تغيّر حال شرق المتوسط كثيراً مع دخول أطول وأدمى حرب في شرق المتوسط عامها الثالث اليوم، وسط تصفية معظم قادة المقاومة والحدّ من دور إيران وأضلاعها في المنطقة.
دمّر الجيش الإسرائيلي 90 بالمائة من غزة، ومسّت حرب الإبادة كل بيت، جاع كل غزي سواء كان غنياً أو فقيراً. نزح مرات وفقد أحباباً، وباتت المنطقة أمام مسارين: إما المزيد من الفوضى أو التقدم الى الأمام ولو ببطء وبشروط مختلفة.
الواقع الأليم أن المنطقة اليوم باتت تحت هيمنة حكام إسرائيل، الأكثر يمينية وتطرفاً منذ توقيع معاهدات السلام بينها وبين مصر والأردن، في عالم ارتهن لسياسات رئيس مارق ونرجسي، اسمه دونالد ترامب، يرى الكون كله من زاوية صفقات وفرص بزنس، رئيس عينه على الفوز بجائزة نوبل للسلام ولو بالقوة! فترامب مستعد أن يكسر شوكة أي زعيم لا يصغي إليه ولا ينفّذ طلباته.
ما الذي تنتظره المنطقة؟
هناك مساران اثنان للمنطقة الآن، إما فوضى عارمة بإدارة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الصهيوني التوسعي، وتصعيد مفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها ضرب إيران مرة ثانية وثالثة وتهديد أمن دول الخليج واستقرارها. وإما مسار جديد يُخلق من رماد غزة ومعاناة الغزيين، يفضي الى صياغة استراتيجية إقليمية يصفها ساسة ودبلوماسيون بـ”الجريئة” لتحقيق التنمية والاستقرار على أسس جديدة عبر ربط وقف إطلاق النار في غزة بحسب خطة ترامب والتقدم نحو حل للقضية الفلسطينية على أسس جديدة “غير تقليدية”، وتطبيع عربي – إسرائيلي. ومن المحتمل أن تتم تسوية دبلوماسية مع إيران، لكن هذا المسار قد يواجه رفض أجيال تربت على ثقافة “المقاومة” منذ النكبة، وهي لن تقبل طروحات كهذه بسهولة.
لكن الصورة مختلفة بحسب مسؤولين تحدثت إليهم مطّلعين على أحاديث تُجرى داخل مفاصل صنع القرار في الدول العربية، وبخاصة تلك التي اجتمع قادتها ومسؤولوها بترامب أخيراً، لذلك أصروا على وقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية، والانسحاب الإسرائيلي من القطاع وربط ذلك بمسار يفضي الى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في ظلّها، وتطبيع اقتصادي بين إسرائيل والعرب، هذا المسار سيمكّن دولاً مثل السعودية من أن تلحق بركب التطبيع.
قد تكون الأفكار والفرضيات التي تُطرح في هذا المقال مجرد تمارين عصف فكري، لكنها من ضمن الخيارات، لأن الواقع الدولي والإقليمي انقلب على أساساته. ترامب تعب من تمرّد نتانياهو وإجرامه، والإدارة الأميركية تتواصل مع المعارضة الإسرائيلية للضغط عليه أكثر.
ترامب يريد نسب فوز صاخب لنفسه مهما كان وكيفما حصل، وقد يفسر ذلك تصريحاته بأن حركة حماس تبدي مرونة عالية في المفاوضات الجارية حول ترتيبات الانسحاب وتبادل الأسرى والجثث وإطلاق سراح مسجونين فلسطينيين.
يضاف إلى ذلك أن نظرة أميركا الى المنطقة لم تعد مرتبطة بملف الطاقة، بل نلاحظ التركيز على استثمارات أساسها التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، الذي ما زال في أول الطريق، فمصالح المنطقة الاستراتيجية والأردن من ضمنها، لم تعد قائمة على المبادئ القديمة التي ارتبطت بديناميكيات ومعطيات الماضي الاستراتيجية، وإنما أصبحت على أعتاب مرحلة جديدة.
إقرأوا أيضاً:
في هذه “المرحلة الجديدة” لن تتغيّر حدود، بل ربما ستكون هناك مبادلة أراضٍ للوصول الى تسوية تفضي الى دولة فلسطينية بعد مسار طويل، لا تشبه تلك التي تضمّنت حلّ الدولتين.
وقد ترتبط بكونفدرالية مع الأردن عندما تقوم بإدارة حكومة مرت بأكبر قدر من الإصلاحات الممكنة، لذلك أصرّ العرب على ربط الضفة بغزة في آخر لقاء مع ترامب.
سيطاول التغيير الأفكار والمبادئ وكيفية التعاطي مع التغيرات الجديدة للخروج بأقل قدر من الأضرار، وعليه بدأت حكومات المنطقة تفكر باليوم التالي بعد وقف الحرب على المنطقة ككل وليس فقط وقف الحرب في قطاع غزة.
على الأرض، فقد الكثيرون الأمل بالسلام مع إسرائيل كخيار استراتيجي لجلب الأمن والاستقرار بحسب القراءة الرسمية للمشهد، فمعاهدات السلام خدمت تل أبيب وأصبحت مصدر تهديد وخطر على الأردن ومصر، وأحرجت الإمارات مثلاً.
الوضع في العراق غير مستقر. سوريا بقيادة زعيم من ماضٍ إرهابي، تحوّل الى رجل دولة يدير المشهد الانتقالي بدعم أوروبي وأميركي وعربي، تمرّ بمرحلة حرجة، ولبنان على صفيح نار، أما دول الخليج فقررت وضع مصالحها أولاً وتبنّي خياراتها على هذه الأساس.
طبعاً قد لا تحصل كل هذه التوقعات، أو يحصل بعضها. ومن الممكن أن يتواصل تسونامي الانهيارات، لكن من الضروري أن تستعدّ الشعوب للتفكير خارج الصندوق.











