fbpx

ناهد وأخواتها المُعِيلات: “عِرض” أم مواطنات مصريات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في أسبوع عيديهن، لا يبدو أن أياً من تلك الهدايا التي اختارت الدولة أن تكرم بها نساء مصر تلتفت حقاً إلى ما يحتاجه غالبيتهن. وهو قبل أي شيء النظر إليهن كمتساويات مع الرجال، ككاملات الأهلية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أسبوع الاحتفال بالمرأة، تكرر الظهور الإعلامي للرئيس عبد الفتاح السيسي، مقدّماً مبادرات مختلفة لتحسين ظروف النساء المصريات، وتكريم بعضهن. واهتم الرئيس بإجراء مكالمة هاتفية إلى أحد البرامج التلفزيونية أثناء عرضه قصة امرأة تعيل أسرتها بنقل البضائع على “تريسيكل“، وبعدما أثنى الرئيس على السيدة “اللي بـ100 راجل”، وعلى مقدمي البرنامج لاهتمامهم بهذا النموذج، أكد أن النساء مثل هذه السيدة هن “عِرض” تنبغي حمايته، ومن ثم وجه عناية الأجهزة المحلية على مستوى المحافظات وما دونها إلى الاهتمام بحالة هذه السيدة أولاً ومثيلاتها ثانياً.

 وقد استجابت محافظة الجيزة (حيث تقيم السيدة ناهد) لتوجيهات الرئيس بالفعل، كما أطلعتنا وسائل إعلامية مختلفة، ووفرت للسيدة مسكناً، ومحلاً تمارس فيه تجارة التجزئة.

القصة تبدأ من نقطة اعتبار المرأة مخلوقاً مساوياً للرجل، حينها يمكن أن تؤطر قضاياها المختلفة بالشكل الذي يتجه إلى حلول عادلة وشاملة وفعالة.

المرأة “العِرض”

لا شك في أن السيدة ناهد تستحق تماماً الاهتمام برفع قدر من المعاناة عنها. ومن ثم فالرئيس مشكور لإبدائه هذا الاهتمام، والمحافظة مشكورة للاستجابة (السريعة) لتوجيهات الرئيس ولتوفيرها مسكناً ومحل عمل لناهد. 

ثمة أمران يستحقان التوقف أمامهما، الأول إشارة الرئيس إلى ناهد والنساء المعيلات باعتبارهن “عرضاً” تنبغي حمايته، وما في ذلك من محاصرة بتنميط أخلاقي واجتماعي لأجساد النساء وهي إشارة محملة بالدلالات التي لا تعكس نظرة الرئيس إلى ناهد أو النساء المعيلات وحسب، بل إلى النساء عموماً، وتعكس الإطار الحاكم لسياسات الدولة تجاه النساء والمعيلات منهن خصوصاً. والأمر الثاني هو نمط اختيار التعامل مع حالات فردية بعينها وبصورة درامية لا يمكن تجنب الاعتقاد بأنها متعمدة لأغراض الدعاية.

يتسق النظر إلى المرأة المعيلة على أنها “عرض” مع المفهوم نفسه. فالمرأة المعيلة “كمشكلة”، نص الدستور على إلزام الدولة بالتعامل معها، هي تلك المرأة التي اضطرتها ظروف (غير طبيعية) إلى أن تكون العائل الوحيد لنفسها أو لأسرتها. في المقابل الظروف (الطبيعية) ضمناً هنا هو أن تكون مسؤولية إعالة المرأة والأسرة هي للرجال؛ الزوج، الأب، الأخ. وهي مسؤولية هؤلاء الرجال لأنها “عِرضهم”، فإن حرمت المرأة وجود هؤلاء الرجال في حياتها لأي سبب، أو تعذر أن يؤدوا مسؤولية إعالتها، أو امتنعوا عن ذلك، أصبحت “عرض” المجتمع، الذي عليه من خلال الدولة تحمل مسؤولية مساعدتها على العمل (كاستثناء للقاعدة).

النساء المعيلات في الواقع يجدن غالباً فرصاً للعمل في مجالات تمثل المساعدة المنزلية (كخادمات) أو بائعات في المحال التجارية أكثر من أي مجال آخر.

هذه الطريقة في تأطير الظاهرة وخلقها من خلال الخطاب، الدستوري أولاً ثم الرسمي للسلطة التنفيذية حتى قمتها، ثم في الإعلام، تبدأ بعزل قطاع من النساء من الطبقات الأكثر عرضة للمعاناة الاقتصادية، تجعل لهن صفة المصلحة الاقتصادية في العمل وكسب الرزق بشرط ألا يكون لهن عائل ذكر. ومن ثم فهذا التأطير يجعل كون المرأة كائناً اقتصادياً، أو المرأة العاملة، حالة خاصة، وإشكالية تحتاج الدولة إلى التدخل بشأنها. وفي المقابل، لا تكون نسبة البطالة المرتفعة بين النساء في العموم مشكلة تستحق الاهتمام، فالأصل كما ترى الدولة أن المرأة “كعرض” لرجل أو أكثر، ليست شخصاً مستقلاً له الحق في العمل، عموماً وليس فقط في ظروف خاصة.

يتجاهل هذا الإطار حقيقة أن الإحصاءات الرسمية نفسها تؤكد أن 30 في المئة من الأسر المصرية تعيلها نساء، بلغ عددهن حوالى 12 مليون امرأة. هؤلاء النساء يقبع أكثرهن في قاع هرم الدخل، بمعنى أنهن الأكثر فقراً. وهذا تحديداً ما يجعل من المرأة المعيلة مشكلة. فالنساء المعيلات دائماً يعانين من أن المتاح من فرص العمل لهن يوفر عائداً محدوداً للغاية، وهو غالباً لا يغطي احتياجاتهن أو احتياجات أسرهن بشكل كاف. فهؤلاء النساء لم يعدّهن المجتمع، الذي ينظر إليهن على أنهن “عرض” في ذمة رجل،ليكنّ مستقلات اقتصادياً. فهن لسن مؤهلات تعليمياً أو مدربات على ممارسة حرفة ما، ومن ثم فمجال العمل المتاح أمامهن محدود.

الحقيقة أن النسبة الكبيرة من النساء المعيلات تعكس حقيقة أن الظروف الاجتماعية في مصر تتناقض مع هذا التصور السائد، فالنساء معرضات بنسبة كبيرة ليكنّ معيلات لأنفسهن أو لأسرهن. وفي الوقت نفسه، تكشف النسب المرتفعة للعنف المنزلي ضد النساء، سواء من قبل الأزواج أو الآباء والإخوة، أنه حتى في حالة أن يكون ثمة رجل يعيلها، تظل المرأة في أحيان كثيرة في حاجة إلى الاستقلال المادي إذا كان لها أن تتحرر من سيطرة ذكور يسيئون معاملتها. وأخيراً، مستويات الفقر السائد تشير إلى أن أسراً كثيرة تحتاج إلى أن تشارك نساؤها بالعمل لرفع دخلها. في المحصلة، ينبغي أن تنظر سياسات الدولة إلى النساء على أنهن متساويات مع الرجال من حيث حاجتهن للتأهيل لسوق العمل ولفرص مناسبة في هذا السوق. إن لم يكن ذلك لأسباب حقوقية واضحة وبسيطة، فعلى الأقل لاعتبارات عملية. وفي هذه الحالة، تنتفي الحاجة إلى مفهوم “المرأة المعيلة” من الأساس، لأن الأصل هو أن النساء كالرجال يقع عليهن في معظم الأحيان عبء إعالة أنفسهن أو ذويهن.

مقتضيات العرض الإعلامي

في سياق متصل، النساء المعيلات في الواقع يجدن غالباً فرصاً للعمل في مجالات تمثل المساعدة المنزلية (كخادمات) أو بائعات في المحال التجارية أكثر من أي مجال آخر. وذلك لأن كثيرات منهن لم يتم إعدادهنّ لسوق العمل، وبالتالي فما يجدن القيام به هو ذلك النوع من العمل الذي نشأن ودرجن على أدائه طيلة أعمارهن من دون مقابل، في بيوت آبائهن أولاً ثم في بيوت أزواجهن. ولكن اللاتي يعملن في الخدمة في منازل الطبقة المتوسطة أو العليا، لسن موضوعاً مثيراً للاهتمام إعلامياً. ربما لأنه عمل يبدو اعتيادياً وغير جذاب، من منطلق أنه بالضبط ما يتوقع المجتمع أن تقوم به امرأة. أما أن تقود امرأة سيارة أجرة، أو “أوبر”، أو أن تنقل بضائع بواسطة “تريسيكل”، فهذه صورة مثيرة للاهتمام، وتبدو بعيدة من “طبيعة” المرأة.

وفي ظل سعي لاهث للغالبية العظمى من وسائل الإعلام المصرية حالياً خلف القصة الأكثر إثارة، وتجنبها المتعمد لأي مناقشة جادة لأي قضية قد تثير حفيظة السلطة وأجهزتها الأمنية، فإن ما تقدمه من نماذج للنساء عموماً والمعيلات في حالتنا هذه، هي تلك التي تخرج عن الصورة النمطية السائدة اجتماعياً، لما يليق بامرأة أن تقوم به. وحتى إن صاحب تقديم النموذج إطراء لصاحبته، فهو إطراء لشجاعتها ومواجهتها ظرفاً استثنائياً بالإقدام على فعل استثنائي. فهذا الإطار من ناحية يعيد تأكيد صورتين نمطيتين، الأولى أن المرأة لا ينبغي أن تخرج للعمل إلا مضطرة بسبب ظروف قهرية، والثانية، أن المرأة إن أقبلت على عمل غير نمطي، كانت حالة “شاذة” ينبغي تسليط الضوء عليها. وفي الحالتين تختفي في الظل الغالبية العظمى من النساء اللاتي لا يجدن فرصة العمل والاستقلال المادي أو المشاركة في رفع المستوى المعيشي لأسرهن، وهؤلاء اللاتي لا يجدن من فرص العمل إلا تلك التي تعد امتداداً للأدوار التي حوصرن بها طيلة حياتهن.

طريقة اختيار المسؤولين النماذج المستحقة للاهتمام، لا تختلف عن طريقة الإعلام في اختيارها، وللأسباب ذاتها وتأكيداً للدلالات ذاتها.

والسلطة لا تهتمّ بما يقدّمه الإعلام من هذه النماذج وحسب، ولكنها في أحيان كثيرة تغذيه بها. تبدو حالة ناهد كاشفة إلى حد ما هنا. فقصتها ليست جديدة في الواقع، بل سبق لبوابة “صحيفة الوطن” الإلكترونية أن نشرت تقريراً عنها في أيلول/ سبتمبر الماضي بعنوان “حمالة قسية (هكذا بالأصل، المقصود أسية)”، ولا يبدو أن التقرير طوال ستة أشهر قد أثار اهتمام أحد في السلطة أو الإعلام، حتى حل عيد الأم فقرر أحدهم، أن يبحث عن قصة امرأة يمكن أن يتدخل الرئيس لمساعدتها. هذا السيناريو الأقرب إلى التصور تؤكده حالات سابقة للنساء الاستثنائيات (من حيث إثارة حالتهن الاهتمام الجماهيري)، وكن بطلات لحكايا تدخل الرئيس للمساعدة. وهو يعكس أن طريقة اختيار المسؤولين النماذج المستحقة للاهتمام، لا تختلف عن طريقة الإعلام في اختيارها، وللأسباب ذاتها وتأكيداً للدلالات ذاتها.

في أسبوع عيديهن، لا يبدو أن أياً من تلك الهدايا التي اختارت الدولة أن تكرم بها نساء مصر تلتفت حقاً إلى ما يحتاجه غالبيتهن. وهو قبل أي شيء النظر إليهن كمتساويات مع الرجال، ككاملات الأهلية، ومواطنات يتمتعن بالحقوق كافة. فالقصة تبدأ من نقطة اعتبار المرأة مخلوقاً مساوياً للرجل، حينها يمكن أن تؤطر قضاياها المختلفة بالشكل الذي يتجه إلى حلول عادلة وشاملة وفعالة. بخلاف ذلك تبقى الحلول وكأنها إضافة إلى المشكلة وإلى إعادة إنتاجها، ويبقى السعي جرياً في المكان، من دون أي خطوة إلى الأمام.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.