fbpx

كيف يراوغ صحافيو المشرق أحكام إعدامهم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

خنق الأصوات وقتلها لا يقتصر على هلال ولاية الفقيه الذي يخترق دول هذا الشرق البائس، فدولة كالسعودية مثلاً لا نطمح أصلاً أن نحصل منها على مادة صحافية من خارج الخطاب الصحافي الرسمي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صار نادراً أن تصلنا مادة صحافية من العراق غير مرفقة بطلب من صاحبها أن يغير اسمه، خصوصاً إذا كان مقيماً في بغداد. الموت صار قريباً جداً من زملائنا الصحافيين، والتهديدات أيضاً تصلهم على نحو متواصل. عشرات منهم غادروا بغداد. من أتيح له ترك العراق فعل، ومن لم يُتَح له، توجه إلى أربيل والسليمانية. القَتَلة معروفون في بغداد، وزملاؤنا يشيرون إليهم بالأسماء والجهات التي تقف وراءهم.

بيروت لا تخلو من هذه الأجواء. قبل نحو شهر قُتل الناشط والكاتب لقمان سليم، وقبله بقليل قُتل المصور الصحافي جو بجاني. وشهد لبنان عدداً موازياً من حوادث قتل غامضة في الآونة الأخيرة طاولت ضابطاً ومصرفياً. لبنان إذاً في طريقه إلى مزيد من الموت المترافق مع انهيارات تشهدها جمهورية الولي الفقيه فيه.

ليس مصادفة أن يصيب هذا النوع من الموت عاصمتا النفوذ الإيراني في المشرق. الموت في العاصمة الثالثة، أي دمشق مختلف في نوعيته وكميته، ذاك أن الأصوات تم تذويبها هناك بالأسيد والكلور، لا بالرصاص. لا حاجة لخنق الأصوات، فقد أنجزت المهمة في دمشق على نحو أشد ضراوة. المواد الصحافية المرسلة من سوريا لا تقتصر حماية أصحابها على إخفاء أسمائهم، بل على تغيير بعض الوقائع والأماكن كي لا يستدل منها على من كتبها.

لكن خنق الأصوات وقتلها لا يقتصر على هلال ولاية الفقيه الذي يخترق دول هذا الشرق البائس، فدولة كالسعودية مثلاً لا نطمح أصلاً أن نحصل منها على مادة صحافية من خارج الخطاب الصحافي الرسمي. أصحاب الخطاب المعترض لا يطمحون إلى الكتابة من داخل المملكة. علينا أن نسعى وراء المقيمين في الخارج، وهؤلاء أصابهم الرعب بدورهم بعدما امتدت يد السلطة إلى خارج المملكة، عندما قُتِل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

في لبنان عشرات النشطاء والصحافيين المصريين واليمنيين الذين لجأوا هرباً من أنظمة الموت في بلديهم إلى مساحة أمان لهم وموت لأقرانهم مواطني هذا البلد، في وقت لجأ لبنانيون من نشطاء ومعارضين لـ”حزب الله” إلى إسطنبول التي يغادرها هرباً من نظامها نشطاء أتراك وأكراد وسوريون.

والحال أن بلاد البؤس التي نعيش فيها، تم تحويلها إلى بؤرة جذب للمستهدفين من أنظمة القتل والاستبداد، فعلى نحو ما فعلت الرياض مع خاشقجي، أقدمت طهران على استدراج الصحافي الإيراني المعارض المقيم في فرنسا روح الله زم إلى العراق واختطفته جماعتها هناك وسلمته إلى السلطات الإيرانية التي لم تتأخر بتنفيذ حكم الإعدام به.

ثم إن تفاوتات في أحوال الدول تملي تفاوتاً في القتل، فبغداد وبيروت تتشابهان في وجود بؤر اعتراض فيهما تملي على القاتل سعياً إلى خنق الأصوات لا يمليه عليه الوضع في سوريا أو في السعودية اللتين لا أثر لبؤر اعتراض معلن فيهما. وهنا تحضر مهمة القتل بوصفها سبيلاً لبث الخوف وجعله قوة ضبط لمن تسول له نفسه الاعتراض. وإذا كان الصحافيون العراقيون قد وجدوا بالسليمانية وأربيل، وأحياناً إسطنبول وبيروت ملاذاً يحميهم من فصائل القتل الولائي في بغداد، فإن تبادل الدعوات إلى مساحات الأمان يحمل مقداراً من الهزال فعلاً. فقد تلقينا في أعقاب مقتل لقمان سليم دعوات من زملائنا العراقيين للمغادرة إلى بغداد، هناك حيث القاتل منشغل باستهداف العراقيين، ومن المرجح أن لا يعطي بالاً لأهداف لبنانية!

والحال أن مراوغة القاتل تجري على قدم وساق في دول البؤس والقتل والاستبداد. في لبنان عشرات النشطاء والصحافيين المصريين واليمنيين الذين لجأوا هرباً من أنظمة الموت في بلديهم إلى مساحة أمان لهم وموت لأقرانهم مواطني هذا البلد، في وقت لجأ لبنانيون من نشطاء ومعارضين لـ”حزب الله” إلى إسطنبول التي يغادرها هرباً من نظامها نشطاء أتراك وأكراد وسوريون. هذه المراوغة التي تبدو أقرب إلى مهزلة، تجري بعد أن يكون القتل قد استنفد أهدافه، ذاك أن القاتل حقق الجزء الأكبر من أهدافه، والمتمثل في اجتثاث الأصوات ودفعها إلى المغادرة.

بيروت تقاوم هذا المصير طبعاً، وبغداد أيضاً وإن بنسبة أقل، لكن مسار القتل لم يستنفد قدرته بعد، لا سيما أن أصحابه يتخبطون بفشل وراء فشل في إدارة شؤون البلدان التي يغتصبون السلطة فيها، ما يجعل احتمال ارتفاع مزيد من الأصوات في وجوههم قائماً ومتعاظماً. فالجوع يطرق أبواب اللبنانيين وكذلك العراقيين، ومسؤولية أنظمة القتل العميقة عن هذا الجوع تتكشف يوماً بعد يوم، ولا سبيل لخنق الاحتجاجات سوى بمزيد من القتل الذي يسبق بلوغ الهاوية.  

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.