fbpx

سوريا: جثة إيلي كوهين تنقذ نتانياهو وتؤلم طهران

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الفرز سيصبح أوضح بعد قليل من الوقت. اللعب في المساحات الغامضة سينحسر، والمواجهة ستفرض مزيداً من الشروط على الشركاء وعلى الخصوم…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صارت مضجرةً مواصلة تناول خطوات النظام في دمشق نحو تل أبيب بوصفها سقطات كاشفة لخواء خطاب الممانعة. الخواء صار وراءنا، ويجب أن نذهب خطوة إلى الأمام ونسعى إلى تفسير سياق هذه الخواء وهذه الخطوات المنسقة مع موسكو. 

ثمة مسار لم يعد مفيداً معه الاكتفاء بالذهول. فمنذ التصريح الشهير لرامي مخلوف، يوم كان ابن النظام، لصحيفة “نيويورك تايمز”، والذي قال فيه منذ اليوم الأول للاحتجاجات السورية ضد النظام إن “أمن إسرائيل من أمن النظام”، ومروراً بالدبابة التي أعادها فلاديمير بوتين إلى بنيامين نتانياهو، وبرفات الجندي الإسرائيلي العائد إلى تل أبيب، ووصولاً اليوم إلى صفقة اللقاحات الروسية إلى سوريا والممولة من الحكومة الاسرائيلية. وتتويجاً لهذا المسار بدأت اليوم وسائل إعلام روسية تتحدث عن بحث الجيش الروسي عن جثة العميل الإسرائيلي الشهير ايلي كوهين الذي أعدم عام 1965 في دمشق، تمهيداً لتسليمها إلى إسرائيل. كل هذه الخطوات ترسم مساراً يحسن رصده ومحاولة تفسير آلية اشتغاله، في ظل انخراط النظام في دمشق في خطاب مواز، يفترض أن تتولى طهران إدارته!

إسرائيل تقصف يومياً مواقع إيرانية في سوريا، والحكومة السورية تجري صفقات رخيصة ولكن شديدة الرمزية مع الحكومة الإسرائيلية! كيف يمكن تفسير هذه العملية التصاعدية؟

حتى الآن، لم تبد طهران حساسية حيال خطوات دمشق الحثيثة نحو تل أبيب. ومن المرجح ألا تشكل هذه الخطوات استفزازاً راهناً لها، على رغم المواجهة المكشوفة بينها وبين تل أبيب في سوريا. البراغماتية هنا تطيح ما نفترضه حفظ ماء الوجه حيال “الجمهور”! فالمهمة في سوريا ليست الوصول إلى خطوط المواجهة مع إسرائيل على ما يردد أهل المحور، بل تأمين نفوذ مذهبي على هذه الخطوط يكفل لها حضوراً في المساومات. خطوات دمشق التطبيعية ليست حجر عثرة في وجه الطموحات الإيرانية. فالنفوذ المذهبي لعاصمة الهلال الشيعي، والذي يؤمنه لها القتال في سوريا، ليس معنياً بتقاليد رفض التطبيع على نحو جوهري، بل بتثبيت الحضور والشراكة.

لكن النظام في دمشق أطاح بالشكل المفترض للخطاب، وهذا الشكل ليس تفصيلاً في سياق فرض النفوذ. موسكو تواصل دفع النظام نحو خطوات “شكلية” توحي بابتعاد بشار الأسد من طهران. صحيح أنه ابتعاد شكلي لا قيمة عملية له حتى الآن، لكن مراكمته تشكل مؤشراً على ضعف حساسية النظام حيال مسلمات طهران الـ”شكلية”!

إسرائيل تقصف يومياً مواقع إيرانية في سوريا، والحكومة السورية تجري صفقات رخيصة ولكن شديدة الرمزية مع الحكومة الإسرائيلية! كيف يمكن تفسير هذه العملية التصاعدية؟

إقرأوا أيضاً:

هموم النفوذ المذهبي تتقدم لدى طهران على النفوذ “الأيديولوجي” الممانع. خطوات دمشق “التطبيعية” مع إسرائيل لا تعيق هذا الطموح، وإن كانت تصيب “كرامات” الممانعين. لكن يبدو أن هذا الافتراق الشكلي بني على افتراقات سبقته. فمصالح موسكو لا تلتقي بالكثير من محطاتها مع مصالح طهران، والنفوذان الروسي والإيراني، وإن التقيا على حماية النظام في سوريا، إلا أنهما افترقا في الكثير من المحطات السورية. لروسيا دور أكبر في حماية النظام وفي تحصين نفوذه، ولولا القوة الجوية الروسية ما كان لبشار الأسد أن يعيد نفوذه إلى الكثير من المناطق التي كان خسرها في ذروة قتال طهران معه. ووفق هذه المعادلة فإن رغبات موسكو تتقدم على رغبات طهران في خيارات بشار الأسد. ويبدو أن موسكو تمكنت من بناء نفوذٍ في البيئة الاجتماعية والمذهبية للنظام في سوريا، في حين اقتصر نفوذ طهران في هذه البيئة على بعض الانشقاقات العلوية التي تم “تشييعها” والتي بقيت هامشية.

طهران قد تذهب ببراغماتيتها أبعد مما نتخيل. الحساسية حيال الخطوات التطبيعية حساسية كاذبة وسبق أن اختبرنا زيفها في أكثر من محطة. في لبنان مثلاً قررت طهران أن حليفها فيه ميشال عون، وقابلية هذا الرجل وصهره جبران باسيل لـ”التطبيع” لا يحدها منطق ولا أخلاق. قصة إطلاق سراح آمر سجن الخيام عامر فاخوري خير دليل على ذلك، وهذا ما لم يثر حفيظة طهران من حليفها اللبناني. 

الأكيد هو أن ثمة فرقاً في الجيش الروسي تبحث اليوم في دمشق عن جثة إيلي كوهين. والأكيد أيضاً أن العثور عليها سيكون هدية كبيرة لنتانياهو من صديقه الحميم بوتين.

لكن ذلك ليس كافياً لتوقع استمرار المعادلة على ما هي عليه. أي المزيد من التنازلات لإسرائيل، في مقابل المزيد من مد النفوذ الإيراني غير المهدد لتل أبيب بسبب الضمانات الروسية. ثمة لحظة افتراق تقترب على الأرجح. موسكو تذهب ببشار الأسد أبعد مما تفترضه طهران “شكلياً”، وتل أبيب المواظبة على قصف المواقع الإيرانية في سوريا، تعرض حماية موازية لبشار لن تقتصر على الهدايا الرمزية المتبادلة.

طبعاً الخطوات المقبلة تقررها الظروف، ولكن بإمكان المرء أن يتوقع مساراً غرائبياً في ظل الوقائع السورية. ذاك أن مؤشرات كثيرة تقول ببداية ابتعاد أوساط رئيسية في النظام من طهران. من الصعب الآن تخيل شكل هذا الافتراض، لكن وقائع صلبة تؤكده.

الفرز سيصبح أوضح بعد قليل من الوقت. اللعب في المساحات الغامضة سينحسر، والمواجهة ستفرض مزيداً من الشروط على الشركاء وعلى الخصوم. بوتين سيدفع بالأسد إلى مزيد من الخطوات التي من المرجح أن تضيق على طهران، وبراغماتية الأخيرة لن تكفي لإدارة هذا التهافت. 

الأكيد هو أن ثمة فرقاً في الجيش الروسي تبحث اليوم في دمشق عن جثة إيلي كوهين. والأكيد أيضاً أن العثور عليها سيكون هدية كبيرة لنتانياهو من صديقه الحميم بوتين. والهدية ستكون أثمن إذا ما سبقت الانتخابات الإسرائيلية.   

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!