fbpx

“لمْ نجد حفّارة لحفر قبر أبي”:
أزمة المحروقات تصلُ الموتى من السوريين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بات الانتظار سمة السوريين، اعتادوا عليه وباتوا يطورون آلياته للتكيف مع حياة تصبح أكثر قسوة في كلّ يوم…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يتمكن أحمد من ركوب أيّ من الحافلات القليلة التي مرّت، فكل الكراسي مملوءة وفي بعضها جلس شخصان، وحين تأخر عن عمله قرر استقلال سيارة أجرة لكنه عدل عن الفكرة بعدما طلب السائق 6000 ليرة سورية في المقابل. هذا هو حال معظم السوريين هذه الأيام، إذ يعانون من فقدان المواصلات وارتفاع سعر التنقلات والوقود وإن قرروا استقلال سيارة أجرة يومياً فلن يكفيهم الراتب أكثر من أسبوع.

كيف سيتنقل السوريون إذاً؟ يغدو السؤال جديّاً بعد أزمة المحروقات الأخيرة التي شلّت البلاد، وجعلت الحياة أكثر صعوبة والتحديات ترتفع إلى مستوى جديد.

لم يسلم الموتى من أزمة المحروقات

لم يفكر وائل (اسم مستعار) حين أصيب والده بفايروس “كورونا” بطريقةِ دفنه، لم يخطر له ألّا يجد وسيلة ينقل فيها جثة أبيه من المستشفى أو حتى آلةً  لحفرِ القبر بحسب بروتوكول دفن ضحايا “كوفيد- 19” في سوريا، فلم يكن هناك وقود لتحريك سيارة الإسعاف لنقل المتوفى أو للحفارة لحفر القبر، وأمام عجز الأبناء عن جلب والدهم وبعد اتصالات ووساطات تمكنوا من تأمين سيارة “بيك آب” مفتوحة، وضعوا فيها الجثة المغلفة جيداً مع طاقم مختصّ لدفنها، ثم ارتأوا دفنها بشكل طبيعي لعدم وجود حفّارة، بوضعها في حُجرة صغيرة ككلّ المتوفين في مقبرة القرية بشرط ألّا يقترب أحد من المقبرة لشهر كاملٍ كيلا تنتقل العدوى!

يعيش السوريون بحسب وصف البعض أسوأ أزمة وقود مرّت عليهم منذ عشر سنوات، إذ بدا تأثيرها واضحاً في قطاع الصحة، في حين أوقفت الجامعات الدوام الرسمي لمدة أسبوعين وتمّ تعليق الصفوف المدرسية باستثناء صفوف الشهادتين الثانوية والإعدادية، إثر انتشار الوباء، في موجته الثالثة. ولكن شككت بعض المصادر في أن هذا الإغلاق الذي تبعه إغلاق جزئي لوظائف الدولة والشركات الخاصة هو بسبب الشحّ الكبير في وقود النقل، إذ يحاول النظام التغطية على ذلك بإخراج قرارات تتعلق بالوضع الوبائي، إلا أن الإغلاق جاء في وقت مناسب، فبحسب مصدر مطلع من وزارة الصحة السورية حدّة انتشار “كوفيد- 19” غير مطمئنة ويؤثر النقص الحاد في الأوكسجين والكوادر الطبية واللوجستية بشكل مباشر في المرضى وحياتهم كما الكادر الصحي.

تبدو دمشق هذه الأيام مدينةً مهجورة، كأنّ الناس صاروا أقلَّ حركة، لا اكتظاظ أو أزمات مرورية في الشوارع الكبيرة كما العادة، السيارات الفارغة من الوقود على جانبي الطريق أو أمام المحطات، تصطف في طوابير، كأنها لن تنتهي. لم يعد الانتظار مزحة، لا يمكن أمامه توزيع المجلات والورود واستثماره في القراءة ولا جلب النرجيلة والتدخين خلال ساعات الليل الطويل، بتَّ تلاحظ بوضوح وجود البطانيات في كثير من السيارات الخاصة والعمومية وهذا يعني أن صاحبها سينتظر ليلاً أمام المحطة.

إقرأوا أيضاً:

قد تفقد حياتك أمام محطة الوقود

لم يعلم حاتم (اسم مستعار) أنه ينتظر في طابور سيتم إطلاق النار فيه ليموت رجل، إثر شجار أمام إحدى المحطات في مدينة السويداء ومحاولة البعض تعبئة الوقود من صفّ غير نظامي، يصف حاتم تلك اللحظات بحزن شديد مردداً: “لقد مات الرجل أمامنا، ربما كانت الرصاصة لتصيب أي أحد آخر”، بعد هذه الحادثة ركن حاتم سيارته وتوقف عن استخدامها مكتفياً بشراء بعض ليتراتٍ من البنزين من السوق السوداء ووضعها لوقتِ الحاجة، حتى لا يخسر حياته، إذ لديه أطفال وعائلة والرصاصة الطائشة قد تأتي في أي لحظة.

تعاني مناطق ومدن سورية من الفلتان الأمني، بينما يتخلى النظام عن كثير منها ويسحب جميع أشكال وجوده كما في مدينة السويداء، يقول أكثم (اسم مستعار): “انتظرنا منذ الليل أمام المحطة وصولَ صهريج الوقود وتفريغه ومن ثم التوزيع، لكننا أدركنا أن انتظارنا بلا نفع، حين رأينا (الزعران) يدخلون ويعبئون البنزين بالقوة مهددين أصحاب المحطة بالسلاح”. هذه الأزمات تحبط السائقين والركاب على حد سواء، ولا يمكن التحايل عليها أو إيجاد حلول بديلة من دون دفع أضعاف السعر النظامي. يقول محمد (اسم مستعار) وهو سائق سيارة أجرة: “اشتريت بيدون من البنزين بـ70 ألف ليرة، بينما سعره الحقيقي 20 ألف ليرة، فقط لأنني انتظرت لساعات دوري على المحطة وحين وصل، قالوا إنّ الكمية نفدت”، أكثر ما عزّ على السائق الشاب ليس عدم قدرته على تعبئة سيارته بل تلك الساعات التي أمضاها في الانتظار خلف المقود، تلك الساعات الطويلة من الفراغ واللاشيء، التي أمضاها مراقباً المحطة والسيارات ووجوه المنتظرين المتعبة.

الحافلات المكتظة والتحرش

بصوتها المخنوق وسط عشرات الأجساد المتراصة وسط الحافلة، حاولت الصراخ في وجه رجل تحرش بها، صمت الجميع ولم يقم أحد برد فعل، فوجه الفتاة التي تعرّضت للتحرش ضاع في زحمة الركاب المئة في الحافلة الخضراء. هذه الحادثة واحدة من قصص تتكرر أمام ريم (اسم مستعار) خلال رحلتها اليومية من الجامعة وإليها، والتي تستغرق نحو خمس ساعات، تقول: “لا أعلم لماذا تُعامل النساء بوحشية أكبر كلما بات الوضع الاقتصادي أسوأ”. وتؤكد أنها تشاهد يومياً سيداتٍ يعنفن لفظياً أو جسدياً في وسائل النقل.

ومع تحمّل الحافلات ووسائل النقل الصغيرة كسيارات الأجرة (السرفيس) ضعف حمولتها من الركاب ازداد التصادم كما التحرش، وباتت هذه المشاهد تتكرر من دون رد فعل. نعم قد تصرخ فتاة وسط حافلة للنقل الداخليّ أو كما يسميه السوريون “قطرميز المكدوس”، لكن أحداً لن يقول للمتحرش شيئاً، ويبقى سؤال ريم هو الأقوى، هل حقاً وسط كلّ هذه الأزمات ما زال لدى البعض شهية التحرش أم أنها الرغبة في السيطرة على أي شيء والشعور بالقوة المفقودة تماماً، هل يصبح التعنيف والتحرش مرادفاً للأزمات الاقتصادية في سوريا؟

 بات الانتظار سمة السوريين، اعتادوا عليه وباتوا يطورون آلياته للتكيف مع حياة تصبح أكثر قسوة في كلّ يوم، تراهم يحشرون أكثر في حافلات النقل الداخلية التي بدا جلياً أن الحكومة خفّضت عددها، كما تراجعت أعداد “سرفيسات” النقل التي بات أصحابها يبيعون مخصصاتهم من المازوت في السوق السوداء ويختصرون عناء العمل طوال اليوم. إذاً كيف يمكن التنقل وسط مدينتك من دون تعب أو تحرش في أفضل الأحوال؟

سفينة “إيفر غرين: تحرم السوريين الوقود

هذه الأزمة ليست بجديدة لكنها الأكثر قسوة للآن وبعد رفعها سعر الوقود نحو 50 في المئة منتصف آذار/ مارس 2021، أوضحت وزارة النفط والثروة المعدنية أنها خفضت توريدات البنزين الموزعة على المحافظات بنسبة 17 في المئة والمازوت بنسبة 24 في المئة، معللة ذلك بتأخر وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها، لكن وبحسب الأزمة الحالية يبدو أن المخصصات هي أقل من المعلن عنه في الحقيقة. وفي حين رفعت وزارة النفط سعر البنزين 90 أوكتان إلى 750 ليرة والـ95 أوكتان إلى 2000، إلّا أن سعر ليتر البنزين في السوق السوداء كان وصل إلى 3500 – 5000 ليرة سورية.

أما الوزارة فقد أرجعت الأزمة إلى العقوبات الغربية والحصار وقانون قيصر، ومن المثير للسخرية أن تعلل الوزارة سبب تأخر هذه التوريدات بإغلاق قناة السويس نتيجة انحراف سفينة “إيفر غرين”، مع أن أزمة الوقود بدأت قبل حادثة الانحراف بأشهر. وتبدو جميع حلول الحكومة السورية موقتة وتنبئ بأزمة أكبر إثر فقدان معظم حقول النفط في الشمال وسيطرة “قسد” عليها، واعتماد النظام على توريدات النفط من بعض الدول الصديقة له كإيران.

على الطرق ينتشر السوريون، منتظرين مرور سيارة تقلّهم، يكملون طريقهم مشياً أو تجمع سيارة مفتوحة من الخلف ما أمكن من ركاب منطقة ما وقوفاً، يتخلى البعض عن الخروج إلا للضرورة، محاولين تجاوز أزمة يتمنون ألّا تطول.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!