fbpx

شركة فرنسية متهمة بتصنيع براميل الأسد فما قصتها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الشركة التي تمتلك أكبر مصنع للإسمنت في الشرق الأوسط في شمال سوريا تدخل معركة قضائية مفتوحة مع القضاء الفرنسي الذي وجّه اتهاماً بـ”تمويل منظمات إرهابية” و”تعريض حياة أبرياء للخطر”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لسنوات طويلة شكّلت “لافارج” علامة فارقة في فضاء مواد البناء، فالشركة التي أبصرت النور في “الأرديش”Ardèche ، الفرنسية الكاثوليكية مركز الصخور الغنية بالجير الحي لعائلة هنري دو باڤان دو لافارج. أصبحت في وقت قياسي “عملاق الإسمنت” الأوّل في العالم، إذ أشرفت على مئات مشاريع البناء منذ عملها في وضع الحجر الأساس لقناة السويس في مصر عام 1874،  حتى اقتراحها لتشرف على بناء الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك مطلع العام الماضي بناء على رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وإن كانت لافارج علامة فرنسية مسجّلة توارثتها العائلة أباً عن جدّ، فإنّ اسمها سرعان ما ارتبط بعقود مع شركات عالمية تنافسها في مجال مواد البناء وصولاً إلى إعلانها عن الاتحاد مع “هولسيم” السويسرية عام 2015 لتصبح مدينة يونا في اقليم سانت- غالن مركز الشركة المزدوجة، مع الاحتفاظ بفرعها الرئيسي في الدائرة السادسة عشرة في باريس.

لن يرتبط اسم “لافارج” هذه المرة بمشروع بناء أو ترميم أو إعادة إعمار، ولن يكون الحديث عنها في إطار البحث عن نشاطاتها الجديدة وأرباحها السنوية، إنّما عن تورّطها في “جرائم ضد الإنسانية” في سوريا. فالشركة التي تمتلك أكبر مصنع للإسمنت في الشرق الأوسط في شمال سوريا تدخل معركة قضائية مفتوحة مع القضاء الفرنسي الذي وجّه اتهاماً لثمانية مسؤولين كبار في الفرع الباريسي بـ”تمويل منظمات إرهابية” و”تعريض حياة أبرياء للخطر”.

اقرأ أيضاً: ماذا عن المهاجرين غير الأبطال ؟

القرار الاتهامي الذي أصدره القضاء الفرنسي مؤخراً، والذي يطاول بشكل رئيسي المدير العام السابق للشركة برونو لافون (بين 2007 و2015) ونائبه كريستيان هيرو والمدير العام للشركة بعد اتحادها مع “هولسيم” السويسرية اريك أولسن، استند إلى كتاب وجّهته منظمة “شيربا” غير الحكومية بالتعاون مع المركز الأوروبي للحقوق الدستورية في برلين في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016. الكتاب الذي يتضمن مئات الوثائق من الأرشيف المحلي للمصنع في جلابيا السورية إلى التقارير التي أعدّتها صحيفة “لوموند”، يتضمّن أدلّة تثبت إبرام الشركة عبر وسطاء سوريين وأردنيين اتفاقات مع جماعات متطرفة بينها تنظيم “داعش”، حتى تضمن استمرار تشغيل مصنعها في الفترة بين عامي 2013 و2014. كما تحتوي الوثائق على تصاريح مدموغة بطابع الدولة الإسلامية تسمح لشاحنات المصنع بالمرور على حواجز عسكرية تابعة لـ”داعش”، عدا حوالات مالية لحساب التنظيم لقاء إمداد المصنع بالنفط اللازم لتشغيل الصهاريج الإسمنتية.

لافارج في سوريا: العلاقة الملتبسة من النظام إلى “داعش”

عام 2007، قرّرت شركة لافارج أن تضع يدها على مصنع إسمنت قيد الإنجاز من قبل شركة “أوراسكوم” المصرية في جلابيا التي تبعد عشرات الكيلومترات من مدينة الرقة.

دخلت الشركة في اتصال غير مباشر مع شخصيات معروفة في نظام حسني مبارك، وتلمح تقارير إلى رجال أعمال كناصف ساويرس الذي يملك شركة “أوراسكوم”، وأحمد عز، أمين التنظيم في الحزب الوطني الحاكم، إضافة إلى اتصال مباشر مع فراس طلاس رجل الأعمال السوري القريب من نظام الأسد آنذاك، والذي يمتلك نسبة من أسهم الشركة في سوريا. أثمرت تلك المفاوضات عن تدشين مصنع لافارج في جلابيا وعن استثمارات بلغت نحو 700 مليون يورو منذ مطلع عام 2010، الأمر الذي عدّ أكبر استثمار فرنسي في سوريا والأقوى في مجال مواد البناء في منطقة الشرق الأوسط.

في حزيران/يونيو 2013، سقطت مدينة الرقة بيد تنظيم الدولة. بعد أقل من عام، تبعتها منبج التي يقطنها معظم العاملين في المصنع. من أجل متابعة عملها، أرسل مسؤولو الشركة المحليون وسيطاً يدعى أحمد جلودي للتفاوض مع قادة التنظيم من أجل السماح للموظفين بالمرور على حواجز التفتيش ومزاولة عملهم اليومي. جلودي، الذي يغيب اسمه كموظّف عن ملفّات الشركة، يعدّ المسؤول الأول عن “إدارة المخاطر”Risk Management ، في المصنع وكان يتنقّل كثيراً بين تركيا ومنبج بحسب شهادة أحد العاملين لصحيفة “لوموند” في 21 حزيران/يونيو 2016.

يشير تقرير “لوموند” إلى رسالة وجّهها جلودي بتاريخ 28 آب/ أغسطس 2014 إلى المدير التنفيذي للفرع السوري فريديريك جوليبوا المقيم في العاصمة الأردنية عَمّان، يخبره فيها عن الصعوبات التي يواجهها في جلابيا بعد طلب تنظيم “داعش” بيانات عن جميع الموظفين العاملين في المصنع. ليصار بعدها إلى اتصال هاتفي مشترك بين جلودي، جوليبوا وكلّ من مدير المصنع ممدوح الخالد وممثّل مدير المصنع حسن الصالح، تضمّن سبل تذليل العقبات التي تواجه عمل المصنع بعد سيطرة التنظيم على الرقة.

هل كانت الإدارة في باريس على معرفة بالتنسيق؟

في ردّه على رسالة جلودي أضاف جوليبوا عبر البريد الإلكتروني لجان- كلود ڤييار، المسؤول الأول عن الأمن والسلامة العامة في مجموعة لافارج، دليلاً أوّل على متابعة الفرع الباريسي للاتصالات التي كانت تحصل بين الشمال السوري والمكتب التنفيذي في عَمّان. دليل آخر على دراية الفرع الباريسي بالمفاوضات بين تنظيم الدولة ومسؤولي الشركة في الشرق الأوسط، عشرات الرسائل المتبادلة في تلك الفترة بين إدارة المصنع وڤييار، إضافة إلى تلقّي الأخير رسالة بعثها جلودي لشخص يدعى مازن الشيخ عوض (مدير الموارد البشرية في المجموعة في الشرق الاوسط) يخبره فيها عن لقاء مرتقب مع “قائد رفيع” في “داعش”. واستمرّت الاتصالات حتى طرد مقاتلي تنظيم الدولة من منبج والرقة بعد معارك طاحنة مع “قوات سوريا الديموقراطية”.  

لكن من هو جان- كلود ڤييار؟

حتى تلك اللحظة يشير تسلسل الأمور إلى تورّط مجموعة لافارج بشكل لا لبس فيه في اتصالات غير مباشرة مع قادة “داعش”، لكنّ تقريراً “سرّياً” سرّبته صحيفة “ليبراسيون” في 23  نيسان/ابريل 2018 يشير إلى أنّ ڤييار- الذي عمل في عداد وحدات الكومندوس البحرية الفرنسية في وقت سابق- كان مصدراً غزيراً بالمعلومات لجهازي الاستخبارات العامة والاستخبارات العسكرية التي التقت به 33 مرة بين عامي 2012 و2014.

اقرأ أيضاً: مخيم اليرموك : “تعفيش” فلسطين

ويكشف التقرير الذي سرّبته “ليبراسيون” عن هوية جاكوب فيرنس (المدير المسؤول عن أمن وسلامة المصنع) المجنّد السابق في الوحدات الخاصة والاستخبارات العامة النرويجية، وتضيف اليومية الفرنسية أنّ انتداب لافارج لفيرنيس بتوصية من ڤييار جاء نتيجة لأسباب كثيرة، منها ضلوعه باللغة العربية (يتحدث بطلاقة) وحصوله على شهادتي ماجيستير في الاقتصاد والتجارة وخبرته العسكرية والاستخباراتية، “كان بروفايل فيرنيس أكثر ما يناسب الأزمة السورية”.

إلى أين وصلت التحقيقات وما تبعات القضية؟

في جلسات التحقيق التي غابت محاضرها عن الصحافة الفرنسية، باستثناء التسريبات التي خرجت بها “لوموند” و”ليبراسيون” و”ميديابارت”، تمّ التركيز على كثافة الاتصالات بين مسؤولي الشركة وتنظيم “داعش” وفحواها والنتيجة التي أفضت إليها. وتم استجواب برونو لافون وكريستيتان هيرو قبل إدانتهما بالتواطؤ مع مجموعات إرهابية وتعريض حياة الآخرين للخطر.

لكنّ كلاماً يُهمَس في الخفاء خرج إلى العلن أخيراً، يتناول دور “الدولة العميقة” في ملفّ لافارج والعلاقة التي تربط الشركة بأجهزة الاستخبارات. والسؤال يبدو مشروعاً ومنطقياً بعد اعتراف المتهمين بدفع أموالٍ لمجموعات مسلّحة، من بينها تنظيم “داعش”، لقاء تسهيلات المرور والتنقّل وشراء النفط وطلب الحماية العسكرية للمصنع.

وليس حديث فيليب ڤاسيه، صحافي استقصائي ورئيس تحرير “الإنتلجنس أونلاين” المختصة بالاستخبارات والذكاء التنافسي، في وثائقي “لافارج: الصفقات المظلمة لعملاق الاسمنت” عن تقاطع مصالح استخباراتي فرنسي مع الشركة ودورها اللاحق في مشاريع إعادة الإعمار إضافة إلى سهولة الوصول إلى ملفات حساسة عبر العلاقة التي نسجتها مع الأكراد وتنظيمات جهادية ولما في ذلك من أهمية قصوى في تقفّي أثر الجهاديين الفرنسيين، إلا دليلاً صارخاً على التعقيدات التي يحملها هذا الملف والتي لن تكون المواجهة القضائية آخر فصوله.

اقرأ أيضاً: من بينهم رجل اعمال لبناني: شخصيات محورية في قضية ساركوزي والقذافي