fbpx

أفروثين: “الراب” من خلف القناع خوفاً من عائلتي والمجتمع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“افعلي ما شئت، لكن لا تكشفي عن اسمك الحقيقي، لا تلطخي اسم العائلة”… تنوي أفروثين تقديم أغنيات، تعبر فيها عن النبذ الذي تعانيه مع عائلتها، وما تواجهه الفتيات في المجتمع المصري…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليست مغنيات “الراب” كثيرات في العالم العربي وتحديداً في مصر، فمعظم الذين يختارون شق طريق هذا الفن هم من الذكور، منذ ظهوره في مصر نهاية التسعينات مع  “مستر كوردي”، “دوشة”، “عزبة الهيب هوب”، القيصر، إلى أن ظهرت أغنية “البنات جت” عام 2003 التي أطلقها فريق “إكس كرو” بقيادة مها كوين إكس ونور كاندي، اللتين انتزعتا مساحة مبدئية وسط هذا اللون الغنائي القائم في الأساس على التمرد.

أفروثين أو Afrothen (23 سنة) مغنية راب، ظهرت في الفترة الأخيرة، ولفتت الانتباه بأغنيتها الأحدث “اسكورر”، وسط موجة “ديسات” ويجز ومروان بابلو، اللذين أشعلا السوشيل ميديا. وفي أثناء معركة الديسات، كانت أفروثين تحقق نسب مشاهدة معقولة، وعلى رغم أنها نسب لا تُقارن بنسب المشاهدة التي تخطت الملايين لأغاني ويجز ومروان بابلو، إلا أن ظهور أفروثين بأغنية “اسكورر” كان مدهشاً بسبب الصوت الأنثوي المتمرد وراء قناع أسود يخفي وجهها بالكامل، وهي تدبدب على الأرض بحركات الراب المنفلتة بعبثية عن الصورة النمطية للجسد الأنثوي.

قناع أفروثين وكلمات أغنيتها حملتنا إلى توقع قصة مثيرة وراء فتاة اختارت الفن المتمرد في مجتمع يقمع فتيات “تيك توك”، وبالفعل كانت قصتها تستحق الرواية لما فيها من تفاصيل تكشف رحلة فتاة حاربت من أجل الراب، مرتدية قناعاً أسود يخفي وجهها، فيما يحفظ ملايين الجماهير وجوه ملوك الراب الذكور.

واسم أفروثين هو مزيج ما بين أفروديت إلهة الحب والجمال وأثينا إلهة الحرب والحكمة، في ميثولوجيا الإغريق. وبذلك تمثل هذا التناقض بين امرأتين، إلهتين.

تقول المغنية الشابة لـ”درج”، “بدأت الاستماع لموسيقى الراب في المرحلة الإعدادية، عام 2012، وكنت أتابع مغنين أجانب، إمينيم، دكتور دري، ومغنين مصريين، مستر كوردي، دوشة، عزبة الهيب هوب، القيصر، وبحثت عن مغني الراب في مصر، لأتعرف إليهم، وحضرت حفلاتهم التي كان جمهورها لا يتخطى الـ500 شخص، على رغم أنني لم أكن على دراية كاملة بقواعد كتابة أغنية، إلا أنني استعنت بيويتوب في إيجاد بيت الراب الموسيقي، وكتبت أغنيتي الأولى”.

تضيف أفروثين: “محدش كان معايا غير نفسي”، وتتابع: “لم أكن أتجاوز الرابعة عشرة، بدأت أبحث عن مغني الراب، وعرض علي وقتها التسجيل بمقابل مادي، والتسجيل بالمشاركة مع آخرين، لكنني استطعت أن أسجل أغنيتي بحسب إمكاناتي المادية في ذلك الوقت. كلفني الأمر 250 جنيهاً في استديو منزلي، لم تكن الإستديوات حينها متطورة كما الآن، لتسجيل أغنية راب، ولم تكن لدي القدرة على تسجيل أغنية ذات جودة كبيرة، مصروفي الشخصي لم يكن يكفي لأدفع 600 جنيه”. 

أنجزت الأغنية الأولى، وسُجلت، وشاركتها الفتاة الصغيرة على موقع “سوند كلود”، النافذة الوحيدة التي كان يشارك مغنو الراب أغنياتهم عبرها آنذاك.

بعدما استيقظت من نومها، فوجئت أفروثين بأن الأغنية حققت عشرة آلاف مرة استماع، تصف تلك اللحظة “مكنش فيه بنات رابرز وقتها، وفوجئت بنسبة الاستماع، ووقتها شاركت الأغنية باسمي الحقيقي، وفي الأغنية الثانية فوجئت بأن مغني الراب شاهين العبقري قد شاركها على صفحته الشخصية وأشاد بي”. 

“انتقاص من مكانة العائلة”

يقوم فن الراب على التعبير عن النفس، لذا يكتب المغني أغنيته بنفسه، فكانت الأغنيات الأولى لفتاة لم تبلغ الخامسة عشرة، تعبر عن مشكلاتها مع عائلتها، المدرسة التي تشعر فيها بالنبذ والوحدة، على رغم تفوقها. 

لم تمر التجربة  بسلام، فالعائلة رأت في أغاني الراب انتقاصاً من مكانتها الاجتماعية، تقول أفروثين وهي تنفّث دخان نرجيلة الفاكهة من فمها:  “رفض أفراد عائلتي الأمر، واعتبروا الراب فعلاً غير لائق اجتماعياً، كان بالنسبة إليهم صنفاً سيئاً من الغناء، طلبوا مني أن أدرس الموسيقى العربية، أو أن اكتفي بكتابة الشعر العربي، لكن ذلك زاد إصراري، وانتهيت من مشاركة 12 أغنية”. 

وصلت الفتاة إلى المرحلة الثانوية، وحظيت بقدر من الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط معاندة من العائلة الارستقراطية، ودعم متقلب من أصدقائها، لكن وفاة والدتها غيرت كل شيء، “كتبت خبر وفاة والدتي على فايسبوك، كنت حزينة ويائسة للغاية، لكن تعليقاً من أحد المتابعين لفت انتباهي، فقد تصور أنني أعلنت خبر الوفاة من أجل الشهرة، وكان ذلك كافياً، لأغلق حساباتي وأختفي سبعة أشهر، توقفت تماماً عن كل شيء، لم أحتمل تعليقات الجمهور التي لم تخلُ أحياناً من السباب والشتائم، كنت لا أزال طفلة، لم أطق الأمر”. 

عادت أفروثين وأنشأت حساباً شخصياً على “فايسبوك”، بعيداً من الموسيقى، لكن موهبتها بدأت تطفو مرة أخرى، فلجأت إلى الكتابة لنفسها، وشاركت ذلك مع أصدقائها المقربين. 

على مدار ثلاث سنوات، كانت أفروثين تكتب لنفسها، وتشارك أصدقاءها بعض ما تكتبه، حتى أن متابعتها مغني الراب تراجعت، لم يحدث ما يثير رغبتها في العودة، لكن اعتيادها على الكتابة بمفردها، حسن من قدراتها، قالت “مكنتش عارفة أبطل الموسيقى، وجدت نفسي أعود من دون اختيار مني، مجبرة، مللت من الدراسة، من كل شيء، الموسيقى تلح علي بالعودة، بجانب تشجيع أصدقائي المقربين، وهنا قررت العودة”. 

لا يحتاج الراب إلى صوت فني جيد، مثل موسيقى البوب التي تعتمد في الغالب على جودة صوت المطرب، لكن أفروثين تمتلك صوتاً طربياً، يشجعها على الجمع بين النوعين، وفور عودتها، قررت أن تجمع بينهما، “قررت أن أنجز كل ما أجيده من أنواع الموسيقى”. 

كلفني الأمر 250 جنيهاً في استديو منزلي، لم تكن الإستديوات حينها متطورة كما الآن، لتسجيل أغنية راب، ولم تكن لدي القدرة على تسجيل أغنية ذات جودة كبيرة.

” ارتديت القناع لأن والدي هددني قائلاً: “لا تكشفي عن اسمك الحقيقي ولا تلطخي اسم العائلة”

مرة أخرى، واجهت الفتاة عناد أهلها، والدها وشقيقتها، لكن مع مرّ السنوات، خفت حدة التوتر، قالا: “افعلي ما شئت، لكن لا تكشفي عن اسمك الحقيقي، لا تلطخي اسم العائلة”. 

إرضاء لعائلتها، تخفي الفتاة اسمها الحقيقي، عن الجميع، ويتكفل مدير أعمالها بالرد على الصحافيين، وإدارة صفحات السوشيل ميديا، وتستعين بقناع على وجهها أثناء تصوير أغنياتها، لكنها تضيف “بعيداً من تعنت أهلي، وضعت القناع، حتى لا يقال إنني حققت شهرتي كوني فتاة، وإنني حققت نسب المشاهدات العالية على هذا الأساس”. 

تعترف أفروثين بأن الفتيات في عالم الراب معدودات، وهو ما يجعل التركيز منصباً بشكل كبير على أي فتاة تظهر في هذا المجال، لذا قررت أن تتحاشى هذا التمييز من البداية، وتعتمد على ذاتها، من ناحية التمويل والكتابة والغناء.

“شكل القناع عائقاً لرؤيتي وتحركاتي أثناء تصوير أغنية “اسكورر” في ملعب كرة السلة، كنت أتحرك بإحساسي، وساعدتني موهبتي في ممارسة كرة السلة على تخطي هذه العقبة”، توضح أفروثين.

تمييز جندري

البعض يروج فكرة أن المغنيات يحصلن على نسب المشاهدات والاستماع العالية لأنهن فتيات، لا يصدقون كم يعد الأمر صعباً للغاية، أن المغنيات لا يحظين بالدعم الذي يلاقيه الرجال، كما أن الجمهور لا يقدر جهود الفتيات في مجالات يستحوذ عليها الرجال، فيسعى بقصد أو بدونه إلى التقليل من إنتاجهن، إلى أن يحققن نجاحاً يكسر حدة الاستعلاء عليهن والتندر على ما يقدمنه والتقليل منه، وهو ما تشرحه أفروثين لـ”درج”.

وتفسر قلة انتشار فن الراب في مصر، إلى خروج معظم المغنيين، رجالاً وإناثاً، من أحياء ومناطق شعبية في الغالب، تقول “اعتاد الجمهور على أن يرى مغني الراب يرتاد المقاهي الشعبية معه، ويراه شخصاً عادياً، لا يملك سيارة مثلاً، لا يعامل الناس من منطلق النجومية كبقية الفنانين، أشعر أحياناً بأن الجمهور يستكثر على مغني الراب نجوميته وشهرته، بخاصة أنه يرى أن الراب فن متدن، وبالنسبة إلى الفتاة فالأمر لا نقاش فيه، إذ يحرم عليها أن تصبح نجمة ومشهورة كمغنية راب”.

ولا تحظى مغنيات الراب بالانتشار الكافي لأغنياتهن، على رغم جودتها، إلا إذا اشتركت مع مغنٍ شاب، فالمغنية مي مراد، لم تحصد في أغنياتها ما حققته عندما شاركت مغني الراب العربي بيتبول، وهو ما تشرحه أفروثين قائلة: “يفترض أن تحقق مي مراد انتشاراً أكبر، لجودة ما تقدمه، فهي تقدم فناً انطلاقًا من شخصية الـغانغستا راب، وتبرع فيه بقوة، لكن نظراً إلى طبيعة الجمهور، لا تحقق انتشاراً إلا عندما تقدم أغنياتها مع مغنٍ رجل”. 

رفضت مغنية الراب المصرية اللجوء إلى شركات الإنتاج، وفضلت أن تمنح نفسها ندية تفاوضية لتقي نفسها من التحكم بها وبما تنتجه، تقول “بعد أن أحقق ذاتي، وقوتي الفنية، سألجأ للتعاقد مع شركة، لأنني لن أستطيع الإنفاق \حتى النهاية، فأنا أضطر الآن في معظم الأوقات إلى حرمان نفسي من شراء احتياجاتي والتوفير لإنتاج أغنيات”. 

تنوي أفروثين تقديم أغنيات، تعبر فيها عن النبذ الذي تعانيه مع عائلتها، وما تواجهه الفتيات في المجتمع المصري، من فرض الوصاية عليهن، واعتبارهنّ خلقن للزواج وأعمال المطبخ حصراً، إضافة إلى الشرخ الطبقي في المجتمعات وغير ذلك من الموضوعات.

تقول: “أسعى للانخراط في المناطق الشعبية، بخاصة أنني تربيت في منطقة المعادي الراقية، وهي منطقة ذات طبيعة اجتماعية خاصة، وثقافة خاصة، أجهل ثقافة بعض أطياف الشعب المصري، لذا بدأت البحث عن مغني راب غير معروفين، يقطنون المناطق الشعبية، مثل منطقة بولاق، لأستوعب مفردات أغنياتهم، وعلى رغم أنني لا أفهم بعض الكلمات، لكنني أسعى للتعرف إلى مضامينها ومعانيها، حتى إذا لم أستخدمها في كتابة أغنياتي، وأركز على أن يستوعب الجميع ما أقدمه”.

إقرأوا أيضاً: