fbpx

بتخريب بيئة الحشرات نقضي على مصادر عيشنا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قد لا ننتبه ونحن نقتل حشرة تزعجنا ربما الى الضرر الهائل الذي نسببه، لكن كلما توسع تدخلنا في البيئة كلما تهددت مصادر عيشنا وغذائنا…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كلما توسعت حدود التدخل في حياة أنواع الحيوانات والنباتات وموائلها الطبيعية، أصبحت مصادر عيشنا وغذائنا مهددة بالتناقص، فضلاً عن الأضرار التي تلحق بالبيئة والنظام الطبيعي. وتتنوع مصادر التدخل البشري في الطبيعة بين الاحتياجات البشرية من حيث الغذاء والمياه والسكن والطاقة من جانب، وبين ممارسات أخرى تتمثل بالاعتداء المباشر مثل الصيد الجائر، الاستهلاك والاستغلال المفرط للمناظر الطبيعية على حساب بيئات الحيوانات، من جانب آخر. يضاف الى كل ذلك تشييد الطرق والمباني الحديثة والسياحة غير المستدامة. ولأن أعداد الحشرات تحتل المستوى الأعلى بين جميع الحيوانات، فإنها معرضة للفقدان والخسارة أكثر من غيرها.

يترك وجود الحشرات وتنوعها تأثيرات مباشرة على حياتنا ومصادر غذائنا المتنوعة في بعض الحالات، وتأثيرات غير مباشرة في حالات أخرى. ويقول فَرهاد أحمد بهذا الخصوص، وهو أستاذ علوم الحشرات في جامعة السليمانية في كُردستان العراق، “يؤدي تناقص أعداد الحشرات الملقحة لأزهار نباتات الفاكهة والخضار والنباتات الطبيعية الحولية والمعمرة، إلى تقليل محصول تلك النباتات، وتتأثر بالتالي مصادر الغذاء كماً ونوعاً. وفي حالات أخرى يؤدي فقدان أو انخفاض أعداد الحشرات المفترسة للأنواع الضارة والطفيليات على النبات والحيوانات والبشر إلی ازداد الآفات لمصلحة الحشرات التي غالباً ما تكون أكثر مقاومة من الحشرات المفترسة الطبیعیة المفيدة في مواجهة آثار المبيدات المستخدمة والتغيرات المناخية”.

يعد النشاط البشري والتوسع العمراني في موائل الحيوانات عاملاً مُدمراً للأنظمة البيئية، إنما يبقى للممارسات الزراعية المفرطة واستخدام المبيدات الحشرية التأثير الأكبر عليها وإفقارها من ناحية التنوع الأحيائي، تحديداً إذا كانت الممارسات الزراعية تلك غير مستدامة ولا تستند إلى أسس، من شأنها حماية التنوع البيولوجي. وقد تناول فيلم “تقبيل الأرض” الذي أنتجته شركة “نيتفليكس” عام 2020، جانباً مهماً من أثر تآكل التربة الناتج عن الحراثة المفرطة واستخدام المبيدات الحشرية على المناخ، تبعته أضرار كبيرة لحقت ببيئتنا وصحتنا ومناخنا. وسبب ذلك هو أن الحشرات القاطنة تحت القشرة الأرضية تعيش على الكاربون قادرة على عزل كميات كبيرة من هذا الغاز الذي يعد من بين الأسباب الرئيسية في تسخين الأرض. كما تعد الحشرات مصدر تخصيب التربة، ويتم القضاء عليها عبر الاستغلال المفرط للأراضي واستخدام المبيدات الحشرية، الأمر الذي لا يفقد الأرض خصوبتها فقط، بل يؤدي الى المزيد من احترار الكون. ويجد صانعو فيلم “تقبيل الأرض” الحلول في الزراعة المتجددة أو المستدامة وهي ممارسة أخلاقية مصممة لاستعادة الأراضي المتدهورة وتسهيل خفض الكربون.

ومن ناحية البيئات المائية، يلعب التدخل في جريان المياه من أجل الزراعة دوراً هداماً في الأنظمة البيئية. ويعد هذا التدخل ممارسة شائعة في العراق كما في البلدان الأخرى في العالم العربي كما في كل من إيران وتركيا. ويشير فرهاد أحمد بهذا الخصوص إلى أن المزارعين، إضافة إلى الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية، يقومون في حالات كثيرة بتغيير مجاري میاه الجداول والأنهار الطبیعیة واستغلالها لري المزارع، ما يؤدي باستمرار إلى هدم البيئة الطبیعیة للحشرات عموماً والحشرات المائیة خصوصاً. ويقول في هذا السياق، “من خلال زیارات میدانیة في مناطق بينجوین وشارباجير في شرق مدينة السليمانية وشمالها الشرقي، تمت ملاحظة نشاطات واسعة في نقل مجاري میاه الینابیع والجداول والأنهار عبر مضخات وخراطیم بلاستیكیة تطول لكیلومترات عدة، لأغراض الري، ما أدى إلى هدم البیئة المائیة وتجفيف الأنهار خلال الصیف والخریف”. ولهذه التغيرات السريعة والجائرة تٲثیرات كارثية في البیئة المائیة ومحيطها، ذاك أنها تفقد المنطقة من أنواع مختلفة ومستوطنة من الحشرات المائیة وغیرها.

إقرأوا أيضاً:

وتتعرض البيئات المائية في إقليم كُردستان اليوم إلى أساليب جائرة في صيد الأسماك مثل استخدام السموم والتيار الكهربائي والقنابل الصوتية، وهي بحسب الباحث، أساليب لا تترك الآثار على الأسماك فحسب، بل تقضي على النظام البيئي المائي بالكامل وتبقى آثارها السلبية فعالة لأمد طویل، ذاك أنها تبید كل الانواع في المستوطنات المائية. أي انها تقتل مع الأسماك الكبيرة، الأسماك الصغيرة والحشرات المائیة التي تعتبر مصدر الغذاء الرئيسي والمباشر للكثير من اصناف السمك. فالحشرات المائیة تشكل حلقات أساسیة للسلسلة الغذائیة في البیئة المائية.

وتتسع دائرة المخاطر على الحياة البرّية والمائية في كُردستان العراق، بسبب غياب قوانين بيئية حديثة وتآكل الأجهزة التنفيذية، علاوة على انعدام كبير في الوعي الاجتماعي، ما يحول دون حماية النظم البيئية. ويعد التوسع العمراني غير المخطط له، تخريب المناظر الطبيعية الجبلية وحواضن الحيوانات جراء المزارع الاصطناعية، السياحة العشوائية وغير المستدامة للمناطق الطبيعية والغابات البكر، الزراعة، الصيد الجائر والقصف المستمر من قبل تركيا وإيران، من بين الأسباب الرئيسية في تخريب النظم البيئية في إقليم كُردستان حيث كان يعتبر يوماً، سلة العراق الغذائية دون كل هذه الأضرار البيئية التي نشاهدها اليوم. “وبما أن الحشرات تشكل الجزء الأكبر من عالم الحیوانات، فإنها تتعرض أكثر من غيرها للخسارة والفقدان، جراء الأسباب المذكورة”، يقول فرهاد أحمد.

ويشكو الباحث في علوم الحشرات من انعدام مراكز متخصصة بأوضاع الحیاة البریة في إقليم كُردستان، حياة الحشرات تحديداً، مشيراً إلى أنه يقوم بجولات ميدانية لمسح أنواع الحشرات الموجودة وأصنافها، وتوثيق حياتها وكثافتها بحسب الفصول والأوقات المختلفة من السنة، من دون تكليف رسمي من الجامعة أو مركز علمي. ويقول بهذا الشأن، “نقوم بجمع عینات من الحشرات أو تصویرها وتوثيق نمط حياتها ومصدر غذائها، ومن ثم القيام بتحلیل البينات اعتماداً على خبراتنا العلمیة والمصادر الشخصية أو بمساعدة اخرين من ذوي الاختصاص في الجامعات والمراكز العلمیة في دول أخرى”. ليس هناك كما يسرد لي عمل منهجي ومنظم لدراسة هذا الحقل في الجامعات، تالياً، تدخل المحاولات ضمن جهود شخصیة من الناحيتين العلمية والمادية، انما يساعده زمیل في مجال دراسة الحشرات ويرافقه أثناء جمع البيّنات من عالم الحشرات.

ولا تختلف البلدان العربية عن العراق وإقليم كُردستان بخصوص غياب المراكز العلمية حول النظم البيئية وعالم الحشرات والزراعة المستدامة، فيما تعاني غالبيتها من الفقر المائي وتدهور التربة والنظم البيئية. وقد تترتب عن التدهور البيئي آثار خطيرة وتؤسس أعشاش لحرائق اقتصادية وسياسية وأمنية هائلة، إن لم تستجب الحكومات لأسباب المشكلات البيئية وسبل معالجتها أو التقليل من خسائرها مستقبلاً. والمبادرات بحسب جميع البحوث الموجودة تتمثل في إحداث تحولات جذرية في إدارة النظم البيئية والموارد الطبيعية، بشكل مستدام. الزراعة المستدامة على سبيل المثال وهي تعتمد بالدرجة الأولى على علوم البيئة، أي أننا نفشل في توفير الغذاء لأمد طويل حين نقضي على الكائنات الحية وبيئاتها. فمن أجل تلبية احتياجات المجتمعات من الغذاء والمياه والطاقة، علينا تحسين النظم البيئية وحماية أنواع الحيوانات والنباتات من التدهور والانقراض. 

إقرأوا أيضاً: