fbpx

التعثر التونسي : سحل اساتذة على الطريق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“العنف الذي عشنا على وقعه عكس بوضوح سوء تقدير الدولة لباحثيها وعلمائها وتعاطيها معنا كمجرمين أو عصابات مارقة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

” ذنبي الوحيد أنني طالبت بحقي في التشغيل لأجد نفسي عرضة للتعنيف والسحل”. بألم كبير تحدثت كوثر العليمي، أستاذة الاقتصاد والعائدة حديثاً من فرنسا حيث كانت تأمل بأن تكون حياتها أفضل في بلدها الأم، لكن ما أسمته بـ”الأربعاء الأسود” كان تجربة بددت لها آمالها. 

شاركت كوثر باحتجاجات لحاملي شهادة الدكتوراه والعاطلين عن العمل في تونس، لكن ما بدأ كحراك مطلبي انقلب حملة قمع عنيفة بحق المحتجين: “كنت أحاول حماية زميلي الذين يشتكيان من وضع صحي دقيق وأنا أراهما يتعرضان للضرب المبرح من عدد كبير من أعوان الأمن بينما كنا ننفذ وقفة احتجاجية. فتم ضربي بقوة فكنت أصيح ولكن دون جدوى، تقدمت إحدى الشرطيات بزي مدني ورشت وجهي مباشرة بالغاز المشل للحركة فسقطت فاقدة للوعي. لم يكف هذا فقاموا بسحلي وأنا فاقدة للوعي … أفقت في العناية المشددة على كسرين بأضلعي ورضوض في كامل الجسد ومطالبة الطبيب بالبقاء لأربعة أيام تحت الرقابة الطبية وإحساس كبير بالإهانة والحزن”.

 ما تزال كوثر تحت وطأة الصدمة والألم وهي تعالج من إصاباتها التي وقعت في 24 مارس/آذار الماضي عندما قرر الأساتذة الجامعيين العاطلين عن العمل تنظيم وقفة احتجاجية سلمية في بهو وزارة التعليم العالي بالعاصمة تنديدا بعدم جدية السلطات التعليمية بالتعامل مطالبهم. وينفذ عدد من حاملون لشهادة الدكتوراه في تونس اعتصاماً مفتوحاً في بهو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي منذ عشرة أشهر دون أن يتوصلوا إلى حلول ملموسة لمطالبهم. 

ويطالب الاساتذة بتشغيلهم في مختلف الوزارات، ولا سيما في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومراكز البحوث وإدراج تصنيف “دكتور” في سلم الانتدابات التي تفتحها مختلف المؤسسات العمومية والخاصة، ووقف العمل بمبدأ المحسوبية السائد في عملية الانتدابات في البلاد.

إقرأوا أيضاً:

تعتبر كوثر أن ما حدث يعد فضيحة دولة بامتياز واستنكرت تجاهل السلطة لما جد معهم، داعية وزيرة التعليم العالي للكف عما وصفته بـ “نشر الأكاذيب والمغالطات بحقهم” والتوجه للحوار بدل ذلك. وتوضح قائلة “الوزيرة الحالية تتعامل مع القضية وكأنها قضية شخصية ولهذا لم تتردد في الإساءة إلينا في المنابر الإعلامية عبر نشر الأكاذيب والمغالطات بل وبلغت حد المطالبة بنقل أحد المضربين عن الطعام، الذي تعكرت حالته الصحية وكاد يدخل في غيبوبة، إلى مستشفى الأمراض العقلية بدل طلب الإسعاف ونجدته. هي حاولت استثمار الأمر لتجعلنا نبدو في ثوب “المجانين” أمام الرأي العام”. 

ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطة الى العنف مع تحركات الأساتذة. ففي الأشهر الأولى للاعتصام تعرضوا للعنف وإطلاق الغاز المسيل للدموع على يد عناصر الأمن، بحجة تعطيل سير العمل داخل وخارج الوزارة. لكن ذلك لم يثن المعتصمين الذين صعدوا تحركاتهم ليدخل بعضهم في إضراب عن الطعام خلال شهر كانون الثاني/ يناير، وتم تعليقه بعد زيارة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والدخول في مفاوضات أسفرت عن بعض الحلول.

وفي الخامس من مارس/آذار تعهد رئيس الحكومة هشام المشيشي، بتشغيل 2400 دكتور كمدرسين جامعيين في القطاع العام، على مدار ثلاث سنوات بدءا من السنة الحالية، وفتح 600 خطة انتداب بالمنشآت والمؤسسات العمومية والوزارات للدكاترة بصفة باحث، ابتداء من هذه السنة أيضا.

أثنى الاساتذة المعتصمون على هذه الخطوة وانتظروا أن يكون هناك حواراً ثنائياً يناقش تفاصيل المقترحات وآليات تنفيذها ووضع محضر اتفاق يرضي الجميع. لكن وزيرة التعليم العالي رفضت وذهبت نحو خيار فرض الأمر الواقع، وهو ما رفضه الاساتذة وجعلهم لا يعلقون اعتصامهم بعد أن كانوا عازمين على ذلك.

إقرأوا أيضاً:

ناظم كسابي استاذ حاصل على شهادة الدكتوراة في العلوم الجيولوجية وكان ضمن المحتجين في يوم “الأربعاء الأسود” وتعرض هو الآخر للاعتداء، ولا يدري كيف سيكون بوسعه تقبل أنه قد تم ضربه وسحله لمجرد مطالبته بالتوظيف. يقول لـ”درج” “تدخلت قوات الأمن بوحشية كبيرة، اجتمع حولي قرابة العشرة أمنيين بينهم عنصر برتبة رئيس منطقة أمن  قاموا بضربي وركلي بأحذيتهم فضلا عن الغاز المشل للحركة قامت برشه شرطيات. لم أعد أستطيع التنفس صرخت وأنا أخبرهم بذلك لكنهم لم يتوقفوا…”.

نقل ناظم للمشفى وغادره ولديه خلع على مستوى المرفق وآلام كبيرة في أصابع يده ورضوض على كامل الجسم، فضلا عن حالة الاستياء الكبرى مما جرى “لسنا إرهابيين أو مجرمين حتى نواجه بهذه الوحشية”.

وأزمة الاساتذة المحتجين هي واحد من أزمات متعددة تعيشها تونس، فالبلاد التي لم تطو صفحة الخلاف بين الرئاسات المستمر منذ أسابيع تعيش وضعاً اقتصادياً صعباً، فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.2% في عام 2020 وهي أعلى نسبة تباطؤ اقتصادي تعيشها تونس منذ الاستقلال. كما بلغت فاتورة القطاع العام ما نسبته 17.6% من الناتج المحلي وهي من أعلى المعدلات في العالم كما أن الوباء فاقم نسبة البطالة.

كلها مؤشرات بالغة السلبية، لكن الأخطر هو أن الإصلاحات الاقتصادية في تونس بقيت حبراً على ورق منذ 2011، بحيث لم يتم تنفيذ الحد الأدنى رغم التغيير في مؤسسات الحكم ومحاولات تعزيز المسار الديمقراطي وإن بشكل نسبي. الأخطر هو أن الاقتصاد لم يشهد تحولات جذرية بعد الثورة إذ لا تزال مجموعة من رجال الأعمال والعائلات تسيطر على مفاصل الاقتصاد معرقلين الاصلاحات والشفافية. 

وبلغ عدد العاطلين عن العمل صفوف الدكاترة إلى أكثر من 5000 شخص حسب أرقام تنسيقية الدكاترة العاطلين عن العمل. ومن المرجح أن يرتفع العدد أكثر خلال السنوات القليلة المقبلة. إذ يبلغ عدد طلبة الدكتوراه 13 ألفا.

وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد جمدت انتداب الأساتذة الجامعيين منذ خمس سنوات، وانخفض عدد الدكاترة المدرسين بالجامعات التونسية من 22878 مدرسا سنة 2012، إلى 22343 سنة 2018. وتم انتداب 1378 دكتورا فقط بين سنتي 2013 و2019 من مجموع 9010 متحصل على شهادة الدكتوراه.

منال السالمي دكتورة باحثة في الكيمياء منسقة حركة الاساتذة الأخيرة أعربت عن استنكارها الكبير للعنف الذي مورس، وقالت لـ”درج” “العنف الذي عشنا على وقعه عكس بوضوح سوء تقدير الدولة لباحثيها وعلمائها وتعاطيها معنا كمجرمين أو عصابات مارقة فقط لتمسكنا بالجلوس على طاولة الحوار…المحزن أن هناك لا مبالاة كبيرة من جميع الأطراف”.

تؤكد منال أن الاساتذة سيواصلون الاحتجاج والاعتصام، “لقد استبد اليأس بنا حتى أن رفاقنا المضربين عن الطعام أصبحوا أكثر عزما إما أن ينالوا حقهم أو تطلق عليهم رصاصة الرحمة مرة واحدة”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.