fbpx

في انتظار اتّصالٍ مهم….

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التهديدات ترافِقُنا يومياً وكلّ من يُحاول” مُساعدتنا يُصبح مستهدفاً، ويتم التشهير بنا على مواقع التواصل الاجتماعي.”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذُ أربعِ سنواتٍ تقريباً تعرفت إلى شاب، كان يقيم في سوريا، حيث ولدت وتربّيت ونشأت، ثم هربت منه إلى لبنان أثناء الحرب.

بدأت قصتنا داخلِ مجموعةٍ افتراضيّة على “واتس آب”، كنا أنشأناها في السابق مع عدد من أفراد مجتمع الميم عين في المنطقة كي نستطيع دعم بعضِنا بعضاً. تطوّر تعارُفنا إلى إعجاب وإعجابنا إلى حُبٍّ غريبٍ يصعبُ وَصفَه ويصعبُ كَسره. في هذهِ الأثناء، كنتُ أقيم في شمال لبنان في منطقة يغلب عليها الجو التقليدي المحافظ، بسبب العقلية الذكورية السائدة والتي رسخت ظلماً بحق النساء والأطفال. صديقي كانَ يُقيم في منطقة في سوريا شبيهةً بعض الشيء بمنطقتي.

كنّا نتكلّم يومياً، ولكن لم يكن بإمكاننا أن نلتقي أبداً، ففي بلادهِ حربٌ ودمار وفي مكان إقامتي عدم استقرار، مع ذلك كنا نخطّط لِمُستقبلِنا بِهدوء وحذَر ولَم ينقطِع لَدينا الأمل. في حينها أصبَح للهاتف معنى وأصبح للاتّصال أهميّة، بقينا على هذا الحال 11 شهراً، ثمّ حصل ما لم يكُن بالحِسبان، علِم أهلَه بعلاقتِنا بعدما قرأوا محادثاتِنا حين كان خارج المنزل. وعلاقتُنا بنظرهم عار وحرام، ففي بلادنا الحبّ ممنوع فما بالكم إن كان هذا الحبّ بين رجلين، حينها يصبح القَتل مشروعاً. 

بعد هذه الحادثة، أَصبح صديقي بخطر وعرضةً للملاحقة من قبل عائلتِه فهرب ولَم يكُن أمامنا أيّ خيار سِوى أن يأتي إلى منطقتي التي لا يتسامح أهلها مع قصص الحبّ ويترسخ مفهوم الطاعة للرجال الأكثَرَ قوّة والعنف والأذى للآخرين.

أَتَى ولم أَكن أصدّق أنّه أتى، على رغمَ الآلام، لكنّنا كنّا في فرحةً لا تُصدّق، كان لِقاؤنا أكثَر من رائع بعد حبًّ دامَ 11 شهراً من دون لقاء. ذهبنا إلى منزلي وتعرّف إلى عائِلتي بِصفتِه صديقي المقرّب، لأنهم لو علِموا أنّه حبيبي لكنّا قُتِلنا في لحظةٍ واحدة .

التهديدات ترافِقُنا يومياً وكلّ من يُحاول مُساعدتنا يُصبح مستهدفاً، ويتم التشهير بنا على مواقع التواصل الاجتماعي. في ظل هذه المخاطر لم يعُد لدينا سبيل للنجاة سوى في الخروج من لبنان، وما زِلنا حتى الآن في انتظارِ اتّصالٍ مُهم….

على رغم استقلالي المادّي حينها وعلى رغم أنّني كنت مقيم في منزلي الخاص، لم نستَطع أن نجد الراحة والسّكون، فعائلَتي كبيرةٌ جداً والجميع يحيطون بنا من كلِّ جانب، أعينهُم وآذانهُم وألسنتهُم اللاّذِعة حولَنا ومعنا وعلَينا. لم يدُم الأمر طويلاً حتّى بدأَ الشّك يتغلغل بينَ أفراد أُسرتي وبدأ الكلام وبدَأت الأصوات ترتفع والأصابع تشير إلينا. ومجدداً، بعد 11 شهراً من مكوثنا معاً في تلك المنطقة، شعَرنا بأن الخطر بدأ يقترب منّا بسرعة فَبدأنا نخطط للرحيل حتى غادرنا إلى مِنطقةٍ رأينا فيها السّلام والأمان، ولم نَكُن نعلم ما الذي تركناهُ خلفَنا.

فمع رحيلنا زادت الشكوك حولنا، ففي بلادِنا مجرّد الشكّ بأن تكون مثليّ الجِنس يعرِّضك لخطرِ الموت. وهنا أصبحنا نتلقّى التهديدات من الأقارِب والمعارِف في المِنطَقة، ولم نكُن نعلم ما الذي نستطيع فعله. صرنا نبحث عن سبيل للاحتماء، إلى أن وصلنا إلى جمعيّة “حلم” المُدافعة عن حُقوق أفراد مجتمع الميم عَين وحرياتهم في لبنان، وحصلنا على نصائح وتعليمات علَينا اتّباعها لحماية أنفسنا من المخاطر. طلَب منا المسؤولون في الجمعية الذهاب إلى المفوضيةِ السامية لشؤونِ اللاجئين في لبنان للتسجيل، حينها قامت المفوضية بتسجيل شريكي فقط لأنّه من جنسية أجنبية، لم نكن نعلم أهميّة التسجيل وأهميّة النصائِح التي تلقيناها حتى دقّ ناقوس الخطر مجدداً.

بعد أشهر نفد المال الذي كنا نملكه، لتغطية مصاريف الإقامة والمعيشة فاضطُرِرنا إلى المُغادرة. نمنا أربعة أيام على شاطئ البحر، فلم نجد أمامنا  سوى العودة إلى المنطقةِ المُظلمة، ولكِن عودتنا لم تكن سهلة كرحيلنا فمِنذ بِداية وصولنا، تم أسرنا في المنزل بقوّة السلاح وسحبت منّا هواتفنا وأوراقنا الثبوتية. احتجزتنا العائلة لمدة 7 أيام، حتّى استطاعت والدتي تهريبنا من المنزل ورحلنا فجراً إلى بيروت. حينها لم نكُن نملك المال ولَم يكُن لدينا مكان إقامة، فاستقبلتنا إحدى الصديقات في منزِلها، وبعد فترة وجيزة حصلنا على مساعدة واستَطعنا استئجار منزل في بيروت ظنّاً منّا أنّنا ابتعدنا من الرعب وأصبحنا في مأمن، ولكنّ التهديدات ازدادت والخطر أصبح أكبَر، حينها علِمنا أنّ الأمان وهم، ما دامت القوانين لا تحمينا وأفراد العائلة والمجتمع لا يتقبلوننا.

مذ أقمنا في بيروت، فتحنا باب منزلنا لأفراد مجتمع الميم عَين المعرّضين للتشرّد، ولكننا بعد أشهر تعرّضنا لهجوم على المنزل من قبل متزمتين، أنذرونا بضرورة الرحيل بحجّة أنّنا نشجّع على نشر الرّذيلة وتهديد الأمن والأمان في المنطقة، حينها اضطُرِرنا للرحيل إلى منطقة أخرى نحنُ ومن معنا حفاظاً على أمنِنا وسلامتِنا.

في هذهِ الأوقات كانَت لا تزال التهديدات تَنهالُ علَينا كالمَطر من العائلة والمجتمع، أصبَحنا نضطر للاختباء عند الدخول والخروج من المنزل، لكن ذلك لم يمنَعنا من الاستمرار في نشاطِنا للدفاع عن أقرانِنا من مجتمع الميم عَين، ولكن كلما توسّع نشاطنا كانت تسلط علينا الأضواء أكثر فأكثر، ما جعلنا أكثر عرضة للتهديدات، ولم نعُد نجد الأمان في أيّ منطقةٍ في لبنان، فأقاربي يعملون في كل الأرجاء وهُم يحاوِلون إيجادَنا، ليقتلونا ويغسلوا “عارنا”. 

خلال هذه السنوات قُمنا بتغيير مكان إقامتِنا أكثر من 10 مرّات بِسبب المخاطر التي كانت وما زالَت تُلاحقنا إلى الآن.

بلا أمان ولا أمل

بسبب ما تعرّضنا لَهُ في تِلك الفَترات وبِسبب التهديدات التي استمرّت طوال الوقت، فقدنا كلّ الأمَل بعيشِ حياة مستقرّة هادِئة. وبَعد فترة لَيست بقصيرة وصلنا اتّصال مُهِم، اتّصال غير مَجرى مُستقبلنا، اتّصال من المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين. “لقد أُحيل مَلَفكم لغايات إعادَة التّوطين يُرجى الحضور إلى المُقابلة”. وذَهَبنا إلى المُقابلة ولكن! المقابلة معنيّة بشريكي فَقَط، فأنا غير مُسجّل بسبب جنسيّتي اللبنانيّة، مع العلم أنّني وُلدتُ ورتبيتُ وتَعلّمت في سوريا، وهُجّرت إلى لبنان خلال الحرب، ولكن على رغم ذلك، المُقابلة كانَت ذات أهميَة كبيرة بالنسبة إلينا، أملاً بأن تغيّر ظروفنا. خلال المقابلة، طلب منا انتظار اتصال آخر لإجراء مُقابلة أخرى ومنذ هذا الوقت أصبَحت حياتنا مرهونة باتّصال، وأصبح الوَقت يمر ببطء، وبعد أشهر أتى الاتصال وأجريت المقابلة الثانية وتم إخبارنا مجدداً بانتظار اتصال آخر. 

هذه الاتصالات أصبحت بالنّسبة إلينا عبارة عن حبال نجاة نتمسّك بها، إما أن تنقطع ونسقط في هاوية الموت، أو أن تُنجينا من خطر الموت وتعيد إلينا جمال الحياة.

بعد أشهُر من الانتظار والهروب من المخاطِر والاختباء، وفي يوم دَفن العابرة جنسيّاً المعروفة بـ”سوزي” وفي وسط الحُزن أتانا اتصال أعاد إلينا الأمل، كان مضمون الاتّصال أنه تمّت إِحالة ملفّنا إلى السفارة الكنديّة في بيروت، وهنا علَينا انتظار اتّصال آخر لإجراء مُقابلة أُخرى في مكتب تابع للسفارة.

إقرأوا أيضاً:

“كورونا”

في هذه الأوقات، كانت بدأت جائِحَة “كورونا” بالتوسّع في العالم وازدادَت أعداد الإِصابات في لبنان وبدأت إجراءات الإغلاق للحدّ من انتشار الفايروس، ما تسبب بتأخير إجراءات ملفات إعادة التوطين في لبنان، وملفنا ضمناً، وهُنا بدَأت أيضاً الأزمة الاقتصادية في لبنان، وأصبَحت حياة كلّ من يقيم على الأراضي اللبنانيّة صعبة جداً.

بعد أشهر أخرى وقبلَ انفجار 4 آب/ أغسطس بيوم واحد أتانا اتّصال لتحديد موعد لنا بعد يومين لإجراء مقابلة في المكتب التّابع للسّفارة الكنديّة، وفي اليوم التّالي كان انفجار مرفَأ بيروت، الذي تسبّب بمقتل أكثر من 200 شخص وإصابَة أكثَر من 6500 شخص وتَدمير عشرات آلاف الوحدات السكنية. صحيح أنّنا لم نُقتل في الانفِجار، ولكِن قتلت قلوبنا ودمّرت آمالنا وأحلامنا وأصبَحنا جسداً بِلا روح.

تسبّب انفجار مرفأ بَيروت بتهجير وتشريد نحو 300 ألف شخص، من بينهم الكثير من أفراد مجتمع الميم عين، ودمّر الكثير من مراكز الجمعيات المعنيّة بالدفاع عن أفراد مُجتمع الميم عَين ومساعدتهم. 

في هذِه الأثناء، كانت عائلتي وأقاربي استَطاعوا الوصول إلى منطقة سكَننا وبَدأوا البَحثِ عنّا مع استمرارِهم بتهديدنا عَبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أجبَرنا على الرحيل والهروب مرة أخرى إلى منطقة في وَسَط بَيروت.

بعد شهر من حادثة انفجار بيروت تم الاتصال بنا مجدداً، وأجريت المقابلة مع شريكي فقط، وبعد مراسلتنا للسفارة الكندية تم قُبول إضافتي إلى ملف شريكي بَعد طلب وثائق كثيرة، وبَعد فترة تمّ الاتّصال بي لإجراء المقابلة نفسها، ولكن تم إغلاق البلد مرّة أخرى بسبب انتشار فايروس “كورونا” بشدة، وبَعد ثلاثَة أشهر تمّ الاتصال وأجرَينا المقابلة، وعُدنا مجدداً بانتظار اتصال آخر إلى الآن لإجراء المُقابلة الأخيرة في السفارة.

لكنّنا لا نعلم إن كنّا سنستطيع إجراء هذه المُقابلة أم لا، فعائلَتي وأقارِبي الآن يستَغلّون الأزمة الاقتصادية في لبنان وأزمة “كورونا” والخلل الأمني في المِنطقة للقبضِ علينا وقتلِنا، فمنذ أيام استطاع أحد أقاربي إيجادنا عند سيرنا في الشارع وقام بضربنا وحاولَ خطفي وحاولَ تشويهَ شريكي، ولكِن لِحُسن حظنا استطعنا الإفلات منه والهروب، ولكن هل سنستطيع الهروب مرةً أخرى؟! 

التهديدات ترافِقُنا يومياً وكلّ من يُحاول مُساعدتنا يُصبح مستهدفاً، ويتم التشهير بنا على مواقع التواصل الاجتماعي. في ظل هذه المخاطر لم يعُد لدينا سبيل للنجاة سوى في الخروج من لبنان، وما زِلنا حتى الآن في انتظارِ اتّصالٍ مُهم…. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.