fbpx

ايران من الشاهنشاهية البهلوية إلى الشاهنشاهية الدينية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم أن الحياة، في الحقبة الشاهنشاهية البهلوية لم تكن مثالية بأي شكل، إلا أن أربعة عقود من الشاهنشاهية الدينية، جعلت غالبية الإيرانيين يطمحون للعودة إلى تلك الحقبة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“الأطياف السياسية الدينية، التي أسست الجمهورية الإسلامية في إيران، عقب سقوط الملكية البهلوية، وبعد تمكنها من سرقة الثورة، لم تكن معنية بالحريات ولا بحقوق الإنسان ولا بالقيم الإنسانية”.

هذا الرأي يلفت إليه الباحث والمحلل السياسي الإيراني آراز تبريزي الذي عايش تبدلات الوضع الإيراني خلال العقود التي أعقبت الثورة الإسلامية التي أطلقها روح الله الخميني والتي يحي النظام الإيراني ذكراها في هذه الأيام. 

الدستور الإسلامي، الذي سنه رجال الدين لضمان استمرارية حكمهم، يكرس الفساد من جهة ومن جهة أخرى يحول دون تحقيق العدالة.

يعتقد آرازي أن هذا القدر من العداوات السياسية والفساد والانهيار الاقتصادي، الذي تسببت به الجمهورية الإسلامية، دفع الشعب الإيراني إلى التيقن أن ثورته، لم تكن إلا خطأ حضارياً في تاريخ إيران المعاصر، ويلفت إلى أن الإيرانيين بعد 42 سنة على انتصار الثورة، بات يراودهم الحنين إلى أيام الملكية، إذ إنهم برغم اعترافهم، بأن عهد محمد رضا بهلوي آخر شاهات إيران، كان قمعياً استبدادياً، لكنه، بدا نزهة، بالمقارنة مع ما يعيشونه في ظل الحكم الإسلامي، على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وككثر من الإيرانيين، يرى تبريزي أن سلطة رجال الدين، قد ضربت أسس الدولة ومفهوم الحكم في إيران، فولاية الفقيه، رأي ديني فرعي يصلح للنقاش الحوزوي، وليس نظرية سياسية، يبنى على أساسها شكل الدولة ونظامها، وباعتقاده أن هذا النظام تسبب في سقوط إيران أخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً، وأن الحل الوحيد لكي تستعيد إيران مكانتها بين الدول، وكي يحصّل الشعب الإيراني كرامته وثرواته وحقوقه المهدورة، هو في تجفيف “منابع العمامات”، والعودة إلى العلمانية، التي تأسست في وقت مبكر من القرن الماضي، على يد شاه رضا بهلوي.
بعد مضي 42 عاماً على مصادرة الإسلاميين للثورة والدولة، لم يعد للإيراني، الذي ذهب إلى الثورة صادقاً، وعاد منها نادماً، ما يخسره، فقد حولته هذه العقود الأربعة أو سنوات البؤس (سال هاى فلاكت) كما يسميها تبريزي، إلى واحد من أكثر الشعوب اكتئابا في العالم، وإدماناً على أدوية الأعصاب، ورغبة في الهجرة إلى بلاد الله الواسعة.

يشير تبريزي إلى أن الصور الفوتوغرافية، التي ينشرها الإيرانيون على وسائل التواصل الاجتماعي، عن إيران الأمس (قبل الثورة) وإيران اليوم (بعد الثورة)، تبرهن من دون كلام، شوقهم إلى وجه بلادهم الحقيقي، وتوقهم إلى استعادته، على رغم أن الحياة، في الحقبة الشاهنشاهية البهلوية لم تكن مثالية بأي شكل، إلا أن أربعة عقود من الشاهنشاهية الدينية، جعلت غالبية الإيرانيين يطمحون للعودة إلى تلك الحقبة، فبغض النظر عن نواقصها وأخطائها، فقد كانت البلاد تدار من قبل خبراء ومختصين في المجالات كافة، بعكس هذه الأيام، إذ يكفي أن تضع عمامة وترخي لحية وتعظّم المرشد وتهدد أميركا وإسرائيل بالزوال، لتدخل جنة الحكم، وتحول حياة الآخرين إلى جحيم. 

يأسف تبريزي، بلسان شعبه، لما آلت إليه الثورة، إذ فشلت فشلاً ذريعاً في إحداث تغيير جذري في بنية الحكم في إيران، فقد بقيت السلطة، بعد الثورة، تتمحور حول “الشخص الواحد”، وما حصل هو استبدال شاه بشاه آخر، شاه معمم حل مكان شاه متوج، فمنصب المرشد الذي ابتدعه الإمام الخميني، ليس سوى استمرار لكرسي العرش الملكي، كما أن الصلاحيات المطلقة الممنوحة للمرشد، هي نفسها التي كان يتمتع بها الشاه، أما الحدث الأكثر مأساوية، الذي نتج عن الثورة، وفق وجهة نظره، فهو سقوط السلطة القضائية في أيدي السلطة الدينية، وتحول القضاء إلى وسيلة لقمع المعارضين والنشطاء السياسيين والمتظاهرين، وبرأيه أن الدستور الإسلامي، الذي سنه رجال الدين لضمان استمرارية حكمهم، يكرس الفساد من جهة ومن جهة أخرى يحول دون تحقيق العدالة، ولا مجال لإصلاحه، لأن أي إصلاح فيه، سيؤدي إلى انهيار بنية الحكم.

ونتيجة لسنوات البؤس (سالهاى فلاكت)، يشير تبريزي، إلى أن:

– أكثر من 40 مليون إيراني (إحصاءات حكومية) يعيش تحت خط الفقر المطلق والنسبي.
– تعد إيران من بين 18 دولة، تملك أعلى معدل بطالة في العالم، وهي بيئة غير ملائمة للتجارة والاستشمار، بسبب سيطرة جهات أمنية (الحرس الثوري) على الاقتصاد.
– العملة الوطنية “تومان” واحدة من ثلاث عملات، لا قيمة لها في العالم، فقد انهارت في وقت قياسي، نتيجة للعقوبات الأميركية.
– ينتشر الفساد في جميع مفاصل الدولة وحتى المجتمع، وعلى رأس الفساد يتربع المرشد، الذي يمتلك وحده ثروة تقدر بقيمة 95 مليار دولار، إضافة إلى سيطرته، على المؤسسات الاقتصادية في البلاد، وهذا ما لا يتمتع به أي زعيم دولة في العالم. 

– نتيجة للسياسات المغامرة للجمهورية الإسلامية، فإن العقوبات الدولية الشديدة، أجبرت إيران على بيع نفطها بسعر أرخص من متوسط ​​سعر أوبك، والأسوأ أن أكثر من 60 مليار دولار من أموال النفط الإيراني مستحقة لدول أخرى، كالصين والهند، وقد تسبب نقص الاستثمار الأجنبي في صناعات النفط والغاز، بخسائر اقتصادية فادحة.
– تعد الخطوط الجوية الإيرانية، من بين أكثر شركات الطيران غير الآمنة في العالم، وقد فقد آلاف الإيرانيين حياتهم في حوادث طيران، في الداخل خصوصاً، وقد حصلت شركة الطيران الوطنية “هُما” على أدنى ترتيب بين شركات الطيران في العالم.
– الطرق في إيران هي خامس أخطر الطرق في العالم، وهي بمثابة مقابر جماعية، حيث سجلت إحصاءات الهلال الأحمر الإيراني، مقتل ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف شخص، على هذه الطرق كل عام.

– على رغم ادعاء الجمهورية الإسلامية، التطور في المجال العلمي والتقني، فإن غالبية “الاختراعات” والصناعات والأبحاث، هي إما نسخ جاهزة من دول صديقة، وإما تتم بإشراف مختصين أجانب “أصدقاء” أيضا.

بعد مضي 42 عاماً على مصادرة الإسلاميين للثورة والدولة، لم يعد للإيراني، الذي ذهب إلى الثورة صادقاً، وعاد منها نادماً، ما يخسره، فقد حولته هذه العقود الأربعة أو سنوات البؤس (سال هاى فلاكت) كما يسميها تبريزي، إلى واحد من أكثر الشعوب اكتئابا في العالم، وإدماناً على أدوية الأعصاب، ورغبة في الهجرة إلى بلاد الله الواسعة.

– تحدث في إيران مآس رهيبة يومياً، باسم الدين، وبسبب القوانين التمييزية ضد المرأة، يمكن رجم المرأة حتى الموت، بجرم ارتكاب الزنا، أما الرجل فينجو، وتنتهك بشكل يومي وبطريقة منظمة وعنيفة، تحت أعين الحكم الإسلامي “الذي كرم المرأة”، حقوق المرأة والطفل، وبدلاً من فرض الأمن وحماية المواطنين، تلاحق قوات الشرطة النساء الإيرانيات، لفرض شكل موحد من الحجاب بالقوة، ويتم القبض على من تخالف القواعد المفروضة وسجنها ومحاكمتها، وتعد إيران من بين أسوأ دول العالم في اعتماد مبدأ الفصل بين الجنسين.

– لا يعترف الحكم الديني في إيران، بحرية الأديان، ويتعامل مع أتباع الديانات البهائية والزرادشتية والطائفة السنية الإسلامية بطريقة غير إنسانية، وفي عدد من المدن، لا يُسمح لأتباع الأقليات الدينية باستخدام حمامات المسلمين، ولا يحق للبهائيين الدراسة في الجامعات، كما جعلت السياسات المعادية للسنّة البلوش والكرد، وللشيعة العرب والترك، يشعرون بعدم انتمائهم إلى إيران، ما أنتج أزمات سياسية وأمنية تهدد الأمن القومي الإيراني.
– يفر من إيران سنوياً، مئات الآلاف من الشباب، بشكل غير قانوني، ويتعرضون خلال فرارهم إلى أهوال ومهانات، وقد يفقدون حياتهم وهم في الطريق، وحالياً، يحتجز آلاف الإيرانيين في سجون في دول أخرى، بسبب عبورهم غير الشرعي، في إندونيسيا وحدها، هناك حوالى 500 إيراني في السجن.

– تعتبر إيران واحدة من أكبر خمسة سجون للصحافيين في العالم، ومن حيث حرية الصحافة تحتل المرتبة 191 في العالم، والمرتبة الأخيرة بين ستين دولة، مع الصين وكوبا، من حيث حرية الإنترنت، وتنفذ سنوياً، ثاني أعلى نسبة إعدامات، بعد الصين، قياساً على عدد السكان.
– تسببت السياسات التوسعية للنظام الإسلامي، باحتلال مياه الخليج، من قبل الجيوش الأميركية والأوروبية، وقد كان قبل الجمهورية الإسلامية، تحت سيطرة الجيش الإيراني بالكامل، على المقلب الآخر لجهة بحر قزوين، قضمت الدول المحيطة ببحر قزوين عبر الاتفاقيات الثنائية المهينة، أجزاء من حصة إيران فيه، وتركت لها ما بين 3 و4 في المئة فقط من السواحل، وهي سواحل لا تحتوي نفطاً ولا غازاً، إلا القليل، وإضافة إلى خسارتها المادية هذه، خسرت إيران موقعاً استراتيجياً مهماً في هذه المنطقة.

– تتعارض الأيديولوجية الدينية للنظام الإسلامي، مع معظم الفنون الجميلة، وترتاب من فنون كالنحت والرسم والرقص والموسيقى والسينما، وفي بدايات الثورة تم إحراق عدد من دور السينما، كمظهر من مظاهر الفساد، وتسببت الثورة في فرار عدد كبير من الفنانين مثل المغنية العالمية “كوكوش”، وسجن آخرين ومنعهم سنوات طويلة من السفر خارج البلاد، مثل المخرج السينمائي جعفر بناهي.  

يختم تبريزي، آسفاً، أن الشعب الإيراني، الذي فجر على مدى قرن من الزمان، ثلاث ثورات ونصف، الثورة الدستورية (المشروطة) عام 1905، التي أسست أول برلمان في تاريخ إيران، الثورة المدنية التي قادها محمد مصدق، بإعلان تأميم النفط الإيراني عام 1951، الثورة الشعبية العارمة عام 1979 التي سرقها الإسلاميون، الثورة الخضراء صيف 2009، التي انطلقت اعتراضاً على تزوير نتائج الانتخابات وانتهت بهتاف “الموت للديكتاتور”، فقد حيويته وحماسته وقدرته على التغيير، وسيطرت عليه مشاعر اليأس والإحباط واللاجدوى، بعد ما شهده خلال هذه العقود الأربعة من كذب وتدليس ونفاق وانحلال أخلاقي وفساد وجريمة باسم الدين، وهو مؤمن أن عاقبة هذا النظام وخيمة، لكن مهمة إسقاطه ستتكفل بها الأجيال القادمة، وعندها ستنصرف إيران لاستخدام مواردها الجغرافية والاستراتيجية والبشرية والطبيعية والثقافية والحضارية، بطريقة إنسانية، بدلاً من سياسية، لتصبح، فعلياً، وليس وهمياً، من بين أقوى الدول في العالم.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.