fbpx

سِجال العلاقات الخاصة في المغرب: “الحريات لا تتجزأ”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هذه المرأة كانت ضحية مزدوجة للاستغلال الجنسي، إذ صُوِّرت من دون علمها، ثم صدر حكم بحقها”… لامست هذه القضية مسألة إدانة الجسد وممارسة الوصاية الأخلاقوية على الأفراد والتجسس على حياتهم الخاصة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أُفْرِجَ عن هناء. السيدة التي وُصِمَت قبل شهور على السوشيل ميديا بـ”مولات الخمار” (سيدة الخمار). الآن، لم يعد لديها مجال للظهور أمام وسائل الإعلام. لم تعبر عن مشاعرها، ولا عن انطباعاتها، ولا عن أي شيء. اختفت وانسحبت في صمت. كان المقطع الجنسي الذي كشف عن وجهها كفيلاً لاغتيالها معنوياً، بعدما سربه صديقها السابق ونشره. ثم انتشر كالنار في الهشيم في منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإباحية.

الحادثة، خلّفت إدانة جمعية للسيدة أكثر من صديقها، فمعظم المتابعين نصبوا أنفسهم قضاة عليها وكان الحكم جاهزاً: “إنها مجرمة وجزاءها العقاب الإلهي أولاً، والسجن ثانياً”. لم يتوقف أحد عند حقيقة أن هناء هي التي تعرضت للانتهاك وتم خرق حياتها الخاصة وتعريض أمنها وسلامتها للخطر في مجتمع وثقافة لا يتسامحان مع العلاقات الحرة.

وفعلاً، وجد القانون وجزء كبير من المجتمع في هناء ضالتهما فلوحقت اجتماعياً وقانونياً، ومن دون انتظار، نُفذَ الحكم على هناء شهراً بالحبس خلال كانون الثاني/ يناير الماضي، بعدما صدر من محكمة تطوان في شمال المغرب، أما صديقها السابق المقيم حالياً خارج المغرب والذي ظهر معها في الفيديو، فصدرت مذكرة توقيف في حقه.

“هذه المرأة كانت ضحية مزدوجة للاستغلال الجنسي، إذ صُوِّرت من دون علمها، ثم صدر حكم بحقها” يقول ائتلاف “خارجة عن القانون”.

لامست هذه القضية مسألة إدانة الجسد وممارسة الوصاية الأخلاقوية على الأفراد والتجسس على حياتهم الخاصة، وممارسة العنف والتنمر الرقميين باسم الدين والأخلاق

وأفاد بيان الائتلاف بأن هناء تعيش ظروفاً اجتماعية “جد هشة”، إذ “تعرضت للاستغلال الجنسي لأغراض بورنوغرافية من قبل صاحب فيديو، الذي صوّرها من دون علمها، وقرر بعد سنوات نشر الفيديو من دون موافقتها. واليوم تجد نفسها في السجن بينما مرتكب الجريمة حر”.

لامست هذه القضية مسألة إدانة الجسد وممارسة الوصاية الأخلاقوية على الأفراد والتجسس على حياتهم الخاصة، وممارسة العنف والتنمر الرقميين باسم الدين والأخلاق. وما يتبع ذلك من متابعات أمنية وقضائية تتم بموجب الفصل 490 من القانون الجنائي، إذ ينص على أن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا يربطهما زواج تعتبر بمثابة “جريمة فساد”. وهو النص التشريعي الذي سجنت بسببه هناء وغيرها أيضاً، وقد وصل تعدادهم إلى 15 ألفاً و192 مغربياً ومغربية خلال عام 2019.

وكان بروز قضية هناء على السطح دافعاً محفزاً لمطالبة أصوات مدنية مدافعة عن الحريات الفردية بإلغاء الفصل 490، أبزرها حملة ائتلاف “خارجة عن القانون” في الفضاء الإلكتروني، التي أثارت سجالاً محموماً بين فريق يُقبل عليها، وآخر يرفضها لأسباب أيديولوجية، أو يتحفظ عليها ويعتبرها مجرد حملة عابرة ومناسباتية ليس إلا.

“حملتنا ليست مناسباتية”

“حملتنا ليست مناسباتية، ففي كل مرة نواجه قصصاً مقلقة، واعتصامنا الرقمي جاء كشكل احتجاجي بالتزامن مع مغادرة هناء السجن. أما حضورنا فلم يكن وليد هذا الحدث فحسب، بل بدأ قبل سنوات”، تقول كريمة نادر، عضوة في ائتلاف “خارجة عن القانون”.

وتؤكد نادر لـ”درج” أن اختيار توقيت هذه الحملة جاء كرسالة للتعبير عن تجديد الأعضاء المطالبة بإلغاء الفصل 490، لما يحملها من قمع ووصم اجتماعي وتدخل في الحياة الشخصية، لا سيما بالنسبة إلى النساء.

إقرأوا أيضاً:

“الحريات لا تتجزأ”

في الشارع كما في العالم الافتراضي، يدور سجال بين المغاربة حول أهمية هذه الحملة، إذ يراها فريق محافظ تقليدي تكريساً لـ”ثقافة دخيلة” على قيم المغاربة يطبعها “الانحلال الأخلاقي”، ويعتبر أن المطالبة بإلغاء هذا القانون “ليست أولوية” ولم يحن دور المطالبة بهذه الحريات بعد.

بيد أن نادر وسواها ممن يطالبون بتحرير علاقات المغاربة من رقابة السلطة الأمنية وحراسة المجتمع يقولون إن إلغاء الفصل 490 ليس ترفاً، ولا ضرباً من الانفلات الأخلاقي. المسألة مرتبطة بفكرة أن الحقوق لا تتجزأ ولا تمكن المفاضلة بينها.

“عندما يخرج المحتجون إلى الشوارع يصدحون عالياً بشعارات الحرية والعدالة والكرامة، لا يميزون في ما بينها، هذه الحقوق يطلبونها كلها على قدم المساواة . الحقوق كلٌّ لا يجتزأ. لذا، لا يمكن أن نختار بعضاً منها الآن، ونترك البعض الآخر إلى يوم آخر”، تقول نادر لـ”درج”.

“حملتنا ليست مناسباتية، ففي كل مرة نواجه قصصاً مقلقة، واعتصامنا الرقمي جاء كشكل احتجاجي بالتزامن مع مغادرة هناء السجن. أما حضورنا فلم يكن وليد هذا الحدث فحسب، بل بدأ قبل سنوات”  

يحضر استنتاج جاهز لدى قطاع مهم من المغاربة بأن إلغاء هذا الفصل سيساهم في تنامي ظواهر اجتماعية، من قبيل “الأطفال المتخلى عنهم”، و”الأمهات العازبات”. لذا يبررون في محاججتهم على إبقاء هذا الفصل بكونه رادعاً “أخلاقياً” لكل “انفلات”.

وتوضح نادر لـ”درج”: “على رغم وجود قوانين رادعة للإجهاض والجنس خارج إطار الزواج، إلا أن هذه الأمور تزايدت، فحالات الإجهاض السري تترواح ما بين 600 و800 يومياً. أما الأطفال المتخلى عنهم فبالعشرات يومياً. هذا كله نتاج غياب التربية الجنسية الجادة وغياب الوعي المجتمعي ومجموعة من الأمور الأخرى المركبة”.

في هذا السياق، ترى نادر أن الطريق الأسلم للتخفيف من هذه الإفرازات والظواهر الاجتماعية، يلزمه إلغاء الفصول المجرمة للحريات الفردية المرتبطة بالفصل 490 كتجريم الإجهاض، الذي تطالب بقوننته. 

“قانون يتعارض مع الإسلام”

تعالت الأصوات المناهضة لحملة إلغاء الفصل 490، مشيرةً إلى أنها تدعو إلى “الزنا” و”تعادي شرع الله وتعاليمه” التي أنزلها قبل قرون مضت على المؤمنين. لكن هذا الطرح ليس مقنعاً لأحد، فحتى دعاة الفقه الإصلاحي يرون أن الفصل 490 “أكثر تشدداً من الدين”.

يشرح النص الديني بوضوح وجوب حضور شهادة أربعة شهود عاينوا الممارسة الجنسية بشكل كامل ودقيق بين رجل وامرأة. في هذا السياق، يرى الباحث في الدراسات الإسلامية عبد الوهاب رفيقي أن الشروط التي فرضها الإسلام لإثبات الزنا كان الهدف منها “عدم اقتحام بيوت الناس” والتجسس عليها، مؤكداً أن التاريخ الإسلامي لم يسجل أي واقعةِ زنا بأربعة شهود طيلة 15 قرناً، “وهذا يعني أنه حتى من المنطلق الفقهي حماية الفضاءات الخاصة أمر مسلّم به”.

تتفق أسماء المرابط، الباحثة في الفقه الإسلامي، والمعروفة بآرائها الإصلاحية مع طرح رفيقي، وتؤكد أن الإسلام أدان العلاقات الجنسية الرضائية، لكنه في الوقت ذاته أمر بـ”ستر” الحياة الخاصة للأفراد”، وترى الباحثة أن “احترام التحريم الديني أو رفضه يظل مسألة إيمانية وقناعات أخلاقية شخصية”، لأن -بحسبها- “الله وحده القاضي”، وبالتالي “لا ينبغي للقوانين أن تقاضي البشر، بل أن تنزع نحو التحكيم العادل، وتحمي خصوصية الناس لا التشهير بهم”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.