fbpx

“كورونا اللعين” وذاك المسكوت عنه خلف الأبواب المغلقة في العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“العنف النفسي هو الأكثر انتشاراً في المجتمع العراقي وهو الأخطر” لأنه وعلى فداحة ما يسببه للضحية، إلا انه يصعُب في الوقت عينه إثبات دليل مادي عليه في حال قدمت صاحبته شكوى لسلطة مختصة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حصولها على الطلاق أخيراً لم يكن أسوأ ما حدث لسوزان محمد كامل (30 سنة) فقد كان عليها خلال سنوات زواجها العشر، تحمّلُ تبعات العيش مع شخصٍ لطالما أذاها نفسياً وجسدياً، واعتاد في فترات حظر التجوال العام بسبب انتشار فايروس “كورونا” خلال عام 2020 أن يختتم نوبات غضبه بضربها، ناشراً الكدمات في أنحاء جسدها وفي مرتين أسال الدماء من وجهها.

“تحملت الكثير من أجل أطفالي الثلاثة، لكن بقاءه الطويل في المنزل أيام الحظر واختلاقه ذرائع تافهة لضربي وإهانتي وضعا حداً لصبري”. تختصر بهذه الكلمات سيرة زواجها التي أنهتها قضائياً بدعم من ذويها.

بحسب منظمات نسوية، شهدت حالات العنف الأسري في العراق تصاعداً كبيراً خلال عام 2020، في ظل ثقافة ذكورية سائدة وغياب القوانين الرادعة، والواقع الذي فرضه انتشار “كورونا” من بطالة وفقر ومكوث داخل البيوت، في وقت كشفت أرقام حكومية تسجيل 18 ألف حالة عنف عام 2020، مقارنة بـ17 ألف حالة في العام الذي سبقه، وهذه الأرقام لا تلحظ طبعاً العنف غير المبلغ عنه وهو ما قد يجعل الأمر أكبر بأضعاف. إلا أن الثقافة التقليدية والموروث الديني والقانوني يجعلان من شأن العنف داخل المنازل أمراً لا ينبغي نقاشه او المجاهرة فيه وهو ما يردع كثيرات عن الإفصاح بما يتعرضن له.

ومستويات العنف تصل حدود التشويه والأذى وفي أحيان كثيرة القتل، فقد لجأت مروة خالد (36 سنة) مطلع عام 2021 إلى قاضي التحقيق تشكو زوجها جزائياً لاعتداء مروع بحقها عبر عمده الى كيّها (بمكواة) وتسببه بتشوهات في جسدها. وما حدث لمروة ليس شأنا استثنائياً للأسف فهناك عشرات العراقيات اللواتي لا يجرؤن على اتخاذ خطوة مماثلة، والتقدم بشكوى أمام القضاء. 

تروي مروة أن تراكم الديون على زوجها بعد تراجع عمله في مجال بيع المواد الإنشائية بسبب جائحة “كورونا” وما خلقته من توقف في المشاريع وبطالة، دفعاه الى شرب الكحول وملازمة البيت وتحميل زوجته مسؤولية خسارة رأسماله الذي ساهمت بمعظمه من حصتها في تركة أبيها. 

إجابته الوحيدة لأسئلة أشقاء مروة والقاضي في المحكمة بشأن سوء معاملته لها “كورونا اللعين وساعة شيطان”. عيون المجتمع المتلصصة وخمسة أطفال أكبرهم في الثامنة وأصغرهم لم يبلغ السنتين، منعت مروة من التوجه الى محكمة الأحوال الشخصية لطلب طلاق مضمون بناءً على شكواها الجزائية. بل حتى الأخيرة تنازلت عنها، وأسقطتها، وعادت تجر خطوات اليأس إلى بيت الزوجية بعد وعود شفهية من زوجها بحسن معاملتها، مع يقينها التام بأنها لن تتحقق.

 4000 أمر قبض قضائي

آخر إحصاء لمديرية حماية الأسرة والطفل التابعة لوزارة الداخلية العراقية عن حالات العنف الأسري صدر في آب/ أغسطس 2020 وتضمن 15000 حالة في عموم البلاد، ما عدا إقليم كردستان وصدر بشأنها أربعة آلاف أمر قبض قضائي، 59 في المئة من حالات العنف حصلت ضد نساء. 

 يرى محامون ونشطاء يتابعون ملفات العنف الأسري أن الأرقام المعلنة هي الجزء الظاهر من جبل الجليد، وأن أعداد الحالات أكبر بكثير.

ففي محافظة كركوك وحدها، اعلنت “جمعية الأمل” العراقية تسجيل أكثر من ألف حالة عنف ضد المرأة عام 2020. وطالبت الجمعية خلال إطلاقها مبادرة لمناهضة العنف ضد المرأة تركزت على “العنف المنزلي والعنف داخل الأسرة”، بالإسراع في “تشريع قانون مناهضة العنف الأسري” وتوحيد الجهود الحكومية والشعبية “لخلق بيئة آمنة تحمي النساء والفتيات من العنف داخل الأسرة والمجتمع”.

ويشكك المحامي المتخصص بدعاوى الأحوال الشخصية شهاب غالب، بالأرقام المعلنة من قبل وزارة الداخلية، مبيناً أنها تتعلق فقط بالشكاوى التي يتقدم بها الضحايا أو ممثلوهم القانونيون لدى مراكز الشرطة ومحاكم التحقيق. 

من جملة الحالات التي يقول المحامي شهاب إنها نادراً ما تصل إلى مراكز الشرطة “العنف المفرط ضد الأطفال فضلاً عن العنف النفسي أو تسخيرهم للتسول أو الأعمال التي لا تتوافق معهم وبعضها ذات طبيعة إجرامية خطيرة كتداول المخدرات”. ويضيف أن غالبية الآباء والأمهات الذين يتعرضون لعنف الأبناء يبقون ذلك سراً بين جدران منازلهم، وكذا الحال بالنسبة إلى الزوجات اللواتي يجدن أمامهن موانع دينية وعشائرية يصعب تجاوزها.

ويرجع المحامي شهاب غالب ضعف التلبيغ عن العنف الى “قبلية المجتمع العراقي التي تفرض قيوداً على فئاته المستضعفة”، موضحاً أن مفردة “عيب” تقف حاجزاً كبيراً أمام النساء وهو ما يدفع بعضهنّ إلى الانتحار، مؤكداً أن ذلك “يفسر سبب ازدياد حالات الانتحار خلال 2020 والربع الأول من 2021”.

وبحكم عمله وإطلاعه اليومي على القضايا في المحاكم، يجد شهاب، الموكل في ثلاث دعاوى تفريق، أن تداعيات فايروس “كورونا” على رأس قائمة المسببات لقضايا العنف الأسري “بطريقة أو أخرى لكورونا علاقة سلبية على دخل أرباب الأسر، كما أن الفايروس فرض حصر حركة أفراد الأسرة في مكان واحد ما يخلق مشكلات ويفضي الى تفاقمها”.

وتوصلت دراسة أجراها المكتب الإقليمي للمرأة التابع للأمم المتحدة في 2020 وشملت تسعة بلدان عربية هي (مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين وتونس واليمن) إلى أن العنف الأسري تفاقم بتأثير من إجراءات مكافحة انتشار فايروس “كورونا”. وأن أقل من 40 في المئة من اللواتي تعرضن للعنف قدمن شكاوى أو طلبن مساعدة من خارج نطاق بيت الزوجية. 

وعن ذلك تشير المحامية بشرى العبيدي إلى أن القيود المفروضة على حرية التنقل والعمل الناتجة عن مكافحة تفشي فايروس “كورونا” أثرت في سلوك الناس نتيجة للضغوط النفسية والاقتصادية وأصبحت النساء ومعهن الأطفال أهدافاً للأزواج والآباء الغاضبين. 

إقرأوا أيضاً:

أحزاب دينية تعرقل إقرار قانون العنف

وسط ظروف الجائحة والأزمة الاقتصادية التي أدت إلى خفض قيمة الدينار العراقي من 120 ديناراً للدولار إلى 145، ظهرت بشكل أوضح حالات العنف الأسري، ومعها برزت أهمية تشريع قانون مناهضة العنف الأسري المعلق منذ سنوات في اروقة البرلمان العراقي.

وتعمل منظمات نسوية على إقرار القانون الذي حصل على قراءة أولى في 2017 لكنه واجه اعتراضاً من بعض الكتل السياسية التي تحفظت على فقرة إنشاء ملاجئ للنساء المعنفات التي تضمنتها مسودة القانون ما أدى إلى إيقافه.

تعتقد ممثلات عن هذه المنظمات أن مجلس النواب بتوليفته الحالية التي تسيطر عليها الأحزاب الدينية إضافة إلى نواب بخلفيات عشائرية، لن يسمح بتمرير القانون وسيتم تأجيله إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021. 

وكان بيان مشترك، صدر عام 2020، لصندوق الأمم المتحدة للسكان ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وهيئة الأمم المتحدة، قد دعا البرلمان العراقي إلى الإسراع في إقرار قانون مناهضة لعنف الاسري.

وبخلاف بغداد، فإن أربيل عاصمة إقليم كردستان كانت شهدت عام 2011 إقرار أول قانون مناهض للعنف الأسري في العراق هو القانون رقم 8 لسنة 2011.

وقد بدأ تطبيقه فعلياً نهاية 2012 وشكلت بموجبه محاكم مختصة بقضايا مناهضة العنف الأسري وفق قانون السلطة القضائية للإقليم لسنة 2007 في نطاق محافظاته الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك.

وساهم ذلك القانون في خفض معدلات العنف ضد النساء، لكن الأرقام المسجلة، بحسب ناشطات تظل مرتفعة في ظل الثقافة الاجتماعية الذكورية السائدة.

وسجّلت مديرية مناهضة العنف ضد المرأة في الإقليم خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي 6432 حالة عنف ضد المرأة، توزعت بين 2220 حالة في اربيل و1614 حالة في دهوك و1558 حالة في السليمانية، والأخرى في كرميان.

وتشكل الأرقام تلك تراجعا بنسبة 27 في المئة، مقارنة بإحصاء عام 2019، حيث كانت سجلت في الفترة ذاتها 8884 حالة. لكن ناشطات مثل نوروز محمد، يرين أن تلك الأرقام غير دقيقة. وتقول محمد إنها “لا تعكس واقع تزايد العنف بشكل أكبر”، مرجعة السبب الى عدم تمكن النساء من الوصول إلى مراكز مناهضة العنف ضد المرأة لتسجيل الشكاوى في ظل بقاء الرجال في البيت وقتاً أطول.

“كورونا” يكشف مستويات العنف

لم يستمر زواج خولة حسيب سوى 18 شهراً، معظمها خلال فترة تفشي فايروس “كورونا”. أمضت منها في بيت الزوجية بمحافظة ديالى سنة وشهراً واحداً والبقية في منزل والدها في محافظة صلاح الدين المجاورة.

تلقت في أواخر شباط/ فبراير 2021 إشعار طلاقها عبر اتصال هاتفي من زوجها الذي لا تسجل ذاكرتها أي موقف رفع فيه يده نحوها، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع أن تحصي أعداد المرات التي أهانها فيها وعاملها كأنها “عبدة مسلوبة الإرادة”، على حد وصفها.

القانونية الناشطة في مجال حقوق المرأة أمل كباشي فرج ترفض تحميل إجراءات الوقاية من كورونا مسؤولية تفاقم العنف الأسري في العراق، مع تأكيدها أن الفايروس “رفع حجم ما يمارس من عنف في داخل الأسرة العراقية”.

وتقول إن الجائحة ساهمت في الكشف عن “الصورة البشعة وأظهرتها للملأ” من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبواسطة نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان عملوا على إظهار الحقائق لتنبيه الرأي العام وكسب التعاطف مع الضحايا.

وتؤكد كباشي أن العنف الذي تشهده الأسرة العراقية هو نتيجة الكثير من المؤثرات الاجتماعية والثقافية الراسخة.

تنبه الباحثة الاجتماعية والنفسية ابتسام نعمة، إلى أن “العنف النفسي هو الأكثر انتشاراً في المجتمع العراقي وهو الأخطر” لأنه وعلى فداحة ما يسببه للضحية، إلا انه يصعُب في الوقت عينه إثبات دليل مادي عليه في حال قدمت صاحبته شكوى لسلطة مختصة.

وتعدد نعمة أشكالاً مختلفة من العنف كالسب والشتم وإشعار الشخص بأنه غير مرغوب فيه أو الانتقاص من دوره وعدم الأخذ برأيه في أمور تخص أفراد أسرته أو حتى تخصه، ومنع الزوجة من زيارة الأهل أو منعها من الخروج للعمل، أو التهديد بالطلاق أو الضرب أو الحرمان من الأطفال أو من المورد المالي أو إجبار القاصرين على الزواج المبكر. 

وتشترط نعمة لخفض نسب العنف الأسري اتخاذ اجراءاتٍ لزيادة الوعي التربوي وإقرار تشريعات لحماية الاسرة وتأمين سبل وقائية وإجرائية، بتوضيح وتعميم طرائق الوصول الى خدمات الحماية والإبلاغ عن الانتهاكات وتقديم الرعاية الصحية النفسية للضحية. وأيضاً تمكين المرأة اقتصاديا من خلال دعم المشاريع الصغيرة وتشجيع التدريب المهني لإيجاد فرص عمل للمتضررات وتأهيلهن ودمجهمن بالمجتمع وتقديم ندوات تثقيفية خصوصاً لمن يعانين من آثار ما بعد الصدمة. وتحذر الناشطة نوروز محمد، من أن مشكلة العنف الأسري ستستمر في ظل الثقافة الاجتماعية الذكورية التي تبرر للرجل انتهاكاته بحق المرأة وعائلته، والقوانين التي تكرس العنف والتمييز ضد المرأة، ومع استمرار عدم التوازن في فرص العمل وغياب تكافؤ الفرص في الوصول إلى الوظائف العليا.

أنجز التقرير بدعم من مؤسسة “نيريج” للصحافة الاستقصائية

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.