fbpx

فانتازيا المتحرشين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الفضاء العام في مصر ليس ساحة لممارسة أي سلوكٍ جنسيّ بالتراضي بين متحابين، بل تعوّد هذا الفضاء على التحرش باللسان والتلامس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تنتشر مقاطع فيديو ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، لشبان في أوروبا يقف واحدهم في الشارع ويعطي ظَهره للنّاس، ويحاول بحركة يده إعطاء صورة لمن يقف خلفه، بأنّه يقوم بدعك قضيبه. يُفاجأ الناس، ومن ثمَّ يكتشفون أنّها مزحة في برنامجٍ كوميديّ يرصد ردود فعل الناس تجاه السلوكيات التي لا يفترض حدوثها في الفضاء العام. 

المؤكد أنّ هذه الظاهرة تتكرر في مصر بشكل ظاهر في الفترة الأخيرة، أعني أن يستمني أحد الأشخاص في الفضاء العام، مُطوّراً بذلك سلوكيّات التحرّش، مستبيحاً ومُتعدّياً بذلك الفعل على أجساد الآخرين وتحديداً النساء. 

أحاول في هذا المقال الاشتباك مع الدوافع النفسيّة التي تجعل من أحد الشباب وهو في كامل قوّاه العقلية أنّ يستعرض استمناءه في الفضاء العام على أجساد النساء المجاورة له في الأماكن العامة. 

الواقع… والخيال

“قهوة المواردي”  فيلم مصري، انتج عام 1981. في أولى مشاهده، طالب كلّية الطب (ممدوح عبد العليم) يقف صباحاً، ينظر بشهوةٍ مفرطة إلى جارته الشابّة المراهقة، التي تقف بدورها على النافذة الأخرى من البيت المُقابل، وعندما تكتشف تجسسه على جسدها، تحجب رؤيتها عنه، فيحاول الاستمناء قبل أن يفقد المِخيال الجنسي الذي ركّبه في عقله خلال تجسّسه. 

هذا مُقاربٌ جداً لما حدث في شوارع مصر في الآونة الأخيرة، حين ذاع صيت 3 حوادث تحرّش من طريق استمناءٍ في الفضاء العام. أوّلها، في محطة جرجا محافظة قنا، حيث وقف أحد الرجال وأخرج قضيبه من تحت جلبابه، وبدأ يستمني أمام الفتيات العابرات من أمامه، ووثّقت الكاميرات فعلته، لكن لم تتداول الصحافة الحادثة ولم تتخذ أي إجراءات قانونية تجاه هذا الرجل.

 الثانية، وهي في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، الحادثة المعروفة إعلامياً بـ”طبيب الزقازيق”، وهو مُعيد في جامعة الزقازيق، حيث كان يستلقي في الصباح في عربة أُجرة “ميكروباص”، وقد تحرش بالطالبة التي تجلس بجواره، ولم يكتفِ بذلك، بل حاول الاستمناء أمامها حتى صرخت وفُضح أمره وتم القبض عليه وقتها، بعد ذلك حُكم عليه بالسجن لمدة عام، ومن ثمّ صدر الحكم مع إيقاف التنفيذ وأُخلي سبيله. 

الثالثة، وهي راهناً حين صورت إحدى الفتيات في عربة السيدات لِلمترو في القاهرة، شاباً يجلس أمامها، ويحاول دعك قضيبه من فتحة بنطاله، ناظراً إليها. رصدت الفيديو بعد انتشاره على مواقع التواصل الاجتماعي، وحدة الرصد التابعة للنيابة العامّة، وقبض على الفاعل، إلّا أن آخر التحقيقات أفادت بأنّ المُتهم يملك شهادة تثبت مرضه النفسي، كما أنه أنكر الواقعة مشيراً إلى أنّه كان يُعدّل ملابسه، لكنّ النيابة أمرت بحبسه على ذمّة القضية إلى أن حكمت عليه محكمة جُنح النزهة بالقاهرة بالحبس لمدة 3 سنوات وغرامة 20 ألف جنيه مصري. 

لكن ما دافع الشخص للاستمناء في الفضاء العام، إذ يمكنه أن ينتظر إلى أن يختلي بنفسه، لكن في الحقيقة فإن الفضاء العام في مصر ليس ساحة لممارسة أي سلوكٍ جنسيّ بالتراضي بين متحابين، بل تعوّد هذا الفضاء على التحرش باللسان والتلامس. ويبدو أن كثراً ممّن يمارسون الاستمناء من طريق مشاهدة مقاطع أفلام “البورن” في المواقع الإباحية يحتاجون ما هو أكثر، وباتوا في حاجة إلى إثارة أو مغامرةٍ جنسية أكثر واقعيّة، حالة يعيشها الشخص في الواقع حتى وإن كانت غير حميميّة، فمن يتجسس على جسد جارته سواء في السينما أو الواقع، تمكنه رؤية أجساد أكثر إثارة من خلال الشاشات الإلكترونية، لكنه يسعى إلى تكوين مخيال جنسي من طريق جسد واقعي يعرفه أو على الأقل شاهده في الواقع. 

عندما يذهب البعض إلى مشاهدة التعليقات على صور بعض النساء المُثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك من يعلّق بأنّه استمنى كثيراً على جسد صاحبة الصورة، يسخر ضاحكاً من نفسه، لأن جسدها أضاع صحّته، وهو لا يستطيع مقاومة قوة جسدها، وكأن الجسد هنا يمثل سلطة ورأس مال بتعبير الفيلسوف الفرنسي بيار بورديو. ماذا لو قابل أحد الشباب هذا الجسد الذي استمنى عليه من خلال شاشةٍ إلكترونيّة على أرض الواقع، لكن، في فضاء عام؟ ربما يفكر ويحاول من باب الفانتازيا الجنسية أن يستمني على هذا الجسد من دون أنّ تراه صاحبته. الفانتازيا تملّ من الممارسات الجنسية القديمة، وتميل إلى التجديد من باب الإثارة والشهوانيّة التي تتجلّى في وجود تجربةٍ جنسيّة جديدة، كذلك الانتصار النفسي للشاب الذي خاض مُغامرة جنسية جديدة تُغذي هياجه المُتلازم.

في الفترة الأخيرة، ازدادت هيمنة القضيب النفسية والاجتماعية في الفضاءات العامة، القضيب له تاريخ من الهيمنة النفسية والاجتماعية والسياسيّة، في العالم العربيّ والغربيّ، وله رمزية تأخذ مكانتها ويتمّ إثباتها في الأسرة، بين الأصدقاء، في أماكن التحقيق، مع أسرى الحرب داخل المعسكرات، وغير ذلك. تصاعد التحرش في الأماكن العامة في الفترة الأخيرة، عبر الاستمناء وإظهار القضيب، له دلالة واضحة على تصاعد استخدام العنف والتعدّي على الآخر نفسياً أولاًً، فضلاً عن استباحة جسد هذا الآخر، والنظر إلى المرأة الموجودة في الفضاء العام وكأنّها جسد بلا شعورٍ أو روح، جسدٌ استعراضيّ مُستباح لِشهوات المُتحرّشين المكبوتة. 

ساعد هذا التبنّي الماديّ الحيوانيّ، صناعة “البورن” القائمة بالأساس على الفانتازيا واستخدام سلوكيّات عنيفة جداً تجاه الأجساد، وذلك لتقدّمها في جني الأموال، بغض البصر عن تلك الأرواح المُستخدمة في الصناعة. فضلاً عن الرأسمالية التي شوّهت صورة المرأة وحوّلتها إلى جسدٍ بمواصفاتٍ مثالية لعرض منتجاتها وإقامة حفلاتها. هذا بالطبع لا ينفي بالأساس، غياب أي مرجعيّة أخلاقية لدى المُتحرش. وهذا الغياب يستوجب عقاباً قانونياً رادعاً من الدولة، وعقاباً ونبذاً من المُجتمع يساعد على تخفيف وطأة ظاهرة التحرش بأدواتها المُختلفة، إضافة إلى تبنّي ثقافة تُساعد ضحية المُتحرش على النجاة بنفسها ويشجّعها على مقاومة التعدّي عليها. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!