fbpx

كيف نتخذ القرار الصحيح بشأن اللقاح من “مودرنا” إلى “جونسون”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن مدى فعالية اللقاح تظل مجرّد جزء واحد من التقييم الشامل لأي لقاح. إذ يتميز لقاحا “فايزر” و”مودرنا” بِفاعليتهما في منع الإصابة بـ”كوفيد- 19″ المصحوبة بالأعراض، في حين يُقدم لقاح “جونسون آند جونسون” مميزاته الخاصة أيضاً…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يشعر مسؤولو الصحة العامة بالحماسة تجاه لقاح شركة “جونسون آند جونسون” الجديد الذي يؤخذ على جرعة واحدة، على رغم أن فعاليته في منع الإصابات المصحوبة بأعراض أقل إلى حدٍ ما من اللقاحات الأخرى المتوفرة حالياً. ومع أن نسبة فعاليته بلغت 72 في المئة في الولايات المتحدة، مقارنة بـ94 في المئة للقاح “مودرنا” و95 في المئة للقاح “فايزر-بيو إن نتك”، وفقاً لبيانات التجارب السريرية، يقول خبراء إنه لا ينبغي لنا الاهتمام كثيراً بتلك الأرقام. ويقولون إن الأمر الأكثر أهمية هنا هو حقيقة أن جرعة شركة “جونسون آند جونسون”، مثلها مثل اللقاحين الآخرين، فعالة تماماً عندما يتعلق الأمر بالحيلولة دون حدوث مضاعفات خطيرة. وقال منسق اللقاحات في ولاية فرجينا لصحيفة “ذا نيويورك تايمز”، “أشعر بحماسة شديدة تجاه هذا اللقاح. فعالية بنسبة 100 في المئة في الحيلولة دون الوفاة والإصابات التي تستدعي دخول المستشفى؟ هذا كل ما أود سماعه”.

الخبر المبهج -أن لقاحات كوفيد-19 متكافئة، على الأقل في الجوانب المهمة حقاً- حمّس خبراء ومسؤولي الصحة العامة على مدى الأسابيع الماضية. إذ لا يمكن أن تكون القيمة المحتملة لإعلانٍ كهذا في تعزيز عملية التلقيح أكثر وضوحاً من الآتي: كلنا سنكون أفضل حالاً، وسينتهي هذا الكابوس قريباً، إذا عرف الناس أن اللقاح الأفضل من بين اللقاحات الثلاثة، هو ذاك الذي يستطيعون الحصول عليه في أقرب وقت ممكن، بغض النظر عن ماهيته. من هذا المنطلق، حثّ موقع “فوكس” قراءه على ضرورة الانتباه “لأهم إحصائية متعلقة باللقاح”، ألا وهي حقيقة أنه “لم تسجل أيّ حالات تستدعي دخول المستشفى أو حالات وفاة خلال التجارب السريرية الخاصة بتلك اللقاحات”. أكدت أيضاً الدكتورة لينا وين، المحللة الطبيّة لشبكة “سي أن أن”، ضرورة ملاحظة أن “اللقاحات كلها فعالة بصورة أساسية بنسبة 100 في المئة” في ما يتعلق بهذا الجانب. وقد كتب ما يزيد عن ستة أعضاء سابقين في المجلس الاستشاري الذي شكله بايدن لمواجهة “كوفيد-19” في صحيفة “يو إس إيه توداي”، “أن نسب الفعالية المتفاوتة تتسبب في غض الطرف عن النقطة الأهم، وهي أنه خلال التجارب السريرية كانت اللقاحات كلها فعالة بنسبة 100 في المئة، من ناحية الحيلولة دون دخول المستشفى أو الوفاة”.

مع ذلك ثمة مشكلة هنا. من المؤكد بالطبع أن اللقاحات الثلاثة التي تعتمدها “إدارة الغذاء والدواء الأميركية” جيدة للغاية-  بل وممتازة- في حماية صحة الأفراد. ولا ينبغي لأيّ شخصٍ الامتناع عن محاولة أخذ التطعيم مسلماً بنظرية أن أحدها ربما يكون لقاحاً من الدرجة الثانية. لكن صحيح أيضاً أن لقاحات “كوفيد-19” ليست كلها متشابهة: فبعضها أكثر فعالية من البقية من ناحية الوقاية من الإصابة بالمرض، مثلاً: يتسبب بعضها في تفاعلات ضارة أقل، وبعضها استخدامه أكثر سهولة، بينما طور البعض الآخر باستخدام تقنيات ووسائل معروفة بصورة أكبر. وفي ما يخص الادعاء بأن اللقاحات قد أثبتت فعاليتها التامة والمتساوية في الحيلولة دون دخول المستشفى والوفاة، فإن ذلك ليس صحيحاً.

يمكن أن تشكل هذه الاختلافات بين الخيارات المتاحة أهمية لا بأس بها -بطرائق تتفاوت من شخص إلى آخر- ولا ينبغي التقليل من شأنها أو إخفاؤها. خصوصاً الآن: وذلك لأن إمدادات اللقاح ستتجاوز الطلب قريباً في الولايات المتحدة، مع انتشار طفرات فايروسية أكثر عدوى في أرجاء البلاد. في الوقت ذاته، بدأ حكام الولايات إلغاء القواعد الخاصة بأقنعة الوجه، أو اتخاذ إجراءات أخرى لتخفيف القيود المفروضة. من المغري الاعتقاد أن خبراً بسيطاً- حتى وإن كان يقترب من كونه مجرد دعاية صاخبة- هو أكثر ما نحتاجه في هذه اللحظة الفارقة. لكن إذا افترضنا أن الخبر ربما يكون خاطئاً، فسوف تترتب على ذلك عواقب وخيمة.

انتشرت فكرة أن اللقاحات كلها متشابهة إلى حدٍ كبير -من ناحية أنها مثالية في الحيلولة دون الإصابات الحرجة بـ”كوفيد-19″، التي تستدعي دخول المستشفى أو التي قد تؤدي إلى الوفاة- بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي. يوضح المقال الافتتاحي في صحيفة “يو إس إيه توداي” الذي كتبه أعضاء سابقون في فريق بايدن هذه الفكرة من خلال ربطها بجدول بيانات منشور على “تويتر”. يظهر الجدول الذي أعدته الدكتورة مونيكا غاندي، المختصة في الأمراض المعدية، نتائج  متنوعة خاصة بتجارب 6 لقاحات مختلفة. وقد مُيّز أحد الأعمدة باللون الأصفر الفاقع، وهو العمود الخاص “منع دخول المستشفى أو الوفاة”، الذي كتب في خلاياه “100 في المئة”. كما نشر أشيش جها، عميد كلية الصحة العامة في جامعة براون، الفكرة عبر جدول وضعه على “تويتر”، يتشكل من شبكة صفرية تعبر عن عدد الأشخاص الذين دخلوا إلى المستشفى أو ماتوا جراء الإصابة بـ”كوفيد-19”. لينشر بعد ذلك الباحث والطبيب البارز إيريك توبول ملخص بيانات تجربته السريرية التي تتضمن عموداً كتب في جميع خلاياه 100 في المئة، مع إضافة عبارة “هذا أمرٌ مذهل”! فوق الصورة. في المجمل، أعيد نشر تغريداتهم نحو 15 ألف مرة.

هل نحن محميون؟

تشير تلك البيانات بالفعل إلى فكرة مشجعة. فحتى الآن، وبناء على الأرقام، يمكننا التوقع أن اللقاحات توفر مستويات مرتفعة للغاية من الحماية ضد أشد المضاعفات خطورة. لكننا مع ذلك لا نعرف مدى ارتفاعها- ويبدو جلياً أنها لن تحمي الأشخاص الذين تلقوا التطعيمات من دخول المستشفى أو الوفاة جراء الإصابة بـ”كوفيد- 19″ بصورة متماثلة.

يعرف الخبراء ذلك بالطبع. حدّثت غاندي جدولها مع تكشف مزيد من البيانات الجديدة، وغيرت فعالية لقاح “مودرنا” في ذلك الجانب لتصبح 97 في المئة. وغرد جها بعد ذلك قائلاً إنه “لا يوجد لقاح فعال بنسبة 100 في المئة… لكن تلك اللقاحات متقاربة بالتأكيد”. وقال توبول لمجلة “ذا أتلانتيك” إن الأرقام في تغريدته لا تشكل أساسات كافية يمكن من خلالها استنتاج “أي تحديد لمدى الفعالية”، لكن فكرة أنها كلها تسير في الاتجاه ذاته، “تُعد مشجعة للغاية”. مع ذلك، فإن الإعلان عن مثالية اللقاحات مثلما فُهم من جداول بياناتهم وتغريداتهم الأولية، تم تداوله، وإساءة تفسيره، على نطاق واسع للغاية منذ ذلك الحين.

لإدارك هشاشة تلك البيانات تحديداً، من المهم تذكر كيف بدأت عملية تطوير اللقاح. في نيسان/ أبريل الماضي، بعد وقت قصير من اندلاع الجائحة، حددت “منظمة الصحة العالمية” فعالية مستهدفة للقاحات بلغت 50 في المئة، مع وضع عناصر وجوانب توضح الكيفية التي ينبغي قياس تلك النسبة من خلالها. مثلاً، يمكن إثبات أن اللقاح يقلل من مخاطر الإصابات المصحوبة بأعراض أو الإصابات الحرجة أو العدوى. قدمت إدارة الغذاء والدواء توجيهات مماثلة في حزيران/ يونيو، بينما حذت وكالات وهيئات رقابية أخرى حذو “منظمة الصحة العالمية”. من بين تلك العناصر كانت الإصابة المصحوبة بأعراض هي العنصر الأكثر قابلية للقياس، لأنها السمة البارزة ولأن إثباتها في التجارب واسعة النطاق أكثر سهولة. كان يمكن أن تصبح الإصابات التي لا تظهر عليها أعراض من ضمن السمات الأكثر انتشاراً، لكن من الصعب فحص الإصابات كلها نظراً للتكلفة الباهظة، خصوصاً في بداية انتشار الجائحة. وعليه فتلك هي الطريقة التي صُممت بها تجارب اللقاحات: فقد كانت كل شركة تحاول إثبات أن لقاحها فعال بنسبة 50 في المئة على الأقل  في ما يتعلق بالإصابات المصحوبة بأعراض، باعتبار أن تلك هي “السمة الرئيسية”.

حتى الآن، وبناء على الأرقام، يمكننا التوقع أن اللقاحات توفر مستويات مرتفعة للغاية من الحماية ضد أشد المضاعفات خطورة. لكننا مع ذلك لا نعرف مدى ارتفاعها- ويبدو جلياً أنها لن تحمي الأشخاص الذين تلقوا التطعيمات من دخول المستشفى أو الوفاة جراء الإصابة بـ”كوفيد- 19″ بصورة متماثلة.

كان يمكن أن تدرج التجارب المضاعفات الحادة للمرض أو دخول المستشفى أو الوفاة باعتبارها السمات الرئيسية التي تحدد فعالية اللقاح، لكن ذلك كان سيُبطئ عملية تطوير اللقاحات. تلك المضاعفات نادرة للغاية -في الولايات المتحدة هناك تقريباً 200 حالة إصابة مقابل كل حالة وفاة- وهذا يعني أن الأمر كان سيستغرق وقتاً أطول، وكان سيتطلب عدداً أكبر من المشاركين في التجارب، لإنتاج بيانات كافية للتأكد من تحقيق نسبة الـ50 في المئة فعالية. لهذا أدرج مطورو اللقاحات “حالات الإصابة الحرجة بكوفيد-19″، باعتبارها إحدى السمات الثانوية، أيّ أنها سمة يمكن قياسها وتحليلها، لكن التجربة ليست مصممة بالضرورة لتقديم نتائج قاطعة بشأنها. في حين لم تدرج الفعالية في الحيلولة دون دخول المستشفى ودون الوفاة باعتبارهما سمتين ثانويتين في التجارب.

وبناءً على ذلك، لا يمكن أن تدعم البيانات الادعاء بأن اللقاحات فعالة 100 في المئة، في ما يتعلق بالحماية من الإصابة بتلك المضاعفات الحادة. (سلط توبول الضوء على تلك المسألة تحديداً في مقالة كتبها الخريف الماضي لصحيفة “ذا نيويورك تايمز”). من بين اللقاحات الستة التي تضمنتها جداول البيانات المثيرة التي تم تداولها على “تويتر”، أدرجت تجربتين للقاحين فقط -لقاح “أسترازينيكا” الذي طورته جامعة “أوكسفورد”، ولقاح “جونسون آند جونسون”- حالات الإصابة بـ”كوفيد-19″ التي تستدعي الدخول إلى المستشفى باعتبارها سمة ثانوية، وحددت نسبة فعالية اللقاح في ذلك الجانب. وقد أدرجت الأبحاث السريرية للقاح آخر طورته شركة “نوفافاكس”، تلقي الرعاية في المستشفى باعتبارها سمة ثانوية، لكن لم يُعلن عن اكتمال تلك التجارب إلى الآن. (نشرتُ على موقعي معلومات وتحليلات أكثر تفصيلاً عن تلك البيانات).

حالياً، ربما يظن القارئ العادي لتقارير التجارب السريرية- أو ملخصاتها المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي- أن عدم إدراج دخول أيٍّ من الحاصلين على التطعيم إلى المستشفى، جراء الإصابة بـ”كوفيد-19″ يعني أن ذلك لم يحدث على الإطلاق. وهذا أمر محفوف بالمخاطر، لأن جزءاً من البيانات قد نُشر في مختلف المجلات الطبية وعبر وكالات رقابية مختلفة بدلاً من نشرها كاملة في مكان واحد، ولأن الخطط الخاصة ببعض التجارب لم تحدد مسبقاً أن فعالية اللقاح في الحيلولة دون دخول المستشفى سوف تُحتسب، ولأننا لم نطلع سوى على جزء صغير للغاية من البيانات الأولية (عبر بيان صحافي أصدرته شركة “نوفافاكس”) لأحد تلك اللقاحات. افتراض أن الحالات التي تستدعي دخول المستشفى قد أُدرجت ضمن التحليلات الخاصة بالأشخاص الذين عانوا من مضاعفات حادة لـ”كوفيد- 19″ أمر خطير أيضاً. دخول المستشفى والمضاعفات الحادة ليسا الشيء ذاته، فمن الممكن أن يظل المرضى في المنزل، على رغم أن إصابتهم بـ”كوفيد-19″ أدت إلى نقص حاد في الأوكسجين لديهم، بينما وبدافع الحذر الشديد، ربما يدخل الأشخاص المصابون بحالات مرضية متوسطة المستشفى عندما يكونون عرضة بدرجة كبيرة لخطر تدهور حالتهم. 

عن دخول المرضى المستشفى 

أوضحت اثنتان من تجارب اللقاحات التي كشفت صراحةً عن حالات دخول المستشفيات باعتبارها أحد مقاييس الفعالية، تلك المسألة الأخيرة تمام الوضوح. بالنسبة إلى لقاح “أسترازينيكا”، أصيب شخص واحد في المجموعة الضابطة بمضاعفات “كوفيد-19” الحادة، في حين دخل ثمانية أشخاص المستشفى؛ أما بالنسبة إلى لقاح “جونسون آند جونسون”، فقد أصيب 34 شخصاً في مجموعة الدواء الوهمي بمضاعفات “كوفيد-19” الحادة، ولكن لم يدخل المستشفى سوى خمسة أشخاص فقط. وعلى رغم حقيقة أنه لم يدخل أي شخص تلقى اللقاح المستشفى في أي من الدراستين بعدما بدأ مفعوله، ففي ظل هذه الأعداد القليلة، لا يمكن التوصل إلى استنتاج جدير بالثقة حول مدى فعالية هذه النتائج. وقد أشارت ديانا زوكرمان، رئيسة المركز الوطني للأبحاث الصحية، تعليقاً على تجربة لقاح “جونسون آند جونسون”، إلى أنه “من المضلل أن نقول للرأي العام إن جميع الذين تلقوا اللقاحات لم يدخلوا المستشفى ما لم نخبرهم أيضاً أن 5 أشخاص فقط من مجموعة الدواء الوهمي قد دخلوا المستشفى”. وهي على حق. فضلاً عن أنه من غير الممكن توقّع نسبة فعالية اللقاحات على نحو دقيق لدى شريحة أوسع من السكان لم تتضمنهم التجارب. فعلى سبيل المثال، شملت بعض تجارب اللقاحات عدداً قليلاً نسبياً من المشاركين الذين تتجاوز أعمارهم 60 سنة.

يشعر مسؤولو الصحة العامة بالحماسة تجاه لقاح شركة “جونسون آند جونسون” الجديد الذي يؤخذ على جرعة واحدة، على رغم أن فعاليته في منع الإصابات المصحوبة بأعراض أقل إلى حدٍ ما من اللقاحات الأخرى المتوفرة حالياً.

ماذا عن هشاشة الأرقام؟

يمكن بسهولة إدراك مدى هشاشة هذه الأرقام من خلال الاطلاع على البيانات المرتبطة بالأمراض الحادة الأخرى. في تجربة لقاح “فايزر”، على سبيل المثال، أصيب شخص واحد ممن تلقوا اللقاح بمضاعفات “كوفيد-19” الحادة، مقابل ثلاثة أشخاص من مجموعة الدواء الوهمي – وهذا يعني أن حالة واحدة من المرض أحدثت فرقاً بين معدل الفعالية الذي يبلغ 66 في المئة، والمعدل الذي يبلغ 100 في المئة وفقاً للإحصاءات. وبالنسبة إلى تجارب لقاحي “نوفافاكس” و”أكسفورد – أسترازينيكا”، لم يُصب أحد بمضاعفات حادة في المجموعة التي تلقت اللقاح، بينما أصيب شخص واحد فقط في المجموعة الضابطة، وبالتالي فإن وجود أو غياب حالة واحدة من شأنه أن يجعل النتائج أشد وقعاً. في حين تتفاقم المشكلة بالنسبة إلى حالات الوفاة. ففي سبيل تحليل نسبة الفعالية، لم يكشف سوى تجربتين للقاحين، “مودرنا” و”جونسون آند جونسون”، عن حالات وفاة مرتبطة بالإصابة بمرض “كوفيد-19” في المجموعات الضابطة.

من المهم أيضاً أن نضع في اعتبارنا أن هذه النتائج أولية: إذ إن البيانات المنشورة حتى الآن لا تشمل بعض الأشخاص الذين انضموا إلى التجارب في مرحلة متأخرة، وما زالت التحليلات مستمرة. وبالفعل، أشارت إدارة الغذاء والدواء في كانون الأول/ ديسمبر الماضي إلى أن شخصاً دخل إلى المستشفى جراء إصابته على ما يبدو بمضاعفات حادة من “كوفيد-19″، بعد شهرين على تلقيه الجرعة الثانية من اللقاح في تجربة لقاح “مودرنا”. وكان هذا الشخص ضمن مجموعة لا تزال تنتظر التقييم النهائي من الباحثين، ولم يرد ذكره في النتائج الرسمية المرتبطة بتجربة لقاح “مودرنا”.

في هذا السياق، لم تُقدم برامج التطعيم العامة الحالية سوى القليل من المعلومات. فقد صدرت أربعة تقارير مهمة راهناً، أقام الباحثون في أحدها مقارنة بين ما يربو على 600 ألف شخص ممن تلقوا جرعتين كاملتين من لقاح “فايزر” في إسرائيل و600 ألف شخص لم يتلقوا اللقاح وتنطبق عليهم المواصفات نفسها من حيث السن والخصائص السكانية الأخرى. بلغت فعالية اللقاحات في منع الإصابات التي تستدعي الدخول إلى المستشفى 87 في المئة. (غرد الدكتور أشيش جها معلقاً على هذه النتائج قائلاً، “هذا اللقاح فعال حقاً على أرض الواقع”). في حين ذكرت دراسة لم تُنشر بعد أُجريت في اسكتلندا أن فعالية اللقاحات في منع دخول المستشفى تصل إلى 80 في المئة تقريباً لدى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 سنة أو أكثر، ومعظمهم لم يتلقوا سوى جرعة واحدة فقط إما من لقاح “فايزر” أو لقاح “أسترازينيكا”. ووفقاً لتقريرين آخرين صدرا عن إدارة الصحة العامة في إنكلترا، فقد تراجعت حالات دخول المستشفى بنحو 50 و43 في المئة، في الفئة العمرية نفسها بعد تلقي معظمهم جرعة واحدة فقط من لقاح “فايزر”. على رغم أن هذه النتائج ممتازة، لأنها تدل على نجاح هذه اللقاحات حقاً، لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى الاعتقاد بأن جميع اللقاحات متشابهة أو أنها ستوفر حماية كاملة.

في ضوء هذه البيانات والإحصاءات والتقارير، كيف يمكن أن نتخذ القرار بشأن تلقي اللقاح؟ صرح كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، الدكتور أنتوني فاوتشي، لصحيفة “نيويورك تايمز”، تعقيباً على هذا الموضوع، “لقد أصبح لدينا الآن ثلاث لقاحات فعالة للغاية. هذا كل ما يهم”. ومجدداً، سيستفيد الناس كثيراً عند تلقيهم أياً من هذه اللقاحات، فضلاً عن تراجع المخاطر التي قد يواجهونها حين يتلقى المحيطون بهم اللقاح بدورهم. وبصرف النظر عن اللقاح الذي نتلقاه في الوقت الراهن، من المحتمل أن تتوفر جرعة تعزيزية أخرى من اللقاح نفسه أو ربما من لقاح مختلف في المستقبل القريب. من خلال تلقي أول لقاح يمكنك الحصول عليه، ستتجنب أيضاً المخاطر التي قد تتعرض لها في غياب الحماية إذا ما ارتفعت معدلات العدوى في المكان الذي تعيش فيه.

بيد أن مدى فعالية اللقاح تظل مجرّد جزء واحد من التقييم الشامل لأي لقاح. إذ يتميز لقاحا “فايزر” و”مودرنا” بِفاعليتهما في منع الإصابة بـ”كوفيد- 19″ المصحوبة بالأعراض، في حين يُقدم لقاح “جونسون آند جونسون” مميزاته الخاصة أيضاً، فهو يمتاز بسهولة الحفظ، ولا يتطلب ظروف تخزين في درجات حرارة منخفضة للغاية مقارنة باللقاحات الأخرى، ما يعني أنه أسهل في التوزيع وأكثر قدرة على الوصول إلى المجتمعات المحلية، فضلاً عن أنه أقل كلفة من اللقاحين الآخرين، إذ توفره الشركة بسعر التكلفة في جميع أنحاء العالم. إضافة إلى حقيقة أن الموارد يمكن أن تغطي تكاليف شراء المزيد من الجرعات نظراً إلى أن اللقاح لا يتطلب تلقي أكثر من جرعة واحدة لإثبات فعاليته.

يُقدم لقاح “جونسون آند جونسون” مزايا كثيرة بالنسبة إلى الأفراد أيضاً، لأنه يمتاز عن كل منافسيه في أن جرعة واحدة منه كافية، ولذا فهو مناسب أكثر. علاوةً على أنه لا يسبب آثاراً جانبيةً بقدر لقاح “مودرنا”. وفي حين لا يُمكن عقد مقارنة دقيقة للغاية بين نتائج هذه التجارب، فثمة مؤشرات تدل على وجود فرق كبير. فقد أظهر حوالى 2 في المئة من الذين تلقوا لقاح “جونسون آند جونسون” استجابات معينة، مثل الإرهاق وآلام العضلات والحمى، والتي كانت حادة بما يكفي لمنعهم من القيام بنشاطاتهم اليومية. أما بالنسبة إلى أولئك الذين تلقوا الجرعة الثانية من لقاح “مودرنا”، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى ما يفوق 15 في المئة. قد يجد الأشخاص المترددون بشأن الحصول على اللقاح أن هذا الفرق يُرجح كفة الميزان لمصلحة تلقي جرعة واحدة. بيد أن غيرهم ممن لديهم شكوك حول تقنية “الحمض النووي الريبي المرسال” (mRNA) المستخدمة لتصنيع لقاحات “فايزر” و”مودرنا”، لأنها لا تزال تقنية حديثة نسبياً، قد يستحسنون حقيقة أن النهج المتبع لإنتاج لقاح “جونسون آند جونسون”، هو نفسه الذي اتبعته الشركة سابقاً لإنتاج لقاح ضد الإيبولا، والذي تمت المصادقة عليه في أوروبا خلال العام الماضي.

نظراً إلى هذه المخاوف، ينطوي الخبر الذي يدعي أن جميع لقاحات “كورونا” متشابهة على جميع المستويات أو أنها توفر قوة حماية كاملة تقي من المضاعفات الحادة للمرض، على بعض المخاطر، على رغم النيات الحسنة الكامنة وراءه. من المؤكد أن تلقي التطعيم ضرورة حتمية لحماية الصحة العامة، فضلاً عن أن العمل بأقصى طاقة ممكنة للتشجيع على تلقي اللقاحات يخدم المصلحة العامة. لكن يظل هذا القرار الصحي شخصياً في نهاية الأمر. فالناس يريدون حماية أنفسهم وأولئك المقربين منهم، ومن المتوقع أن يهتموا بالنتائج الأخرى، بعيداً من معدل الحالات التي احتُجزت في المستشفيات أو تعرضت للوفاة، بغض النظر عما هو متداول بين الناس الآن.

على رغم هذا، فإن إثارة هذه المخاوف على الملأ قد يكون محفوفاً بالمخاطر. ورداً على سؤال بشأن جدول البيانات الذي نشرته غاندي، أكدت على أهمية دراسة نتائج الإصابات التي تصاحبها مضاعفات حادة، وذكرت أن “الخطاب العلمي الدقيق والجماعي القائم على المشاركة بشأن اللقاحات أمر حتمي للمضي قدماً ولمساعدتنا على النجاة من هذا الوباء”. وأشار توبول إلى أنه أكد في مناسبات عدة أهمية قياس فعالية اللقاحات ضد الإصابات التي تصاحبها أعراض، وبالتالي فإن أي إشارة منفردة إلى جدول البيانات الذي نشره، “تتناول تلك المعلومات بالتحديد خارج سياقها الفعلي”. بينما كتب جها في رسالة عبر البريد الإلكتروني أنه يتمسك بالخبر الذي نشره في تغريدته الأصلية، وأشار إلى أن معدل حالات الإصابة بمرض “كوفيد-19″ التي احتُجزت في المستشفيات أو تعرضت للوفاة، نادرة للغاية بين الذين تلقوا اللقاحات في هذه التجارب، لذا فإن إثارة الجدال حول هذه الاختلافات يشبه إضاعة الوقت في مناقشة مواضيع لا قيمة عملية لها”.

إن الأشخاص الذين يعتقدون أن اللقاحات توفر حماية قوية قد يفقدون الثقة في الخبراء إذا ما اختلف الواقع. في حين تواجه الثقة في المعلومات المتعلقة بلقاحات “كورونا” بالفعل مشكلة،

يمكن تصور لماذا قد يصبح هذا الأمر مثار جدل، ولكن لا أعتقد أنها مسألة سطحية. سيكون الوضع مختلفاً لو ظننت أن فعالية كل واحد من تلك اللقاحات الستة بالنسبة إلى معدل الحالات التي احتُجزت في المستشفيات أو تعرضت للوفاة، تصل إلى 100 في المئة تقريباً -أو إذا صدقت الفكرة التي أصبحت شائعة اليوم، بأن هذه اللقاحات سبق أن أثبتت قدرتها على منع الدخول إلى المستشفى أو التعرض للوفاة جراء الإصابة بطريقة “فعالة” أو “شبه كاملة”. ثمة أسباب وجيهة تجعل هذه البيانات مُشجعة، ولكن القول الآن إن الذين تلقوا اللقاح لن يواجهوا خطر التعرض لمضاعفات خطيرة، وخطورة الإصابة بفايروس “كورونا” أصبحت الآن بالنسبة إليهم مثل خطورة الإصابة بنزلات البرد العادية- من المؤكد أنه قد يؤثر في سلوكيات الناس. تخيل لو افترضنا جميعاً أن اللقاحات يُمكن أن توفر حماية كاملة من الدخول إلى المستشفى أو التعرض للوفاة، كيف سيكون موقف المجموعات الأكثر عرضةً للخطر من الذهاب إلى السينما، أو موقف أرباب عملهم حول ضرورة تعزيز تدابير السلامة في أماكن العمل. والآن تخيل موقف هؤلاء الأشخاص وأرباب العمل أنفسهم حين يعلمون أنهم يتمتعون بحماية تصل إلى 85 في المئة فقط.

علاوة على ذلك، لا يوجد أي سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن المبالغة وإحداث صخب واسع من شأنهما أن يخدما المصلحة العامة أو الشخصية. بل إن الأشخاص الذين يعتقدون أن اللقاحات توفر حماية قوية قد يفقدون الثقة في الخبراء إذا ما اختلف الواقع. في حين تواجه الثقة في المعلومات المتعلقة بلقاحات “كورونا” بالفعل مشكلة، وقد تتراجع هذه الثقة إلى أدنى مستوياتها. وقد ينتهي الأمر بالنشطاء المعارضين لحملات التطعيم إلى استغلال وعود الخبراء “المبالغ فيها” للتقليل من صدقيتهم.

كتب جها في نهاية شباط/ فبراير الماضي تغريدة قال فيها، “فكرة أن الناس لا يستطيعون تقبل الفروق الدقيقة تنبع من سلوك أبوي يهدف إلى الحد من الحريات، وهي فكرة خاطئة”. وأنا أتفق مع هذا الطرح تماماً. إذ إن مبدأ معاملة الناس بشفافية ونضج هو مبدأ أساسي، وليس هناك من داعٍ للمبالغة. غالباً ما يكون الحديث عن أوجه المفاضلة بين مختلف الأدوية واللقاحات أمراً معقداً، لكننا نفعل ذلك طيلة الوقت، وليس هناك ما يمنع من اتباع النهج ذاته مع لقاحات “كوفيد-19” أيضاً.

هذا المقال مترجم عن theatlantic.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا  الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.