fbpx

الإنترنت يسبب أضراراً جسدية شديدة على أطفالنا مدمني ألعاب الفيديو والسوشيال ميديا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

احتاج الأمر أن يعالج مدمن على ألعاب الفيديو، في المستشفى بسبب إصابته بانتفاخ في الأمعاء بعد توقفه عن الذهاب إلى المرحاض. وعانى صبي آخر من الدوار في كل مرة يهبّ فيها واقفاً، إذ أن جسده غير معتاد على الحركة. هذه بعض من الظواهر التي دفعت بمنظمة الصحة العالمية تصنيف إدمان ألعاب الفيديو باعتباره اضطراباً في الصحة العقلية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

احتاج الأمر أن يعالج صبي في العاشرة من عمره مدمن على ألعاب الفيديو، في المستشفى بسبب إصابته بانتفاخ في الأمعاء وتضخم في المثانة التي خرجت من حوضه بعد توقفه عن الذهاب إلى المرحاض. وقد عانى صبي آخر يبلغ 13 عاماً، من الدوار وخفقان القلب في كل مرة يهبّ فيها واقفاً، إذ أن جسده غير معتاد على الحركة. وواجهت فتاة في الـ14 من عمرها مشكلات في معدل النمو في سن المراهقة، بسبب معاناتها من نقص حاد في فيتامين “د” لأنها نادراً ما ترى ضوء الشمس. ناهيك بعشرات الأطفال الذين حرموا من النوم بسبب سهرهم على ألعاب الفيديو مع أطفال آخرين في أميركا، حتى ساعات متأخرة من الليل، ما يؤثر في أدائهم في المدرسة، ويجعلهم بالكاد مستيقظين خلال الحصص الدراسية. هذه هي الحقيقة التي تواجهها الأسر في جميع أنحاء البلاد في الوقت الحاضر.

بدأت بالفعل ملاحظة ما كان يحدث منذ خمس سنوات. فقد زادت تدريجياً نسبة الآباء القلقين الذي يحضرون الأطفال والمراهقين لإجراء فحوصات في مستشفى يونيفيرسيتي كوليدج في لندن، حيث أعمل، لأنهم يعانون من أعراض مرضية معقدة مثل ضيق التنفس، والإرهاق، أو الصداع المستمر، ولم يكن هناك تفسير واضح لمثل هذه الأعراض الجسدية على الفور. تبين من خلال المزيد من الفحوصات والسؤال حول حياتهم المنزلية والروتين اليومي الذي يمارسونه، أن الإمساك المنهك الذي يعاني منه أطفالهم التي لا تتخطى أعمارهم 12 عاماً لم يكن له سوى سبب رئيسي واحد- الخمول الناتج عن طول الوقت الذي يقضونه على الإنترنت.

لهذا السبب أنا أؤيد قرار منظمة الصحة العالمية بتصنيف إدمان ألعاب الفيديو باعتباره اضطراباً في الصحة العقلية. بصفتي طبيبة معالجة للمراهقين في مركز الاضطرابات العصبية الوظيفية المعقدة، أرى أسوأ الحالات التي يمكن تصورها. ومن الجدير بالذكر أن ليس كل طفل لديه هاتف ذكي وجهاز ألعاب “إكس بوكس”، سيعاني من الأعراض الشديدة التي أراها في الأطفال الذين يأتون لزيارتي. ولكن لا يراودني أي شك في أن هناك أيضاً درجة من الأضرار الجسدية التي لحقت بأطفالنا بسبب الإنترنت، وسأكون حريصة للغاية  على أن يكون هناك المزيد من الأبحاث لتساعدنا على فهم الآثار المترتبة على هذه المسألة الملحة بشكل صحيح.

سيكون من السذاجة التفكير في منع الأطفال من استخدام التكنولوجيا

 

وفقاً للظواهر التي تحدث في مجال الرعاية الصحية، تُعد هذه الحالة غير عادية لأسباب كثيرة. أول هذه الأسباب أن التكنولوجيا سريعة التغير وغير طبيعية في تطورها، ما يجعل التكهن بالآثار التي تُخلّفها على مجتمعنا أمراً في غاية الصعوبة. وثانيها أن الذين تؤثر فيهم التكنولوجيا بشدة (غالباً من الشباب) تتم حمايتهم، وعلاجهم من إدمان هذا الشيء الذي يأسر كل ذرة من ذواتهم، من قبل البالغين الذين لا يعرفون شيئاً عن الضغط الاجتماعي الشديد الذي يتعرض له هؤلاء الشباب بسبب خاصية Snap streaks على تطبيق سناب شات- وهي لعبة تشجع الأصدقاء على تبادل الرسائل مع أصدقائهم لعدد متواصل من الأيام- أو لعبة فورتنايت ميشن (Fortnite mission).

وبسبب ذلك الضغط الاجتماعي التي يتعرض له بعض الأطفال، يُمكن اعتبار تلك الممارسات على أنها نوع من الإدمان. ويُمكن القول أيضاً إن وسائل التواصل الاجتماعي ليست هي فحسب ما تدفعهم إلى إدمان الإنترنت (على رغم أنها قد تكون من الأسباب الرئيسية). فقد رأيت أطفالاً مدمنين  على استخدام موقع ويكيبيديا. ويستمرون في التنقل من صفحة إلى أخرى بلا هوادة. فعندما يتعلق الأمر بإدمان الإنترنت، هناك اختيارات مروعة كثيرة، يُمكن الانتقاء من بينها، أو إذا صح القول يمكنك اختيار السم الخاص بك، ولكن بالنسبة إلى عقلك، فكلهم سواء لأن جميعهم في النهاية يؤدون إلى المصير ذاته. إذ يُمكنك إطلاق النار على شخص ما بنجاح في لعبة فيديو عنيفة، وبإمكان شخص أن يُعجَب بصورتك على تطبيق “إنستغرام”، كما يمكنك الدردشة مع شخص ما على “فيسبوك”، ويُمكنك الانغماس في اللعب مع شخص ما في الجانب الآخر من العالم على جهاز الكمبيوتر الخاص بك – في جميع هذه الحالات، تُفرز جرعات صغيرة من الدوبامين في المخ، وهذا كفيل بجعلك تقع في شِراك إدمان الإنترنت.

إنه التأثير ذاته الذي قد تجده عند استخدام المخدرات المسببة للإدمان. فمن خلال الحالات التي رأيتها، يُمكن أن تكون الأعراض الجسدية كبيرة، وكذلك يتعاظم العبء الذي تضعه على قطاع الخدمات الصحية. تُعد السمنة، والنمط الثاني من مرض السكّري، والحرمان الشديد من النوم والمشكلات السلوكية (التي يُمكن أن تسبب في بعض الحالات القصوى ضعفاً في النمو العقلي)- جميعها من أعراض الحياة الحديثة، ولكن عندما تظهر هذه الأعراض على الأطفال في سن العاشرة، من المفترض أن تكون أيامهم مفعمة بالحيوية والنشاط ثم الحصول على ليلة هانئة من النوم، يتعين علينا أن نفكر مرة أخرى.

يحاول كثيرون من الآباء بذل قصارى جهدهم ولكن بصفتي طبيبة، أرى نوعية الضغوط التي يتعرض لها الوالدان. فقد يرون أطفالهم ينعزلون عاطفياً أكثر فأكثر، وحالتهم البدنية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، كل هذا بسبب الهاتف المحمول الذي حصلوا عليه في عيد ميلادهم الحادي عشر، هذا أمر تصعب مشاهدته. بالتأكيد، يميل بعض الأطفال إلى قضاء الكثير من الوقت على الإنترنت بسبب المصاعب التي يتعرضون لها في حياتهم المنزلية. ولكن بالنسبة إلى كثير من الآباء، قد يكون من الصعب للغاية معرفة أفضل الطرق للتعامل مع طفل أصبح مدمناً على لعبة فيديو، لدرجة أنه قد يصبح عدوانياً عندما تحاول منعه من اللعب بها. لقد تعاملت مع عائلات من الطبقة المتوسطة حيث تعرض الوالدان للتهديد بالسكاكين عندما حاولوا إبقاء أطفالهم من دون اتصال بالإنترنت. كما يعد البعد من التكنولوجيا ليلاً أمراً أساسياً، إلا أن الطفل المدمن يُمكن أن يكون مخادعاً إلى حد كبير ويجعل من الصعب جداً على الآباء ذوي النيات الحسنة أن يفعلوا ذلك بشكل صحيح على رغم نياتهم الحسنة.

صحة أطفالنا قد تكون على المحك.

 

هل أنت في حاجة إلى تخطّي الإدمان، هل تحتاج إلى التخلي عنه تدريجياً، أم أنه شيء مستحيل الحدوث إلى الحد الذي يجعلك تحتاج إلى معرفة كيفية جعله جزءاً صحياً من حياتك؟ الحقيقة هي أن الإنترنت في كل مكان الآن. نحن في حاجة إليه، وهذا ببساطة هو نمط حياتنا هذه الأيام، لذا علينا أيضاً أن نتمسك بالمزايا التعليمية والاجتماعية الضخمة للتكنولوجيا. لكننا لا نملك حتى الآن صورة كاملة لماهية تأثيراتها في هذا الجيل، وما نشهده على خط المواجهة الأمامي في عملية العلاج هو بالفعل مثير للتفكير.

سيكون من السذاجة التفكير في منع الأطفال من استخدام التكنولوجيا- لأنها  منسوجة بخيوط متعددة خلال الكثير من جوانب حياتهم- ومع ذلك، يمكننا العمل على إبقاء قنوات الاتصال والحوار مفتوح معهم، ويمكننا تمكينهم من استخدامها بشكل جيد، وتطوير علاقات صحية معها مثلما نفعل مع الطعام، كما يمكننا تزويدهم بمناعة كافية حتى لا يقعوا في مصائدها، ويمكننا طلب المساعدة الطبية والنفسية حينما يصبح من الصعب علينا التعامل بمفردنا مع الأمر. لكن الآباء وحدهم لا يستطيعون إيقاف هذه الظاهرة.

وبصفتنا أطباء، علينا أن نتعامل مع الأعراض الجسدية والعاطفية التي أصبحت شاغلاً صحياً على الصعيد القومي، مثلها مثل أي قضية صحية وطنية أخرى، كما يجب أن تتحمل الحكومة والشركات التي تصنع هذه التكنولوجيا بعض المسؤولية. حينما يتعلق الأمر بالطعام، لدينا هيئة الغذاء والدواء (FDA) للتحقق من جودة كل شيء. ولكن في الوقت الراهن، لا يوجد لدى الإنترنت آلية حقيقية للتحكم بتأثيرها في صحتنا، على رغم أن الأعراض أصبحت ظاهرة للعيان. تقول منظمة الصحة العالمية إن قرارهم في تصنيف الإدمان على ألعاب الفيديو باعتباره نوعاً من الاضطرابات، يستند إلى حقيقة أن الإدمان من حيث تعريفه هو نمط من السلوك المستمر والخطير الذي يصل إلى أن “يأخذ الأولوية ويتفوق على المصالح والاهتمامات الحياتية الأخرى”. هذا ما يعاني منه عدد صغير من أطفالنا، ولكن لا يُستهان به أبداً.

يشبه الإنترنت الطعام من نواح كثيرة. لا يمكنك أن تقول إنك لست في حاجة إليه، لأننا بالفعل نحتاجه. كما أن هناك جوانب ضرورية لاستخدام الإنترنت في حياتنا الآن، تضيف طعماً وتنوعاً وثراءً إلى حياتنا، ولكن في المقابل هناك جوانب سيئة للغاية بالنسبة إلينا. نُدرك الآن، على سبيل المثال، كيف يُمكن أن يكون السكر مسبباً للإدمان بشكل لا يصدق، والحكومة تتخذ خطوات للتخفيف من آثار ذلك. ومن دون وجود هيئات تنظيمية مناسبة للتكنولوجيا، يستطيع المستخدمون إدمان الإنترنت كما يشاؤون مثلما يدمنون السكر. في مرحلة ما، سيتطلب الأمر من البعض محاولة التصدي لإدمان الإنترنت على المستوى العالمي، لأن صحة أطفالنا قد تكون على المحك.

 

هذا المقال مترجم عن موقع صحيفة the telegraph ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي