fbpx

“اللي يخش ما يرجعش تاني”:
إنهاك النفس والجسد في السجون المصرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هو متصمم على إن اللي يخش ما يرجعش منه تاني… إنه متصمم للسجناء السياسيين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كشفت الناشطة المصرية منى سيف أن شقيقها الناشط علاء عبد الفتاح أدلى بشهادة أثناء التحقيق معه، بأنه يسمع طوال الليل أصوات تعذيب باستخدام الكهرباء، وأصوات استغاثات من السجناء في سجن “شديد الحراسة 2″، التابع لمجمع سجون طرة “العقرب”.  تقول منى، “أخويا علاء في سجن شديد الحراسة 2 في طرة، اكتشفنا أن في جلسة تجديد حبسه الأخيرة في مطلع شهر آذار/ مارس من ضمن الحاجات اللي علاء قالها في التحقيق أنهم بيسمعوا أصوات ناس بتتعذب بالكهرباء، ودي أقوال رسمية مثبتة في الأوراق الرسمية للتحقيقات”. 

التعذيب بالكهرباء كان ما زال إحدى الوسائل الأكثر ترويعاً للسجناء في مصر، ليس لمن يتعرضون للتعذيب فقط، بل لمن يسمعون أصوات التعذيب أيضاً، فأصوات الاستغاثات كافية لبث الرعب والجزع في نفوس بقية السجناء، لدفعهم لمساحات من القلق والصراع النفسي عوضاً عن اضطرابات النوم والهلع من تعرضهم عاجلاً أو آجلاً للتعذيب بالكهرباء.

تقول منى سيف في شهادتها عن ترويع شقيقها علاء عبد الفتاح “من أول ما وصل قلعوه هدومه وغموه واتضرب واتشتم واتهدد، من 16 الشهر ممنوع من الكتب والجرايد والراديو ومن المياة الساخنة وممنوع من المراسلات والزيارات، بعد خطف سناء بدأت الجوابات تنتظم، لا يخرج علاء وزملاؤه  من الزنزانة  للتريض للتمشية والتعرض للشمس منذ 16 شهر “.

ممارسة ممنهجة

يتعرض السجناء في مصر لأساليب مروعة من التعذيب، تبدأ بالتفتيش الذاتي المهين الذي يجبر السجناء والسجينات على التعري الكامل، والمنع من الاستحمام أو استخدام المياة الساخنة في الشتاء، والمنع من التريض والتعرض للشمس، ووقف  الزيارات وإظلام الزنانزين ليلاً. أحياناً تصل حالات التعذيب إلى إدخال أدوات صلبة في دبر المساجين، مثلما حدث سابقاً مع المسجون  عصام عطا، الذي قُتل تحت التعذيب داخل سجن طرة بعدما أدخل السجان في دبره “خرطوم مياه”، حتى مات في واقعة شهيرة حصلت عام 2011.

المتابعة الدقيقة لممارسات إدارة السجون المصرية إزاء السجناء وخصوصاً السياسيين تظهر منهجية واضحة ليس لإنهاك خصوم النظام السياسيين المعتقلين واستنزافهم نفسياً وعصبياً، وحسب، بل أيضاً لتسهيل عملية تطويعهم سواء لنزع الاتهامات الملفقة من المختفين قسراً، أو لتجنيدهم من أجل الوشاية على زملائهم خارج السجون، فيضطر بعضهم  إلى اللجوء لمحاولات الانتحار وفق حالات موثقة في الفترة الأخيرة.

من أبرز ما أعلن عنه من حالات هو ما كشفه محامي الصحافية المسجونة سولافة مجدي مطلع عام 2021 عن تعرضها للتفتيش الذاتي الذي تسبب لها بنزيف في الرحم. بحسب المحامي، كانت إجراءات التفتيش تعتمد على محاولة ابتزاز الصحافية للوشاية على زملاء خارج السجن، ومحاولة إلقاء الفزع في قلبها على زوجها المعتقل أيضاً، المصور حسام الصياد. ذكرت والدة الزميلة سولافة أنها أثناء الزيارة الأخيرة تم جلبها لوالدتها مسنودة على السجانات لأنها لا تقوى بسبب النزيف على السير بمفردها. 

 إسراء عبد الفتاح الناشطة المصرية التي اعتقلت في توقيت مقارب لاعتقال سولافة، عُلقت من ذراعيها لمدة 8 ساعات بحسب المحامي خالد علي، ما أصابها بكدمات خطيرة وتجمعات دموية في ذراعيها.

حالات التعذيب المروعة داخل السجون المصرية تجبر أحياناً بعض السجناء للبحث عن أي وسيلة لإنهاء حياتهم، فالمعلومات التي وردت بعد موت المخرج الشاب شادي حبش في السجن الاحتياطي بطرة  في أيار/ مايو 2020، تؤكد أن شادي ذهب للانتحار بتناول مطهرات كان سربت له أثناء إحدى الزيارات، للوقاية من فايروس “كورونا”، على رغم أن زملاء له يؤكدون أنه شرب المطهرات بالخطأ، لكن آخرين أوضحوا لـ”درج” وقت وفاته أنه أقدم على الانتحار بعد استنزافه نفسياً في السجن الاحتياطي.

إقرأوا أيضاً:

هناك حوادث موثقة بشكل رسمي حول محاولات انتحار عدة داخل تلك الأروقة المعتمة، خصوصاً في مجمع سجون طرة، منها محاولة انتحار المواطن المصري الأميركي خالد حسن أثناء حبسه احتياطياً داخل سجن طرة  عام 2019 ، حيث اتهم الأجهزة الأمنية بتعريضه للتعذيب والاغتصاب، وعلى أثر ذلك  قطع شرايين يده. وانتحر العام الماضي المعتقل أسامة أحمد مراد في عنبر (أ) استقبال طرة، بذبح نفسه بعد قيام الجنود بتقييده وضربه، و بحسب الصحافي المصري عبد الرحمن عياش، فإن أسامة عانى من نوبات صرع متكررة داخل السجن، نتيجة التعذيب وسوء المعاملة.

 أساليب التعذيب في السجون المصرية “باذخة” في إذلال السجناء، فقد نشرت منظمة  “هيومان رايتس ووتش” تقريراً  مستنداً إلى شهادات لمعتقلين سابقين ومحامين حقوقيين أوضح تفاصيل أساليب التعذيب التي تمارسها إدارة السجون المصرية  والتي تحمل صوراً بالغة العنف والقسوة.

الانتهاكات الكبرى في سجن العقرب، دفعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى إصدار بيان بعنوان  “مصر: عقاب جماعي في سجن العقرب”، قالت فيه “إن أجهزة الأمن المصرية أجرت في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر  2020 تغييرات على (سجن 992 شديد الحراسة) في القاهرة، والمعروف باسم سجن العقرب، وحرمت النزلاء من التهوية الكافية والكهرباء والماء الساخن بشكل كامل تقريباً”.

وثقت “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات أخرى منذ فترة طويلة انتهاكات جسيمة داخل سجن العقرب، الذي يُحتجز فيه حالياً ما بين 700 و800 سجين، مثل حظر الزيارات العائلية بالكامل منذ آذار 2018، والحرمان من ساعات التريّض والحبس لمدة 24 ساعة منذ مطلع 2019.

يقع سجن العقرب داخل “مجمع سجون طرة” في القاهرة. يُحتجَز في الزنازين التي تبلغ مساحتها نحو مترين عرضاً وثلاثة أمتار طولاً سجينان أو أكثر. وكان اللواء إبراهيم عبد الغفار، مأمور سجن العقرب السابق، قال في مقابلة تلفزيونية عام 2012: “هو متصمم على إن اللي يخش ما يرجعش منه تاني” (لقد تم تصميمه بحيث لا يخرج من يدخله أبداً). وأضاف: “إنه متصمم للسجناء السياسيين”. منذ صعود الجيش إلى السلطة عام 2013، استخدمته الحكومة لسجن الكثير من قادة “الإخوان المسلمين”، إضافة إلى سجناء سياسيين بارزين آخرين.

النمط الموغل في الظلم داخل السجون  المصرية يخلق معتقلين يعانون من صعوبة في التعافي من ماضيهم ومن آثار التعذيب، إذ يتخرج المعتقلون من السجون أناساً “لا متكيفين” أو أشبه بمشوهي حقبة “جرجت”، الفترة التي شهدت تجبراً في التعذيب في القرن التاسع في أوروبا، فيعيش المعتقلون بعد الإفراج عنهم مع عذابات نفسية لا نهاية لها، فيما لا يلقى السجان عقوبة على تحويل المعتقل – الجنائي-  إلى شخص أكثر إجراماً أو شخص منهك نفسياً..

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!