fbpx

خطّة رياض سلامة : إطلاق يد المصارف ومزيد من التعسف بحق المودعين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

غياب المقاربة الحكوميّة المتكاملة، لا بل غياب الحكومة نفسها، سمح لمصرف لبنان بإطلاق يد المصارف من دون حسيب أو رقيب

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحت وطأة التلويح بالعتمة الشاملة، أقرّ مجلس النواب سلفة الـ200 مليون دولار لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، وهو ما تلقفه المودعون بحسرة على مصير ودائعهم العالقة في النظام المصرفي اللبناني. فمشكلة السلفة الأساسيّة لا تنحصر في كونها إنفاقاً عبثياً من خارج أي موازنة متكاملة تسير على أساسها الدولة اللبنانيّة، ولا في كونها تمادياً في منح مؤسسة كهرباء لبنان تمويلاً لا يصاحبه أي شروط صارمة، في ما يخص عقود وصفقات المؤسسة التي تدور حولها ألف علامة إستفهام. مشكلة السلفة الأساسيّة هي أن الدولة لا تملك العملة الصعبة فعلاً لتمويل عقود شراء الفيول لمصلحة المؤسسة، ما يعني أن التمويل الفعلي سيكون من احتياطات مصرف لبنان المتبقية، والتي تمثّل آخر ما تبقى من دولارات المودعين المرتهنة في المصرف المركزي. لفهم حجم المشكلة فيجب معرفة أن هذه الاحتياطات بالكاد تصل إلى حدود الـ16 مليار دولار أميركي، من أصل نحو 73 مليار دولار وظفتها المصارف لدى مصرف لبنان بالعملات الصعبة من أموال المودعين. 

عملياً، لا تمثّل هذه التطورات أسوأ كوابيس المودعين في النظام المصرفي اللبناني. فخلال الأشهر الماضية، أطلق مصرف لبنان مساراً قوامه مجموعة من التعاميم التي طلب من المصارف الامتثال لها، تحت شعار إعادة الانتظام للنظام المصرفي. وبينما كان يفترض أن ينتج عن هذه الإجراءات عمليّة تصحيح تدريجيّة للميزانيات، تبيّن أن نتيجة هذا المسار كانت مجموعة من القرارات التعسّفية التي اتخذتها المصارف بحق المودعين، لتتمكن من الامتثال لشروط مصرف لبنان. كما تبيّن أن بعض هذه القرارات انطوت على عمليّات تزيد من غبن أصحاب الودائع وتقلّص من إمكانيّة حصولهم على حقوقهم في المستقبل، بدل أن تمهّد لاستعادة حقوقهم لاحقاً. باختصار، كان من المتوقّع أن لا تؤدّي خطة مصرف لبنان لأي تطوّر إيجابي فعلي بالنسبة للمودعين، بسبب هشاشة الخطة مقارنة بحجم الأزمة الفعليّة، لكنّ الصدمة الفعليّة كانت النتائج العكسيّة التي أضرّت بالمودعين وبمصالحهم.

الخطير في الموضوع، فهو أن فكرة تشكيل حكومة من داخل المنظومة نفسها، لن يبشّر بالكثير على هذا المستوى، خصوصاً أن تجربة الفترة الماضية أثبتت أن شروط الحل تتناقض بشكل كبير مع مصالح وجوديّة ترتبط بالفئة المسيطرة في النظامين المالي والسياسي.

الإجراءات التعسّفية

طلبت تعاميم مصرف لبنان من المصارف اللبنانيّة تأمين سيولة جاهزة لدى المصارف المراسلة الأجنبيّة بنسبة 3% من إجمالي الالتزامات المتوجبة عليها للمودعين بالعملات الأجنبيّة. هذا الشرط دفع المصارف المحليّة إلى إتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بتخفيض قيمة الودائع الموجودة لديها بمعزل عن أي اعتبار آخر، ولو كان ذلك على حساب مصالح المودع وحقوقه، بهدف تخفيض قيمة السيولة المطلوب تكوينها لدى المصارف المراسلة. ولهذا السبب، اتخذت المصارف وبشكل متزامن مجموعة من القرارات التي صبّت في المحصّلة في سياق التضييق على أصحاب الودائع بالعملة الأجنبيّة لديها، ودفعهم إلى سحب قيمة ودائعهم بالليرة أو نقلها إلى مصارف أخرى وإقفال حساباتهم.

أبرز مثال عن هذه القرارات كان فرض عمولات ضخمة وغير مألوفة على الحسابات الجارية، بما فيها حسابات توطين الراتب، وفرض أسعار غير منطقيّة على بطاقات السحب الآلي التي كانت في السابق مجّانيّة. وهذا النوع من القرارات المفاجئة، لم تصب فقط في سياق إجبار المودع على إقفال حسابه والتخلّص من وديعته بأي ثمن، بل هدفت أيضاً إلى تأمين أرباح إضافيّة للمصارف تمكّنها من زيادة رساميلها بنسبة 20% كما اشترطت تعاميم مصرف لبنان. علماً أن مصرف إنتركونتيننتال بنك بلغ حد فرض رسم بنسبة 5% على قيمة الرواتب التي تحوّلها إحدى الشركات للموظفين لديها، وهو ما مثّل خوّة غير مألوفة على الرواتب الموطّنة في المصارف اللبنانيّة.

في الوقت نفسه، لجأت المصارف إلى قرارات من نوع آخر، فهي حاصرت المودعين من خلال فرض شروط جديدة تضيّق على عمليّة إيداع الشيكات في المصارف، وصولاً إلى منعها بشكل تام في بعض الحالات. كما قامت بعض المصارف التي استمرّت بقبول الشيكات بفرض شروط جديدة، من قبيل طلب تجميد قيمة الشيكات بعض تحصيلها، أو منع سحبها قيمتها نقداً ولو بالليرة وفقاً للتعميم 151 (الذي ينظّم عمليّة سحب الودائع المدولرة بالليرة). 

كان واضحاً أن هذه الإجراءات كانت لدفع المودعين إلى الإبتعاد عن إيداع شيكاتهم لدى مصارفهم، في محاولة من كل مصرف لتقليص حجم الودائع الموجودة لديه بأي ثمن. وقد نتج عن هذه القرارات مصاعب معيشيّة لعدد كبير من اللبنانيين، الذي اعتمدوا على الشيكات لتقاضي رواتبهم أو أتعابهم، كما عرقلت هذه الإجراءات العمليّات التجاريّة العاديّة التي تتم من خلال الشيكات المصرفيّة.

بالإضافة إلى ذلك، كانت المصارف تلجأ إلى خطوات أخرى من قبيل جرد الحسابات المصرفيّة الموجودة لديها، والاتصال بأصحاب الحسابات ذات الأرصدة المتواضعة لإعلامهم بضرورة إقفالها، مع التلويح بالزيادات المقبلة في قيمة العمولات الشهريّة المفروضة على حساباتهم. وعمليّاً، اتصلت هذه التطورات بقرار مصرف لبنان فرض سقوف لكمية السيولة التي يسلمها لكل مصرف بالليرة اللبنانيّة، وهو ما دفع المصارف إلى تخفيض سقوف السحوبات النقديّة الممنوحة لكل حساب لديها بالليرة اللبنانيّة إلى أقصى حد. وهكذا، أصبحت المصارف مهتمّة بإقفال أكبر عدد ممكن من الحسابات المصرفيّة القائمة لتخفيض عدد الحسابات التي تستفيد من سقوف للسحب النقدي، وبالتالي تخفيف الضغط على السيولة المتوفرة لديه.

باختصار، انقلبت الآية، وباتت المصارف تسعى إلى طرد أكبر عدد ممكن من عملائها وترشيق ميزانياتها على هذا الأساس، أو على الأقل فرض عمولات ضخمة تؤمّن لها المصلحة من الحفاظ على ما تبقى من حسابات. وبدل أن تؤدّي خطة مصرف لبنان إلى تحسين ظروف المودعين في المصارف اللبنانيّة، تحوّلت الخطة إلى جحيم يدفعهم للخروج من النظام المصرفي بأي ثمن، ويعيد الإقتصاد اللبناني إلى نموذج الإقتصاد النقدي القائم على التبادلات الماليّة الورقيّة حصراً. 

إقرأوا أيضاً:

إجراءات تكوين السيولة

الغبن الذي تعرّض له المودعين لم يقتصر على إجراءات المصارف بحق حساباتهم بشكل مباشر، بل طال كذلك طريقة تكوين السيولة التي طلب مصرف لبنان تأمينها لدى المصارف المراسلة. فمعظم هذه السيولة، وخصوصاً لدى المصارف الكبرى كـ”بنك عودة” و”لبنان والمهجر”، جرى تأمينها من خلال بيع فروع مصرفيّة في الخارج أو استثمارات خارجيّة. وهذه الإجراءات لم تعني سوى تحويل موجودات المصارف الثابتة، والمضمون بقاؤها، إلى موجودات سائلة في حسابات المصارف المراسلة، وهي سيولة سيسهل تهريبها في المستقبل لمصلحة قلّة من أصحاب الودائع أو المساهمين النافذين، تماماً كما جرى للسيولة التي جرى تهريبها من النظام المصرفي طوال الأشهر الماضية. مع العلم أن غياب قانون الكابيتال كونترول، وعدم تضمين تعاميم مصرف لبنان ضمانات تحصر كيفيّة استخدام هذه السيولة، يزيد من هواجس المودعين من هذه الناحية. 

وبالتوازي مع هذه العمليات، كانت بعض المصارف تلجأ إلى السوق الموازية بشكل مباشر، لشراء الدولار النقدي وإيداعه في حسابات المصارف المراسلة، عبر بيع شيكات –أي دولارات مصرفيّة محليّة- مقابل الحصول على أقل من 30% من قيمتها كدولارات فعليّة. كما قامت المصارف بتقديم عروض لأصحاب القروض لديها بالعملات الأجنبيّة، تضمّنت حسم أكثر من 70% من قيمة هذه القروض مقابل سدادها بالدولار النقدي. وبهذه الطريقة، كانت المصارف تزيد من الخسائر المتراكمة في ميزانيتها، وتقلّص من فرص استعادة المودعين لحقوقهم في المستقبل، في سبيل تأمين هذه النسبة من السيولة التي طلبها مصرف لبنان.

المستقبل القاتم

في المبدأ، جرى تسويق خطة رياض سلامة على أنها خطة ستكفل عودة الانتظام إلى القطاع المصرفي، عبر إعادة الدولارات من الخارج، وتسهيل أمور عملاء المصارف. لكن النتيجة كانت، وعلى عكس ما تم التسويق له تماماً، عمليّة سحب للدولار من السوق المحليّة لإيداعه في حسابات المصارف في الخارج، مع المزيد من التعقيد في علاقة المودعين مع المصارف. أما السبب، فهو ببساطة عدم حل أساس المشكلة، الذي يتمثّل اليوم في كتلة الخسائر التي ترفض المصارف الإعتراف بها وتصحيحها، بالإضافة إلى عدم الشروع بالتفاوض على الدين العام الذي يمثّل جزء أساسيا من مشكلة المصارف والفجوة في ميزانيتها. 

أما أهم ما في الموضوع، فهو أن غياب المقاربة الحكوميّة المتكاملة، لا بل غياب الحكومة نفسها، سمح لمصرف لبنان بإطلاق يد المصارف من خلال هذا النوع من الخطط، دون حسيب أو رقيب. وبانتظار تشكيل الحكومة المقبلة، ومن ثم العمل على خطة جديدة متكاملة لإصلاح الوضع المالي، فلا يمكن انتظار أي تطوّر إيجابي على هذا الصعيد. أما الخطير في الموضوع، فهو أن فكرة تشكيل حكومة من داخل المنظومة نفسها، لن يبشّر بالكثير على هذا المستوى، خصوصاً أن تجربة الفترة الماضية أثبتت أن شروط الحل تتناقض بشكل كبير مع مصالح وجوديّة ترتبط بالفئة المسيطرة في النظامين المالي والسياسي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.