دعا في بيان الجزائريين للنزول بكثافة إلى الشارع لإرغام النظام القائم على الاعتراف بالفشل وتذكيره بأن رحيله أصبح حتمياً وضرورة قصوى لإنقاذ البلاد.

وجاء في البيان: “إن العودة إلى المسيرات الشعبية هي السبيل لإرغام السلطة على إطلاق سراح غير مشروط لكل معتقلي الحراك الشعبي السلمي ومعتقلي الرأي وإعادة الاعتبار إليهم، وتفعيل ممارسة الحقوق والحريات العامة والفردية بشكل فوري، وحل المجال السياسي والإعلامي، واحترام حق التظاهر السلمي، والخضوع الفوري للإرادة الشعبية الداعية إلى تغيير جذري، وانتقال ديموقراطي سلس ومستقل يكرّس السيادة الكاملة للشعب”.

وتأتي الاحتجاجات في وضع صعب بالنسبة إلى السلطة السياسية التي تدرك جيداً أنها لم تكن في مستوى انتظارات الشباب في ظل الارتباك الكبير الذي تواجهه البلاد، وقد زاد حدّة مع الأزمة الصحية للرئيس تبون  وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلال وخيمة على أوضاع البلاد والمواطنين. زد على ذلك حالة الغضب الشعبي الكبير بسبب حملات الاعتقال والتعذيب التي طاولت النشطاء والتي تعارضت مع التطمينات التي قدمتها السلطات في البداية للشباب المحتج. 

ويبدو أن السلطة الجزائرية قد تحسست الخطر وقررت مهادنة الشعب مجدداً، لا سيما في ظل وعيهم بأن محاولات قطع الطريق بالقوة أمام المحتجين في الأيام المقبلة، ستكون لها نتائج عكسية وستدفعهم للتمسك بالشارع بل وبرحيل السلطة. كما أصبح يقيناً لديها أن اللجوء للترهيب بالمؤامرات الخارجية والخطر المحدق بالوطن لم تعد تنطلي على هذا الشعب الذي بات مصراً على محاسبة المسؤولين الفعليين عن الفشل في الداخل، بدل الانشغال بأعداء وهميين من الخارج لا ملامح ولا أسماء لهم. 

“قرار إجراء انتخابات تشريعية مسبقة هي مجرد تكملة واستمرار لخارطة الطريق التي بدأت مع الانتخابات الرئاسية التي نظمت في كانون الأول 2019”.

إصلاحات عشية الاحتجاجات

ولهذا سارع الرئيس تبون عشية خروج الجزائريين للتظاهر وأطلق مشاورات سياسية مع عدد من الأحزاب للنقاش حول الوضع العام في البلاد. والجمعة 18 شباط أقر جملة من الإجراءات السياسية لاحتواء موجة الغضب المتفاقم، فأعلن عن حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة، وعزمه على إجراء تعديل حكومي، بسبب عجز بعض الوزراء عن تأدية مهماتهم ويشمل القطاعات التي يشعر المواطن بنقص في تأديتها مهماتها وحل مشكلات المواطنين.

يجوز لرئيس الجمهورية بحسب الدستور الجزائري أن يقرر حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة على أن تُجرى في أجل أقصاه ثلاثة أشهر. ووعد الرئيس بأن يكون للشباب وزن سياسي، مؤكداً أن الحكومة ستتكفل بجزء من الحملات الانتخابية للمرشحين الشباب.

كما قرر تبون عفواً رئاسياً عما يقارب 60 موقوفاً من نشطاء الحراك الشعبي، بينهم 30 ناشطاً تقرر إخلاء سبيلهم فوراً، بينما ينتظر استكمال التحريات وصدور الأحكام النهائية على الـ30 المتبقين.

وبهذا العفو يكون الرئيس تبون قد قام بخطوة لتهدئة الشعب، واستدراجه للانخراط في مسار انتخابي جديد بتصورات وعناوين جديدة وطرح قانون انتخابي جديد مازال قيد المناقشة.

ولكن من غير المرجح أن تنطلي هذه التحركات بما فيها فكرة الإفراج عن الموقوفين على الجزائريين وهم الذين جربوا ذات النظام قبل أشهر قليلة وشاهدوا وعاينوا كيف تنكث الوعود ويستهدف النشطاء. ولا يبدو أنهم سيتراجعون عن خيار الشارع حتى يتأكدوا أن الوعود سترى النور هذه المرة. 

الناشطة والمحللة السياسية الجزائرية لويزة آيت حمداش شككت في جدية القرارات الأخيرة التي أقدمت عليها رئاسة الجمهورية معتبرة أنها تأتي في سياق كسب الوقت والشارع من دون تحقيق تغييرات حقيقية.

وقالت لـ”درج” ،”قرار إجراء انتخابات تشريعية مسبقة هي مجرد تكملة واستمرار لخارطة الطريق التي بدأت مع الانتخابات الرئاسية التي نظمت في كانون الأول 2019. وهذا المسار يرمي إلى استحضار آليات النظام الديموقراطي وتجنيدها من أجل كبح التغيير السياسي الحقيقي. بعبارة أخرى الهدف هو الرجوع التدريجي إلى مرحلة ما قبل 2019، من طريق إنتاج طبقة سياسية تضمن الاستمرارية بطرائق لينة. أما عملية الإفراج عن معتقلي الرأي فهي تأتي في إطار الاستثمار في الوسائل اللينة كمرحلة أولى وهي خطوة تدل على شيئين. الأول أن السلطة متخوفة من رجوع المسيرات الشعبية، على رغم حملات الترويع والتخوين والقمع، والثاني يتعلق بوضع السلطة الفضائية التي اتضح تماماً أنها تشهد تدهوراً كبيراً في ظل خضوعها المتزايد للسلطة التنفيذية وهو ما يبيح القول إن هذا الإفراج لا يمنع عودة الاعتقالات من جديد”.

أزمة الثقة حالياً لا تزال كبيرة جداً بين جميع الأطراف والفاعلين السياسيين الذين يقتربون من السلطة يعرفون انتقادات شرسة واتهامات على أنهم يحاولون التموقع لأغراض سياسية قريبة المدى على حساب المطالب الشعبية بعيدة المدى. ولهذا تعتقد حمداش أن البلاد مفتوحة على ثلاثة سيناريوات ممكنة في الفترة المقبلة. 

وتوضح أن “السيناريو الأول هو استمرار الوضع القائم أي حالة عدم الاستقطاب بدون أن ينتصر أي طرف على الآخر واستمرار حالة الجمود والحذر والتأهب بين جميع الأطراف (السلطة والمعارضة والحراك). ثانياً توجه السلطة نحو سياسة قمعية من أجل الفضاء على الحراك بالقوة في محاكاة للسيناريو المصري وفرض رؤاها وسياستها. وثالثاً وهو الأكثر واقعية، إدراك السلطة أن تكلفة الوضع القائم كبيرة وتكلفة الاتجاه نحو القمع أكبر بكثير. وعليه تتوجه نحو الانفتاح على المعارضة والحراك الشعبي من أجل الذهاب نحو انتقال ديموقراطي تفاوضي تدريجي”.

وفضلاً عن الوضع السياسي الدقيق في الفترة الراهنة في الجزائر، فإن الأزمة الاقتصادية تلقي هي الأخرى بظلال وخيمة على المشهد بل وهي ضمن المحركات الكبرى لشباب الحراك، لا سيما في ظل عدم وجود مؤشرات انفراجة قريبة.

إذ حذرت وكالة “بلومبرغ” الاقتصاد الجزائري من المزيد من الركود في ظل الانهيار غير المسبوق في أسعار النفط. وقالت إن الجزائر تواجه واحداً من أعنف التحديات الاقتصادية، وأشارت إلى أن الاقتصاد المقدر حجمه بـ 173 مليار دولار وغير المثقل بعبء الديون الخارجية سيواجه تحديات كبيرة بسبب اجتماع ثلاث أزمات اقتصادية وسياسية وصحية. وتحتاج الجزائر التي كانت تشتري السلم الاجتماعي بعائدات الغاز والنفط اليوم إلى سعر نفط يزيد عن 157 دولاراً للبرميل من أجل تحقيق التوازن في الميزانية، والحال أن سعر البرميل لا يتجاوز الـ60 دولاراً حالياً.

ويذكر أن الاقتصاد الجزائري يعتمد بنسبة تتجاوز 90 في المئة على عائدات النفط.

صندوق النقد الدولي توقع هو الآخر أن ينكمش الاقتصاد الجزائري بنسبة 5.2 في المئة عام 2020، ما يرفع نسبة البطالة إلى أكثر من 15 في المئة.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!