fbpx

الشرق الأوسط على الهاوية : الصراع لن يكون عربياً إيرانياً فماذا يكون ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقف الشرق الأوسط على حافة الهاوية، ويتوقف تحقيق السلام في المستقبل على المسار الذي ستتبعه الولايات المتحدة الأميركية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لفترة تزيد على العقدين، اعتبرت الولايات المتحدة أن السياسة في الشرق الأوسط هي صراع بين الاعتدال والأصولية، أي العرب في مواجهة إيران. إلا أنها لم تنتبه خلال السنوات الأربع التي حكمها فيها دونالد ترامب إلى التصدعات الجلية، والمختلفة التي تتزايد ما بين القوى الثلاثة غير العربية في المنطقة: إيران وإسرائيل وتركيا.

إبان الربع قرن التالي لأزمة قناة السويس عام 1956، تضافرت جهود إسرائيل وتركيا لتحقيق توازن في مواجهة العالم العربي بمساعدة أميركية. لكن الدول العربية غاصت في مستنقع العجز والفوضى شيئاً فشيئاً منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وما تلاه من ثورات الربيع العربي الفاشلة، مما أدى إلى نشأة تصدعات جديدة. فالمنافسة التي من المرجح أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط لم تعد الآن بين العرب وإسرائيل أو السنة والشيعة، بل بين المتنافسين الثلاثة من غير العرب.

إذ ازدادت حدة الصراعات الناشئة للاستحواذ على القوة والنفوذ بما يكفي لخلخلة النظام العالمي الناتج عن الحرب العالمية الأولى، الذي أسفر عن تفتت الإمبراطورية العثمانية إلى شظايا التقطتها القوى الأوروبية في سعيها للسيطرة على المنطقة. وعلى الرغم من تفكك العالم العربي ووقوعه تحت طائلة السيطرة الأوربية، فقد مثل القلب السياسي النابض لمنطقة الشرق الأوسط. أجج الحكم الأوروبي الصراعات العرقية والطائفية وشكّل العداوات والصراعات التي استمرت حتى يومنا هذا. تسببت تجربة الكولونيالية كذلك في تغذية النزعة القومية لدى العرب، والتي اكتسحت المنطقة عقب الحرب العالمية الثانية ووضعت العالم العربي في بؤرة الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.

إذا أرادت واشنطن تقليص مساعيها المستقبلية في الشرق الأوسط، فعليها أولاً بذل المزيد من الجهد لتحقيق قدر من الاستقرار في المنطقة.

يشهد كل ذلك تغيرات عدة في الوقت الحالي. فقد ولَّى العهد العربي، وتقدمت القوى غير العربية. ومع تصاعد نفوذ القوى غير العربية في المنطقة، تشعر الدول العربية بالتهديد من امتداد النفوذ الإيراني داخل المنطقة، في الوقت الذي تقلص فيه الولايات المتحدة من التزاماتها. في العام الماضي، بعد أن اتضحت مسؤولية إيران عن الهجوم على حاملات بترول ومنشآت بترولية في السعودية والإمارات، تذرعت أبوظبي بالخطر الإيراني لإبرام صفقتها التاريخية للسلام مع إسرائيل.

إلا أن تلك الصفقة للسلام تضع عائقاً في مواجهة تركيا، بقدر ما تضعه في مواجهة إيران. فبدلاً من إعداد المنطقة لمسار جديد نحو السلام، كما زعمت إدارة ترامب، فإن الصفقة تعزز من اشتداد المنافسة بين العرب والإيرانيين والإسرائيليين والأتراك، وهو ما لم تأخذه الإدارة السابقة بعين الاعتبار. كما أنه قد يؤدي في الواقع إلى اشتداد سباقات التسلح والحروب الإقليمية، وازديادها خطورة، وهو ما لا ترغب الولايات المتحدة في التورط فيه، وما لا يمكنها تحمل تبعاته كذلك. لذا، يتعين على السياسة الخارجية للولايات المتحدة أن تحاول إخماد هذا التنافس الإقليمي الجديد على السلطة بدلاً من إشعاله.

أصبح الآن سعي إيران لامتلاك القوة النووية واستخدامها للعملاء والوكلاء بهدف التأثير في العالم العربي ومهاجمة إسرائيل والمصالح الأميركية من الأمور المألوفة. أما الجديد فهو بزوغ نجم تركيا باعتبارها عامل زعزعة غير متوقع للاستقرار في منطقة أكبر كثيراً. تتبنى تركيا الآن ماضيها الإسلامي، متخطية الحدود التي رسمت منذ قرن مضى، بعدما فقدت الأمل في صناعة مستقبل مع الغرب، ولم يعد من الممكن كذلك غض الطرف عن سعيها لاستعادة النفوذ الذي كانت تمتلكه الإمبراطورية العثمانية في يوم من الأيام، أو اعتباره مجرد خطاب حماسي. إذ بات الطموح التركي الآن قوة لا يستهان بها.

على سبيل المثال، تحتل تركيا الآن أجزاء من سوريا، ولها نفوذ في العراق وتواجه النفوذ الإيراني في كل من دمشق وبغداد. وقد زادت تركيا من العمليات العسكرية ضد الأكراد في العراق واتهمت إيران بإيواء أعداء تركيا الأكراد من حزب العمال الكردستاني.

إقرأوا أيضاً:

أقحمت تركيا نفسها في الحرب الأهلية في ليبيا وتدخلت مؤخراً في الصراع القوقازي بين أرمينيا وأذربيجان على ناغورنو-كاراباخ، بما أثر على مجريات الأمور. ويتطلع المسؤولون في أنقرة كذلك إلى القيام بدور أوسع في القرن الإفريقي وفي لبنان، بينما يشعر الحكام العرب بالقلق إزاء الدعم التركي للإخوان المسلمين وزعمها بأن لها دوراً في السياسة العربية.

بررت كل من الدول غير العربية الثلاثة تلك الانتهاكات بأنها ضرورات أمنية، ولكن هناك أيضاً دوافع اقتصادية، مثل الوصول إلى السوق العراقية بالنسبة إلى إيران، أو الصدارة لإسرائيل وتركيا في السيطرة على حقول الغاز الغنية في البحر المتوسط.

وكما هو متوقع، فإن التوسعية التركية تصطدم بالمصالح الإقليمية الإيرانية في بلاد ما بين النهرين والقوقاز بطرق تستثير ماضي تركيا الإمبراطوري. خلال زيارته المبتهجة بالنصر  لباكو، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً قصيدة تأسف لتقسيم أذربيجان التاريخية ــ التي يقع الجزء الجنوبي منها الآن داخل إيران ــ، وهو ما أثار انتقادات حادة من قادة إيران. لم يكن هذا خطأ غير مقصود.

يلمح أردوغان منذ فترة إلى أن مصطفى كمال أتاتورك كان مخطئاً حين تخلى عن الأراضي العربية التي كانت تحت السيطرة العثمانية حتى جنوب الموصل. وفي إطار إحياء الاهتمام التركي بتلك الأراضي، ينادي أردوغان بوطنية أعظم من تلك التي تمتع بها مؤسس تركيا الحديثة، موضحاً مخالفته للإرث الكمالي عن طريق سعيه لتأكيد الامتيازات التركية في الشرق الأوسط.

من المرجح أن تصبح المنافسات ونمط التحالفات التكتيكية أكثر غموضاً وأقل توقعاً، بينما تتقاطع تلك الخصومات المتداخلة عبر المنطقة. وهو ما قد يسفر بالتبعية عن تدخل روسيا، التي أثبتت بالفعل براعتها في استغلال انقسامات المنطقة لصالحها.

في القوقاز، كما في سوريا، تتشابك المصالح التركية والإيرانية مع المصالح الروسية. ويزداد اهتمام الكرملين بالشرق الأوسط، ليس فقط في الصراعات في ليبيا وسوريا وناغورنو كاراباخ، بل وأيضاً على الساحة الدبلوماسية من أوبك إلى أفغانستان.

تحافظ موسكو على علاقاتها الوثيقة مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة وتميل في بعض الأحيان لصالح إحداها ثم لصالح أخرى، وقد استغلت هذا التوازن لتحقيق القدر الأكبر من مصالحها. وبينما لا تزال غايتها من الشرق الأوسط غير واضحة، يتضح أن شبكة علاقات موسكو المعقدة ستلعب دوراً كبيراً في تشكيل مستقبل المنطقة نظراً لتضاؤل اهتمام الولايات المتحدة الأميركية.

كثفت إسرائيل أيضاً من تواجدها في العالم العربي. ففي عام 2019، اعترف ترامب بمطالبة إسرائيل منذ نصف قرن بمرتفعات الجولان التي احتلتها من سوريا في عام 1967، والآن يخطط القادة الإسرائيليون بشكل علني لتوسيع حدود اسرائيل من خلال ضم أجزاء من الضفة الغربية رسمياً. من ناحية أخرى، تشير اتفاقيات “أبراهام” إلى أن العرب يتطلعون إلى غض الطرف عن كل ذلك مقابل الحصول على دعم لموقفهم. يرغب العرب في تعويض اهتمام أميركا المتضائل بشؤون الشرق الأوسط، من خلال التحالف مع إسرائيل ضد إيران وتركيا، إذ ينظرون إلى إسرائيل على أنها ركيزة بقائهم في المنافسة الكبرى على النفوذ الإقليمي.

تفاقم التوتر بين إيران وإسرائيل بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة مع توغل إيران في العالم العربي. وتخوض الدولتان حالياً حرب استنزاف في سوريا وفي الفضاء السيبراني. استهدفت إسرائيل كذلك برامج إيران النووية والصاروخية بشكل مباشر، كما اتُهمت مؤخراً باغتيال أكبر عالم نووي إيراني.

إيران ليست الجهة الوحيدة المعنية بالصراع في الشرق الأوسط، إذ شهد العقد الماضي تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. ومثلما قدمت إيران الدعم لحماس في مواجهة إسرائيل، حذت تركيا حذوها مقدمة دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، مثيرة في الوقت نفسه غضب الحكام العرب جراء هذا الدعم. ومن ثم يتعارض الموقف الإقليمي الحالي لتركيا – الممتد إلى العراق ولبنان وسوريا والقرن الإفريقي، بالتوازي مع الدفاع الصلب عن قطر، وحكومة طرابلس في غمار الحرب الأهلية في ليبيا – مع السياسات التي تنتهجها السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.

إقرأوا أيضاً:

يشير كل ما سبق إلى أن القوة الدافعة في الشرق الأوسط أصبحت السياسة الواقعية العملية العتيقة، وليس الأيدلوجيات أو الأديان. في حال عززت إسرائيل الموقف السعودي الإماراتي، فمن المتوقع أن تعتمد الدول التي تشعر بالتهديد من هذا التحالف، مثل قطر وعمان، على إيران وتركيا لحمايتها. ومن ناحية أخرى، إذا منح التحالف الإسرائيلي العربي سبباً لإيران وتركيا للعمل على قضية مشتركة، فقد يصبح الموقف العدواني لتركيا في القوقاز والعراق مصدر قلق لإيران. يتماشى الدعم العسكري الذي تقدمه تركيا حالياً لأذربيجان مع دعم إسرائيل لباكو، بينما اتفق كل من إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مخاوفهم بشأن آثار مناورة تركيا الناجحة في ذلك الصراع.

من المرجح أن تصبح المنافسات ونمط التحالفات التكتيكية أكثر غموضاً وأقل توقعاً، بينما تتقاطع تلك الخصومات المتداخلة عبر المنطقة. وهو ما قد يسفر بالتبعية عن تدخل روسيا، التي أثبتت بالفعل براعتها في استغلال انقسامات المنطقة لصالحها. وقد تحذو الصين حذوها، خاصة مع حديثها عن الشراكة الاستراتيجية مع إيران وعقد الاتفاق النووي مع المملكة العربية السعودية، والذي يمكن أن يكون مجرد بداية. تنظر الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين عبر المحيط الهادئ، بينما يحاذي الشرق الأوسط الصين من ناحية حدودها الغربية، ومن هنا ستسعى بكين نحو تحقيق رؤيتها لمنطقة نفوذ أوراسية.

يمكن لإدارة بايدن أن تلعب دوراً مهماً في تخفيف التوترات من خلال التشجيع على الحوار الإقليمي واستغلال نفوذها لإنهاء النزاعات وإصلاح العلاقات إن أمكن ذلك. يشير الخصوم المتناحرون إلى استعدادهم لعقد هدنة كاستجابة للتغيير الواقع في واشنطن، وهو ما يمثل فرصة للإدارة الجديدة.

على الرغم من تدهور العلاقات مع تركيا، إلا إنها لا تزال دولة حليفة في الناتو لذا يتوجب على واشنطن التركيز على تعزيز العلاقات لا بين إسرائيل وتركيا فحسب، بل وبين تركيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو ما يستلزم دفع الرياض وأبوظبي إلى إصلاح العلاقات مع قطر. أعلن الخصوم الخليجيون عن هدنة، لكن القضايا الأساسية التي أدت إلى اختلافهم وانقسامهم ما زالت قائمة، وقد تتسبب اختلافاتهم وخلافاتهم في خرق الهدنة مرة أخرى، ما لم تُحل بشكل جذري.


تمثل إيران مشكلة أصعب، فسيتعين على المسؤولين الأميركيين التعامل أولاً مع مستقبل الاتفاق النووي. لكن عاجلاً وليس آجلاً، سيتوجب على طهران وواشنطن مناقشة التقدم التوسعي لإيران في المنطقة الأوسع وصواريخها الباليستية. يجب على واشنطن أيضاً أن تشجع حلفائها العرب على تبني هذا النهج وإشراك إيران كذلك. قد يتيح الحد من التسلح الإقليمي وبناء هيكل أمني إقليمي كبح جماح وكلاء إيران والحد من صواريخها في نهاية المطاف، لذا يتعين على الولايات المتحدة الأميركية تيسير تلك العملية ودعمها، كما يجب على الجهات الفاعلة في المنطقة تبنيها كذلك.

يقف الشرق الأوسط على حافة الهاوية، ويتوقف تحقيق السلام في المستقبل على المسار الذي ستتبعه الولايات المتحدة الأميركية. إذا أرادت إدارة بايدن تجنب التدخلات الأميركية التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط، فعليها استثمار المزيد من الوقت والموارد الدبلوماسية في المنطقة الآن، على غير ما قد يُتوقَع. وإذا أرادت واشنطن تقليص مساعيها المستقبلية في الشرق الأوسط، فعليها أولاً بذل المزيد من الجهد لتحقيق قدر من الاستقرار في المنطقة. يتعين أن يبدأ هذا الجهد بتبني رؤية أوسع نطاقاً للديناميكيات الإقليمية وجعل تقليل التنافس والصراعات بين القوى الإقليمية الجديدة على رأس أولوياتها. 

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com  ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: