fbpx

هل يعيد مروان البرغوتي القضية الفلسطينية إلى فلسطين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من يراقب اللوائح الانتخابية التي تعدها القوى الفلسطينية لهذه الانتخابات سيتضاعف يأسه من الخواء والهراء على طرفي الانقسام الانتخابي، وسيكتشف أن لا أفق ولا اختراق إلا إذا قرر الفلسطينيون أن البرغوتي رئيس سلطتهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لنتخيل مشهداً فلسطينياً على النحو التالي: تمكنت اللائحة التي شكلها كل من مروان البرغوتي وناصر القدوة من الفوز في الانتخابات التشريعية الفلسطينية المزمع إجراؤها أيار/ مايو 2021. وبعد ذلك تمكن البرغوتي من الفوز في الانتخابات الرئاسية في شهر تموز/ يوليو المقبل! سنخلص إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية نزيل السجن الإسرائيلي، وسيكون العالم، الذي سيوفد مراقبيه إلى هذه الانتخابات، أمام حقيقة فلسطينية أشد وضوحاً لجهة التحولات الهائلة التي أصابت الدولة العبرية منذ اغتيال إسحاق رابين على يد مستوطن يهودي متطرف عام 1995.

الحدث، أي انتخاب البرغوتي، سيكون استئنافاً لمشهد الانتفاضة الأولى، أي لنقائها ولما أضمرته من فرص تم تبديدها على مذبحي الرفض الإسرائيلي للسلام من جهة، ولانقضاض الحكام العرب على ياسر عرفات من جهة أخرى، ناهيك بترهل منظمة التحرير الفلسطينية وتفككها، هذا قبل أن تطل “حماس” على المشهد وتطيح بما تبقى من أمل!

رئيس السلطة الفلسطينية في السجن. المعادلة طبيعية إلى حد شديد الإغراء. هي امتداد عادل وشديد الاقناع وفرصة من الصعب أن تعوض، وظيفتها تظهير الحقيقة الفلسطينية أمام العالم. هي أكثر من تكرار للواقع الجنوب أفريقي حين كان نلسون مانديلا في سجن نظام التمييز العنصري هناك، ذاك أن الأخير لم ينتخب أثناء وجوده في السجن، إنما انتخب حال خروجه منه، أما رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية فانتخب وهو في السجن. قال الفلسطينيون إن رئيسهم هو ذلك الرجل الذي قررتم زجه في السجن، وإن الاحتلال هو مجرد سجن لا أكثر، ولا شيء يفوق هذه الحقيقة وضوحاً. قالوها هذه المرة عبر صناديق الاقتراع، وتحت أنظار المراقبين الدوليين. وأي فلسطيني سيسعى إلى حرمان الفلسطينيين من هذه الفرصة سيكون مبدداً للحق ومتواطئاً مع الاحتلال.

في انتخاب البرغوتي فرصة لإعادة القضية الفلسطينية إلى فلسطين.

الأمر هنا لا يتعلق بشخصية البرغوتي وبالتقاطعات والخلافات حولها، بل يتعلق بفرصة نادرة، يمكن أن تستأنف عبرها القضية الفلسطينية مساراً مختلفاً عن المسار الانحداري الذي تعيشه منذ عقود طويلة. إنه تحدٍ هائل لإسرائيل التي راحت تكرر انتخاب بنيامين نتانياهو مرة تلو الأخرى. صحيح أنه تحدٍ أيضاً للهياكل الفلسطينية الصدئة التي تمثلها السلطتان في رام الله وفي غزة، لكن الفرصة تستحق فعلاً أن تُخاض، لا سيما في ظل استعصاء فرص السلام، وفي ظل جشع نتانياهو وقضمه القدس والضفة بشكل متواصل، وفي ظل نوع مختلف من الاحتلال اليميني هذه المرة، الذي لا يقيم وزناً لأدنى مسؤولياته حيال المجتمع المُحتل، فيمنع عنه حتى فرصة اللقاح.

من يراقب اللوائح الانتخابية التي تعدها القوى الفلسطينية لهذه الانتخابات سيتضاعف يأسه من الخواء والهراء على طرفي الانقسام الانتخابي، وسيكتشف أن لا أفق ولا اختراق إلا إذا قرر الفلسطينيون أن البرغوتي رئيس سلطتهم. صحيح أن النجاة لن تكون مضمونة، لكن ذلك سيكون أفقاً واحتمالاً قد يؤسس لمسار مختلف في ظل الانسداد الرهيب الذي تعيشه القضية اليوم. فاللوائح الأخرى تنضح منها الخيارات الارتهانية التي لطالما قايضت القضية بالفتات. محمد الدحلان يطمح لتوظيف فوزه (في حال فاز) في بازارات دول الخليج التي انزلقت إلى صفقة القرن واعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، و”حماس” ستجيّر فوزها لإيران والأخيرة ستوظفه في حروبها بين لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهي في حال تصدر “حماس” ستضيف عاصمة إلى عواصم الهلال الشيعي. وبين “حماس” والدحلان تقبع فتح المترهلة والفاسدة كسيدة عجوز ترفض تجيير إرثها لأبناء يسعون لخلاص مختلف.

في انتخاب البرغوتي فرصة لإعادة القضية الفلسطينية إلى فلسطين. هذه الفكرة ولدت في الانتفاضة الأولى، ففي حينها ابتعد العرب من “فلسطينهم” وولدت فرصة لمواجهة المحتل من دون أقنعة المستبدين. البرغوتي هو ابن هذه الانتفاضة، وهو امتداد لـ”فتح الداخل”، وفوق كل هذا هو تكثيف لصورة الفلسطيني القابع في السجن الإسرائيلي، والذي لا يمثل امتداداً لغير فلسطينيته المحتلة منذ ولادته. فتحاوي من دون ماضي “فتح” النزاعي والخلافي، وزعيم سجني خلافاً للزعماء البلاطيين من منافسيه. هو وإن عازته بعض مقومات التصدر والكاريزما التي يوزعها المراقبون يساراً ويميناً، إلا أنه وجه “فتح” بلا منازع.

الحدث، أي انتخاب البرغوتي، سيكون استئنافاً لمشهد الانتفاضة الأولى، أي لنقائها ولما أضمرته من فرص تم تبديدها على مذبحي الرفض الإسرائيلي للسلام من جهة، ولانقضاض الحكام العرب على ياسر عرفات من جهة أخرى.

إسرائيل ليست اليوم في موقع من يتحمل هذا الحدث، ومن يهضمه. نحن اليوم حيال إسرائيل أخرى غير دولة المؤسسين. هذه الحقيقة تجعل من مهمة إيصال البرغوتي ملحة أكثر. فإسرائيل تغيرت أيضاً لأننا نحن تغيرنا، وقدرتنا على اللعب بإسرائيل غير منعدمة، على رغم ما ينطوي عليه هذا الكلام من مبالغة. أن نطرح على هذه القيادة وعلى هذا المجتمع تحدي سلام لا يحتملانه، فهذا سيفضي إلى أن تفكر هذه الدولة بنفسها، وبأن شركاءها في الحرب وفي السلام ليسوا أولئك الأمراء القابعين على آبار النفط ممن عرضوا سلاماً سياحياً على حساب أهل الحق، ولا أولئك المتحصنين بولاية دينية مطلقة ويتلطون وراء حروب كاذبة لحكم شعوبهم.

ستكون أمام الضحية فرصة لكشف هذه العورات التي تحاصر القضية.

من لا يرى بهذا الاحتمال فرصة تستحق أن تُخاض سيكون خائناً بالفعل، والتخوين هنا ليس امتداداً لخطاب التخوين المعهود، بل على العكس منه. الخيانة بهذه الحال واقعية وعملية وغير موارية. الخيانة ستتمثل بتبديد فرصة أخيرة ولدت من لا شيء. ولدت من حقيقة أن ثمة مواطناً فلسطينياً سجيناً في إسرائيل يريد أن يكون رئيساً، فلا تبددوا هذه الفرصة. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.