fbpx

المشهد في مستشفيات دمشق قاتم بلا أفق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فوضىى مطلقة يعيشها الكادر الطبي السوري الذي يسعى أفراده غالباً للتهرب من الدوام عبر وسائل عدة منها الاجازات غير المدفوعة الأجر هربا ًمن الاستهتار الذي يهدد حياتهم وحياة المرضى معاً…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يخفى على أحد مقدار الضرر الذي خلفه فايروس “كورونا” على العالم أجمع، وفي حين فاضلت دول متقدمة ما بين تدبيرين صحيين، يقوم أولهما على نموذج مناعة القطيع، ويسعى الثاني إلى منع انتشار الفايروس عبر فرض الحجر الصحي، وقفت دول نامية، مثل سوريا، أمام خيارات أكثر تعقيداً، خطها الشح والفوضى. فكيف تعاملت المؤسسات الطبية في بلد منهار اقتصادياً ومقسم عسكرياً مع هذه الجائحة؟ وما هي ظروف الكادر الطبي والعقبات التي اعترضت طريقه للتصدي لهذه الجائحة؟

بدايات الجائحة…

مع بداية انتشار الفايروس في أنحاء العالم ورصد الإصابات المتزايدة بالتزامن مع ارتفاع عدد الوفيات بين المصابين، كانت أولى الخطوات المتبعة في سوريا، إغلاق المدارس والجامعات والمساجد وغيرها من أماكن التجمعات العامة، وأعلن بعدها تفعيل الحظر الليلي بتاريخ 25 آذار/ مارس 2020، وفق بيان أصدرته وزارة الداخلية، بعد يوم واحد من تسجيل الإصابة الأولى بـ”كورونا” في سوريا، تلاه إنشاء مراكز العزل الصحي في مختلف المحافظات، وإمدادها بكوادر من المستشفيات العامة. 

وفي ظل الخطر المحدق، تحولت مستشفيات حكومية في دمشق إلى مركز للعزل الصحي، وخصص بعضها جناحاً خاصاً لمرضى “كورونا”، واستقبل بعضها الآخر المرضى بشكل موقت، ريثما يتم نقل المريض الذي تم ترجيح إصابته إلى أحد مراكز العزل.

وبعد تشكيل الفريق المعني بالتصدي لجائحة “كورونا” وبدء عمله، وتحديد لجنة للتنسيق مع المستشفيات، صدر قرار يقضي بتخفيض عدد الكادر الطبي إلى النصف وإيقاف العمليات غير الإسعافية في المستشفيات العامة، واقتصار خدماتها على العمليات الإسعافية أو تحويل المرضى إلى مراكز العزل.

ومنذ الأيام الأولى لتطبيق الأعراف الطبية الجديدة ضمن المستشفيات العامة، اتضحت أزمة شح المستلزمات الوقائية المخصصة للكادر الطبي، فاضطرت معظم المستشفيات إلى التقنين في حجم فريقها ومستلزماته، إذ وجدت نفسها مجبرة على تقليص كوادرها الطبية للمرة الثانية على التوالي خلال الجائحة، بما يتناسب مع حجم المستلزمات المتوفرة، وكثيراً ما تم تداول خبر قيام الكوادر المناوبة صباحاً بتسليم ألبستها الوقائية للكوادر الليلية بعد رشها بالكحول ليعاد استخدامها من جديد. 

الطاقة القصوى ثم اللاشيء

بعد مضي شهرين على تطبيق الإجراءات الحكومية، ألغي الحظر الليلي في 26 أيار/ مايو 2020 بعد يوم من تسجيل أعلى حصيلة يومية في سوريا (20 إصابة)، وإيعاز المستشفيات العامة بالعودة التدريجية إلى نظامها السابق، مع تخصيص قسم عزل في كل مستشفى لمتابعة الوضع الصحي لمرضى “كورونا”. 

حملت هذه القرارات الحكومية الجديدة مزيداً من الصعوبات للكوادر الطبية التي عادت بشكل تدريجي إلى العمل، بخاصة أن المستلزمات الوقائية المقدمة لا تغطي أكثر من 20 في المئة من حاجتها، وازداد عدد المراجعين بأعراض الفايروس نتيجة تراجع الإجراءات المجتمعية المتخذة سابقاً. تطلب الوضع الجديد تدبيراً جديداً، فخُصص العتاد الوقائي الكامل للعاملين في قسمي العزل والعناية المشددة فقط، وتم الاكتفاء بكمامة عادية وكحول للتعقيم لبقية الكوادر الطبية، ما دفع بعض الأطباء والممرضين إلى شراء هذه المعدات على حسابهم الشخصي، حرصاً على حياتهم وحياة من حولهم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي تموز/ يوليو 2020، غدت إدارات بعض المستشفيات التابعة لوزارة الصحة شبه عاجزة عن تأمين الكحول والكمامات الطبية لكوادرها العاملة خارج قسمي العزل والعناية المشددة، حتى عادت في الشهر التالي ببدعة جديدة؛ كمامات محلية الصنع غير معقمة وذات جودة رديئة، وكحول غير مطابق للمواصفات اللازمة، بعدما طاولت خسائر الجائحة شركات التعقيم المتعاقدة مع المستشفيات. ليصبح كامل الكادر الطبي تحت خطر العدوى في ظل الاستهتار المتزايد في وقاية كل من مقدمي الرعاية ومتلقيها.

عاملو المستشفى وسيطاً للفايروس

يقول سامر قرقوط، وهو أحد الأطباء المقيمين في أحد المستشفيات الحكومية، إنه فشل في حماية نفسه من الفايروس حتى بعد التزامه الإجراءات الوقائية ومواجهته الويلات في سبيل عدم إصابة أفراد عائلته، مرجعاً السبب في ذلك إلى شركة النظافة العاملة في المستشفى، والتي اضطرت، بسبب تخفيض عدد عمالها، إلى الاستعانة بالعاملين المسؤولين عن تعقيم قسم العزل، لتعقيم سكن الأطباء، من دون تأمينهم بأي معدات وقائية. وهكذا، تحول عاملو المستشفى إلى جسور لعبور الفايروس من غرف مرضى “كوفيد- 19″، إلى غرف سكن الأطباء والمرضى الآخرين. يضيف قرقوط: “ما من سبيل لتفادي العدوى بالفايروس داخل المستشفيات الحكومية في دمشق”، فمنذ شهر أيلول/ سبتمبر 2020 بدا من المؤكد لأغلب الكادر الطبي استحالة إنجاز عمله من دون الإصابة بالفايروس. ولعل التعرض المتكرر للفايروس وسلالاته المختلفة، هو أكثر ما يقلق الكادر الطبي وغير الطبي داخل المستشفيات.  

وأمام هذه الفوضى المطلقة وضعف التجهيزات الطبية، ما كان على أفراد الكادر الطبي إلا السعي للتهرب من الدوام عبر وسائل عدة، منها الإجازات غير مدفوعة الأجر، إذ يحق لكل عامل طبي التغيب عن العمل لمدة شهرين خلال السنة الواحدة. وهكذا، استهلكت الغالبية العظمى من الكوادر الطبية إجازاتها غير المدفوعة خلال الفترة الممتدة بين تشرين الأول/ أكتوبر 2020 ونهاية شباط/ فبراير 2021، هرباً من الاستهتار الذي يهدد حياتهم وحياة عائلاتهم، وحفاظاً على صحتهم التي تبيّن أنها تقع على عاتقهم وحدهم. ولم يكف أن هذه السلوكيات لم تلق أذناً لدى الجهات الحكومية، بل قوبلت بوعود كاذبة لتحسين سير العمل أحياناً، أو التهديد بالفصل من العمل والملاحقة القانونية أحياناً أخرى لمّا رفض الكادر الالتزام بالدوام المقرر وتجاوز المدة المسموح بها للتغيب عن العمل. 

انهيار العملة السورية، والوظيفة الحكومية كأسر

مع دخول العام الجديد وما شهدناه من تداعيات انهيار العملة السورية على قطاعات الدولة كافة، باتت المستشفيات الحكومية في وضع حرج، فالمستلزمات الوقائية شبه معدومة، سواء المعدات الخاصة بفايروس “كورونا” أو تلك المتعلقة بعمليات الإسعاف والتخدير، وتجردت كل الكوادر الطبية، حتى في قسمي العزل والعناية، من أسلحتها، إلا من كمامة محلية الصنع، باتت توزع على الجميع سواسية. زد على ذلك، تقلص راتب الممرض/ة ليصبح أقل من 10 دولارات، أما راتب الطبيب/ة، فلا يتجاوز الـ13 دولاراً في الشهر. الأمر الذي استنزف طاقات الكادر الطبي وتركه حائراً في تأمين لقمة عيشه، ملتفتاً نحو خيار السفر خارج البلاد أو البقاء فيها لمصارعة الضائقة المادية وشبح المرض الذي يخيم بصمت على أروقة مستشفيات دمشق الحكومية.   

أما ترك العمل في المستشفى الحكومي، فيعني سحب شهادة التمريض بشكل شبه مؤكد من الكادر التمريضي، وفتح أبواب الخدمة العسكرية الإلزامية للأغلبية الساحقة من الأطباء الذكور أثناء فترة الاختصاص. ليجد العاملون في قطاع الصحة الحكومي في دمشق أنفسهم مجبرين على متابعة العمل من دون أمل، ليصبح المشهد في مستشفيات دمشق اليوم، قاتماً، بلا أفق، وليقتصر عمل لجنة التصدي للوباء على إحصاء الإصابات المتزايدة يوماً بعد يوم ونعي الكوادر الطبية التي خسرت أرواحها خلال معركتها ضد فايروس “كورونا”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.