fbpx

“انقطعنا عن اللحوم منذ زمن”: كيف يدير اللبنانيون لقمة عيشهم المستحيلة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إحداهن تطلب من البائع أن يعطيها الماء المالح الذي يبقى في وعاء الجبن بعد إفراغه حتى تبلّل الخبز لأولادها كي لا يأكلوه حافاً، وأخرى تخبز الطحين مع السكر كحلويات لأطفالها الصغار…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“اللحوم والجبنة والفواكه… كلها أصناف انقطعنا عنها منذ زمن…”، تقول سوسن بصوت متقطّع وهي تهرول من متجر إلى آخر بحثاً عن سكّرٍ يحظى سعره بدعم الدولة اللبنانية، كانت جارتها أخبرتها عنه صباحاً.

سوسن هي ربّة منزل وأم لثلاث بنات، أكبرهن لم تتجاوز السادسة عشرة، وزوجة لرجل عاطل من العمل، بعدما تعطّلت سيارته التي كان ينقل فيها ركاباً منذ أشهر ولا يملك حتى الآن ثمن تصليحها.

متوسط الدخل الذي كان بحدود 700 ألف ليرة، أي ما يعادل نحو 470 دولاراً، أضحى اليوم أقل من 64 دولاراً في الشهر. 

تقول سوسن لـ”درج” إن معظم وجبات عائلتها مقتصرة على الخضار، فهي تقصد أحد المحال مساءً لتحصيل ما بقي من بضاعة اليوم الفائت بأسعارٍ رخيصة، وتحضّر منها أطباقاً متواضعة لأسرتها. حتى إنها تستبدل حشوة اللحم بحشوة البقدونس والبندورة. 

“عم أحشي ورق الملفوف بالخضار، وأحياناً بستبدل اللحم بالتوابل والزيت”.  

تُشير سوسن إلى أنها تقصد المتجر في الصباح الباكر للحصول على السلع المدعومة، لكنها في معظم الأحيان تفشل بذلك، إذ تخلو الرفوف من أي منتجات قبل حلول الثامنة صباحاً: “أبحث عن البضائع المدعومة، علماً أنها كذبة كبيرة… كنت أشتري علبة الفول بـ750 ليرة، واليوم أصبح سعرها 4500 ليرة، ويقولون مدعومة، أين الدعم؟ لم أعد قادرة على تقديم طبق من الفول المعلّب لأطفالي”. 

“الأسوأ لم يأتِ بعد”…

قصص كثيرة جمعها “درج” تتقاطع مع قصة سوسن التي بالكاد تؤمن قوت أطفالها اليومي. فإحداهن تطلب من البائع أن يعطيها الماء المالح الذي يبقى في وعاء الجبن بعد إفراغه حتى تبلّل الخبز لأولادها كي لا يأكلوه حافاً، وأخرى تخبز الطحين مع السكر كحلويات لأطفالها الصغار، أو تقتلع بعض الحشائش من الحقل المجاور لبيتها لتصنع الفطائر لهم… بينما يقف أحدهم على باب صيدلية يطلب دواءً لابنه المريض، ثم يرحل خاوي اليدين بعدما عرف سعره، قائلاً، “سأعدّ له الشاي ليُشفى”.

يمكن إدراك حجم الكارثة التي أصابت اللبنانيين إذا قارنّا الفرق بين سعر العملة التي انهارت إلى نحو 11 ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد، وسعرها في أيلول/ سبتمبر عام 2019، عندما كان بحدود 1500 ليرة للدولار. وما يعنيه ذلك أن متوسط الدخل الذي كان بحدود 700 ألف ليرة، أي ما يعادل نحو 470 دولاراً، أضحى اليوم أقل من 64 دولاراً في الشهر. 

كل ذلك دفع اللبنانيين إلى التهافت على شراء المنتجات المدعومة، وتخزينها أحياناً. فتناقلت وسائل التواصل مشاهد صادمة من أحد المتاجر حيث يتشاجر الناس للحصول على علبة حليب مجفّف لا تزال من ضمن قائمة السلع التي تحظى بدعم الدولة لسعرها. إلا أن الدولة لم تعد قادرة على الاستمرار في هذا الدعم وتوفير السلع الأساسية للبنانيين بسبب شح احتياطي مصرف لبنان المركزي من العملات الصعبة. وهو الأمر الذي يعرّض المزيد من اللبنانيين إلى الفقر والجوع بسبب العجز عن دفع أسعار السوق الحرة، التي تشهد ارتفاعاً جنونياً غير مسبوق. كما يشي بأن ما يحصل من “معارك” على المواد المدعومة، ليس سوى البداية! خصوصاً أن تلك السلع لا تتوفر بالكميات المطلوبة.

هذا عدا احتكار التُجار للبضائع والتحايل على الخطط الاقتصادية لاستغلال حاجة المواطن، إذ يعمد بعض أصحاب المحال إلى توزيع موظفيهم على المتاجر الكبرى بهدف شراء ما أمكن من المنتجات المدعومة، على أن يعيدوا تعبئتها وبيعها لاحقاً بحسب سعر السوق.
ويأتي ذلك بينما لا إشارة بالمنظار القريب لتفعيل البطاقة التمويلية التي وعدت بها الحكومة اللبنانية والتي يقدّر أن تشمل 700 ألف أسرة، وكلفتها ستكون 6.7 آلاف مليار ليرة، إذ إن الصراع لا يزال مستمراً بشأن مصدر التمويل. وكل يوم يمر من دون الاتفاق على هذه البطاقة هو استنزاف المزيد من الدولارات على دعمٍ لا يصل إلى مستحقيه، ويعني أيضاً تعمّد تحويل الفقراء إلى متسوّلين للقمة العيش. 

وفي هذا السياق، أصدر “مرصد الأزمة في الجامعة الاميركية” تقريراً أوضح فيه أن “الأسوأ لم يحدث بعد”، تعليقاً على انهيار الليرة اللبنانية. موضحاً أن تدارك الأزمة يتطلب نقاطاً عدّة أبرزها “إعادة النظر بطريقة الدعم الحالية، والاستمرار بدعم المواد الأساسية، كالقمح مثلاً، نظراً لأهميته بالنسبة للأمن الغذائي”. كما “تسريع الدعوة إلى جلسة عامة لمجلس النواب لإقرار القرض المقدم من البنك الدولي للبدء بدعم مالي مباشر لحوالى ثلث اللبنانيين لتغطية جزء من نفقاتهم الأساسية كي لا يسقطوا بالعوز الشديد”.

الرئيس يتبرّأ ودياب يُهدّد بالاعتكاف!

بينما تنهار الليرة اللبنانية إلى مستوى غير مسبوق ويتشاجر اللبنانيون في متجر على علبة حليب أو كيس أرز، خرج رئيس الجمهورية ميشال عون إلى العلن، مطالباً الأجهزة الأمنية بالكشف عن “خطط الإساءة للبنان”، رامياً اللوم على جهات ومنصات خارجية تعمل على “ضرب النقد ومكانة الدولة المالية”. وشاركه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب التبرّؤ من المسؤولية، معتبراً أن “هناك من يدفع لبنان نحو الانفجار”. ليخبرنا الأخير أنه لم يعد يحتمل سوء المشهد اللبناني ويهدّدنا بالاعتكاف عن قيامه بدوره للضغط نحو تشكيل حكومة جديدة. علماً أن تلويح دياب غير جائز دستورياً، لأن الحكومة أساساً بحكم المستقيلة، منذ استقالتها في 10 آب/ أغسطس عقب انفجار مرفأ بيروت بستة أيام، وهي وتُصرّف الأعمال بالمعنى الضيّق. إلا أن دياب امتلك من السفاهة ما يكفي للتلويح بالاعتكاف كتهديدٍ سياسي. 

ما يحصل من “معارك” على المواد المدعومة، ليس سوى البداية! خصوصاً أن تلك السلع لا تتوفر بالكميات المطلوبة.

أتى ذلك بعدما أعلن محتجون يوم “اثنين الغضب” وأغلقوا عدداً من الطرق في جميع أنحاء لبنان، احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية. بينما تتصاعد الاحتجاجات، عقب تسجيل الليرة انهياراً تاريخياً، إذ تخطى سعر صرف الدولار الواحد 10 آلاف ليرة في السوق الموازية، بينما سعره الرسمي 1510 ليرات.

هذه التطورات كانت حاضرة في اجتماع عقده قائد الجيش جوزيف عون، والذي بدا فيه حازماً بعدم الصدام مع المواطنين ولا مع المتظاهرين. معتبراً أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي يضع العسكريين والضباط في خانة واحدة مع كل المواطنين، لأن الأزمة المعيشية تنال من الجميع، قائلاً، “كما أنّ الشعب جاع، العسكريّ أيضاً يعاني ويجوع. فما الذي ينتظره المسؤولون؟”. هي خطوة تمرّد عسكرية تعتبر سابقة في لبنان، ما دفع لبنانيين إلى مطالبة الجيش بتولّي السلطة بعد فقدهم أي أمل بالقيادة الحالية، متناسين واقع دول المنطقة التي استلم فيها الجيش سدة الحكم. 
وفيما اندلعت احتجاجات على ضوء موجة الغلاء الجديدة، يبدو إنقاذ الليرة اللبنانية بعيد المنال، في ظل نخبة طائفية فاسدة تحاول إما شيطنة غضب اللبنانيين الذين يطالبون بأبسط حقوقهم للعيش بكرامة أو تسييسها لمصالح ضيقة وهي فوق كل ذلك، تتقاسم موارد البلد وحقوق أبنائه بوصفها “غنائم”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.