fbpx

لبنان: لماذا يشعر نصرالله بالقلق من شباب برجا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

برجا اليوم تكثيف للفعل المواجه للقمع والسحل والنهب الذي حصل منذ 17 تشرين. هي صوت أهالي شهداء تفجير بيروت وشبكات العيون التي فقأتها المنظومة الحاكمة، فمن ذا الذي سيقوى عليها؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أقلق شباب بلدة برجا (قضاء الشوف) راحة الأمين العام لـ”حزب الله”، لدرجة أنه أشار وبالمباشر إلى قيام مجموعة منهم بقطع الطريق الساحلي في سياق الاحتجاجات المتنقلة اعتراضاً على التدهور المعيشي في لبنان. هاجم نصرالله تحركات هؤلاء وتوعد بفتح الطريق مهدداً بالتدخل في حال لم يقم الجيش اللبناني بالدور الذي يطلبه منه. تصريحات نصرالله كانت كافية لإطلاق حملة أغرقت شبكات الدعاية غير الرسمية للحزب بتعميم صور لبعض المحتجين مع تهديدات ذات طابع مناطقي وطائفي وكأنها تسعى إلى إعادة الفرز السياسي على أسس طائفية بحتة. 

كلام نصر الله يأتي في بلد خسر ودائع مصرفية بأكثر من 120 مليار دولار أميركي وفقدت عملته 90 في المئة من قيمتها، وفُجّرت عاصمته بانفجار شبه نووي، وعجزت حكومته ووزير الصحة فيها، المحسوب سياسياً على “حزب الله”، عن تأمين الحد الأدنى من الشفافية في إدارة الوباء، وسرق بعض نوابه اللقاح من أمام المستحقين من اللبنانيين.

يرفع الأمين العام لـ”حزب الله” سقف كلامه، تجاه قاطعي الطرق كما يصفهم، محاولاً إخفاء مسؤوليته مع شركائه في السلطة عن تجويع الناس ومفاقمة الأزمة المعيشية، ودفع البلاد نحو هاوية الحرب الأهلية، وهم الشركاء أنفسهم الذين خونهم سابقاً واتهمهم بالتآمر عليه، وكاد يجر لبنان عبر الاحتراب الأهلي المتقطع، إلى التدمير، وتوّج ذلك بيومه “المجيد” في السابع من أيار/ مايو 2008.

يكسر قطع الطريق الساحلي ميكانيزمات التحييد  التي يعتمدها الحزب للنأي ببيئته المجتمعية، ترغيباً وترهيباً، عن الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين.  

لكن، ما الذي سبب هذا الإزعاج حقيقة؟ كيف تحول أبناء البلدة المطلة على “داخون” معمل ترابة سبلين جنوب بيروت والتي تُسجل نسباً مرتفعة من الإصابات بمرض السرطان، إلى متآمرين يخدمون “أجندات خارجية”؟

الواضح أن ما يزعج نصر الله ومن خلفه المنظومة السياسية والأمنية للحزب هو في مكان آخر، فالارتفاع الكبير لأسعار صرف العملة، والخطوات غير الموفقة التي اتخذتها الحكومة لوقف الانهيار الاقتصادي، هذه ملفات دفعت ما يعرف بجمهور المقاومة إلى إعادة رفع صوته كما كان في بداية انتفاضة 17 تشرين، حين عادت مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع لتشهد تحركات، يعتبرها “حزب الله” من ضمن “المؤامرة” عليه، خصوصاً بعد الموقف الذي أطلقه مسؤول إيراني قبل أيام، واتهم فيه المحتجين في العراق ولبنان بالتظاهر ضد إيران ومنظومتها.

والمشكلة الثانية، تتركز في طبيعة العلاقة التي نسجها “حزب الله” مع أبناء الطائفة الشيعية، إذ يحاول منذ سنوات وضع نفسه في دور حاميهم الأول والأخير، وحامي مصالحهم، والقادر على التدخل لضمان أن يكونوا “المواطن فوق العادة”، مقابل الولاء فوق العادة لقراراته.

فالمتابع لخطابات الأمين العام منذ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، يلاحظ كيف أن التركيز في الرسائل الموجهة للبيئة الشيعية تحديداً، يقوم على ضمان ألا يتغير شيء عن الوضع القائم قبل ثورة 17 تشرين. وبذلك تعهّد نصرالله باستمرار دفق الدولارات الطاهرة مهما اشتد الضغط وضمن استمرار الحصول على المستلزمات المعيشية  الأساسية، وضمن استعادة الودائع المصرفية، وهكذا يريد تأكيد ضمان حسن السير في  الطريق الساحلي. 

جوهر الاعتراض إذاً يكمن في أن قطع الطريق الساحلي يمثل تحديا مباشراً لأسطورة التفوق الداخلي للحزب وفائض قوته ضمن المنظومة. فكيف بإمكان مجموعة من الثوار غير الطائفيين وغير المرتبطين سلطوياً وغير الممسوكين أمنياً أن ينجحوا في إبراز هذا التحدي؟ 

من جهة أخرى، يكسر قطع الطريق الساحلي ميكانيزمات التحييد  التي يعتمدها الحزب للنأي ببيئته المجتمعية، ترغيباً وترهيباً، عن الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين.  

برجا اليوم تتحدى الظلم، تتحدى الانهيار المالي، تتحدى نهب أموال الناس، تتحدى التهميش والتلوث والفقر والحرمان. 

فبمراجعة تكتيكات الحزب الميدانية في التعاطي مع الاحتجاجات وتطورها مع الوقت، يلاحظ كيف تدرّج الموقف من محاولة ركوب الموجة الشعبية وتحديد أمر مهماتها وتوجيهها. وهذا ما تجلى في الدفع بكوادر مفوهة نحو الواجهة أو بغض النظر عن بعض المنظمين الحاضرين في مقدمة الاحتجاجات وصولاً لمساعدة بعضهم على بناء تشكيلات سياسية محددة التوجه والتموضع في الاحتجاجات. لينتقل في ما بعد وبالمباشر إلى عملية القمع المباشر في النبطية و”الرينغ” ووسط البلد وصور وغيرها. وهذا ما استتبعه بقرار استراتيجي يمنع أي مظهر من مظاهر الاحتجاج في الضاحية حتى وإن اقتصر على “غرافيتي” على حيطان المصارف.  فمناطق نفوذ الحزب يجب تصويرها وكأنها محيّدة اجتماعياً وسياسياً عن الأزمة المعيشية للبلد معتمداً بروباغندا “نحنا ما مننهار”. 

مشكلة الحزب مع الثوار من برجا إذاً، ليست في كونهم يقطعون بضعة أمتار من الطريق الساحلي بقدر ما أنهم،  وكأبناء القرية التي يقال إنها تحدت “واشنطن” حين قدمت نيوجرسي للبنان، يتحدون ومن حيث لا يريدون الأسطورة المؤسسة لتفوقها كالحزب الطائفي الذي لا يُقهر. وهم أيضاً يقدمون أنموذجاً تنفيذياً لكيفية كسر ضوابط العمل السياسي والمطلبي التي تسعى منظومة الحكم إلى تحديدها وفرضها.

برجا اليوم تتحدى الظلم، تتحدى الانهيار المالي، تتحدى نهب أموال الناس، تتحدى التهميش والتلوث والفقر والحرمان.  برجا اليوم تكثيف للفعل المواجه للقمع والسحل والنهب الذي حصل منذ 17 تشرين. هي صوت أهالي شهداء تفجير بيروت وشبكات العيون التي فقأتها المنظومة الحاكمة، فمن ذا الذي سيقوى عليها؟ ثوار برجا كغيرهم من ثوار المناطق اللبنانية لم يستعدوا أحداً، بل خرجوا ويخرجون للاحتجاج على الظلم. من يستعدهم هذا خياره. 

 وللبحث صلة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.