fbpx

سيناريو “مرفأ بيروت” العراقي: مخازن “الحشد” قنابل موقوتة بين السكّان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

“أين المفر، ليس باستطاعتي الانتقال الى منطقة أخرى فأنا لا أملك المال، وإن حاولت أن ابيع هذا البيت لن يشتريه أحد”… نحن نجاور الموت، ويسيطر علينا الرعب من مصير يشابه مصير مرفأ بيروت”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 في ناحية الحسينية، قضاء محافظة كربلاء في العراق، يعيشُ صدّيق وأسرته التي وقع اثنان منها ضحية انفجارٍ تعرض له معسكر الحشد الشعبي في 6 آب/ أغسطس 2018.

صدّيق أحد عناصر الحشد الشعبي، يقع منزله بجوار المعسكر المستهدف، في منطقة مأهولة بالسكان، يقول لـ”درج” إن “الانفجار حصل بسبب سوء تخزين للعتاد، في شهر يعدّ من أكثر أشهر الصيف حرارة في العراق”.

بعدما خسر صديق ابنته مريم (7 سنوات)، وابن اخيه الأكبر فيصل (5 سنوات)، يقول “تنحيت عن العمل في فصائل الحشد الشعبي، لقد فُجعتُ بابنتي وابن اخي”.

في كربلاء إحدى محافظات الفرات الاوسط، وتحديداً في بلدة خان الربع جنوب شرقي كربلاء، حدث انفجارٌ مماثلٌ آخر لمخزن ذخيرة تابع للحشد الشعبي في آب/ أغسطس 2019، واستهدف الانفجار مخازن لواء علي الاكبر المنضوية تحت فصائل الحشد الشعبي، يقول صدّيق إن “قرابة سبع انفجارات لمخازن عتاد خاصة بالحشد الشعبي وقعت وجميعها على مقربة من مناطق سكنية كخان الربع أو ناحية الحسينية وغيرها”.

أما العاصمة بغداد فكانت لها حصّتها الخاصة من هذا النوع من الانفجارات، ففي 19 تموز / يوليو الماضي 2019، استهدف تفجير مخزن سلاح كبير في منطقة آمرلي في محافظة صلاح الدين شمال بغداد، حيث قوات اللواء 16 من الحشد الشعبي، وفي حينه صرح المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، العميد يحيى رسول، بأنه “تم استهداف مواقع تابعة لكتائب حزب الله في العراق، وتحديداً معسكر الشهداء، وأن القصف تم على مرحلتين عبر طائرة مجهولة”، لكن تصريحًا لاحقًا تحدث عن أن لجنة تحقيقية خلصت إلى أن الانفجار كان مجرد “حريق وقود صلب نتيجة خلل داخلي”.

أتى الانفجار على مرآب الآليات الثقيلة ومسقفين كبيرين، ما أدى إلى” انفجار عدد من الصواريخ التي أعقبتها انفجارات أخرى شملت أكداس عتاد وذخيرة وصواريخ متوسطة وبعيدة المدى”.

وقبل نهاية تموز 2019 ،تعرض معسكر أبو منتظر المحمداوي، في محافظة ديالى شمال شرقي بغداد، لضربة جوية من طائرة مجهولة الهوية استهدفت موقعين داخل المعسكر، أحدهما مخزن صواريخ ومنصات لإطلاقها، والآخر تجمع كبير لميليشيات الحشد الشعبي، ويعتبر المعسكر من أهم مراكز التدريب التي يشرف عليها ضباط من فيلق القدس الإيراني وميليشيات “حزب الله” اللبناني لتدريب الميليشيات العراقية والميليشيات الأخرى ،التي ينقلها الحرس الثوري عبر العراق إلى سوريا واليمن والبحرين. وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية من بينها موقع “ناستيف نت” المتخصص بالمعلومات الاستخبارية المفتوحة “أوسينت”، أن إسرائيل نفذت قصفاً على المعسكر الذي توجد فيه قوات الحشد الشعبي، بينما نفى مصدر عراقي وجود أي قصف على معسكر أشرف وأن الانفجار كان ناجماً عن سوء التخزين وارتفاع درجات الحرارة.

بعد ذلك بنحو أسبوعين، وقع انفجار في معسكر مشترك تديره الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي، جنوب بغداد، وقد ذكرت خلية الخبراء التكتيكية التابعة لوزارة الدفاع العراقية في تصريحات صحافية أن “طبيعة الانفجار ألحقت دماراً هائلاً بالمعسكر بعدما وصلت النيران لعتاد اللواء 14 من الحشد الشعبي، حيث أتى الانفجار على مرآب الآليات الثقيلة ومسقفين كبيرين، ما أدى إلى انفجار عدد من الصواريخ التي أعقبتها انفجارات أخرى شملت أكداس عتاد وذخيرة وصواريخ متوسطة وبعيدة المدى”.

ثم جاء تفجير معسكر للحشد الشعبي في جنوب محافظة صلاح الدين الذي شاركت فيه كتائب “حزب الله” وميليشيات “جند الإمام”، بعد ذلك بنحو أسبوع ليؤدي إلى تدمير واسع في المعسكر شمل مخازن السلاح، وذكر شهود أن ستة انفجارات بينها فواصل زمنية قصيرة كانت الشرارة الأولى لموجة الانفجارات المتلاحقة التي شهدها المعسكر. ويقع هذا المعسكر بجوار قاعدة بلد الجوية التي تؤوي طائرات “إف 16” مع الخبراء والمستشارين الأميركيين الذين يشرفون على تشغيلها وصيانتها، وقد تم إجلاء هؤلاء بصورة موقتة بعد الانفجارات.

 ثلاثة انفجاراتٍ حصة بغداد

 لفصيل الحشد الشعبي خمسة محاور في العراق: “الفرات الأوسط، بغداد، عمليات الحشد في جنوب العراق، محور الحشد غرب الأنبار، محور الحشد شمال العراق”، ولكل من هذه المحاور عددٌ من الألوية التي يبلغُ عددها بالضبط 60 لواءً، تتوزع بحسب حاجة كل محور، وبحسب صدّيق الذي كان عنصراً فاعلاً في الحشد الشعبي، فإن “مقرّ كل لواء من هذه الألوية عبارة عن مخزن للاسلحة الثقيلة كالصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها”.

شهدت بغداد دوناً عن المحافظات قرابة 3 انفجاراتٍ لمخازن عتاد الحشد الشعبي والتي تتوسط مناطق مأهولة بالسكان، وقع أولها في أيلول/ سبتمبر 2016 في منطقة العبيدي شرق العاصمة، وعلى إثر الخسائر الفادحة البشرية والمادية التي نتجت عنه، أعلن رئيس الحكومة العراقية آنذاك حيدر العبادي عن ضرورة العمل على حصر السلاح بيد الدولة بشكل جدي، وإبعاد مخازن العتاد من المناطق السكنية.

إنفجارٌ ثانٍ وقع جنوب العاصمة في منطقة الدورة- ابو تشير في آب/ أغسطس 2019، في قاعدة معسكر الصقر الخاصة بالحشد الشعبي، بعد قصفه بطائرة مسيرة مجهولة، تقول شيماء من سكان المنطقة لـ”درج” إن “هذا الرعب يتكرر بين الحين والآخر”.

إقرأوا أيضاً:

شيماء 35 عاما تسكنُ بالضبط في الجانب المقابل من معسكر الصقر، في جزءٍ من البيوت العشوائية هناك، منزلها المُتهالك لايتجاوز ال75 متراً مربعاً، جدران بيتها عبارة عن كُتل اسمنتية، بلا طلاء، وجزءٌ من سقف بيتها على وشك السقوط، وهي أرملة وأم لطفلين يتيمين، زوجها لقي حتفه في عمليات تحرير الموصل من داعش بعد أن انخرط في صفوف فصائل الحشد الشعبي آنذاك.

تذكر شيماء أن “انفجار معسكر الصقر عام 2019 كان الأول، وفي تموز 2020 حدث انفجار ثاني كان سببه سوء تخزين للعتاد”، مؤكدة أنه “مع كل انفجارٍ كان جزء من المنزل يسقط فوقنا ونقوم بإصلاحه”.

الظرف الاقتصادي الذي تعيشه شيماء، وكل من يسكن المنطقة العشوائية المقابلة للمعسكر يُقيدهم ويمنعهم من الهروب بعيداً: “أين المفر، ليس باستطاعتي الانتقال الى منطقة أخرى فأنا لا أملك المال، وإن حاولت أن ابيع هذا البيت لن يشتريه أحد، فمن يود شراء منزل مجاورٍ لمخزن أسلحة ثقيلة؟ نحن نجاور الموت، ويسيطر علينا الرعب من مصير يشابه مصير مرفأ بيروت”.

 يضم معسكر الصقر أربعة مقرات لألوية تابعة للحشد الشعبي، فضلاً عن “منظمة بدر وجند الإمام” و”كتائب سيد الشهداء”، ويقع المقابل منطقة مأهولة بالسكان، ويعدّ مقراً حكومياً، قيل إنه قد تعرض لقصف طائرات أميركية مسيرة بحسب شهود عام 2019، ولكن ارتفاع درجات الحرارة كان السبب الآخر للانفجار الذي وقع في تموز 2020، بحسب ما صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع يحيى رسول.

 مجزرةُ 2018

لم تتضح خطورة مخازن العتاد التي تتوسط المناطق السكنية في العراق، إلا بعد انفجار حسينية الإمام الحسين في قطاع 10 في مدينة الصدر في بغداد عام 2018، الانفجار الذي لا تستطيع أم حازم نسيانه، بعدما ترك حزناً عميقاً في قلبها. تنظر إلى صورة زوجها الذي لقي مصرعه في الانفجار وتتذكّر: “مساء 6 حزيران/ يونيو 2018، لم أسمع سوى دوي انفجار، تلاه آخر أكثر شدة، ترجلت السُلم، وأنا أحاول أن اتلمّس طريقي من الغبار والدخان، فتعثرت بكتلة كبيرة، ليتبين انها جسد زوجي، الذي نقل إلى المستشفى وتوفي بعد أيامٍ إثر تسمم جروحه بمخلفات الانفجار بحسب تشخيص الأطباء”.

 الشظايا طاولت عينيّ أم حازم، وبالكاد تبصر الأشياء اليوم، وشوهت أيضاً جسد ابنها الأصغر عباس، وقتل الانفجار زوجها.

كان هذا الانفجار الأشهر في مدينة الصدر، حيث كانت الحسينية مكدسة بأسلحة لفصيل سرايا السلام الذي يتزعمه مقتدى الصدر، وقيل إن طائرة مسيرة قامت بقصفه، لم يكن منزل الذي يبعد 8 أمتار من الحسينية المتضرر الوحيد، بل وقع 18 قتيلاً و120 جريحاً نتيجة الانفجار، فضلاً عن تهديم 15 منزلاً و10 سيارات، على مقربةٍ من الحسينية، وثلاثة منازل سويت تماماً بالأرض، إضافة إلى تدمير مدرسة مجاورة للحسينية.

“أين المفر، ليس باستطاعتي الانتقال الى منطقة أخرى فأنا لا أملك المال، وإن حاولت أن ابيع هذا البيت لن يشتريه أحد، فمن يود شراء منزل مجاورٍ لمخزن أسلحة “ثقيلة؟

الحاج هادي أحد سكان قطاع 10 يقول لـ”درج” إن “بيتاً في مدينة الصدر لا يخلو من السلاح وفي بعضها يوجد قذائف (آر بي جي) فلا نستغرب أن تكون الحسينية مخزناً للمتفجرات”.

79 قطاعاً في مدينة الصدر، مساحة الواحد منها 25010 أمتار مربعة، وللقارئ القدرة على تخيل حجم الخسائر والخطر إذا وقع انفجارٌ في هذه القطاعات المحشوّة بالمتفجرات. سيكون شيئاً مشابهاً، أو ربما أكبر من انفجار مرفأ بيروت.

 مخازن العتاد في بغداد لا تقع في مدينة الصدر أو في معسكر الصقر جنوب العاصمة وحسب، إنها تنتشر في مناطق متفرقة من العاصمة في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة، الشيعية تحديداً، فبعد سيطرة “عصائب أهل الحق” التابعة لزعيمها قيس الخزعلي على منطقة زيونة في بغداد، فضلاً عن مناطق الكرادة والجادرية التي تسيطر عليها فصائل شيعية مختلفة ككتائب حزب الله، وقوات بدر، وغيرها أضف إليها مناطق الشعلة والحرية والشعب، صارت كل تلك المناطق المأهولة بالسكان ،مخازن لمختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات.

بديل القانون

الفوضى، وغياب القانون الذي تتكئ عليه الفصائل الشيعية في العراق، من الأسباب الرئيسة لانتشار السلاح، ووجود مثل هذه المخازن في مناطق مأهولة بالسكان بحسب الخبير الامني عدنان الكناني الذي يقول لـ”درج” إن “المواطنين، وبخاصة تلك الفئات التي اعتادت اتباع زعاماتٍ دينية وسياسية، يجدون أن حمايتهم لأنفسهم تكمن بحمل السلاح، في ظل دولة غير قادرة على حماية نفسها”.

وقال الكناني: “في الفترات التي انتشرت خلالها قوات تنظيم القاعدة الإرهابية، ثم قوات داعش، جميعها دفعت الى تشكيل فصائل مسلحة خارجة عن الدولة هدفها حماية أتباعها من المذهب الآخر، وهذا ما دفع إلى تشكيل هذه الفصائل الشيعية، التي حملت السلاح دفاعاً عن أبناء مذهبها ممّن قد يهددونهم، وامتد طغيانها حتى وصلنا الى ما نحن عليه بسبب غياب قانون صارم”.

عدم خضوع الميليشيات للقانون دفع بالحكومة الى محاولة دمجها مع الأجهزة الامنية الرسمية. يقول الكناني إن “الحكومة حاولت إخراج مخازن العتاد من الأماكن القريبة من المناطق السكنية، ونقلها إلى أطراف العاصمة منذ حكم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وخصوصاً بعد هزيمة داعش، ولكن فشل الحكومة في حل الميليشيات دفعها إلى ضم الحشد الشعبي ضمن القوات الأمنية بشكل رسمي”.

إن “بيتاً في مدينة الصدر لا يخلو من السلاح وفي بعضها يوجد قذائف (آر بي جي) فلا نستغرب أن تكون الحسينية مخزناً للمتفجرات”.

أطراف المدن 

قيادات الحشد الشعبي أكدت أكثر من مرة أنها تحاول، وبشكل جاد، تخزين سلاحها في مؤسسات الدولة العسكرية كوزارة الدفاع، لكن الحكومة لا توفر لهم هذه الفرصة بالشكل المطلوب.

يقول الشيخ ميثم الزيدي رئيس فرقة العباس القتالية التابعة للعتبات المقدسة لـ “درج” أن “أكثر من 70 في المئة من أسلحة الفرقة والحشد كنا نحصل عليها من وزارة الدفاع عام 2014 حين خضنا حرباً ضد داعش، وحوالي الـ25 في المئة كانت تمولنا بها العتبات المقدسة، أما الـ5 في المئة المتبقية من العتاد فقد حصلنا عليها من سوق بيع السلاح”.

 ويؤكد أن “فرقة العباس القتالية قررت أن تخزن جميع أسلحتها لدى مقرات وزارة الدفاع الرسمية، وبطلبٍ منّا، بعد القضاء على إرهاب داعش”. ويضيف “إنني اتحدث عن فرقة العباس القتالية بشكل خاص، وقد عرضنا على جميع فصائل الحشد الشعبي، أن يخزنوا أسلحتهم في مقرات ومعسكرات تابعة لوزارة الدفاع، أولاً للحفاظ على الأسلحة، ولتجنب حدوث ما شهدناه من تفجير لمخازن العتاد في المناطق السكنية، لكن الدولة لم توفر حتى الآن مخازن كافية لأسلحتنا، بخاصة أننا نمتلك الكثير من الطائرات المسيرة التي نستخدمها لأغراض مدنية لا عسكرية”.

لجأت فرقة العباس القتالية، وفصائل أخرى من الحشد الشعبي لاستخدام مخازن للعتاد على أطراف المدن بحسب الزيدي، لكن نزوح السكان وبناء بعض البيوت في مناطقٍ قريبة من أطراف المدن وقريبة من مخازن السلاح هذه يجعلانهم عرضةً للخطر، “على رغم أننا نحاول قدر الإمكان الابتعاد من مركز المدينة والبقاء عند الأطراف لاتخاذ مقراتٍ هناك وتخزين أسلحتنا وعتادنا فيها”.

في وقت نادت القيادات العسكرية والأمنية في العراق بعد انفجار مرفأ بيروت، بإخراج مخازن السلاح والمتفجرات إلى خارج المدن والمناطق المأهولة بالسكان. جاء ذلك على لسان الممثل العسكري لرئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، اللواء يحيى رسول الذي أعلن عن “مساعٍ جادة للدولة لحصر السلاح بيدها، وإبعاده من المناطق السكنية، فضلاً عن القضاء على أوجه التسلح غير القانونية”.

إقرأوا أيضاً: