fbpx

تونس حيث قد تُسجن بتهمة عدم الانتماء لحركة “النهضة”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

توجهت الناشطة التونسية رانيا العمدوني إلى أحد مراكز الأمن لتقديم شكوى ضد التهديدات التي تتعرض لها، لكن يبدو أن الأمنيين لم ينسوا صورة الفتاة التي واجهت عنفهم بوجه مكشوف وقالت “لا” لحكومة فاشلة، فاعتقلوها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما استنفرت حركة “النهضة” أنصارها ليهبوا إلى العاصمة، تجاهلت سلطة الإشراف الإجراءات المفروضة بسبب الوضع الوبائي وجندت أمنها لضمان سير التظاهرة في شوارع العاصمة الكبرى. ولم يصدر عن أي جهة رسمية وبخاصة وزارة الداخلية تعليق أو استياء أو تحرك في سياق مهماتها بتتبع متجاوزي قرارات الحكومة بشأن التعاطي مع الوباء والتي من بينها منع التجمعات في الفضاءات العامة والشوارع. 

وعلى غير العادة، شاهد التونسيون كيف تحول عناصر الأمن، الذين مارسوا كل أساليب العنف ضد المحتجين من خارج دائرة “النهضة” واعتقلوا المئات منهم وعذبوا كثيرين، إلى عناصر مسالمين يدعمون ما اعتبروه هذه المرة حقاً شرعياً في الاحتجاج. لكن هذا الوجه الودود لا يظهر مع بقية التونسيين، فبعد أيام قليلة انتهت أيام “العسل”، وأصبح مصير أي شخص يتجاوز توقيت حظر التجول الليلي وإن بدقائق، الموت في أحد السجون. وزجت أحد الناشطات في السجن لأنها شاركت في الاحتجاجات الشعبية وعبرت عن غضبها بطريقة لم ترق للساهرين على “الأخلاق الحميدة” التي يفتقدونها أساساً.

صور حزينة باتت تجد مكانها في تونس اليوم، التقطها طيف واسع من أبنائها، هل أصبحنا شعبين في بلد واحد؟ شعب “النهضة” المختار الذي يجوز له كسر الإجراءات تحت رعاية وحماية أمنية رسمية، وشعب تونس المسكين الذي تنتهك كرامته يد الأمني الحاقد بأوامر رسمية، إذا حاول الاحتجاج ضد فشل المنظومة السياسية أو حتى في حال التجاوز العرضي لإجراء صحي.

لقد كانت هذه الصورة تطل برأسها منذ سنوات، خصوصاً مع التحركات التي تستهدف الحكومات، لكنها لم تكن واضحة كما حصل يوم الخميس 4 آذار/ مارس 2021. صبيحة هذا اليوم استفاق أهالي محافظة صفاقس (جنوب)، على خبر وفاة شاب في الثلاثين من عمره في أحد سجون المدينة بسبب إهمال حالته الصحية وعدم تمكينه من الحصول على الأنسولين، على رغم علم الإدارة بأنه يعاني من مرض السكري. علماً أن الشاب كان تم توقيفه لتجاوزه وشقيقه توقيت حظر التجول الليلي. وفي ظهيرة اليوم ذاته، قضت محكمة في تونس العاصمة بالسجن ستة أشهر نافذة بحق الناشطة الكويرية رانية العمدوني بتهمة التجاهر بما ينافي الأخلاق. والحال أن ذنب العمدوني الحقيقي هو أنها توجهت إلى أحد مراكز الأمن لتقديم شكوى ضد التهديدات والهرسلة التي تتعرض لها، بسبب نشاطها وحضورها القوي في الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة والبرلمان، ظناً منها أنها ستحظى بالحماية اللازمة كمواطنة كاملة الحقوق في هذا البلد. لكن يبدو أن الأمنيين لم ينسوا صورة الفتاة التي واجهت عنفهم بوجه مكشوف وقالت “لا” لحكومة فاشلة ومنظومة أمنية قمعية بصوت عال، و”نعم” لتونس جامعة لأبنائها بكل اختلافاتهم الفكرية والجنسية وغيرها. فقرروا توجيه التهمة الجاهزة لها عقاباً على جرأتها وقوتها وشجاعتها التي لا يريدون رؤيتها ولا يستطيعون تحملها في عيون المواطنين، وقد اعتادوا أن يروهم خائفين مرعوبين من السلطة البوليسية.

الناشطة التونسية رانيا العمدوني

قبل هذا بأيام تم استئصال خصية أحد المشاركين في الاحتجاجات الشعبية التي حصلت في كانون الثاني/ يناير الماضي في محافظة المنستير، بسبب التعذيب الذي تعرض له على يد عناصر الأمن في أحد السجون بعد توقيفه. وفي هذه الفترة أيضاً، تم الاعتداء على محبي النادي الأفريقي (فريق كرة قدم)، وتم توقيف عدد منهم، بينهم أطفال وقصر لمجرد احتجاجهم أمام مقر فريقهم على فساد إدارته.

إنه سجل حافل بالانتهاكات والتجاوزات، التي نفّذت في زمن قياسي بحق الذين لا يحملون راية “حركة النهضة” وحلفائها، وهو تنكيل بلغ حد الموت، ونجح رئيس الحكومة ووزير الداخلية هشام المشيشي في بلوغه فيما فشل في تحقيق الأهداف الكبرى التي تقع على عاتقه. وظل يهرول ملتحفاً بجلباب حزامه السياسي الذي تتزعمه “حركة النهضة”، غير عابئ بثقل ما بات يتعرض له التونسيون، وغير مكترث لكون سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع أبناء الشعب الواحد باتت تثير الخوف والنقمة معاً. الخوف من المزيد من تقسيم مواطني دولة واحدة وتغذية إحساس كثيرين بأن هناك جماعة جديدة أخذت مكان أبناء التجمع الدستوري الديموقراطي المنحل، تحظى بكل الامتيازات وتستأثر بالشارع من دون رادع أو رقيب، فيما يواجه الآخرون القمع والتعذيب والعنف وحتى القتل لمجرد ممارستهم أحد حقوقها الشرعية. والنقمة أكثر فأكثر تمتد إلى الطبقة السياسية التي تثبت في كل مرة انفصالها التام عن شعبها وتجندها من أجل إخضاع الشباب لسلطتها وإجبارهم على قبول المسرحية البكائية التي تعيش على وقعها البلاد على كل الأصعدة.

ولعل المروع في هذا كله، هو أن هناك نية وعزماً ثابتاً على التطبيع مع هذا الواقع ما دام الضحايا من غير جماهير “النهضة” وزمرتها. لقد رحل الشاب الثلاثيني نتيجة تشفي إدارة السجن التي تركته يسير إلى الموت من دون أن تنقذه بينما كان في مقدورها ذلك. وستفتح تحقيقات صورية في الموضوع كما جرت العادة، ولن تسفر عن معاقبة المسؤولين عن هذه الكارثة. سيطيلون في أمد الإجراءات ثم يُنسى الملف تدريجاً ويهمل لاحقاً، وفي أحسن الحالات سيتم نقل المذنبين إلى أماكن أخرى يباشرون فيها مهماتهم مجدداً كأن شيئاً لم يكن.

ستضج مواقع التواصل الاجتماعي بحادثة سجن رانية العمدوني وستغضب المنظمات الحقوقية والجمعيات وتندد وتصدر بياناتها على مدار شهر على أقصى تقدير، بعدها سيهدأ الجميع، ستُنسى العمدوني شيئاً فشيئاً وتكمل عقوبتها وحيدة، شأنها في ذلك شأن كثر من القابعين في السجون لأسباب مشابهة. الصراخ والتعليق على “فايسبوك” والتنديد بالبيانات، لن تكون كفيلة لوقف التنكيل الذي ينفذه  عناصر الأمن بالتونسيين الأحرار اليوم، بمباركة قضاة أصبح يقيناً أنهم بعيدون من النزاهة واحترام حقوق الإنسان.

أثبتت الحوادث المتتالية أن هناك نهجاً واستراتيجية واضحين لاستهداف الشباب الذي يجاهر بانتقاد السلطة ويتمسك بخيار التغيير نحو الأفضل، ويثبت فعلاً وليس قولاً أنه لن يتخلى عن حريته وأفكاره على رغم التهديد والهرسلة. هذه الاستراتيجية باتت أمراً واقعاً، وتتفاقم يومياً ولن تتوقف إلا في حال تخلت المنظمات الحقوقية عن أدوارها الكلاسيكية المتمثلة في التنديد والبيانات وممارسة ضغوط فعلية على السلطة وإجبارها على تغيير أسلوبها مع الشباب التونسي المعارض وغير المنتمي للأحزمة السياسية، لا سيما لـ”حركة النهضة”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.