fbpx

أكبر انتصار حققه أنتوني بوردين: تقليله من شأن المطبخ الفرنسي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من المثير أن ينهي أنتوني بوردان حياته في فرنسا، على رغم أن أحداً لم يتفوق على إسهامه في إنهاء الهيمنة الفرنسية طويلة الأمد على مطابخ العالم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من المثير أن ينهي أنتوني بوردان حياته في فرنسا، على رغم أن أحداً لم يتفوق على إسهامه في إنهاء الهيمنة الفرنسية طويلة الأمد على مطابخ العالم.

لا بد أن عدداً قليلاً ممن تابعوه على الشبكة الإخبارية الأميركية “سي أن أن” وهو يستمتع بتناول الأطباق الغريبة، كأحشاء حيوان ما أو المعكرونة قوية الرائحة والتوابل الأكثر حرارة، قد أدركوا أن كل هذه الملذات كانت لتُحرم من أي فرصة لاعتبارها من ضمن الأطباق الجادة، بسبب الاعتقاد الشائع بأن فرنسا وحدها هي من تقرر ما يجب اعتباره طعاماً ذا مستوى عالمي.

والآن، ونحن ندرك تدريجياً مدى عظمة التأثير الذي تركه فقدان بوردان في البهجة الخالصة لتناول الطعام؛ يغدو تأثيره الجذري في المطبخ العالمي أكثر وضوحاً. وهو ما يُعادل تقريباً محو ديانة ما من الوجود.

مثلت فرنسا الأرض المقدسة لتلك الديانة، أملى الفرنسيون الشروط التي لا تتحقق أقصى درجات الاستمتاع بالطعام إلا بها، وكأنهم آلهة التذوق المطلقة، حتى أنهم أوجدوا كتاباً مقدساً ذا تعاليم راسخة كتعاليم المسيحية، على شكل نصوص وعظية محفوظة بين أغلفة حمراء تعرف باسم “دليل ميشلان” the Michelin guide books.

روّع التهديد المتمثل في زيارة مفتشي “ميشلان” المجهولين جميع الطهاة في كل أنحاء فرنسا. واعتمد تقييم “ميشلان” أداء الطاهي، والذي يتم عبر نظام التقييم بالنجوم، على أكثر من قرن كامل من التقاليد الأرثوذوكسية المتراكمة. وقد يعني الحصول على نجمة تحقيق سمعة جيدة، فيما يعد فقدان نجمة من الأمور المدمرة – ما قد يدفع الطاهي إلى الانتحار بشكل مروع.

وقع انتحار بوردان في قرية فرنسية تدعى كايرسبيرج، التي ربما كانت معزولة، على رغم حقيقة وجود طهاة حاصلين على نجوم ميشلان ووقوعها في منطقة الألزاس، وهي من الأماكن التي يقصدها عشاق النقانق في شمال شرقي فرنسا. كما رافقه في رحلته إريك ريبرت، رئيس الطهاة في مطعم Le Bernardin ، الحاصل على ثلاث نجمات ميشلان في مانهاتن.

كان الافتخار بالطبخ (وما زال) جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الفرنسية إلى الحد الذي لا يمكن فصله عن حب الوطن.

 

بدا الأمر تقريباً كما لو أن نظام الغذاء الفرنسي، المعشوق من الجميع، الذي بذل كل ما في وسعه للتخلص منه، تمكن بحيلة خبيثة، في نهاية المطاف، من إنزال لعنة انتقامية عليه.

تمثلت القوة الحقيقية لصوت بوردان في حديثه ومعايشته لطاولة الطعام وليس المطبخ، على رغم أنه كان طباخاً، فلقد كان في المقام الأول محباً للأكل. وبالرجوع إلى عنوان برنامجه Parts Unknown، الذي تقوم فكرته حرفياً على الذهاب إلى أي مكان وتناول أي شيء إذا كان ذلك يعبر عن السعادة اللامتناهية المتمثلة في اكتشاف طعام أصلي ومحلي.

وعلى النقيض من ذلك، كانت ثقافة الطعام الفرنسية بأكملها، كما قدمت نفسها للعالم، منعزلة بشكل مثير للتحدي، أو شوفينية إذا ما أردنا استخدام المصطلح الفرنسي. فلا يستحق أي طبق أو نبيذ خارج الحدود الفرنسية السفر إليه.

ومن الغريب أن ينتقل هذا السلوك مثل الفيروس إلى أميركا على يد أحد محبي الأكل الذي عمل أيضاً في تأليف الأغاني التي تدور حول تناول الطعام، وكان تقديره للطعام الفرنسي معدياً.

ففي عشرينات القرن العشرين، ذهب شاب من نيويورك يدعى أيه جيه ليبلينغ إلى باريس للدراسة لمدة عام في جامعة السوربون. وكان والده يمنحه ما يكفي من المال لقضاء وقت ممتع طالما أنه في حدود التصرفات الطلابية البوهيمية.

بقدر ما كان ليبلينغ قلقاً، كان الطعام أكبر اكتشاف في حياته. تعلم ليبلينغ المذاقات الخالصة لموسوعة افتراضية من اللحوم المطبوخة والأحسية والمأكولات البحرية وأحشاء الذبائح وطبق التيرين الفرنسي (عبارة عن رغيف من اللحوم المخلطة شبيه بالباتيه) والكرشة والنقانق والطيور التي يتم اصطيادها وقطع اللحوم الرخيصة، فضلاً عن مجموعة متنوعة من الخمور التي لم تُسعّر بعد ليستهلكها الأجانب الأغنياء.

دُعينا للانضمام إلى عمال قطف العنب لتناول الغداء في حظيرة كبيرة بيضاء اللون، حيث أُعِدّت طاولات طعام طويلة، وكان الطعام عبارة عن وليمة كلاسيكية من طعام الفلاحين.

سكب قاطفو العنب بعض النبيذ في الحساء، وحولوه إلى ما يسمى حساء تشاربول chabrol، وهو الانصهار الروحي الذي يمنحك إحساساً لحظياً بالرفاهية.

في الوقت الذي قمت فيه برحلة إلى مصنع بيتروس للخمور، اكتشفت أن فكرة الاستثناء الفرنسية لم تعد قابلة للاستمرار.

وقد كان جورج أوغست إسكوفيير، الشيف المبدع المشهور، أول من اكتسب شهرةً وتأثيراً في مجال الطبخ، والذي بنى سمعته في “فندق ريتز” في باريس في نهاية القرن التاسع عشر وكان يلقب بـ”طاهي الملوك”، بعدما قال له القيصر الألماني “أنا إمبراطور ألمانيا، لكنك إمبراطور الطهاة”.

وكان شعار إسكوفيير في المطبخ بسيطاً وهو “حافظ على البساطة” لكن هذه القاعدة لم تكن سارية على حجم ولائمه.

قلصت الأجيال اللاحقة من الطهاة الفرنسيين حجم الولائم، لكن الفنادق الكبيرة تتذرع بأن حجم غرف الطعام الفاخرة التي أسسها إسكوفيير أصبحت معياراً للمطاعم التي تطمح في الحصول على نجوم ميشلين، وهي ميزة لم تختفِ أبداً في الحقيقة، ويحبها الأوليغارشية (رجال المال والسياسة) الآن كما كان يفعل الإمبراطور من قبل.

كان الافتخار بالطبخ (وما زال) جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الفرنسية إلى الحد الذي لا يمكن فصله عن حب الوطن.

لا يوجد بلد آخر يأخذ الموضوع بجدية بالغة أو يشعر بالحساسية تجاه تفوقه المفترض. لكن الموقف الذي يتخذه الفرنسيون تجاه الطبخ بدأ يضعف فعلياً بعد إنشاء الاتحاد الأوروبي. لقد أدى إلغاء الحدود وحرية حركة الأفراد إلى انفتاح العقول وتغير الأذواق.

في حين ظل المطبخ الإسباني مفارقاً للأوضاع الثقافية والسياسية إبان عهد نظام الجنرال الفاشي فرانكو، إلا أنه لم يحظ بالشهرة والمكانة اللتين يستحقهما. واليوم يعد الطعام والنبيذ الإسباني بقدر جودة الطعام وتنوعه في أي دولة أوروبية أخرى.

بريطانيا أيضاً لا تملك مطبخاً يضاهي المطابخ العالمية، إذ اعتبر المطبخ البريطاني منذ زمن طويل غير متميز. وكثيراً ما استهزأ الفرنسيون ببريطانيا، معتبرين أنها دولة تحصر أذواقها في لحم البقر الشهي والبيرة الدافئة، التي ورثها عنهم الأميركيين أيضاً، الذين كانوا، على رغم سعادتهم بدفع ثمن هذه التسميات التي تحمل إرثاً بريطانياً مثل شاي بعد الظهر والسمك ورقائق البطاطس، إلا أنهم كانوا مقتنعين بأن الفرنسيين كانوا على حق.

لكن لم يؤمن واحد من الأميركيين بهذا الافتراء أبداً. فقبل عشرين سنة، دخل بوردان إلى مطعم بالقرب من سوق اللحوم في سميثفيلد في لندن، كان المطعم يتسم بالبساطة والعظمة، وكتب بوردان:

“لقد أكلت قدر ما أستطيع من قائمة الطعام. أتذكر أنه بعد تناول الطعام ذهبت إلى الشيف فيرغوس [الطاهي هندرسون] في المطبخ ولقد دُغدغت مشاعري ونزلت على ركبتي، معبراً عن مدى سعادتي. كان حقاً مطعم أحلامي. لقد أحببت كل شيء على الإطلاق، الأسلوب والشكل والطعام والنبيذ “.

اكتشف بوردان ما اعترف به العاملون في مجال الطهي الآن: لقد تعلم الطهاة البريطانيون أخيراً إعادة اكتشاف مواردهم الطبيعية العريقة والمتأصلة لإعداد الطعام.

كان بالنسبة إلى الطهاة في جميع أنحاء العالم بمثابة بوذا (نبي) يمشي على قدمين، أو بمثابة نجم روك ذات شعبية جارفة. فتح أمام الناس باب السؤال حول المغزى من التقاليد التي قام عليها مجال المطاعم والتي تراكمت على مر السنين، لقد غيّر العالم حقاً.

 

تُرجم هذا المقال عن the daily beast ولقراءة المقال الاصلي زورو الرابط التالي

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!