fbpx

أزمة شريف دسوقي: السلطة إذ تزيح أبطال الهوامش في الدراما المصرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بات واضحاً اليوم أن أي شخصية فنية بارزة تخرج عن سياق السيسي ورؤيته في الشأن العام السياسي، فهذا يعني خسارة مستقبله الفني…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كشفت صرخات الممثل المصري المعروف شريف دسوقي، في مقطع فيديو انتشر على منصات التواصل الاجتماعي، الكثير من المسكوت عنه. فالفيديو الغاضب الذي تحدث فيه دسوقي والضجة التي أثارها، عكسا الدور المتعاظم لشركات وشخصيات نافذة في مجال الدراما بوصفهم ذراع السلطة المتحكمة في قطاع حيوي في مصر هو القطاع الفني. فظهور دسوقي متوتراً ومتألماً يشكو من حرمانه حقوقه المادية بعد مشاركته في عمل فني وتعرضه خلال التصوير لعارض صحي تم تحميله تبعاته المادية، بدا القشة التي دفعته للانهيار والشكوى، خصوصاً بعد تأخر حصوله على مستحقاته الهزيلة أصلاً، مقارنة بما يتقاضاه نجوم مكرسون.

 “أنا عايز شقايي” قال دسوقي كاشفاً بعض التململ إزاء تصاعد الوصاية الرسمية للسلطة على شركات الإنتاج الفني لفرض ذوق ومزاج ما، وتشكيل وعي جمعي يخدم أهداف النظام، وفي سبيل تحقيق ذلك يتم تهميش مواهب فنية وإبراز أخرى.

“سبعبع”

حقق الفنان شريف دسوقي، نجاحاً لافتاً، بحصوله على جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2018، عن دوره في فيلم “ليل خارجي”، تبعه بنجاح آخر من خلال تجسيده شخصية “سبعبع” في مسلسل “100 وش” في الموسم الرمضاني الماضي 2020. لم تشفع هذه النجاحات لـ”دسوقي” لدى نقيب المهن التمثيلية المصري الفنان أشرف زكي، ليستجيب لاستغاثته من تحكمات شركات الإنتاج، التي فرضت عليه شروطاً مجحفة للعمل في موقع التصوير، ما أصابه بمرض السكري، والضغط، وتعرض لجروح خطيرة كادت تتسبب في بتر إحدى قدميه كما أظهر في الفيديو الذي فجر فيه غضبه وألمه.

ولاحقاً حاول دسوقي في لقاء مع عمرو أديب شرح ما حصل معه.

أزمة شريف الدسوقي استدعت الوجه القبيح لتدخل الجهات الحكومية الرسمية وبالتحديد المخابرات العامة المصرية في الإنتاج الفني، كونها ترعى فنانين معينين، منصاعين لأهداف النظام ورغباته السياسية، فضلاً عن إجبار أصحاب الشعبية الجماهيرية على تقديم أعمال ذات مضمون سياسي يمجد دور القوات المسلحة، وجهاز المخابرات، والداخلية المصرية، ولا يكفي الصمت من جانب للإفلات من هذه النمطية، إذ يكون ذلك بمثابة اعتزال ضمني. 

فن سلطوي بقبضة مخابراتية

كرس جهاز المخابرات سيطرته على الإنتاج الفني، من خلال تولي رجل الأعمال المصري أحمد أبو هشيمة، رئاسة مجلس إدارة مجموعة إعلام المصريين، التابعة لشركة “إيغل كابيتال” المملوكة لجهاز المخابرات العامة، التي استحوذ من خلالها على شركات الإنتاج السينمائي والدرامي، إذ عبّر  أبو هشيمة في بيان استحواذه على نسبة 50 بالمئة من شركة “مصر للسينما”، عن أنه يهدف إلى إنتاج أعمال درامية لترسيخ قيم ومبادئ تنمي” الحس الوطني”. 

تنحي أبو هشيمة عن رئاسة مجموعة “إعلام المصريين”، فتح باباً من الأمل لتغيير مرتقب لكنه كان أملاً  زائفاً، بعدما سيطر الطابع السياسي والسلطوي أكثر على الأعمال الفنية بمجيء المنتج تامر مرسي عام 2018، حُكمت الأمور بضراوة، إضافة إلى استخدامه سلطاته في زحزحة شركات إنتاج منافسة لشركته “سينرجي”، و تدخله في اختيار فنانين ترضى عنهم السلطة المصرية، إذ صرّح فور توليه المسؤولية، بأنه سيعمل وفق رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وخدمة رؤيته، لتحسين الذوق العام، وتنمية الدولة. 

منذ وصوله إلى الحكم سعى السيسي إلى فرض وصاية سياسية وأخلاقية على الفن، حيث عبّر عن استيائه عام 2015، أثناء اجتماعه بالمجلس التخصصي للتنمية المجتمعية، من تضمن الأعمال الدرامية، ما يخدش الحياء، من مشاهد وصفها بـ”الزنا”، وتجارة المخدرات، والسحر، وطالب بإنتاج أعمال تجسد بطولة الجنود المدافعين عن الوطن.  

واتضحت ملامح الاحتكار، بغياب بعض الشركات الإنتاجية المؤثرة، لقدم تأسيسها، ودورها المحوري في تقديم أعمال درامية وسينمائية جيدة، ومُنع مسلسلان للفنانين محمد هنيدي “أرض النفاق”، ويسرا “لدينا أقول أخرى”، من العرض على قناة “أون تي في”  المصرية التابعة لمجموعة “إعلام المصريين”، من دون إبداء أي أسباب، إذ صرح وقتها، جمال العدل، ومحمد هنيدي، أنهما فوجئا بمنع أعمالهما، واستقر في النهاية عرضها على قنوات التلفزيون السعودي.

وفي إطار إحكام مزيد من السيطرة، فرض تامر مرسي أجوراً محددة عام 2019، تقل عما يتقاضاه الفنانون سابقاً، وفق قواعد العرض والطلب في السوق التجاري الفني، للمرة الأولى في تاريخ الإنتاج الفني المصري، ما أجبر بعض الفنانين على العمل مع شركات إنتاج خارجية، حيث تعاقد الفنان أحمد السقا مع شركة “صادق الصباح”، وانخفضت أجور المتعاقدين مع شركة “سينرجي”، لمالكها تامر مرسي، كما هيمن على إنتاج 15 عملاً من أصل 24 عملاً درامياً. 

شريف دسوقي، كان رمزية لفرض شروط احتكارية من شركات الإنتاج، على الفنانين النجوم منهم وغير النجوم، “العدل غروب” في إطار منافستها لـ”سينرجي”، تعمدت تخفيض الأجور، وتقليل عدد أيام التصوير، لخفض تكاليف الإنتاج، لمواكبة سيرها من دون تحمل خسائر، يسرد شريف الدسوقي  لـ”درج” وقائع الأزمة قائلاً: “شعرت بالاستهانة والإجحاف من لحظة تعاقدي مع شريف زلط، المدير المالي لشركة العدل غروب، على مسلسل (100 وش)، بداية من جلستنا التي عُقدت في غير مكتبه الخاص مثلما وقع مع بقية المشاركين في العمل، وهو ما اعترضت عليه الفنانة عارفة عبد الرسول وانسحبت من العمل الدرامي، لكنني توصلت معه إلى أجر 75 ألف جنيه عن خمسة أيام تصوير فقط، امتدت لشهرين، كنت أسير على قدمي إلى موقع التصوير”. 

وعلى رغم أن “العدل غروب” هي الشركة المنتجة لـ”100 وش”، إلا أن “سينرجي” لم تدعها تمر، من دون الاستفادة من عرضها، وحصلت على حقوق العرض. 

لم يحصل الدسوقي على بقية قيمة تعاقده من شركة “العدل غروب”، منذ 8 أشهر، من المماطلة، أجبرته على تصعيد إعلامي، لكن  موقف “زلط”، تضمن وصماً وتنمراً، إذ رد، “إيه أخبار المصحة النفسية يا شريف”، في إشارة واضحة باتهام الفنان المصري بالاضطراب النفسي. 

إقرأوا أيضاً:

نقابة المهن التمثيلية على خطى السلطة 

نقابة المهن التمثيلية برؤسائها المتعاقبين، لا تحيد عن أهداف السلطة الحاكمة، في مخالفة دستورية للمادة 76 من الدستور المصري، الخاصة بإنشاء النقابات والاتحادات، التي تنص على الدفاع عن حقوق الأعضاء  وحماية مصالحهم، كونها شخصية اعتبارية، لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، إضافة إلى أنها تأسست عام 1943، لرعاية مصالح الفنانين، وجميع الأيدي العاملة. والمخالفة تبدو جلية مع إلغاء عضوية كل من الفنانين، عمرو واكد، خالد أبو النجا، عام 2019 واتهامهما بتهمة جاهزة ومطاطية للمعارضين دوماً، “الخيانة العظمى” و”الإضرار بمصالح البلاد”، وذلك بعد تنديدهما بالأوضاع الحقوقية في مصر، في جلسة عُقدت في قاعات مجلس الشيوخ، في الكونغرس الأميركي. 

الرئيس الحالي، لنقابة المهن التمثيلية أشرف زكي رفض التدخل لحماية حقوق الفنان شريف دسوقي، بعد مطالبات متكررة، كما تهرب المدير المالي لشركة “العدل غروب”. وبعد ذيوع الأزمة في وسائل الإعلام المصرية، تدخلت الفنانة المصرية يسرا، والفنان مصطفى درويش أملًا في الوصول إلى حل يرضي الطرفان، لكن من دون جدوى، حتى أن تدخل نقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي، لم يضع حلاً نهائياً للأزمة. يقول دسوقي: “كان الصلح بيننا بواسطة أشرف زكي، زائفاً، ففي إحدى المرات التي طالبت فيها ببقية أجري، ألمح شريف زلط، بأنني مريض نفسياً، بعدما قال، وأخبار المصحة اللي كنت بتروحها إيه يا شريف، وهو ما أغضبني للغاية”. 

وكان دسوقي أعلن اعتزاله التمثيل بحلول عام 2025، إثر الممارسات الاحتكارية من جانب شركات الإنتاج، وظروف العمل غير “الآدمية”، يقول لـ”درج”: “أبقى في موقع التصوير لمدة 18 ساعة متواصلة، ولا نحصل على أي عناية في الاستراحة بين التصوير والآخر من توفير طعام وشراب، وهو ما عرضني لإغماء متكرر، في حين يُعامل النجوم الكبار بالعكس تماماً”. 

كما أُجبر دسوقي لظروف الإنتاج على استكمال التصوير في فيلم “وقفة رجالة”، على رغم إصابته بالسكري، والضغط، دون أن أن يحصل على تعويض مادي عن تهالكه الصحي والجسدي. 

هل تنجح شركات الإنتاج في عرض أعمالها على شاشات القنوات المصرية، في ظل وجود “سينرجي”؟ وهل يجد الفنانون المعارضون للجور والظلم في الحصول على أجورهم، في ظل عقود الإذعان التي سنتها الشركات التي تعمل وفق خطوط سياسية لخدمة أهداف إيديولوجية تخدم النظام السياسي الحالي؟

الفنان كأداة سياسية

قبل أن يصل السيسي إلى سدة الحكم، بدا مهتماً بما يريد أن يقدمه الفن للمصريين فشرع في مد حبل الود منذ رئاسته وزارة الدفاع المصري ،حيث دعا مجموعة من الفنانين على رأسهم صاحب الشعبية الأكبر الفنان عادل إمام، بصحبة حسين فهمي، إلى حضور تفتيش حرب بالفرقة التاسعة مدرعات، وبعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، ممثل جماعة الإخوان المسلمين، دعا “السيسي” الفنانين، أحمد السقا، سامح حسين إلى حضور حفل احتفالات أكتوبر 2013. 

  وما إن أعلن ترشحه للرئاسة، دعا الفنانين فاتن حمامة، إلهام شاهين، عزت العلايلي، إلى مناقشة مستقبل الفن في مصر، لكن المشهد الأبرز بعد نجاحه في انتخابات رئاسة الجمهورية المحسوم أمرها لمصلحته قبل أن تبدأ، وجه كلمته للفنانين أثناء دعوتهم إلى حضور احتفالية عيد الشرطة عام 2015، قائلاً: “بقول تاني لينا كلنا حتى للإعلام والتليفزيون والأفلام والمسلسلات مين هيتصدى لده، مين هيعمل الوعي، يا أستاذ أحمد أنت واستاذه يسرا والله هتتحاسبوا على ده، أيوة هيتحاسبوا، قدموا للناس الأمل، إدوا للناس أمل في بكرة ونحسن في قيمنا وأخلاقنا وده لن يأتي إلا بكم، كل قطاع من قطاعات الدولة له دور، وهنشوف في رمضان الجاي يعني”. 

بات واضحاً اليوم أن أي شخصية فنية بارزة تخرج عن سياق السيسي ورؤيته في الشأن العام السياسي، فهذا يعني خسارة مستقبله الفني، مثلما حدث مع الفنانين، عمرو واكد، خالد أبو النجا، إضافة إلى فنانين آخرين أعلنوا تضامنهم مع جماعة الإخوان المسلمين، واعتراضهم على عملية “فض رابعة” الدموي، وهم هشام عبد الحميد، هشام عبد الله، وجدي العربي. 

أما من يقدم من الفنانين مضموناً فنياً، وفق الرؤية السياسية “السيساوية”، فيُغمر بالإشادات، ويدعى للتكريم، وهو ما حصل إثر مشاركة الفنان أمير كرارة في بطولة مسلسل “الاختيار” في الموسم الرمضان 2020، إذ حضر للمشاركة في الاحتفال بنصر أكتوبر، ليشكر  السيسي” على اختياره لتقديم ما وصفه بـ”الرسالة” الوطنية، بتجسيد شخصية أحمد المنسي، ضابط الصاعقة المصرية. 

الواقع الآني، يكشف عن استمرار تقديم محتوى فني بمضمون سياسي، بغض النظر عن الربح من عدمه، إذ فشل قيد “إعلام المصريين” في البورصة المصرية لخسائرها الفادحة، التي وصلت بحسب مصادر محلية إلى 6 مليارات جنيه، وما زالت تواصل أعمالها في ظل تحقيق الخسائر. 

لكن يبقى السؤال مفتوحاً، هل تنجح شركات الإنتاج في عرض أعمالها على شاشات القنوات المصرية، في ظل وجود “سينرجي”؟ وهل يجد الفنانون المعارضون للجور والظلم في الحصول على أجورهم، في ظل عقود الإذعان التي سنتها الشركات التي تعمل وفق خطوط سياسية لخدمة أهداف إيديولوجية تخدم النظام السياسي الحالي؟ ومتى تقف نقابة المهن التمثيلية في صف الفنانين المهمشين والمعرضين للاتهامات السياسية المطاطة والنفي من البلاد؟ 

إقرأوا أيضاً: