fbpx

قتلوه حين كُشفت خيوط اختطاف ابنه…
عودة العراق للوضع “الطبيعي” بعد مغادرة البابا!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نقل جاسب ملف التحقيق في حادثة اختطاف ابنه إلى بغداد، لعله لا يتعرض للتسويف كما حصل في مؤسسات ميسان الأمنية، ومع الوصول إلى نتائج يبدو أنها تقترب من محاسبة الخاطفين وتكشف مصير ابنه، تمت تصفيته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اعتاد جاسب حطاب الهليجي أن يجالس نفسه ساعات نادباً ابنه المختطف علي (30 سنة) والذي لم يعرف مصيره منذ أكثر من عام. يحمل صورته معه دائماً ويطلب بحرقة وحسرة من الناس مساعدته على العثور عليه.

سنة ونصف السنة تقريباً مرّت على اختطاف علي، جعلت من والده رجلاً كهلاً، حتى بان الشيب في وجهه والدمع لم يفارقه للحظة ولم يكترث للوم كثيرين ممن طالبوه بالتوقف عن النحيب والبكاء، لأنه “رجل”، وعلى الرجال أن يحبسوا دموعهم في التقاليد العراقية العشائرية. لكنه كان يجيب الجميع بأنه غير قادر على تحمّل فراق ابنه، وغالباً ما كانت دموعه تخونه وهو يحاول تبريرها، فتنهمر على لحيته التي أرخاها منذ غياب ولده، فتبللها.

منذ اختطافه، حلّ جاسب مكان ابنه في الساحات، بعزم أكبر مدفوعاً بقهره على ولده وعلى البلاد.

يقول الذين التقوا جاسب في أيامه الأخيرة، إنه كان يسير محدودب الظهر متّشحاً بالسواد، حتى بدا وكأنه شاخ وعجّز وبلغ سناً متقدمة، فيما لم يتجاوز عمره فعلياً 56 سنة. لقد كسر غياب علي ظهره وراكم الزمن فوق كاهله.

منذ لحظة اختطاف ولده، بدأ جاسب عملية بحث و”تحقيق”، بعدما أهملت قضيته الأجهزة الأمنية والقضائية، فراح يفتّش بنفسه بين أروقة المؤسسات الأمنية وطرق منازل المسؤولين والشخصيات حتى وصل إلى خيوط تصله بالمتهمين باختطاف ابنه، وأعلنها أمام الملأ، كاشفاً عن اسم المتهم الرئيسي بالاختطاف والفصيل المسلح الذي ينتمي إليه، وهو حيدر الغراوي مسؤول جماعة مسلحة تدعى “أنصار الله الاوفياء”.

والتقى جاسب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عند زيارته المحافظة في أيلول/ سبتمبر 2020 وسلمه ملف ابنه المختطف كاملاً، وأسماء المتهمين به بحسب ابنه مصطفى الذي رافقه في هذا اللقاء، إلا أن الأمر انتهى بالتسويف من دون نتيجة على حد قول ابنه.

كما عمد أبو علي إلى تحويل ملف ابنه إلى قضية رأي عام وواظب على الظهور في وسائل الإعلام والكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالباً بكشف مصير ابنه، وآخر مناشداته التي سطّرها على “فايسبوك” وجّهها للبابا فرنسيس خلال زيارته العراق، طالبه فيها بكشف مصير علي. وما أن طارت طائرة البابا محلّقة صوب الفاتيكان، حتى أقدم مسلحون على قتل جاسب أثناء عودته من أحياء الذكرى السنوية لمقتل المتظاهر والناشط عبد القدوس قاسم.

المفارقة، كما يقول الناشط في تظاهرات ميسان مهدي رياض، أن جاسب قتل في الحي الصناعي في منطقة العمارة، في المكان نفسه الذي اغتيل فيه عبد القدوس قاسم. وهي منطقة محاطة بمؤسسات أمنية وفيها مقر “فوج مهمات ميسان”، وهي تصنّف من أكثر المناطق الآمنة في المحافظة.

مهدي الذي عرف جاسب وعائلته عن قرب، يقول لـ”درج” إن علاقة متينة جداً كانت تجمع بين جاسب وابنه المختطف علي على رغم أنه الثالث في ترتيب أولاده الخمسة، فوالده كان داعماً له خلال فترة دراسته منذ صغره وسانده حتى حصل على شهادة البكلوريوس في القانون، ومارس مهنة المحاماة في محاكم المدينة ليتزوج بعد ذلك ويؤسس عائلة وينجب ولدين.

مهدي رياض يتذكر الاغتيالات التي تعرض لها متظاهرون منذ انطلاق حراك الاحتجاج التشريني في ميسان، وكان من أبرز أصدقائه الذين قتلوا، عبد القدوس قاسم وامجد الدهامات والمحامي كرار عادل، إذ كانت تجمعهم “خيمة وطن” في ساحة التظاهر، إضافة إلى تعرض اخرين لمحاولات اغتيال فاشلة تسببت بتشويه أجسامهم.

المحامي المختطف لعب دوراً مهماً في الدفاع عن المحتجين المعتقلين أثناء انطلاق الحراك الاحتجاجي في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وكان هو أحد أعضاء لجنة الدفاع التي شكلها المتظاهرون. منذ اختطافه، حلّ جاسب مكان ابنه في الساحات، بعزم أكبر مدفوعاً بقهره على ولده وعلى البلاد، وكانت قصائده التي يلقيها في التظاهرات، مدويّة، لجهة التأثير في الجماهير، فلدى أبي علي الذي كان يسكن في منطقة ريفية قريبة من مدينة العمارة مركز محافظة ميسان ملكة الشعر الشعبي بالفطرة، على رغم أنه لم يحصل على الشهادة الأكاديمية. لكنه آثر على الإيمان بالعلم والخبز والحرية لأبنائه، وقاتل من أجلها حتى قتلته رصاصات الغدر.

قبل أسبوعين من مقتله، نقل جاسب ملف التحقيق في حادثة اختطاف ابنه إلى بغداد، لعله لا يتعرض للتسويف كما حصل في مؤسسات ميسان الأمنية، ومع الوصول إلى نتائج يبدو أنها تقترب من محاسبة الخاطفين وتكشف مصير ابنه، تمت تصفيته. ويرى مقربون من جاسب أنه رحل وهو يعرف تماماً أسماء المشاركين في حادثة اختطاف علي مع الأدلة.

حادثة اغتيال جاسب حطاب أثارت موجة غضب وتصعيد في ساحات التظاهر في معظم مدن العراق، وقد غرد سفير الاتحاد الأوروبي في العراق مارتن هاوث “مع مغادرة البابا العودة إلى الوضع الطبيعي؟”، في إشارة إلى زيارة بابا الفاتيكان العراق والتي استغرقت ثلاثة أيام من دون تسجيل أي حادثة قتل أو خطف أو قمع، إلا أن هذه التغريدة سرعان ما تم حذفها بعد ساعات. وكتب السفير البريطاني في العراق ستيفن هاك عن مقتل جاسب حطاب: “هو تذكير مروع بالتهديد الذي يتعرض له النشطاء وأولئك الذين يقاتلون بشجاعة من أجل العدالة في العراق”، وشدد على ضرورة ألا تكون هناك جماعة خارج نطاق سيادة الدولة في إشارة إلى المجموعات المسلحة التي تقوم بالقتل والخطف.

في الوقت ذاته، قال زعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم ولديه تمثيل سياسي في البرلمان العراقي، إن حوادث الخطف والتغييب والاغتيال ضد النشطاء وأصحاب الرأي هي رسائل بشعة ومستنكرة وتبعث رسائل مشوهة عن حرية التعبير عن الرأي.

“هو تذكير مروع بالتهديد الذي يتعرض له النشطاء وأولئك الذين يقاتلون بشجاعة من أجل العدالة في العراق”.

وزارة الداخلية العراقية كشفت عن إلقائها القبض على المتهم المنفذ لحادثة اغتيال جاسب حطاب، ووضعت الجريمة في سياق الثأر العشائري، ثم بثت فيديو لشخص قالت إنه من قتل جاسب، يروي فيها أنه قتله بسبب مشاجرة مع ابنائه، واتهمه بانه هو من كان يحرضهم، وحين رآه في الشارع، ترجّل عن درّاجته النارية وأطلق النار عليه من مسدس حربي. سبق هذا الفيديو، آخر لقائد شرطة مسيان العميد عبد الخضر جاسم ليلة حادثة الاغتيال، يؤكد فيه أن الجريمة جنائية بسبب خلاف مع أحد أبناء عمه، ليطل بعد ذلك شخص برفقة عدد من متظاهري ميسان وهو ابن عم المقتول يدعى أبو احمد الهليجي، لينفي نفياً قاطعاً أي خلاف مع جاسب حطاب وأن الأخير كان على علاقة طيبة مع جميع العشائر.

وفيما تحاول وزارة الداخلية العراقية تسويق رواية الثأر العشائري، يرى الناشط المدني أحمد الوشاح في قتل جاسب رسالة من العصابات المسلحة مفادها أنها قادرة على قتل أي شخص ممن هم في فئة جاسب، أي الثوار المزعجين، ويرى أن الحل الوحيد لإنهاء ملف الاغتيالات وحوادث الخطف هو النزول إلى ساحات التظاهر من جديد، وإسقاط النظام الحالي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني وحظر الأحزاب وسحب سلاح الميليشيات.

عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق علي البياتي يؤكد أن آخر إحصاء يشير إلى أن حوادث الخطف في العراق بلغت 76 حالة خطف لنشطاء وصحافيين ومواطنين على علاقة بالتظاهرات، وأفرج عن 22 شخصاً، أما الآخرون ومن بينهم المحامي علي جاسب، فلم يعرف مصيرهم على رغم تشكيل الحكومة لجان تحقيق لمتابعة قضاياهم. أما محافظة ميسان وحدها، فسجلت وقوع 22 قتيلاً وأكثر من 800 جريح منذ بدء الحراك الاحتجاجي في تشرين الأول 2019، وحتى لحظة مقتل جاسب حطاب، الذي مات بحسرته، ولم يعرف مصير ابنه علي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.