fbpx

إسراء عماد: وجه المصرية “الممزّق”
برعاية الأزهر والأعراف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

” لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”… تحولت المرأة إلى كيان غايته السجود للشريك وإن لم تفعل، تنسج أذرع المجتمع شباكاً محكمة لجعل الخضوع لا مفر منه…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إسراء عماد زوجة وأم لم يتجاوز عمرها 18 سنة، نجت بأعجوبة من شروع في قتلها على يد زوجها، الذي استخدم سكيناً سدد عبره طعنات في جسدها ووجهها ورقبتها في الشارع أمام المارة، وهي تحمل طفلها.

إسراء التي تحدثت من خلف ضمادات غطت وجهها روت كيف بدأ زوجها بضربها في الشارع ثم نقلها في سيارة بغرض التخلص منها، بمساعدة شقيقه بتحريض من الأم. الصادم في رواية إسراء قولها إن الزوج ساومها على حياتها وبأنه سينقلها الى المستشفى فقط إن امتنعت عن التبليغ عنه، فلم تجد مناصاً وهي تنزف سوى أن تقبل.

متابعة حكاية إسراء ستضعنا أمام قصة كلاسيكية من قصص العنف. فإسراء من بيئة متواضعة نسبياً وتزوجت في سن مبكرة، وسريعاً ما اصطدمت بواقع عنف الزوج بعد أقل من عامين على الزواج، “كان بيضربني  اللي هو الضرب العادي، بس عمره ما ضربني كده”، تقول إسراء وهي تروي ما حصل لها، وتبدو كأنها تأقلمت مع فكرة “الضرب العادي” بوصفه شأناً مقبولاً، حتى أن والدها الذي كان قربها حين تحدثت عبر مقابلة تلفزيونية قاطعها وقال: “لا عمره ما ضربها بالعنف ده بالظبط لأ”.

إسراء ووالدها يؤكدان أن  الفتاة تعرضت للعنف سابقاً، لكنه كان عنفاً “عادياً” بحسب توصيفهما، أي أنه أمر متوقع ومقبول، ربما لا يستحق التوقف عنده، لكن تصاعد هذا العنف ليدخل حيز الشروع في القتل، هو المنعطف الأقسى.

في قصة إسراء يظهر بجلاء حجم التطبيع مع العنف الأسري والزوجي، الذي يتعاظم بشكل مقلق، بعد عقود من ترسيخه مجتمعياً باستخدام نصوص دينية وموروثات ثقافية واجتماعية عن جواز تأديب المرأة وعن عدم أهليتها الكاملة عقلياً ونفسياً.

في تصريحات متعددة، كرر أحمد الطيب شيخ الأزهر عبارة : “الدواء الأخير الذي وصفه القرآن الكريم لعلاج نشوز الزوجة هو ضرب الزوج زوجته المشروط بعدم كسر العظام والإيذاء”، موضحاً أن التجاوز حرام، ويعاقب عليه القانون. مثل هذه التصريحات المترسخة في الخطاب الديني حول النساء يشرع تماماً مسألة العقاب البدني والتعنيف اللفظي بحق المرأة وينصب الرجل مؤدباً لها. من هنا تبدو مسألة وضع نظم وحدود لهذا العنف، فمن شروطه، “ألا يكسر لها عظماً، وألا يؤذي لها عضواً، فإذا ضرب وتجاوز مسألة الأذى فهذا حرام ويعاقب عليه، كما لا يجوز له أن يضرب باليد، ولا يضرب على الوجه ولا يخدش شيئاً ولا يترك أثراً نفسياً على الزوجة”.

في حديث مسجل عام 2019 قال الطيب: “الضرب هنا رمز لجرح كبرياء المرأة، ولا يوجد عاقل يقول ألا تستخدمه لأنها ستتمادى إلى أن تهدم المعبد، والأسرة”. 

قد لا يشعر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أنه مسؤول أمام حادثة شروع في قتل زوجة قاصر، فمسؤولية الشروع في القتل تقع على عاتق المرتكب، لكن لا بد من فتح النقاش بشكل واسع حول دور مثل التصريحات التي تصدر عن مرجعية إسلامية عليا، يتبعها ملايين المصريين والمسلمين. التصريحات المتكررة حول مشروعية ضرب الزوجة لتأديبها، فتحت المجال أمام انتهاك يومي تتعرض له الزوجات في مصر، عنف لا يعلم أحد متى يتوقف سيله! فقد أصبح القتل والشروع في قتل الزوجات سيناريو حتمياً للضرب الذي تم تأصيله من البداية، وفق فتاوى وتفسيرات دينية موروثة منذ عشرات السنين. وتلك التصريحات مترسخة في صلب المجتمع، بحيث يتم التعامل مع “تأديب” الزوجة أو المرأة والفتاة عموماً بوصفه شأناً مقبولاً بل ومطلوباً من ذكور المجتمع. وهذه الثقافة لها نتائجها الكارثية ليس أقلها مثلاً أن 200 ألف سيدة في مصر يتعرضن سنوياً لمضاعفات في الحمل، بسبب تعنيف الشريك، ولا يستطعن اللجوء لأي شبكة حماية قانونية أو اجتماعية نظراً للقبول المجتمعي الواسع لمفهوم “تأديب الزوجة”.

ما يضاعف القلق في مصر بشأن مسألة تعنيف الزوجات والنساء هو تولي الأزهر منفرداً تحت قيادة الدكتور أحمد الطيب، وضع أول مسودة رسمية لقانون أحوال شخصية موحد في التاريخ المصري. تسربت نسخ المسودة إلى الإعلام وهي تكشف مقاربة بالغة التمييز والإجحاف بحق النساء، فمشروع القانون المقترح يلغي ولاية وأهلية المرأة المصرية القانونية، ويرسخ لولاية أي ذكر على المرأة وجسدها مهما بلغت من العمر والعلم  في ردة إلى القرن 19. القانون الذي أثار حالة استهجان واسعة، تسيّجه سرية عالية وإقصاء للمجتمع المدني المصري.

إقرأوا أيضاً:

أسطورة الجميلة والوحش

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صور زفاف إسراء عماد، امرأة صغيرة جميلة بفستان أبيض وتاج كبير، وزوجها يحتضنها وتعلو وجهها ابتسامة، كقصص الحب الخيالية بجانب صورة لوجهها الممزق.  التناقض الفج بين الصورتين اللتين يفصلهما عام واحد فقط، فجر مجموعة من القضايا التي يعمل المجتمع المصري جاهداً على مواربتها عن الرأي العام. قضية إسراء هي مثال واضح لحجم العنف الأسري ضد المرأة  المصرية، بالتقاطع مع قضايا الطبقة الاجتماعية المهمشة وقصور القوانين والمؤسسات في توفير التوعية والحماية للسيدات . تزوجت إسراء وهي قاصر (17 سنة) بعقد عرفي للتحايل على القانون الذي يجرم الزواج ما دون السن. أنجبت إسراء، وفور بلوغها 18 سنة، أصبحت زوجة رسمية للمجرم الذي حاول قتلها. وضعت العائلة إسراء في مواقف هشة مركبة جعلتها ضحية مثالية للعنف الأسري، بداية من تزويجها لشخص بشكل غير قانوني، وحملها السريع، وبذلك استطاع الزوج وعائلته التحكم بمصير إسراء وحياتها.

 تربت إسراء عماد مثل كل المصريات على أحاديث مثل ” لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”، وتجرعت أحاديث منقوصة مثل “ناقصات عقل ودين”، وبمباركة المجتمع وتواطؤ المؤسسات الرسمية لعقود، تحولت المرأة إلى كيان غايته السجود للشريك وإن لم تفعل، تنسج أذرع المجتمع شباكاً محكمة لجعل الخضوع لا مفر منه مثل الوضع التي وجدت إسراء وملايين النساء مثلها فيه.

على رغم احتواء القانون المصري على نصوص قانونية واضحة تجرم زواج القاصرات وتعاقب المتواطئين على الجريمة، ووفقاً لمركز التعبئة والإحصاء، يشكل زواج القاصرات 40 في المئة من إجمالي حالات الزواج في مصر، ما يهدر حقوق الفتيات، خصوصاً في الإنجاب والنسب، لا سيما عندما يتهرب الرجال من المسؤولية ويرفضون الاعتراف بأبنائهم. كما تقتل طفولتهن بمشكلات صحية ونفسية قاسية.

يرجع ارتفاع نسبة تزويج القاصرات إلى الفقر، إذ يحاول أهل الطفلة تحسين أوضاعهم المادية من خلال المهر أو من خلال التخلص من أعبائها المادية في المعيشة والتعليم. بجانب تشدد أرباب الأسر والسيطرة المبكرة على الحياة الجنسية للفتيات الصغيرات،  و”حماية الشرف” حتى “لا تجلب الفتاة العار لعائلتها”.

المشرع العقابي لم يُعَرف جرائم العنف الأسري، فتعامل معها كجريمة ضرب عادية متجاهلاً الظروف القسرية التي قد تمنع النساء عن التبليغ أو تجبرهن على التنازل.

ذريعة “الشرف” للخروج من السجن

“دافع المتهم أن ما وراء الجريمة هو الحفاظ على الشرف”، هكذا صرح محامي إسراء عماد، نافياً ادعاءات الزوج التي ستمنحه بموجب القانون بطاقة ذهبية للخروج من السجن، إذ تمنح دفوع “الشرف” الحق  للقاضي في الرأفة والنزول بالعقوبة درجتين إذا كانت الجريمة مبنية على مجرد شك في “سلوك الضحية”، من الذكور أصحاب “الولاية” عليها.

هي مادة قانونية تسمح بالعبث بحياة المصريات، كانت أودت أيضاً بحياة داليا  أو فتاة دار السلام، إذ قتلها جيرانها بالحجة ذاتها، “الشك في السلوك”.

 تقول عزيزة الطويل، المحامية في مكتب قضايا المرأة، لـ”درج” إن “العقوبة المطبقة في جناية الضرب الذي يؤدي إلى عاهة دائمة بغير تعمد، تصل إلى السجن من 3 إلى 5 سنوات. بينما إذا توفر سبق الإصرار في واقعة الضرب، الذي يفضي إلى عاهة دائمة فتكون العقوبة من 3 إلى 10 سنوات سجن”،  وذلك بحسب التهمة التي ستستقر النيابة عليها قبل الإحالة إلى المحاكمة في حالة قضية إسراء.

تشرح الطويل أن المشرع العقابي لم يُعَرف جرائم العنف الأسري، فتعامل معها كجريمة ضرب عادية متجاهلاً الظروف القسرية التي قد تمنع النساء عن التبليغ أو تجبرهن على التنازل.

تقدمت منظمات المجتمع المدني خلال الدورة البرلمانية الماضية بمسودة قانون لمكافحة العنف ضد المرأة موحد، حظي بقبول واسع بين المنظمات النسوية، إذ يسد الثغرات التي تؤسس للعنف الأسري ويضع حداً للتمييز القبلي واللاأخلاقي حول مفهوم جرائم “الشرف” والتي تجعل قتل امرأة أسهل من النصب أو غسيل الأموال. 

يوافق 90 في المئة من الرجال المصريين على أن المرأة يجب أن تتحمل العنف للحفاظ على وحدة الأسرة.

وتوضح الطويل أن النصوص القانونية بشأن الاعتداء على النساء مبعثرة فلا يوجد نص قانوني يعالج قضية العنف ضد النساء بشكل شامل، “تناثر النصوص يؤثر في تحقيق العدالة لعدم تفعيل النصوص العقابية، ففي الفترة الماضية قلما كانت جرائم العنف تصل إلى القضاء بسبب الوصم المجتمعي، وصعوبة التبليغ، وجهل الأطراف بأن تلك الأفعال مجرمة بسبب تفرق المواد”.

وجود قانون موحد يحمي النساء من العنف داخل الأسرة وفي أماكن العمل، مطلب تنادي به مؤسسات حقوقية ونسوية منذ سنوات، كونه  يؤمن ضمانة لتحقيق العدالة والمحاسبة وتحصيل حقوق النساء وتسهيل “الأمر على الجهات القضائية والقانونية في إنفاذ النص”.

أصبح مصير مشروع قانون مكافحة العنف الموحد ضد المرأة ضائعاً خلال الدورة البرلمانية الحالية، بينما مصير النساء يزداد قتامة أمام القيم المجتمعية الرجعية العنيفة التي أصبحت تشكل خطراً لا يمكن تجاهله على السلم العام، وهو يضع الدولة بأفرعها التشريعية والتنفيذية والقانونية أمام تحد للتدخل لضبط مجتمع يهدد حياة نسائه.

“موفقون على ضرب الزوجة بالأغلبية”

يوافق 90 في المئة من الرجال المصريين على أن المرأة يجب أن تتحمل العنف للحفاظ على وحدة الأسرة، طبقاً لمسح أجرته “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”، وبذلك تتصدر مصر الدول العربية من حيث التقبل المجتمعي للعنف ضد المرأة. وبحسب المجلس القومي للمرأة المصري تتعرض 5 ملايين و600 ألف امرأة سنوياً للعنف على يد الشريك سواء الزوج أو الخطيب.

كما قدرت الأمم المتحدة تكلفة العنف الذي تعاني منه النساء المصريات وأسرهن بما لا يقل عن 208 ملايين دولار، وقد تصل إلى 780 مليون دولار سنوياً، بحسب دراسة عام 2015 .

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!