fbpx

العمّال العراقيون والأجانب…
بطالة وظلم في الأجور وإتجار بالبشر!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مع أن العمال الأجانب يحظون بتعاطف إنساني لدى شريحة واسعة من العراقيين، إلا أن تزايد من يقعون من العراقيين في دائرة الفقر خاصة في السنوات الاخيرة، تجعل الكثير من الشباب العاطلين من العمل يرفعون الصوت…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يقع العمال العراقيون ومعهم العمال الأجانب ضحية السياسات الحكومية العراقية المتعاقبة التي دمّرت، من جهة، الاقتصاد العراقي وأفرغت سوق العمل من الاستثمارات والفرص وفاقمت أزمة البطالة، وسمحت، من جهة ثانية، بوقوع العمال الأجانب تحت سطوة عصابات تمارس أبشع الانتهاكات بحقهم، وثقها “المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر”، تبدأ من مصادرة جوازات سفرهم وابتزازهم، وتصل إلى حدّ الإتجار بأعضائهم البشرية.

احتاج البنغالي بارثو إلى الكثير من الحظ، ليبقى متخفياً ولنحو خمس سنوات، بين جدران المنزل الذي يعمل فيه، في حي الحرية أحد أكبر أحياء العاصمة بغداد، خوفاً من اعتقاله بسبب وجوده غير القانوني في البلاد.

فالسلطات رحّلت أكثر من ثلاثين ألف عامل “غير شرعي” خلال الأشهر الاخيرة من عام 2020، لكن ذلك الرقم صغير جداً، مقارنة بتقدير نقابة العمال لوجود ثلاثة ملايين عامل يصنفون “غير شرعيين”، ويبقون مقيدي الحرية وعرضة للاستغلال، نتيجة ادخالهم بطرق ملتوية من قبل مهربين متخصصين ينقلونهم بين المحافظات خلسة، ومكاتب عمل وهمية توظّفهم خارج نطاق ما يسمح به القانون مقابل أموال طائلة.

أحدهم، يدعى محمد، يعمل في تنظيف محل تجاري في بغداد يقول: “لم يكن بإمكاننا العودة بعدما دفعنا مبالغ كبيرة للوصول، لذا فضلنا العمل بشكل سري. هذا يجعل البعض يتعرض للاستغلال فبعض أصحاب الأعمال والعائلات قد لا يدفعون راتبك، ولا يمكنك ان تقدم شكوى ضدهم”.

عمالة أجنبية خارج القانون

استقدام العمال الأجانب وتهريبهم إلى محافظات عراقية، ظاهرة يتم ترتيب تفاصيلها بنحوٍ مخالفٍ لقانوني “العمل” و”الإقامة” العراقيين، وهي تجارة مربحة لأفراد أسسوا مكاتب لتوفير العمالة عبر واجهات لشركات سياحة أجنبية ومحلية غير مرخصة، تساعدها شبكة سماسرة موزعين في عموم البلاد.   

وفقاً لأحمد الربيعي الضابط في مديرية الاقامة التابعة لوزارة الداخلية العراقية، توجد في بغداد وباقي المحافظات العراقية مئات المكاتب التي تقوم بتوريد العمالة الأجنبية بنحو غير مشروع، وهي “تعمل متخفية في العادة خلف عناوين شركات سياحة وسفر، ونشاطها الرئيس هو بيع العمال الأجانب ممن يتم تهريبهم إلى شركات أخرى داخل البلاد”.

دائرة الربيعي أغلقت 150 مكتب سياحة وسفر يصفها بـ”الوهمية وغير المرخصة”، خلال النصف الثاني من عام 2020، وأحيل أصحابها إلى القضاء بعد ثبوت تورطهم باستقدام العمالة الأجنبية خارج ضوابط القانون.

تحقق ذلك بعد اعتماد خطة محددة تم بموجبها تفعيل الجهد الاستخباري والتنسيق مع مفارز الأمن الوطني للقيام بجولات تفتيشية واسعة أدت إلى ترحيل 32000 من العمال “غير الشرعيين” وأحيل “أرباب عملهم” إلى القضاء.

بحسب سمسارة وضباط شرطة، فإن أكثر الدول التي يأتي منها عمال إلى العراق للبحث عن فرص عمل في القطاعين العام والخاص هي بنغلادش، إيران، باكستان، الفليبين، تركيا، سوريا.

الربيعي يعزو تزايد ظاهرة العمالة الأجنبية غير المشروعة خلال السنوات الأخيرة إلى تنامي التهريب وتعدد طرقه سواء من محافظات اقليم كردستان او باقي مناطق البلاد. وأيضاً إلى دخول عدد كبير من العمال السوريين عبر حدود بلادهم مع العراق. 

وبحسب قانون العمل رقم 71 لسنة 1987، يمكن للعامل الأجنبي الحاصل على تأشيرة دخول إلى العراق التقدم بطلب رسمي لمديرية الإقامة لمنحه إقامة عمل.

وتفرض على المخالف غرامة مالية قدرها 500 الف دينار (نحو 350 دولاراً) ويخضع الممتنع عن سدادها للتوقيف لمدد يحددها قاضي التحقيق، قبل أن يرحّل إلى بلده.

أكثر الدول التي يأتي منها عمال إلى العراق للبحث عن فرص عمل في القطاعين العام والخاص هي بنغلادش، إيران، باكستان، الفليبين، تركيا، سوريا.

معول يهدم أحلامنا

مع ان العمال الأجانب يحظون بتعاطف إنساني لدى شريحة واسعة من العراقيين، إلا أن تزايد من يقعون من العراقيين في دائرة الفقر خاصة في السنوات الاخيرة نتيجة تراجع اسعار النفط التي ادت إلى ارتفاع مستويات البطالة، تجعل الكثير من الشباب العاطلين من العمل يرفعون الصوت ضد سياسات الحكومة.

الشاب علي سعيد الجاسم، واحدٌ من هؤلاء، إذ يعيب على الحكومة العراقية وأجهزة الدولة المعنية ما يسميه “التزام الصمت” إزاء الأعداد المتزايدة من العمال الأجانب الوافدين بطرق غير شرعية.

تلك العمالة أصبحت حسبما يعتقد “خطراً اجتماعياً واقتصادياً” في ظل ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب العراقيين. يصفها بـ”معول يهدم أحلامنا في ايجاد عمل كريم”.

الجاسم، الذي حصل قبل خمس سنوات على شهادة الدبلوم في اختصاص الكهرباء، ما زال يعتمد على والده مادياً لعدم حصوله على وظيفة، على رغم الطلبات التي يقدمها باستمرار لمؤسسات في القطاعين العام والخاص.

أما جواد عبد الحق، وهو شاب عشريني يعيش في محافظة واسط، فينتظر هو الآخر منذ سنتين فرصة عمل حتى وإن لم تكن ضمن مجال تخصصه (الهندسة المدنية) أو في محافظة أخرى غير محافظته.

ويرى أن هناك عشوائية في سوق العمل العراقية، فبدلاً من الاستعانة بالطاقات المحلية، يتم استقدام ايدي عاملة اجنبية، في عملية غير مدروسة، ويحدث ذلك في الشركات النفطية، أو من قبل صغار التجار الذين يستقدمون عمالاً يتم تهريبهم، فلا إجراءات رادعة كافية.

لكن كثيرين لا يرون أن العمال الأجانب ينافسون العراقيين على وظائفهم، لأنهم يعملون في الغالب في مهن يرفض معظم العراقيين العمل فيها كالتنظيف او متابعة المرضى، وهم يقبلون بأجور أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يقبل به كثير من العراقيين. 

وكان الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط قد أعلن سنة 2018 بلوغ معدل البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين 15 إلى 29 سنة، نسبة 22.6 في المئة، نحو 56 في المئة منهم من الإناث.

لكن تلك الأرقام ارتفعت بعدما شهد العراق عام 2020 أزمة اقتصادية خانقة جراء انخفاض أسعار النفط والتي بسببها تلكأت الحكومة في تأمين رواتب الموظفين في اوقاتها المحددة ولجأت في النهاية إلى خفض قيمة الدينار العراقي (من 120 ألف دينار إلى 145 الف دينار، لكل مئة دولار) والتي عملياً خفّضت القدرة الشرائية للموظفين ومعها شرائح واسعة مرتبطة بهم.

وكانت جينين هينيس بلاسخارت ممثلة الأمم المتحدة في العراق قد ذكرت في تصريح بشهر أيار/ مايو 2020 أن معدلات الفقر في العراق ستتضاعف إلى 40 في المئة بين السكان مقارنة بـ20 في المئة كانت مسجلة في السنوات الأخيرة.

وزارة العمل تخلي مسؤوليتها

رائد جبار باهض مدير دائرة العمل والتدريب في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يرى أن وزارة العمل غير مسؤولة عن استفحال ظاهرة العمالة الأجنبية. 

وعلى حد قوله فإن الوزارة لم تمنح سوى 20 ترخيصاً لمكاتب توريد العمالة في بغداد والمحافظات الأخرى خارج إقليم كردستان، لقاء مبلغ قدره 50 مليون دينار عراقي كرسوم ترخيصية، تدفعه كل شركة مع تعهد أصحابها بالتزام شروط السلامة المهنية والأمنية في استقدام العمال.

ويقر باهض بعدم امتلاك وزارته إحصائية دقيقة عن أعداد العمال الأجانب في ظل تدفقهم عبر مكاتب غير مجازة تعمل خلافاً للقانون.

ويشير إلى أن تراخيص فتح مكاتب استقدام العمالة تمنح بحسب الكثافة السكانية لكل محافظة، وحاجة سوق العمل، لكن ما يحدث الآن أشبه ما يكون بفوضى، وفقاً لتعبيره.

إقرأوا أيضاً:

إحصاءات متضاربة

“غياب تام لإحصاءات العاملين الأجانب في العراق، وجهل بأماكن عملهم وطبيعة تلك الأعمال، وارباك في منح سمات الدخول، وانعدام تام للقوانين الضابطة لاستقدامهم”، هكذا يصف وليد نعمة رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، الوضع القائم.

ويقدِّر نعمة أعداد العمال الأجانب في العراق بثلاثة ملايين عامل، دخل عدد كبير منهم عبر الشركات الأجنبية النفطية، فيما يتوافد آخرون عبر إقليم كردستان الذي أصبح “ممراً للوصول إلى بغداد والمحافظات الاخرى دون حسيب أو رقيب”، على حد قوله.  

إحصاءات “اتحاد نقابات العمال” تختلف عما يقوله المعنيون في وزارة العمل بشأن أعداد العمال الأجانب المرخصين رسمياً والذين تتراوح أعدادهم بحسب مدير دائرة التدريب في الوزارة بين 50 و60 ألف عامل.

أما وزارة الداخلية فلا تمتلك قاعدة لبيانات العمال الأجانب في العراق، ووفقاً للمتحدث باسمها اللواء خالد المحنا فإنها تعتمد على الإحصاءات التي تقدمها “منظمات المجتمع المدني” للعمال الذين وصل أغلبهم إلى البلاد قبل إقرار قانون الاقامة العراقي عام 2017. 

المحنا يشير إلى أن ما نسبته 95 في المئة من العمالة الوافدة، هي خارج إطار القوانين المرعية، وهو ما دفع الوزارة إلى اتباع إجراءات مشددة وترحيل المخالفين وحصر قبول طلبات دخول العمالة الاجنبية على الاختصاصات النادرة والخبراء والمستشارين.

ووفقاً لقانون ممارسة الأجانب للعمل في العراق رقم (18) لسنة 1987 المعدل بالقانون رقم (4) لسنة 1989 تضع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية شروطاً لمنح إجازات العمل لـ”مكاتب التشغيل”، تضمنت الأخذ في الاعتبار مدى حاجة العراق إلى الأيدي العاملة الأجنبية.

وتشترط على العامل الأجنبي اتباع سلسلة من الإجراءات للحصول على اجازة العمل، كإلزامه بتقديم طلب تحريري يتضمن جميع المعلومات التي تتعلق بمؤهلاته مع بيان نوع العمل ومدته واسم صاحب العمل وعنوانه الكامل.

انتهاكات

المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، وثَّق خلال عام 2020، 157 حالة انتهاك جسدية ضد العمال الأجانب، بعضها يصنف كانتهاك خطير. ومن جملة ما وثقه المرصد حالات سرقة أعضاء بشرية (الكلى) لعمال أجانب، وبيعها بمبالغ كبيرة.

كما يمتلك المرصد أدلة تؤكد وجود مواقع الكترونية تسهل عمليات بيع وشراء الأعضاء البشرية، بعد خضوع الضحايا وبعضهم عمال أجانب لعمليات جراحية في مستشفيات خاصة في شمال العراق.

المرصد يميط اللثام أيضاً عن انتهاكات أخرى بينها “قيام شركات استقدام العمال غير المرخصة بمصادرة جوازات سفر العمال والاحتفاظ بها بعد وصولهم إلى بغداد أو غيرها من المدن لابتزازهم، عبر التهديد بتسليمهم للسلطات الحكومية على اعتبارهم وافدين غير رسميين، أو القبول بأجور عمل رمزية”.

رخص أجور العامل الأجنبي

أكثر ما يشجع أصحاب الورش والمصانع والمحال التجارية وحتى المؤسسات الصحية التي تعود للقطاعين العام والخاص على التعاقد مع العمال الاجانب هو قلة الأجور التي تدفعها لهم، فلا حدود قانونية لهذه الأجور يخشون الهبوط عنها، مع ضمان استمرارهم بالعمل لساعات اضافية من دون تذمر. وهذا يطرح اشكالية في انتهاك الحقوق البديهية للعامل، بساعات عمل محددة، وساعات راحة، وإجازات ومنامة لائقة وسواها. 

يوظّف مظفر الكناني، صاحب شركة مقاولات إنشائية وتعاقدات تجارية في بغداد، خمسة عمال لقاء 150 دولار شهرياً لكل واحدٍ منهم. ويعتقد الكناني أن سمات الهدوء والجدية في العمل وقلة الأجور أسباب مجتمعة تشجع على التعاقد مع العامل الأجنبي، وهذا يجعله مفضلاً على نظيره العراقي الذي يتسم بالمزاجية والتراخي وطلب أجور عالية لقاء العمل نفسه، على حدّ توصيفه.

ولا يهتم عادل عبد المحسن، الذي يدير ورشة للحدادة في العاصمة بغداد، كثيراً إذا كان العامل حاصلاً على ترخيص أو لا ما دام قد دخل الى البلاد بطريقة رسمية وأبدى التزامه بالعمل ولا يشكل “مصدر قلق”، وهذه العبارة الأخيرة ترتبط بسكوت كثير من العمال الأجانب عن المطالبة بحقوقهم البدهية، وقبولهم بشروط عمل ومعيشة صعبة، لتأمين بدل شهري يساعد عائلاتهم في أوطانهم التي تركوها مرغمين بسبب الفقر والعوز. 

ما نسبته 90 في المئة من العمالة الأجنبية الموجودة في البصرة هي عمالة “غير شرعية”.

خارطة انتشار العمالة الأجنبية

ينتشر العمال الأجانب في معظم محافظات البلاد ويمارسون شتى الأعمال في القطاعين العام والخاص، وتستقطب الحقول النفطية في جنوب البلاد غالبيتهم بسبب اعتماد الشركات العاملة هناك عليهم.

كما ينتشر العمال الأجانب بكثافة في مدن إقليم كردستان، ويعملون بشكل خاص في المنازل والشركات بخاصة بين الأعوام 2008 و2014 إلى جانب قطاع تنظيف المدن، بالتعاقد مع المحافظات والبلديات والمؤسسات الحكومية.

ويظهر إحصاء لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إقليم كردستان صادر عام 2018 أن أكثر من 51 ألف عامل أجنبي (26 ألفاً منهم يعملون في مشاريع، و25 ألفاً في العمالة المنزلية) دخلوا الإقليم خلال 11 سنة من طريق 163 شركة مجازة، لكن هناك أعداداً أخرى كبيرة دخلت من دون إجازة مسبقة.

ويقدّر محمد العبادي، مسؤول “مكتب التشغيل المركزي” في محافظة البصرة، أن ما نسبته 90 في المئة من العمالة الأجنبية الموجودة في البصرة هي عمالة “غير شرعية”.

أنجز التقرير بدعم من مؤسسة “نيريج” للتحقيقات الاستقصائية.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.