fbpx

العالم منشغل بسفينة “السويس” والإعلام المصري ينتظر الأوامر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إعلام العالم كان منهمكاً في شرح الوضع وتحليل تبعاته، لكن محلياً كان التصوير ممنوعاً على الصحافة، ولا أنباء تصدر من هيئة قناة السويس، المسؤول الرسميّ الأول عن نشر المعلومات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وجد خبر تعويم السفينة الجانحة في قناة السويس مكاناً في صدارة متابعة الإعلام المصري. الخبر توج أسبوعاً حافلاً  بالمعلومات المغلوطة أحياناً وبالتعتيم في أحيان كثيرة. ففي ظل أزمات تطوق حياته اليومية، وجد المواطن المصري نفسه محاطاً – عبر مواقع التواصل الاجتماعي – بوسوم من نوع «قناة السويس»، و«السفينة الجانحة»، وآلاف التغريدات التي تتناول شأناً داخلياً يحدث على بعد ساعات من محل إقامته، بينما لا يعرف عنه شيئاً.

تنفست السلطات المصرية الصعداء بعد إعلان اقتراب حل الأزمة، فالحكومة المصرية كانت بالكاد تشير إلى ما يحصل والشخصيات البارزة لا تجرؤ على الكلام، والصفحات الأولى للصحف المصرية خرجت من المطابع- تزامناً مع الحادث – من دون إشارة إلى «إغلاق قناة السويس». ففي بداية الأزمة انشغل الاعلام المحلي بخبرين هما : «استجابة الرئيس عبد الفتاح السيسي لسيدة التروسيكل»، والثاني يعبر عن مفارقة غريبة، فهو عن توجيه رئاسي بـ«تطوير منظومة النقل البحري». 

كان الإعلام المصري ينتظر بياناً رسمياً من “هيئة قناة السويس” ليكتب خبراً عما يحصل، على طريقة «إعلام الحرب» التي تتبناها شخصيات إعلامية مصرية تتعامل مع الوضع باعتباره حرباً، والعسكري لا يأخذ قراراً من رأسه بل ينتظر الأوامر، ولم يلتفت إلى أن هذا التجاهل المتعمّد قد يتحوَّل إلى فضيحة. 

اشتعلت الصحف الأجنبية ووكالات الأنباء، من جميع دول العالم، بأخبار ومعلومات عن التوقف الكامل لأهم معبر مائي في العالم، وانسداده على شرفِ سفينة “إيفير غيفن” التي يصل طولها إلى 400 متر وعرضها 59 متراً والتي جنحت في مياه قناة السويس. 

الحدث عالميّ وليس محلياً، فهو يمسّ حركة التجارة العالمية، فـ30 في المئة من الحاويات التجارية التي تعبر بين أوروبا وآسيا، ونحو 10 في المئة من النفط والغاز الذي يستهلكه العالم يومياً، كلها يمر بقناة السويس، والتوقف يعطل بضائع بقيمة 9.6 مليار دولار يومياً

 وحين تحدث أزمة في قناة السويس، يُسمع صداها في عواصم العالم، فهذه القناة تعتبر ممراً ملاحياً أساسياً بالنسبة إلى البضائع التي يمثل الوقت عنصراً مهماً لها، فالبديل هو طريق رأس الرجاء الصالح، الذي يزيد الرحلة لنحو 20 يوماً في بعض الحالات. 

الأهمية الأكبر، التي اكتسبتها قناة السويس مع الزمن، ترجع إلى تعاظم مراكز الإنتاج الموجودة في الشرق الأقصى كاليابان والصين وإندونيسيا وماليزيا، مع بقاء المراكز الأكثر استهلاكاً في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا، ما يحتاج «همزة وصل»، تقوم بهذا الدور قناة السويس، التي ما إن عطلت شعرت دول العالم بشلل نصفي، وصعدت أسعار النفط العالمية بنسبة 2.45 في المئة خلال تعاملات الأربعاء، اليوم التالي للتوقف، بحسب وكالة “بلومبرغ”، فهي أطول قناة ملاحية في العالم، ونسبة الحوادث فيها نادرة، مقارنةً بالقنوات الأخرى، وتسير حركة الملاحة فيها ليلاً ونهاراً، وهي مهيأة لعمليات التوسيع والتعميق كلما تطورت أحجام وحمولات السفن العابرة، كما حصل عند افتتاح قناة السويس الجديدة. تكتسب القناة المصرية قيمةً مضافة، من القيمة التي يكتسبها النقل البحري باعتباره أرخص وسائل النقل، فتنتقل عبره ما يزيد عن 80 في المئة من حجم التجارة العالمية، وفي قلبه قناة السويس، التي تستولي على 30 في المئة من الحاويات التجارية التي تعبر بين أوروبا وآسيا.

30  في المئة من الحاويات التجارية التي تعبر بين أوروبا وآسيا، ونحو 10 في المئة من النفط والغاز الذي يستهلكه العالم يومياً، كلها يمر بقناة السويس، والتوقف يعطل بضائع بقيمة 9.6 مليار دولار يومياً.

العالم يتابع 

إعلام العالم كان منهمكاً في شرح الوضع وتحليل تبعاته، لكن محلياً كان التصوير ممنوعاً على الصحافة، ولا أنباء تصدر من هيئة قناة السويس، المسؤول الرسميّ الأول عن نشر المعلومات. التقط الصحافيون الأجانب صوراً للسفينة الجانحة عبر الأقمار الصناعية، وانتشرت صور «من السماء» في المواقع والصحف والوكالات الأجنبية، التي بدأت تحسب خسائر الدول اليومية من استمرار الوضع متعطلاً، وتوقيف السفن خلف السفينة الجانحة بما فيها من حاويات وبضائع وماشية ونفط وأغراض مهدَّدة بالتلف في حال بقائها في المياه أكثر من الوقت المحدَّد لها.

كشف الحادث جانبين من انعدام الشفافية والمسؤولية، الأول لدى الجهة الرسمية، التي لم تصدر أي معلومات أو بيانات حول ما يحصل في محيطها المائي، وتركت الملعب لأقلام ومنصات أجنبية ربما لا تعرف أبعاد الأمر بالكامل، لأنها تصدر من على بعد آلاف الكيلومترات.

الجانب الثاني هو الإعلام المصري، الموالي للنظام السياسي، الذي كان يفترض أن يكون أول من يقدم المعلومات للعالم لقربه المكاني من الحدث وعلاقاته الوثيقة بالمسؤولين، لكنه تخلى تدريجاً عن دوره الأساسي ليصبح بوقاً رسمياً، وبدلاً من كشف الحقائق، اجتهد في طمسها بالكامل، وتقديم معلومات مضللة، ووجبة من الأخبار الروتينية «الأقل أهمية»، على رغم أن حدثاً يزعج العالم يقع على الأراضي المصرية، ليوهم الجميع بأن كل شيء «تحت السيطرة».

بقى الإعلام المصري طويلاً تحت ضغط النقد واللوم، لأنه لا يدير منصات إخبارية موجّهة للخارج، تدافع عن المصالح المصرية إقليمياً ودولياً، باللغة العربية واللغات الأخرى، لتدخل في منافسة مع «الجزيرة» القطرية و«العربية» السعودية و«سكاي نيوز عربية» الإماراتية، لكن ما تكشفه وقائع متعاقبة هو أن الإعلام المصري الرسمي أو الذي يدور في فلك النظام يفشل باستمرار في مخاطبة الداخل المصري من الأساس، فلا يكتفي بعدم مناقشة أزماته، أو حل مشكلاته، أو التعليق على معارك المواطنين في الحياة اليومية، أو الوقوف في صف المواطن في مسائل كالحقوق والحريات والغلاء وخلو المجال السياسيّ من الحراك والأوضاع الاقتصادية، بل يكمل مسيرته بطمس الحقائق والمعلومات. 

إقرأوا أيضاً:

مصر «الرسميّة»… بيان متأخر ومعلومات مغلوطة

رد الفعل الرسميّ كان مخيباً أيضاً. جنوح سفينة في قناة السويس أو أي معبر بحري آخر لأسباب طبيعية أو فنية أمر وارد، ويحدث أحياناً، وإغلاق القناة المصرية لتتجه أنظار العالم إليها ليس شيئاً غريباً، فهي ضمن المعابر الأكثر أهمية في العالم لحركة التجارة العالمية، لكن شعور المسؤولين بأنهم «متهمون دائماً»، ومضطرون للدفاع عن أنفسهم، أو تبرير ما يحدث بطرائق تخرجهم من دوائر الاتهام، يوقعهم في أخطاء أسوأ.

جنحت سفينة الحاويات العملاقة «إيفر غيفن»، التي تعمل ضمن أسطول شركة الملاحة التايوانية «إيفر غيفن»، وتبلغ حمولتها 224 ألف طن، في الساعة السابعة من صباح الثلاثاء، 23 آذار/ مارس 2021، وهي تقطع الطريق من الصين إلى ميناء روتردام غربي هولندا. 

طبقاً للبيروقراطية المصرية، يمكن أن ترسم تصوراً لما حصل. اتصال أبلغ رئيس قناة السويس- على الفور – بما حدث في المجرى الملاحي، ليستقلّ سيارته ويذهب ليرى المشهد بنفسه، قبل أن يجمع فريقاً من الخبراء ليبحث عن حلٍّ عاجل لا يكلفه الإعلان عن جنوح السفينة، أو إبلاغ الإدارة السياسية. كان يتخيّل أن الموقف عابر، ويمكن أن يحلّه بجهود ذاتية، وبقى الأمر سراً حتى اكتشف أن الحل أكبر من إمكانات القناة المتاحة تحت تصرفه، فأبلغ المسؤولين، الذين وجّهوه للصبر لحين التوصل إلى حل. تسرّب الخبر عبر الشركة المالكة للسفينة الجانحة إلى وسائل إعلام عالمية، وأصبح إغلاق القناة المصرية حديث العالم. بدا أن توقف القناة بالكامل سيستمرّ طويلاً، فاضطر المسؤول الرسميّ لإصدار بيان متأخر أكثر من 24 ساعة، ولم يكن البيان واضحاً أو صادقاً كما بدا الأمر لاحقاً.

قال الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، إن حركة الملاحة مستمرة في مجرى القناة، قبل أن تحصل وكالة “رويترز” على تكذيب من مصدرين في قناة السويس، قالا إن مصر عدّلت نظام عبور السفن ليصبع «في الاتجاهين بالقناة القديمة». 

البطء وتضارب المعلومات من جانب المسؤولين المصريين أحال المأساة الاقتصادية، التي ربما يخلفها التوقف الكامل لقناة السويس، إلى منشورات ساخرة. يصف إعلامي مصري، تحفظ على نشر اسمه، الأداء الإعلامي للدولة بـ«منتهى السوء»، ويقول، تعليقاً على التأخير المتعمّد في إصدار بيانات والتفاعل مع وسائل الإعلام العالمية التي سبقت إلى نشر الخبر، إن مصر كانت بحاجة لمخاطبة العالم عبر أذرعها الرسميّة كالهيئة العامة للاستعلامات، التي لم تصدر بياناً واحداً منذ الواقعة، أو أي أجهزة أخرى.

ويضيف الإعلامي: «أول مؤتمر صحافي تقيمه هيئة قناة السويس للتعليق على الواقعة كان بعد أيام على الحادثة، بينما كان لا بدّ أن تنظم الهيئة مؤتمراً صحافياً يومياً، وتشغل فريقاً إعلامياً مهمته الرد على الاستفسارات وتقديم المعلومات بشفافية كاملة لوسائل الإعلام الأجنبية والمصرية، وتدعو صحافيين أجانب لمعاينة عملية تعويم السفينة الجانحة والجهود المصرية وتصويرها باحترافية والكتابة عنها، وإصدار رسالة يومية من قناة السويس. وبدلاً من أن يتحدث الإعلام الغربي عن التعتيم كان يمكن أن يتغنى بالشفافية المصرية، فالأمر ليس بفعل فاعل، وليس نتيجة إهمال مصري، فلماذا نتعامل باعتبارنا مذنبين نداري خطيئتنا؟».

تحولت صورة «الكرَّاكة» الصغيرة التي تحاول تحرير السفينة العملاقة إلى مادة للسخرية، ولم يتداخل مع السخرية رأي علمي أو منطقي من الجانب المصري يشرح سبب الاستعانة بكرَّاكة واحدة. لم يقدم الإعلام المصري المعرفة اللازمة، أو يرد على الاتهامات ومدافع السخرية التي تلاحق بلاده وتفرغ – حين تلقى إشارة للحديث حول«السفينة الجانحة» – مباشرة أو عبر أذرعه الإلكترونية، لفبركة روايات مضللة لم تذكرها الرواية المصرية. 

ملكيون أكثر من الملك، يسردون معلومات وحكايات مزيفة عن «ضفادع بشرية» تحفر بأعماق ضخمة لتفتح الطريق لـ«إيفر غيفن» خلال ساعات، واستئناف حركة مرور السفن بعد مشاركة 8 قاطرات عملاقة في تعويم السفينة الجانحة (عنوان موحّد لصحف «المصري اليوم» و«اليوم السابع» و«الدستور» الأكثر شيوعاً في القاهرة بتاريخ 26 آذار)، وقوى معادية لمصر افتعلت الأزمة لتسريع إنشاء وسائل بديلة لقناة السويس حول العالم، وصناعة مصر للأزمة للضغط على الدول المتضررة لمساندتها في ملف سد النهضة.

البطء وتضارب المعلومات من جانب المسؤولين المصريين أحال المأساة الاقتصادية، التي ربما يخلفها التوقف الكامل لقناة السويس، إلى منشورات ساخرة.

معلومات مغلوطة انتشرت بعد الطمس الكامل للأزمة، على رغم أن الرواية الرسمية واضحة: «مجرى الرياح السبب». الرواية الرسمية الأولى، التي كشفت عنها قناة السويس في أول بياناتها، تضمّنت توصية لوسائل الإعلام بـ«تحري الدقة في ما يتم نشره وعدم الالتفات للأخبار مجهولة المصدر والاعتماد على المعلومات والأخبار الرسمية الصادرة من الهيئة»، لكن الإعلام المصري لم يلتزم لشعوره الدائم بأنه مضطر للدفاع، والمبالغة في إبداء فروض الولاء، والدخول في الحرب بمدفعيته الثقيلة، على رغم أن هذا التوجه التعبويّ ليس مطلوباً في الأزمة الجارية، فمصر ليست صانعاً للأزمة، وما حصل يمكن أن يحدثَ في أي معبر في العالم نتيجة ظروف مناخية، أو عيوب فنية في السفن، والدليل أن السفينة التي عبرت القناة قبل «إيفر غيفن» مباشرة كانت أضخم وأثقل وأكثر حمولة، ومرَّت بسلام.

الأكذوبة الأحدث، التي انتشرت مرفقة بمقطع فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولم تجد من يصحّحها، هي أن السفينة الجانحة تم تعويمها أخيراً وحركة الملاحة تعود خلال ساعات. 

لكن ما حصل أن السفينة اهتزت بفعل الدفع، ولم تتحرك، لكن «بعث الأمل المزيف» المستمر من جانب وسائل الإعلام المصرية بقرب الحلّ، يزيد تصديق أي معلومة عن تعويم السفينة الجانحة، على رغم أن الأمر، وفق وكالة «فرانس برس»، قد يستغرق أسابيع، فإذا فشلت محاولات تعويمها بـ«الشد والدفع» سيكون الحل هو إفراغ السفينة من الحاويات التي تزن 224 ألف طن لتسهيل تحريكها.

الوقائع المتعاقبة لفشل الإعلام المصري في إقناع المواطن المصري بجدوى متابعته هبط بنسب المشاهدة والقراءة إلى أدنى المستويات في تاريخ مصر، بحسب تصريحات سابقة لوزير الدولة للإعلام المصري، أسامة هيكل، الآتي من خلفية صحافية، فلم يعد أحد ينتظر منه أي معلومات أو تحليلات أو أخباراً حديثة؛ إذ إن مواقع التواصل الاجتماعي أنهت فاعليته ووجوده كمصدر أساسي للمعرفة، وأصبحت بديلاً عنه في جميع الأحداث المؤثرة، لم يكن أحدثها التناول «المتأخر والمنقوص» لواقعة «السفينة الجانحة»، ففي السادس والعشرين من آذار، حدث ما هو أسوأ.

فوجئ آلاف المصريين ببث مباشر من حساب شاب مصريّ، من محافظة سوهاج جنوب مصر، يدعى رحيل أبو عامر، بعنوان «الحقونا». حقق البث المباشر تفاعلاً كبيراً نادراً ما تحققه الصفحات الرسمية للصحف والمواقع المصرية: 40 ألف تعليق، و117 ألف مشاركة. يظهر رحيل داخل قطار مقلوب، وحوله جثث ضحايا ومصابون ووجوه مرعوبة مما حصل، ليعلنَ نبأ تصادم قطارين في صعيد مصر. لم تكن الدولة نشرت شيئاً، ولا الصحف التفتت للأمر. نقل الإعلام المصريّ الخبر عن رحيل، مقلم الأظافر ومخلوع الأنياب وقليل التأثير، بعيداً من حقيقة التجربة الصعبة بحادث القطارين، وامتنعت عن الإشارة إلى الفيديو الذي كان ينقل الحقيقة تماماً من دون أغطية أو مواربة، أو سياسات تحريرية، أو خوف من مسؤول حكومي. مقطع «رحيل» – إلى جانب التغطية الشعبية لحادث «السفينة الجانحة» – أحد تجليات هزيمة الإعلام المصري أمام مواقع التواصل الاجتماعي، والفارق بينهما، على ما يبدو، هو عدم انتظار الأوامر.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!