fbpx

هل يكون “الاغتيال السياسي” المُقترع الأول في الانتخابات النيابية العراقية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تزايد الاغتيالات مع قرب الانتخابات يرتبط برغبة لدى الميليشيات التي تنفذها بإقصاء أي احتمال للتغيير في المشهد السياسي العراقي الذي طالب به النشطاء في حراك تشرين، حينما رفعوا شعارات انتخابات نيابية حرة خالية من السلاح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يربط كثيرون بين عودة مسلسل الاعتداءات على الصحافيين والنشطاء وبين اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية التي يتوقع إجراؤها في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. لكن هذا يفتح الباب على احتمالات تجدد مشاهد الاغتيالات والتصفيات والخطف على أبواب الانتخابات. 

هذه المخاوف عادت مجدداً إلى الواجهة مع اغتيال مدير الحملة الدعائية الانتخابية لعضو مجلس النواب رعد الدهلكي المنتمي لكتلة “اتّحاد القوى”، والمعروف بمعارضته الشديدة للميليشيات والفصائل المقرّبة من إيران. قتل الدهلكي مع ابن شقيقه بمسدساتٍ كاتمة للصوت في منطقة “المرادية” جنوب غربي قضاء بعقوبة التابع لمحافظة ديالى، لكن مدير شرطة المحافظة يقول إن الحادثة لها علاقة بـ”ثأر عشائري”.

الذاكرة العراقية ما زالت تحتفظ بصدمتها حتى الآن من هول فاجعة الاغتيال الذي تعرّض له المحلّل والباحث والناشط السياسي هشام الهاشمي (47 سنة) أمام منزله شرق العاصمة بغداد مساء الاثنين في السادس من حزيران/ يونيو من العام الماضي على يد مسلّحين مجهولين يستقلون دراجتين ناريتين، في هجوم أثار موجة غضب وتنديد في العراق وخارجه، ليخرج أحمد ملا طلال الناطق باسم رئيس الوزراء بعد أشهر قليلة من الحادثة ليؤكد أن “لجنة التحقيق توصلت إلى القتلة، لكن لا يجوز التصريح بهويتهم، حفاظاً على سير التحقيقات وسريتها”. ليتسبب هذا الكلام، على ما يبدو، بتقديمه استقالته لاحقاً. 

لا يُمكن فصل الاغتيالات عن التنافس السياسي في العراق بين القوى المتنازعة على السلطة منذ عام 2003، مع الاختلاف في الأساليب، لكن يبقى المشترك هو صناعة الموت. يترافق ذلك مع عجز واضح لدى الأجهزة الأمنية في معالجة هذه الظاهرة، فضلاً عن فشلها في كشف الجهات التي تقف وراء عمليات الاغتيال، مع ان الجهات التي تقتل تترك، غالباً، بصمتها السياسية على الجرائم، ومن الواضح أنه لا يمكن لأي جهة تنفيذ اغتيالات معقدة، لم تمتلك أسلحة وفصائل عسكرية وامكانية حركة على الأرض، تمكّنها من العمل بحرية، والإفلات من العقاب.

الغريب في هذه الظاهرة أيضاً، أنّها بقيّت فاعلة وجارية في العراق منذ تأسيس الدولة فيه عام 1921، من العهد الملكي، مروراً بالحكم الجمهوري وحتى بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، لتتخذ أشكالاً ومسارات وأساليب متعدّدة وجديدة بعد ذلك، لكنها حافظت على هدفها: إسكات الأصوات المعارضة والترهيب. ليبقى الاختلاف بين زمن صدام وزمن ما بعد صدّام، أن الاغتيالات كانت تحدث قبل عام 2003 بتوقيع وتوجيه من السلطة مباشرةً، ليختلف الأمر بعد سقوط الطاغية، عبر استخدام فرق مدرّبة ومجهّزة عسكرياً، وتعمل وفق أجندات مموليها الخارجيين.

رئيس مجلس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي يتوعّد دائماً مثل أسلافه بعدم السماح للجناة الإفلات من العقاب مها طال الزمن، لكن حتى الآن لم يكشف إلا عن عصابة موت واحدة اعلن الكاظمي القاء القبض عليها فيما لا يزال معظم القتلة طليقين. 

تزايد الاغتيالات مع قرب الانتخابات يرتبط برغبة لدى الميليشيات التي تنفذها بإقصاء أي احتمال للتغيير في المشهد السياسي العراقي الذي طالب به النشطاء في حراك تشرين، حينما رفعوا شعارات انتخابات نيابية حرة خالية من السلاح. الاغتيال يأتي لتأكيد ان السلاح سيكون حاضراً كناخب أساسي في الانتخابات النيابية العراقية المقبلة. محمد نعناع، محلل سياسي، يقول إن هذه الجهات التي تغتال، لا تقبل بصعود أيّ مشروع آخر يعارض توجهاتها. وتنفّذ اغتيالاتها باعتماد أسلوبين: “الاغتيال المباشر بأيدي عناصرها المنتمين المحترفين بعد جمع معلومات من طريق المراقبة الدقيقة للأهداف، والطريقة الثانية من طريق اختراق الأجهزة الأمنية أو الضغط على ضباط وعناصر في القوى الأمنية لتوجيههم بما يخدم توجهاتها ومشاريعها”.

لا يُمكن فصل الاغتيالات عن التنافس السياسي في العراق بين القوى المتنازعة على السلطة منذ عام 2003، مع الاختلاف في الأساليب، لكن يبقى المشترك هو صناعة الموت.

 يؤكد نعناع لـ”درج” أنّ هذه الجهات لها من القوة والنفوذ والتمويل ما يجعلها فوق القانون وفوق المؤسسات: “هذا ما يصعّب الكشف عن عملياتها للرأي العام بسهولة”. أمّا الاغتيالات العشوائية غير مفهومة الدوافع، فسببها ضعف القانون وعدم سيطرة الأجهزة الأمنيّة على عصابات الجريمة المنظمة، بحسب نعناع، “وأحياناً تنسّق الجهات ذات الدوافع السياسية والايديولوجية مع عصابات الجريمة المنظمة لتنفيذ الاغتيالات”.

يرى نعناع أن تأثير الاغتيالات سياسياً وانتخابياً يطاول بضرره الحركات المنبثقة عن الانتفاضة التشرينية، عبر استهداف نشطائها أمنياً، لثني القيمين عليها عن طرح مرشحين للانتخابات. مع اعتقاده أن الكتل التقليدية لا تتأثر بهذا الجو، لأنها تتحكم بجماهيرها، وكتلتها الناخبة، ولها نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها. 

من هنا تضع الجهات التي تقوم بالإغتيالات – بحسب نعناع- في أولوياتها عدم السماح بصعود كيانات انتخابية لها توجهات مغايرة. لكن وعي جماهير تشرين الذين اختاروا طريق التغيير، يجعل النشطاء مصممين على مواجهة هذه الاغتيالات وكشف الجهات السياسية التي تقف وراءها والتركيز على خطورتها على مستقبل العراق والعراقيين.

وفي السابق كانت المحافظات ذات الغالبية السنّية، وأجزاء من العاصمة بغداد أكثر المناطق تحدث فيها الإغتيالات مع اقتراب الانتخابات، إلا أن المعادلة إنقلبت هذه المرّة مع اندلاع الثورة التشرينية الغاضبة ضد السلطة والفساد، لتزيد من احتمال أن تكون المحافظات الشيعية بيئة ساخنة للاغتيالات مع ازدياد التيارات الشبابية الجديدة المناهضة للأحزاب الشيعية التقليدية وللتدخل الإيراني.

يرى الخبير الأمني سرمد البياتي صعوبة سيطرة السلطات الأمنية على ظاهرة الاغتيالات، لا سيما في بغداد لأسباب عدة، أبزرها عدم وجود منظومة كاميرات في شوارع العاصمة: “من الصعب مراقبة المنفذين لعمليات الاغتيال التي عادة تستخدم الدراجات النارية للهرب بعد التنفيذ، ومرتكبوها مدربون بشكل جيد، إذ يظهر ذلك من خلال اختيارهم مواقيت الهجوم والتنفيذ”. ولكن إذا كانت هناك كاميرات، فذلك يصعّب عليهم المهمة، ويمكّن السلطات من الوصول اليهم بسهولة.

إقرأوا أيضاً: