fbpx

جلال طالباني مادة صراع انتخابي تركي بين ديميريل وأوزال!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مام جلال، حرية، يحيا الكرد. في الداخل استمرت الهتافات… كان واضحاً أن تلك التظاهرة الكردية الصغيرة زودته شحنة اضافية من الادرينالين بعد شحنة اللقاء مع أوزال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في حزيران/ يونيو 1991، عندما كان زعيم “حزب الشعب الجمهوري” التركي وقتها إردال إينونو، الرئيس الدوري لمنظمة “الاشتراكية الدولية”، وكان حزبه عضواً فيها، دعا إلى عقد المؤتمر السنوي للمنظمة في اسطنبول. وبصفته رئيساً للمؤتمر وجه الدعوات إلى زعماء الأحزاب الأعضاء في المنظمة، وبينهم جلال طالباني الذي كان حزبه عضواً في المنظمة. توجهت بدوري إلى اسطنبول مندوباً من “الحياة” لتغطية وقائع المؤتمر ومتابعة أول زيارة علنية لزعيم كردي إلى تركيا، وإن لم تكن بدعوة من حكومتها. رافق طالباني إلى المؤتمر الدكتور برهم صالح وسرتشل قزاز الذي أصبح لاحقاً أول ممثل رسمي لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني” في تركيا متخذاً مقراً له في العاصمة أنقرة، بعد موافقة الحكومة التركية على أن يفتتح الحزبان الرئيسيان مقرين في أنقرة، وتخصيصها لهما شقتين متقابلتين في عمارة سكنية تقع في أحد أحياء العاصمة. أبدت وسائل الإعلام التركية والغربية اهتماماً خاصاً بوجود الزعيم الكردي، فعج فندق “هيلتون اسطنبول” بالصحافيين الذين سعوا إلى إجراء لقاءات معه ومتابعة تحركاته واتصالاته فأصبح بحق نجم المؤتمر. شخصياً، أقمت في الفندق ذاته وكنت عقدت بعد زيارتين سابقتين إلى تركيا صداقات وعلاقات عمل مع مسؤولين وزملاء صحافيين أتراك ومراسلين أجانب هناك. في اسطنبول كنت على اتصال دائم بطالباني والصديقين برهم وسرتشل. وكان هناك طبعاً الصديق والزميل جنكيز تشاندر، الذي لعبنا معاً دوراً في تعزيز العلاقات بين طالباني وأنقرة، وتحديداً مع الرئيس أوزال لاحقاً. عشية افتتاح المؤتمر سُلّطت الأضواء بقوة على طالباني، عندما عقد معه إينونو لقاءً للترحيب به شخصياً، واهتمت نشرات الأخبار التلفزيونية به، وكان الخبر الرئيس في الصحف التركية في اليوم التالي. كان هناك سيل من الطلبات لإجراء لقاءات صحافية مع طالباني الذي سعى إلى تلبية أكبر عدد ممكن منها. في الأثناء اتفقت مع جنكيز الذي كان أصبح مستشاراً غير رسمي لأوزال في الشأن العراقي والكردي، على أن نرتب فطور عمل يدعو اليه طالباني عدداً من كبار الصحافيين الأتراك.

شخبط السياسي التركي المخضرم على ورقة أمامه خريطة للشرق الأوسط، وقال إن الحدود بين دول هذه المنطقة رسمها المستعمرون وأتبع قوله ذلك بأن مسحها وأضاف أن هناك كرداً في تركيا وكرداً في العراق، كما يعيش ترك في تركيا وتركمان في العراق.

خريطة ديميريل

ضم الفطور نحو سبعة أو ثمانية رؤساء تحرير وكتاب أعمدة بارزين كان بينهم الصديق والزميل إلنور تشيفيك الذي كان وقتها مالكاً ورئيساً لتحرير صحيفة “توركيش ديلي نيوز” الصادرة في أنقرة بالإنكليزية. إلى ذلك كان تشيفيك في ذلك الوقت مستشاراً غير رسمي أيضاً لزعيم حزب الطريق المستقيم المعارض السياسي المخضرم سليمان ديميريل الذي كان يشكل المنافس الأقوى لأوزال وحزب الوطن الأم. بعد الفطور تحدث معي تشيفيك مستفسراً عما إذا كان يمكن ترتيب لقاء بين طالباني وديميريل الذي كان موجوداً في أنقرة في إطار حملته الانتخابية، خصوصاً أن أينونو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض والمنافس لحزب ديميريل كان قد سبق والتقاه. أجبته بأنني اعتقد ان طالباني سيرحب بالفكرة وسأفاتحه بها. تم الاتفاق على ان يتم اللقاء في ساعة محددة مساء وسيأتي تشيفيك ليرافق طالباني إلى اللقاء مع ديميريل، الذي كان يقيم في فندق شيراتون القريب من الهيلتون على أن يغادر طالباني وفريقه الفندق عبر مصعد خاص إلى كراج الفندق، تجنباً للخروج عبر ردهة الفندق حيث كان يتجمع الصحافيون. وكنت بين المراسلين الذي تجمعوا في ردهة الشيراتون عندما دخل اليها طالباني برفقة صالح وقزاز. بعد اللقاء روى لي مام جلال بإيجاز مضمون حديثه مع ديميريل، لكن كاك برهم أضاف لي تفاصيل أخرى أكدها لي مجدداً في اتصال أجريته معه في أثناء كتابة هذه السطور. 

قال كاك برهم إنه قبل التوجه إلى اللقاء، أوضح له طالباني أنه سيكون حازماً في الحديث مع ديميريل الذي توقع أنه لن يكون ودياً في الحديث نظراً إلى أنه كان يوجه انتقادات شديدة لأوزال بسبب علاقته مع القيادة الكردية في العراق، وكان ديميريل يستغل ذلك لمهاجمة الرئيس التركي، خصوصاً في تلك الفترة حين كانت الأحزاب تخوض حملات تنافسية استعداداً للانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/ أكتوبر 1991. لكن مزاج طالباني تغير حالما بدأ ديميريل الحديث. شخبط السياسي التركي المخضرم على ورقة أمامه خريطة للشرق الأوسط، وقال إن الحدود بين دول هذه المنطقة رسمها المستعمرون وأتبع قوله ذلك بأن مسحها وأضاف أن هناك كرداً في تركيا وكرداً في العراق، كما يعيش ترك في تركيا وتركمان في العراق. وختم بقوله إنه حتى لو بقي وحيداً في تركيا فإنه سيدافع عن كرد العراق. مام جلال رد تحية دميريل بأحسن منها مشيداً بنشوء علاقات مباشرة مع الحكومة التركية وضرورة تعزيزها وتطويرها، مؤكداً صلات “القرابة” بين الأتراك والكرد.

كاك برهم أضاف أنه عندما انتهى الاجتماع ونهض الجميع، ترك ديميريل خريطته على الطاولة فكانت في متناول اليد، لأن ديميريل غادر مقعده، فأراد برهم أن يطويها ويضعها في جيبه، لكنه تردد وأعادها إلى مكانها. كاك برهم ندم لأنه لم يأخذ الخريطة ومام جلال انزعج واعتبر أن برهم ضيّع فرصة الحصول على خريطة ديميريل.

التعامل مع “حزب العمال الكردستاني”، وهو الموضوع الذي كان يتصدر دائماً جدول الأعمال في الاتصالات الكردية- التركية.

كلام الليل في “مرمرة”

في الأثناء يبدو أن الرئيس أوزال كان يتابع تحركات طالباني في اسطنبول ولقاءاته مع إينونو وديميريل والتغطية الواسعة التي حظي بها في وسائل الإعلام التركية والعالمية. اتضح ذلك في مساء اليوم الذي التقى فيه طالباني وديميريل. جاء جنكيز إلى غرفة طالباني وكنت موجوداً هناك مع برهم وسرتشل، ليخبره أن كايا توبيري المستشار الصحافي لأوزال، جاء من أنقرة إلى اسطنبول، خصيصاً للقاء طالباني للبحث في مواضيع وصفها، بأنها مهمة لكن نظراً لأن الهيلتون يعج بالصحافيين، فالأفضل أن يتم اللقاء بينهما في جناح حجزه توبيري في فندق مرمرة المشهور المطل على ساحة تقسيم وسط المدينة. بقيت في غرفتي في الهيلتون لإعداد تقرير كي أرسله إلى “الحياة”. وبعد نحو ساعة وكنت أكملت كتابة التقرير تلقيت اتصالاً من كاك سرتشل، قال إن مام جلال وتوبيري يودان أن أحضر فوراً للانضمام اليهما فأسرعت بسيارة أجرة إلى اللقاء. كان هناك برهم وسرتشل وجنكيز. تركز الحديث على جوانب عملية ولوجستية في العلاقة بين انقرة والقيادة الكردية وإمكان فتح مقرين للحزبين الرئيسيين وتطوير الاتصالات بين الطرفين، وطبعاً التعامل مع “حزب العمال الكردستاني”، وهو الموضوع الذي كان يتصدر دائماً جدول الأعمال في الاتصالات الكردية- التركية. لكن لم يكن هناك أي حديث عن لقاء محتمل بين أوزال وطالباني. لكن يبدو أن نتائج لقاء “مرمرة” كما نقلها توبيري للرئيس أوزال لعبت دوراً في قراره استقبال طالباني شخصياً. في اليوم التالي، جاءني جنكيز وقال لي فرحاً إنه تلقى اتصالاً من كايا الذي عاد إلى أنقرة وأبلغه بقرار أوزال استقبال طالباني رسمياً في القصر الرئاسي، وأنه قال لتوبيري إن الأحزاب المعارضة، لن تستطيع أن تنتقده بعد الآن على قراره طالما أن زعيمي “الشعب الجمهوري” و”الطريق المستقيم” التقياه في اسطنبول. اضاف جنكيز أن وزير الخارجية ذعر بقرار أوزال فطلب من كايا إبلاغ الرئيس بأن الافضل أن يستقبله الوزير فقط، لكن اوزال أصر على أن يستقبله الوزير أولاً في مقر الوزارة، ثم يرافقه بنفسه إلى القصر الرئاسي. قلت لجنكيز لنذهب فوراً لنخبر مام جلال بهذا التطور المهم، فهو موجود الآن في غرفته. كنت وجنكيز نتحدث بصوت عال، فسمعنا مام جلال وكان باب الغرفة مفتوحاً، فخرج إلى الممر وسالنا مبتسماً: ماذا وراء مجيئكم؟ أجبناه مازحين بأنه كان وعدنا بتكريس صفحات في مذكراته عندما سيكتبها عن دورنا في تحقيق العلاقة بين تركيا والكرد، لكننا نعتبر أن دورنا يستحق تكريس فصل كامل لنا، خصوصاً أن لدينا الآن خبراً ذا أهمية تاريخية. قال لنا لكما ما تريدان هيا، ما هو الخبر؟ كان الخبر مفاجئاً له فلم يجبنا فوراً، بل دخل إلى غرفته وأغلق الباب، فيما بقينا ومعنا برهم وسرتشل في الغرفة المجاورة نتحدث عن هذا التطور إلى أن فتح طالباني الباب. دعانا إلى الدخول لنواصل الحديث في هذا التطور غير المتوقع الذي لعبت فيه المنافسة الحزبية بين زعماء الحزب الحاكم والحزبين المعارضين الرئيسيين، إلى أن يستقبل رئيس الدولة التركية رسمياً زعيمًا كردياً يسعى حزبه إلى إقامة دولة كردية في القصر الرئاسي وهو أمر كان يعدّ مستحيل التحقيق قبل شهور قليلة فقط.

إقرأوا أيضاً:

 

مام جلال، حرية، يحيا الكرد!

بعد انتهاء مؤتمر الاشتراكية الدولية، توجهت إلى أنقرة فوراً، لأكون هناك عندما يستقبل أوزال طالباني في قصر تشانكايا الرئاسي وأقمت في الهيلتون. تبين أن غرفتين متلاصقتين حجزتا لطالباني في إحد الطبقات العليا في الهيلتون، وخصصت حراسة له أمام الغرفتين إضافة إلى سيارة رسمية له مع مرافق. كان واضحاً أن اللقاء مع أوزال كان حميماً، وأن نوعاً من الكيمياء نشأ بين الاثنين، انعكس لاحقاً في أكثر من مناسبة. في الأثناء، انتشرت الأخبار بين كرد تركيا بفضل التغطية الإعلامية الواسعة لتحركات طالباني في اسطنبول، واستقباله في القصر الرئاسي، الأمر الذي أثار في نفوسهم الحماسة والفخر القومي. أنقرة كانت تضم دائماً نسبة لا بأس بها من الكرد بين سكانها. في مساء اليوم، الذي استقبل فيه أوزال الزعيم الكردي كانت هناك دعوة عشاء على شرف مام جلال في أحد المطاعم. وكان لافتاً ما حدث بعد العشاء الذي كنت مدعواً إليه أيضاً. دعاني مام جلال إلى مرافقته في سيارته لنعود معاً إلى الهيلتون وفي الطريق لم يتوقف عن سرد تفاصيل اللقاء مع أوزال بحماسته المعهودة. عندما وصلنا إلى الفندق لاحظنا تجمعاً غفيراً أمامه لم نعرف طبيعته، وبدا واضحاً أنه فاجأ سائق السيارة والمرافق اللذين شعرا بالقلق لأن التجمع كان من شأنه أن يعرقل دخول طالباني إلى الفندق. تذكرت أنني كنت رأيت في الصباح لافتة أمام الفندق ذكر فيها أن اجتماعاً انتخابياً سيعقده، في إحدى قاعات الفندق، زعيم حزب الوطن الأم يلدرم آكبولوت الذي كان وقتها رئيساً للوزراء. فقلت لمام جلال ولمرافقه إن ذلك التجمع هو بسبب وجود أكبولوت. نزلنا من السيارة فإذا بالجموع تطوق طالباني وتتدافع لتدخل معه إلى الفندق فيما ارتفعت هتافات بالكردية ترجمتها: مام جلال، حرية، يحيا الكرد. في الداخل استمرت الهتافات، وبصعوبة بالغة استطاع المرافق وسائق السيارة الوصول إلى طالباني وإبعاده من الصالة إلى الممر المؤدي إلى المصاعد. وعندما لحقته إلى غرفته كان واضحاً أن تلك التظاهرة الكردية الصغيرة زودته شحنة اضافية من الادرينالين بعد شحنة اللقاء مع أوزال.

خلافات كردية– كردية

في غضون ذلك، كان الوضع في كردستان العراق قد شهد تغيرات ملموسة على أكثر من صعيد. من جهة، أدت إقامة الملاذات الآمنة ووقف النار في ظل المفاوضات إلى عودة السكان الكرد إلى ديارهم حتى في المدن التي كانت لا تزال تحت سيطرة الحكومة العراقية مع وجود للاحزاب الكردية فيها، ما خلق استقراراً نسبياً. إلى ذلك “كان الوضع الدولي قد تغير في ذلك الوقت وفهمنا من مام جلال الذي كان في الخارج ومن غيره بأن الغرب سيدافع عنا”، بحسب عدنان مفتي في روايته لكاتب السطور في اللقاء الذي أجريته معه في لندن صيف 1993. أضاف: “عندما وصلت إلى كردستان (من الخارج عام 1991) كان مسعود بارزاني في بغداد وكان ممثل حزبنا في الوقد رسول مامند (الحزب الاشتراكي الكردستاني). المشروع الذي كان أعده الطرف الكردي وحمله الوفد إلى بغداد كان في الواقع مشروعاً للفيدرالية باسم الحكم الذاتي، وتضمن بوضوح تحديداً لحدود المنطقة شمال كركوك. الوفد كان بقي في بغداد 42 يوماً، وعاد ليطرح نتائج المفاوضات على قيادة الجبهة الكردستانية التي اجتمعت بشكل موسع بحضور نحو 30 قيادياً” (عدنان مفتي – لندن في 3/6/1993). في تلك الظروف عاد طالباني إلى كردستان ليشارك في اجتماعات الجبهة. استمرت النقاشات بين القياديين 10 أيام “ووجهت خلالها انتقادات كثيرة للوفد واعتبرنا أن الخلل كان يكمن في إدارته للمفاوضات، فيما اعتبر بعضنا أن النتائج التي عرضها الوفد كانت صدمة لنا. فالحكومة لم توافق على ضم كركوك وخانقين وغيرهما إلى منطقة الحكم الذاتي ولم يكن واضحاً موقفها من استحداث محافظة كنا اقترحناها لتضم خانقين وكفري ومناطق أخرى محيطة بهما، إلى الحكم الذاتي. وحتى اقتراح إدارة مشتركة في كركوك لم توافق عليه بغداد، ناهيك باعتماد نظام ديموقراطي تعددي على صعيد العراق. باختصار كان كل شيء مبتوراً أو قائماً على وعود. لكن أكبر صدمة لنا تمثلت في ما سمته بغداد ميثاق التعاون الذي تضمن فرض التزامات مجحفة علينا الأمر الذي اعتبرناه مهزلة. في النهاية قررنا الاستمرار في المفاوضات، لكن قلنا إننا يجب أن نطلب من الحكومة ارسال وفد إلى كردستان هذه المرة قبل أن نعود إلى بغداد.” (عدنان مفتي في اللقاء ذاته مع كاتب السطور).

“أكثر ما كان يثير انزعاج العراقيين، خصوصاً علي حسن المجيد كان عندما كنا نثير معهم قضايا الإبادة والانفال فكان المجيد يرد بكلام حاد ويشير إلى أن ما فعله كان جزءاً من سياسة وليس تصرفاً فردياً مبرراً”

في مطلع حزيران أرسلت بغداد وفداً إلى أربيل، ضم عزة الدوري وطارق عزيز وحسين كامل وسلطان هاشم الذي كان وقتها قائد فيلق أربيل، حيث التقاه وفد كردي ضم بارزاني وطالباني وفؤاد معصوم وروز نوري شاويس وآزاد برواري وحوهر نامق وعدنان مفتي. لكن بحسب مفتي فإن “الكلام الذي دار بين الوفدين كان معظمه في العموميات واتفقنا على عودة وفدنا إلى بغداد بعد أسبوع”. ويتابع مفتي: “كانوا يتصورون أن كل شيء من جانبنا تم حسمه وان كاك مسعود عاد من بغداد لمجرد المشاركة في اجتماع صوري للجبهة وبعدها يتم توقيع الاتفاق، لكننا أفهمناهم أن الأمر لم يكن كذلك إذ لدينا تحفظات على نقاط كثيرة فكان انزعاجهم واضحاً عندما قلنا لهم ذلك”. مفتي يوضح أيضاً أن اجتماعات الجبهة كشفت الخلافات بين أطرافها لجهة الموقف من المفاوضات وانعكست في اتجاهين رئيسيين: “اتجاه يقول إن لا خيار لنا غير التفاوض وكان تبريرهم لذلك بأن البديل الوحيد من التفاهم مع بغداد هو إيران التي كان كاك مسعود يكرر دائماً أنه يفضل الموت على أن يعود اليها. إلى ذلك كان هذا الاتجاه يشير إلى عدم وجود أي ضمانات دولية لنا، ما يجعل البديل الوحيد هو اللجوء إلى ايران، لذا الأفضل لنا البقاء في العراق على رغم كل شيء. الاتجاه الآخر الذي كان يقوده مام جلال اعتبر أننا لا نرفض التفاوض لكن ليس بأي ثمن. وكان موقف مام جلال واضحاً تماماً من ميثاق التعاون، لكنه سعى إلى أن يشرح موقفه بطريقة لا تنفّر أحداً، حرصاً على وحدة الجبهة الكردستانية. هكذا انتهى الاجتماع إلى تشكيل وفد آخر إلى بغداد برئاسة كاك مسعود”. ويتابع مفتي أن طالباني “حرصاً منه على وحدة موقفنا اتفق مع الدوري على أنه سيرافق كاك مسعود إلى بغداد دون أن يكون عضواً في الوفد الكردي كي يشارك بارزاني في لقاء صدام حسين. وهكذا كان فذهب وفدنا الذي كنت عضوا فيه إلى بغداد وخلال الايام الثلاثة الاولى هناك لم يعقد اي اجتماع بين الوفدين باستثناء الاجتماع بين مام جلال وكاك مسعود مع صدام وعلى اثر ذلك عاد طالباني إلى كردستان. وأذكر أن حديثاً جرى بيني وبينه على انفراد قال لي خلاله أنه لم يعد يؤمن بجدوى التفاوض مع بغداد لكنه أضاف ان لا خيار آخر لديه سوى قبول استمرارها لأن الوحدة الكردية تتطلب ذلك”. 

ويختم مفتي بملاحظات عدة منها أن “أكثر ما كان يثير انزعاج العراقيين، خصوصاً علي حسن المجيد كان عندما كنا نثير معهم قضايا الإبادة والانفال فكان المجيد يرد بكلام حاد ويشير إلى أن ما فعله كان جزءاً من سياسة وليس تصرفاً فردياً مبرراً، الأمر أن البلد كان معرضاً للخطر الايراني، فكانوا مضطرين إلى عمل أي شيء دفاعاً عنه. الحق أننا في وفدنا شعرنا بأن بقية اعضاء الوفد العراقي كانوا يشعرون بنوع من الرضا عندما كنا نثير هذا الموضوع في حضور المجيد الأمر الذي يبدو أنه لم يفته فعلق مرة بقوله: ما فعلناه لم يبدأ في 1985 (تاريخ تعيينه مسؤولاً عن كردستان) بل بدأ في 1980. قال ذلك والتفت إلى أعضاء وفده مضيفا: ليكن هذا واضحاً”. وعن لقاءات عفوية مع البغداديين يقول مفتي: “كنا نشعر ان سكان بغداد أو الذين كنا نلتقيهم لم يكونوا يريدوننا أن نتفق مع الحكومة فعندما كنا نخرج أحياناً للتسوق مثلاً، فيتعرف علينا الناس كانوا يقولون لنا لماذا تريدون أن تتفقوا مع هذا النظام؟ على صعيد آخر كان الطرف الحكومي حريصاً على إشغالنا ليلياً تقريباً بدعوات وفي كل يوم يدعوننا إلى مطعم أو أحد النوادي مسؤول كبير، مرة عدي صدام وأخرى شقيقه قصي وثالثة حسين كامل او طارق عزيز أو هذا الوزير أو ذاك وفي رأيي أنهم كانوا يعتقدون أن هذه العلاقات الشخصية والدعوات الباذخة يمكن أن تؤثر علينا لنخفف مواقفنا الأمر الذي أعتبر أنه يعكس عقليتهم المريضة” (عدنان مفتي– لندن في 4/6/1993).

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.