fbpx

“كوبلنز” هل هي بداية العقاب للنظام السوري؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد صدور هذا الحكم الأول من نوعه، طُرحت أسئلة جدلية حول المرحلة المقبلة، مثل مدى اعتبار هذا الحدث خطوةً على درب العدالة للمعتقلين السوريين، أو مدى اعتبار مدّة الحكم كافية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“حدثٌ تاريخي” شهدته محكمة مدينة كوبلنز الألمانية، عندما حكمت ضد صف الضابط السوري “إياد أ” بعد أشهرٍ من الجلسات، وإياد هو واحد من متهمين اثنين إلى جانب الضابط “أنور ر” الذي كان رئيس فرع التحقيق في فرع الخطيب سيّئ الصيت في سوريا.

ويُعتبر هذا الحكم الأول من نوعه في العالم المتعلّق بانتهاكات النظام السوري، والقمع الوحشي في السجون السورية.

“إياد أ” أثناء المحاكمة

إياد (44 سنة)، أحد المتّهمين في القضية، انشق عن النظام السوري عام 2012، وخرج من سوريا في شباط/ فبراير 2013 ووصل إلى ألمانيا عام 2018، وأُدين بـ”المساعدة” في اعتقال وحبس وجلب ما لا يقل عن 30 متظاهراً إلى فرع الخطيب في الفترة الممتدة من أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر 2011، في حين أن التهم الموجّهة للضابط أنور ر، هي قتل 58 شخصاً، وتعذيب 4000 معتقل وممارسة عنف جنسي.

صدر حكم المحكمة بسجن إياد أربع سنوات ونصف السنة، في حين أن قضية أنور يفترض البت فيها في تشرين الأول المقبل.

بعد صدور هذا الحكم الأول من نوعه، طُرحت أسئلة جدلية حول المرحلة المقبلة، مثل مدى اعتبار هذا الحدث خطوةً على درب العدالة للمعتقلين السوريين، أو مدى اعتبار مدّة الحكم كافية، وحتّى جدلية أن المحكمة تحاسب “منشقّين عن النظام”.

الاعتراف بالجريمة أوّلاً

لم يتسنَّ للمدوّن السوري حسين غرير حضور جلسة النطق بالحكم، على رغم أنّه كان حضر جلساتٍ سابقة كأحد الشهود في هذه القضية، ولكنّه خلال النطق بالحكم كان يترقّب أي أخبار صادرة عن المحكمة.

اعتقل غرير في فرع الخطيب وعند صدور الحكم اجتاحته مجموعة من المشاعر المتناقضة لساعات، كان في حالة توتّر وهو ينتظر تفاصيل الجلسة حتّى أن المحامي الخاص به أرسل له كل ما حصل في الجلسة.

يقول غرير: “شعرت بارتياح عندما سمعت تعليل الحكم، وإقرار القضاء بأن ما يحدث في سوريا هو ارتكاب جرائم حرب ممنهجة”.

هل الحكم كافٍ؟ يجيب المدوّن السوري: “من وجهة نظري فإن التعاطي مع عدد سنوات الحكم هو أمرٌ تفصيلي، لقد استقبلتُ الحكم يوم أمس بالطريقة ذاتها التي يمكن أن أستقبلها بها لو كان الحكم 10 سنوات، ولن يُحدث الأمر فرقاً معي”، موضحاً أن كل ما يهم في تلك اللحظة هو أن المحكمة أقرّت بالجريمة، ووجهت إدانة مباشرة وإثباتاً مباشراً لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن أن العنصر في أسفل هرمية المسؤولية.

يقول غرير: “هناك كمٌ هائل من الأدلة عن ارتكاب الجرائم في سوريا، جمعتها منظمات سورية ودولية عملت على الأمر، وهناك أكثر من خبير قانوني دولي أكّد أنّه لم يسبق في التاريخ أن جُمعت أدلّة بهذه الكمية وهذا المستوى مثلما حدث في سوريا”، مبيّناً أن المهم هو أن محكمة رسمية أصدرت حكمها بناءً على هذه الأدلة، ما يعني أن هناك مستنداً قانونياً واضحاً للجرائم في سوريا.

“شعرت بارتياح عندما سمعت تعليل الحكم، وإقرار القضاء بأن ما يحدث في سوريا هو ارتكاب جرائم حرب ممنهجة”.

ويوضح أيضاً أن السوريين اكتسبوا خبرة في السياق السوري والنظر في الأدلة، وهذه خبرة لا تقدّر بثمن للاستخدام في محاكم مستقبلية في دولٍ أوروبية أخرى، أو إذا أحيل الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية.

في الجدلية القائمة على “محاكمة منشقّين عن النظام” يوضح غرير أن الكثير من الجدل دار حول هذه النقطة، انطلاقاً من مبدأ أنّنا تركنا الجميع وقمنا بملاحقة المنشقّين عن النظام، وقال: “من الصعب أنّك كناجٍ وكضحية تعمل على تحقيق العدالة وتحصيل الحقوق، ولكن في الوقت نفسه يتم الطعن بأخلاقياتك واتهامك بأنّك تلاحق المنشقّين دوناً عن بقية الناس”، لافتاً إلى أن هذا الأمر أزعجه جداً.

يقول مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني: “هناك جدلية تتمثّل بأن هناك منشقين وأنّه تتم محاسبتهم ولكن هناك ضحايا لهؤلاء الاشخاص المنشقين ورفعوا دعاوى ضدهم وبالتالي من الضروري التحرك لأن الأهم أن محاسبة الجميع هي غاية من غايات الحراك ولكن هذا الأمر ليس بيد السوريين حالياً”.

في افتتاح الجلسة الأولى من المحكمة، التقى المدون غرير بالمتهم “أنور ر”، الذي كان حينها صامتاً، اقتصر حديثه على التعريف بنفسه.

يقول غرير: “حينها قابلته وهو كان بموقع المتّهم وشاهدت كيف فكّوا القيود من يده ووضعوه في مكان المتّهم، شعرت باسترداد جزء من الكرامة الإنسانية، لأنّنا عندما كنّا معتقلين كُنا منتهكي الكرامة بشكلٍ كامل، شعرت لحظتها انّني أخيراً صاحب الحق وبمكان المدعي، في حين أن المجرم هو من يقف داخل قفص الاتهام… إنّها لحظة أتمنّاها لكل ناجٍ”.

كانت نظرات الضابط أنور ر “اشمئزازية” وفوقية لكل من هم داخل المحكمة، بحسب غرير الذي أكّد أنّه حتّى آخر جلسة لم يغير أنور هذه النظرة السلطوية، وهو ما يؤكّد أكثر أنّه كان عضواً فاعلاً داخل النظام السوري.

ويشير غرير إلى أن تجربة الاعتقال، هي جرح عميق لا يمكن نسيانه بتقادم الوقت، ولكن ما يهم الآن هو الاعتراف بهذه الجرائم، والوصول بسوريا إلى أن من يرتكب جريمة هو شخص مدان قانونياً واجتماعياً ويخضع للمحاسبة، وفي هذه اللحظة سوف أشعر بأن اعتقال لم يذهب هدراً.

إقرأوا أيضاً:

العدالة في محاكمة الأسد ومنظومته

خلال دراسته في كلية الطب في دمشق، اعتقل الشاب السوري وسيم المقداد في أواخر أيلول 2011 من مدينة دوما، ومكث لأيام في فرع الخطيب ثم في فرع المخابرات العام.

في إجابته على سؤال عن رأيه بمدّة الحكم الصادرة في كوبلنز قال المقداد: “لا يوجد مدّة حكم يمضيها المتهمون في السجن قادرة على إرجاع شهيد تحت التعذيب، لذلك فإن الموضوع بالنسبة إلي رمزي أكثر مما هو محدود بعدد سنوات، وتكمن أهميته في السير على طريق العدالة الطويل الذي لن ينتهي إلّا بمقاضاة بشار الأسد وقادة جيشه وأفرعه الأمنية أمام القضاء”.

في قضية كوبلنز، كان المقداد مدعياً ضد “أنور ر”، ولكنّه لا يعرف إذا كان قد التقى به في فترة الاعتقال في فرع الخطيب، لأن عينيه كانتا معصومتين طيلة فترة التحقيق.

“لا يوجد مدّة حكم يمضيها المتهمون في السجن قادرة على إرجاع شهيد تحت التعذيب”

المقداد موسيقي حالياً يعيش في ألمانيا، ويعرف جيّداً أن القضاء في سوريا معطّل بسبب سيطرة النظام السوري على المحاكم، في حين أن آلية المحاكم الدولية معطّلة بسبب “الفيتو” الروسي والصيني داخل مجلس الأمن، ولكنّه يؤكّد أن على السوريين طرق الأبواب الممكنة لمقاضاة المتورّطين بجرائم ضد المدنيين.

على رغم إقراره بصعوبة مثول الأسد أمام المحاكم حالياً، ولكن انطلاقاً من أن النظام السوري لن يستمر بالحكم، وأن الدعم الروسي له لن يستمر أيضاً، يبقى لديه الأمل في محاكمة الأسد، إلّا أن هذه المحاكمة قد لا تكون في المدى القريب.

خلال جلسة النطق بالحكم ضد “إياد أ” كان المقداد يشاهد الحكم هناك، ويقول إنّه ظلَّ يراقب القاضية وهي تتلو الحكم لمدّة ساعتين تقريباً، وكان يتذكر السياق الذي تمّت فيه الجريمة، والوضع في سوريا، ويستحضر مشاهد من الاعتقال: “لم يكن يغيب عن ذهني في تلك اللحظة أنه ما زال هناك معتقلون في سوريا يعيشون ظروفاً لا إنسانية، ويعانون من التعذيب والتجويع وسوء المعاملة وغياب التمثيل الحقوقي، إضافةً إلى الخوف من فكرة ألّا يخرجوا أحياءً من الاعتقال، بالنسبة إلي هذا الحكم هو أول اعتراف دولي موثّق بآلامهم”.

جدلية مدّة الحكم

يقول مدير الشبكة السوري لحقوق الإنسان فضل عبد الغني: “في القانون الدولي هناك عوامل تساهم في تخفيف الحكم وتنطبق بشكلٍ كبير على (إياد أ)، ومن هذه العوامل أنّه صف ضابط برتبة منخفضة وكانت تأتيه الأوامر من مرؤوسيه، ولكن هذا لا يعفيه من المسؤولية”.

ومن شروط الحكم المخفف أيضاً، أن إياد تعاون مع الادعاء بشكلٍ كامل واعترف بالانتهاكات التي قام بها وأظهر نوعاً من الندم، وهو في الوقت نفسه ليس مسؤولاً رفيع المستوى وقد انشق وانسحب من هذا العمل، والادعاء استند في إدانته إلى اعترافاته وهذه العوامل تسمى بـ”الظروف المخففة” وبالتالي صدر الحكم مخففاً.

وتابع: “إياد رتبته عادية فهو عبارة عن صف ضباط وهناك من هم أهم منه بكثير وبالتالي قبل الانتقال السياسي لن يكون هناك محاكمات ضد ضباط كبار، إذ لا تمكن محاكمتهم كونهم غير موجودين على الأراضي الأوروبية وبالتالي المسار طويل جداً”.

“طريق العدالة لا يمكن الوصول إليه إلّا بتحقيق انتقال سياسي، فطالما أن النظام السوري هو المسيطر لن تكون هناك عدالة انتقالية ولا محاسبة للمجرمين”

ولكنّه رأى في المقابل، أن هذه المحاكمة تعطي دفعة بأن هذا الحراك الديموقراطي يتابع حتى من ارتكبوا جرائم محدودة وبالتالي لن يتساهل مع الأسدية ومرتكبي الانتهاكات الأكبر.

ولكن هل تفتح هذه المحاكمة الباب أمام محاسبة مجرمي الحرب الرئيسيين في سوريا؟ يوضح عبد الغني أن ذلك لن يتحقّق على الأقل في المدى المنظور.

ويقول: “طريق العدالة لا يمكن الوصول إليه إلّا بتحقيق انتقال سياسي، فطالما أن النظام السوري هو المسيطر لن تكون هناك عدالة انتقالية ولا محاسبة للمجرمين، ولن تنتقل سوريا للاستقرار وبالتالي للتخلّص من الأسد ونقل البلاد إلى حكم ديموقراطي وهذا يتطلّب سنوات نضال طويلة وصبراً ومتابعة”.

إقرأوا أيضاً:

آراء حقوقية حول القضية

تعقيباً على الحكم، صدرت آراء عدة من منظمات حقوقية سورية ودولية، كان أبرزها بيان “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” الذي يرأسه المحامي أنور البني.

واعتبر المركز في بيانٍ أن قرار المحكمة “”تاريخي” ونقطة مضيئة في تاريخ القضاء الألماني وتاريخ العدالة العالمية.

وقال البيان: “نعتبر هذا القرار وإن كان خاصاً بمتهم واحد لكن حيثيات قرار الاتهام ومطالبة النيابة العامة تطاول نظام الجريمة المنظمة والممنهجة الذي يحكم سوريا بالحديد والنار والخوف والإرهاب، ذلك النظام المجرم بجميع أركانه وشخصياته كان حاضراً كمتهم بكل جلسات المحاكمة في قرار الاتهام وفي شهادات الشهود والضحايا والخبراء كما كان حاضراً بتهديد الشهود وتهديد عائلاتهم في سوريا”.

وأضاف المركز، أن تجريم المتهم إياد والحكم عليه لم يكن بسبب قيامه بجريمة منفردة من تلقاء نفسه، بل لكونه جزءاً من آلة جهنمية منظمة وممنهجة وبأوامر عليا لاعتقال المدنيين السلميين وإخفائهم قسراً وتعذيبهم وقتلهم تحت التعذيب وإخفاء جثثهم بمقابر جماعية وبطريقة مهينة جداً، وهذه المنهجية تخضع لسلسلة أوامر وقيادة تصل إلى رأس هرم الجريمة الممنهجة في سوريا مع كل أركانه. لذا فالحكم على إياد يعني الحكم هرم تلك الجريمة كله، وبما فيه رأسه وأركانه.

وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة العفو الدولية“، تعقيباً على قرار المحكمة: “يعد الحكم التاريخي الصادر اليوم- وهو الأول من نوعه في ما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها مسؤول حكومي سوري بموجب القانون الدولي- بمثابة انتصار رائع لعشرات آلاف السوريين، ضحايا التعذيب والاختفاء القسري، وكذلك للمنظمات السورية والدولية المعنية بحقوق الإنسان والدعاوى القضائية التي ناضلت معاً من دون كلل أو ملل من أجل الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة. فقد ساعدت هذه المنظمات على ضمان توثيق الجرائم، وإعداد ملفات قانونية للمحاكمة، ولولاها لما كانت هذه المحاكمة ممكنة”.

وأضافت أن هذا “الانتصار” يبعث رسالة واضحة إلى الحكومة السورية مفادها أن المسؤولين عن الانتهاكات المروعة سيتم تقديمهم إلى ساحة العدالة. ويأتي هذا الحكم بعد نحو 10 سنوات من اندلاع الاحتجاجات السلمية الأولى في سوريا، وهي سنوات استعملت خلالها الدولة آليتها الوحشية ضد شعبها في مختلف مراكز الاحتجاز والسجون.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.