fbpx

موسيقيات عراقيات في مواجهة السبي والمنع والحصار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا اريد ان انظر الى الاشياء بعيون مهاجمي أحلامي، لو فعلت هذا منذ البداية، لما تمكنت من العزف يوما، أحاديثهم واعتراضهم المستمر سيطور من قدراتي دائما، انا احب العود، ومستعدة دائما للمواجهة من اجله”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بعد دخول داعش، عانيت مع عائلتي، من اجل ايجاد مكان يأوينا، فكان المخيم. بدت الحياة صعبة، ونسيت مع مرور الوقت والسنوات أن لي صوتاً…اعتقدتُ أني لن أتمكن من الغناء مجدداً”. 

تختزل رنا سليمان، بعباراتها حكايات عديدة لنساء عراقيات، سعين خلف طموحاتهن وأحلامهن الخاصة، كالغناء مثلاً، لكن ظروف الحياة الصعبة الى حدود قصوى في العراق سواء بفعل الحروب أو الأزمات أو بفعل القيود الاجتماعية فرضت مساراً بالغ التعقيد. 

تقيم رنا حالياً في مخيم خانكي للنازحين شمال العراق في محافظة دهوك. منذ طفولتها تتمتع بصوت جميل ما جعلها تطمح لاحتراف الغناء، وبدأت فعلا العزف على آلة الدفّ منذ العام 2010، حين كانت في عمر العاشرة حيث شاركت والدها الغناء في الأعراس والمناسبات. كانت في بداية مراهقتها حين احتل تنظيم “داعش” في عام 2014 الموصل ومناطق واسعة وشرع في حملات الإبادة بحق الأقلية الأيزيدية. هذا التطور الخطير والدموي أجبر رنا على حياة جديدة، لا موسيقى فيها، “هاجم تنظيم “داعش” قريتنا، من دون سابق إنذار، وبلحظة، شعرنا اننا قد نخسر حتى ارواحنا، هربنا نحو المجهول، ومن حسن حظي أني لم أخسر عائلتي، رغم خسارتنا لمنزلنا وذكرياتنا في قرية سنون في قضاء سنجار”. 

اضطرت رنا بعد النزوح لترك دراستها، لكن بعد اندحار “داعش” واستقرار الأمور نسبياً قررت ان تنفض عنها غبار المأساة التي وسمت عائلتها ومجتمع الايزيديين، وان تعود الى المناهج المدرسية واحتراف الغناء مجدداً: “دخلت معهد الفنون الجميلة، وهو يبعد مسافة طويلة عن المخيم، لكني أواظب على حضور صفوف الموسيقى، والتدرب مجدداً على الغناء، مع كل نغمة ولحن أطلقه من روحي، اتذكر بيتي وجيراني وأصبح أكثر إصرارا على الغناء”. 

حياة من قلب خيمة

تعزف رنا مع عائلتها داخل الخيمة، وأحيانا تشارك جيرانها من النازحين، الموسيقى والغناء، يصنعون الحياة داخل غرف من قماش يتذكرون أحبتهم الذين تم خطفهم ولم يعودوا، “نجتمع خارج خيمنا كل مساء، نرقص على احزاننا، ونبكي ونحن نغني، لا منفذ لنا سوى الغناء ومزاولة الحياة رغم كل شيء”. 

تجربة الغناء في المخيم أثارت حماسة رنا، فاجتذبت عدداً من الفتيات اللواتي يملكن أصواتاً جميلة على رغم أنهن عشن مأساة فظيعة هي مأساة الإبادة والسبي. حاولت أن تدفعهن الى الغناء معها، فهي تعتقد أن الغناء والفن سيعينهن على استعادة الثقة، وفعلاً أنشأت فرقة موسيقية نسائية، تعني بالثقافة الموسيقية الأيزيدية، ” كان عددنا قليلا، ثم أصبحنا 14 فتاة”. 

أغلب الفتيات المشاركات في الغناء هنّ ناجيات من قبضة “داعش”، تؤكد رنا ان بعضهن كان يبكي لساعات فيما يسترجعن ما حدث معهن، فالغناء كان علاجاً فعالا لمآسيهن كما تقول. 

واجهت رنا عند تأسيسها لفرقة “آشتي” والتي تعني، السلام، الكثير من الصعوبات في محاولة إعادة الناجيات مجدداً الى الحياة. وفعلا سافرن الى عدة دول للأداء: ” لن يستطيع “داعش” ولا أي قوة أخرى تشويه تراثنا. لن يحولوا موسيقانا الى ضجيج”. 

تسعى رنا لمعرفة مصير صديقتها المقربة التي مازالت مختطفة والتي تحلم برؤيتها، “كانت تحب الغناء ايضاً، لكن اخبارها اختفت مع 4000 مختطفة اخرى لم يخرج منهن سوى العشرات. أغني لصديقتي ولذكراها دائما”. 

غيتار عراقي

قد تكون حكاية رنا ومحنة الأيزيديات عموماً حالة قصوى من معاناة المرأة العراقية، لكن سلوك نساء وفتيات من خلفيات مختلفة مجال الغناء والموسيقى، وهو ما قد يبدو شأنا عادياً في أي مكان، إلا أنه في العراق له محاذير وعقبات. 

فأن تختار شابة مثلاً أن تعزف الغيتار وتحديداً موسيقى حديثة من نوع الميتال والروك فهو أمر ليس مألوفاً بالتأكيد. سالي شابة انجذبت الى مقطوعات تحاكي جيلها، تقول: “بعمر السابعة عشر، قررت شراء غيتار. كانت خطوة بالغة الصعوبة بالنسبة لي، ومثل احجية اردت تفكيكها، بدأت التعرف على عازفي غيتار عراقيين، للتعلم منهم، جذبتني موسيقى الروك والميتال وشعرت انها جزء مني”.

لكن بالطبع لم يكن الموضوع بسيطا، ففي العراق لا يمر هذا الأمر بسهولة، فقد اصطدمت سالي بالواقع والمجتمع، “بدأت التدرب في أحد مراكز بغداد لتعلم الموسيقى، وحاولت فهم الاساسيات فقط، ثم اعتمدت على عالم اليوتيوب لاكمال رحلتي مع الغيتار. واجهت في بادئ الأمر اعتراضا من عائلتي التي كانت ترفض لخشيتها علي مما سأتعرض له من هجوم وهذا ما حدث”. 

تمكنت سالي من إقامة أول عرض موسيقي لها على مسرح مهرجان دار السلام في بغداد، قبل دخولها الجامعة، ما عرضها لنقد حاد بعد العرض، “دخلت جامعة ادارة الاعمال، وكانت الصدمة. حاول بعض الطلبة الانتقاص مني، معتبرين ما أعزفه شأناً رجالياً لا يليق بفتاة تعيش وسط بغداد”.

لم تستسلم سالي للهجوم وحاولت تكراراً مناقشة زملائها، لكن الهجوم ضدها ازداد وانتشر عبر السوشيال ميديا، “لأيام طويلة شعرت بالحزن الكبير، والخيبة الهائلة، ولفترات قررت ترك الموسيقى، وأصبح الغيتار مجرد آلة تبث فيّ الخوف”.

الظروف الصعبة التي تواجهها نساء العراق عرقلت انتظام سالي في حفلات داخل العراق بل وحالت دون سفرها لحضور مهرجانات في الخارج، “تلقيت دعوة لحضور مهرجان في ايطاليا، لكن عائلتي رفضت سفري لوحدي، كما ان اجراءات الفيزا تعطلت، عندها تيقنت ان فرص الحياة قابلة للضياع امام الفتاة العراقية، فقط لكونها فتاة”.

حنين الى الستينيات

تُعلق على أكتاف النساء العراقيات أعباء وعراقيل مجتمعية وقانونية ما يعيق مشاركتهن وتطورهن للحصول على حقوقهن. هذا التهميش والاجحاف تكرس في السنوات التي تلت غزو العراق عام 2003، فقد استمر فرض القيود باستمرار الحروب والنزاعات الطائفية.

تنظر عراقيات كثيرات بشيء من الحنين الى فترة الستينيات التي تعتبر العصر الذهبي للمرأة العراقية، اذ اتسمت بالانفتاح والحريات مقارنة بوضعها اليوم. في تلك الحقبة جرى تأسيس بنى تحتية ثقافية (مدرسة الموسيقى والباليه 1968، معهد الدراسات النغمية 1971، المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية 1970، تأسيس فرقة الانشاد العراقية 1971) وضمت جميع هذه المراكز الثقافية، عددا ليس بقليل من النساء، وتم منحهن فرصة المشاركة بصنع الفن والموسيقى، فكانت بذرة ايجابية لاستمرار الوجود النسوي. استمر ذلك حتى بداية الثمانينات، حين اندلعت الحرب العراقية/ الايرانية، التي بدأت تدريجيا، باعتزال عشرات الفنانات والموسيقيات العراقيات، والابتعاد عن الحياة وفنونها، او الهجرة، وذلك لارتباط الفن آنذاك، بالحرب وطبولها، ولتختفي ظاهرة الفن النسوي العراقي، مع الحصار المفروض على العراق في بداية التسعينيات، حتى يومنا هذا، اذ تحاول، فئة قليلة جدا، من النساء، ورغم التهديدات واساليب الترهيب، اعادة اثبات وجود القيثارة العراقية، اقدم آلة موسيقية في الوجود.

العود والفيزياء الطبية

ومن يشاهد نورس ستار وهي تتجول في اروقة وزارة الصحة، فيما تحضر لدخول عالم الدراسات العليا في الفيزياء الطبية، لا يصدق انها تعزف وبدقة بارعة على آلة العود. نورس عاشت شغفاً كبيراً بالعود لكن القيود الاجتماعية أبعدتها عنه خصوصاً أنها محجبة، اذ ليس من المقبول في المجتمعات المحافظة أن تعزف فتاة ملتزمة دينيا الموسيقى: ” كنت خائفة ومترددة من اقاويل المجتمع إذا عزفت على العود بحجابي، فمن ترتدي الحجاب، لا يحق لها صنع الموسيقى بحسب ما هو شائع”.

لكن دعم نورس أتاها من جدتها التي عاشت زمن المرأة العراقية الذهبي فشجعتها وفعلاً تمكنت من الالتحاق بالفرقة الوطنية للتراث الموسيقي، ومنذ أكثر من سنة، تعيش نورس بهجة العزف على العود، أمام الجمهور:”البداية كانت صعبة جدًّا، ولاسيما مع هذه الأجواء العامّة، ومع كوني محجبة، ليس ذلك فحسب، بل لكوني المحجبة الوحيدة في الفرقة. كانت البداية صعبة لكن تعايشت معها”.

“لا اريد ان انظر الى الاشياء بعيون مهاجمي أحلامي، لو فعلت هذا منذ البداية، لما تمكنت من العزف يوما، أحاديثهم واعتراضهم المستمر سيطور من قدراتي دائما، انا احب العود، ومستعدة دائما للمواجهة من اجله”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.