fbpx

في ذكرى جلاء الفرنسيين:
الروس يغنون والنظام السوريّ يصفقُ لهم!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذاً وحتى مع علم النظام بأنه ليس الابن المدلل للروس، ما زال يستمر بالتدليس وحني الرأس أكثر أمامهم، لحين إيجاد البديل وتأكده من قدرته على السيطرة مجدداً والتقاط زمام مصالحه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المرةُ الأولى التي بكيتُ فيها عند سماع أغنية “موطني”، كانت خارج سوريا عام 2016، كنّا مجموعة نساء نعمل في ورشات تهدف إلى إحلال السلام وتمكين السوريات، أتذكر هذه اللحظة البعيدة بينما تعزف فرقة كشّافة في الخارج موسيقى أغنية “موطني”، احتفالاً بذكرى استقلال سوريا. حينها بكيت لأنني شعرت بخسارة المكان الذي أنتمي إليه وعلى رغم أني عدت بعد أسبوع إلى سوريا إلّا أن شعور الخسارة العميق ظل يرافقني، بكيت بحرقة كما لم أبكِ يوماً. كُنّا مجموعةً من النساء نختتم ورشة نفكر فيها بطرائق لإحلال السلام، لم أتخيل أن أشهق باكية لسماع أغنية موطني وفي الحقيقة كانت المرة الأخيرة.

مغنون روس على الأرض السوريّة

يتمايل المغنون والمغنيات الروس على وقع كلمات لا نفهمها وجمْعٌ من السوريين يصفقون ببلاهة من دون أن يفهموا كلمة، أفكر بشكل الاحتلالات المعاصرة “الموديرن”، الاحتلالات التي تحتفل بجلاء محتل سبقها عن أرض ليست لها، ولولا بعض الوجوه السوريّة لما صدقت المشهد، إذاً إنّه الدب الروسي يحتفل ويغني ونحن نصفق له.

أقيمَ الحفلُ في قاعدة “حميميم” الجويّة الروسيّة في ريف اللاذقية بمناسبة مرور 75 عاماً على خروج الاحتلال الفرنسي من سوريا، وشارك فيه كلٌّ من وزير دفاع النظام السوري علي عبد الله أيوب، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام، إضافة إلى عددٍ من كبار ضباط الجيش والقوات المسلحة وأمناء الفروع الحزبية في المنطقة الساحلية. من اللافت أن الإذاعات الرسمية وحين الإعلان عن الخبر ذكرت الفعاليات السياسية والشعبية الروسيّة بقائمة مطولة قبل ذكر الحضور السوريّ في النهاية، الذي كان مقتصراً على شخصيات سياسية وحزبية من دون أي حضور شعبي، يبدو كما لو أن النظام يحتفل من دون شعبه.

ليست المرة الأولى التي يقيم فيها الروس احتفالات رسمية في قاعدة حميميم فقد احتفلوا سابقاً بعدد من المناسبات الروسية الوطنية، آخرها كان في 24 آذار/ مارس المنصرم، حين احتفلت القاعدة بذكرى تأسيس “الملاحة الجوية الروسية”، إذاً فالبيت بيتهم والأرض منحهم إياها نظام الأسد، حتى إنهم دشنوا في اللاذقية نصباً تذكاري لطيّار روسي قتل في مدينة إدلب أثناء قصفه المدينة.

إقرأوا أيضاً:

 سوريا ميدانٌ لاختبار فاعلية السلاح الروسي

 صرّح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في وقتٍ سابق أن العملية العسكرية في سوريا ساعدت الجيش الروسي على رفع الروح المعنوية وفحص الأسلحة واتخاذ خطوة نوعية في التطور، كما أنها سمحت لهم باختبار الأشخاص والأسلحة ونظام التعليم وكأنّ وزير الدفاع يقول شكراً لنظام الأسد، “الذي منحنا أرضه وشعبه لنختبر عليها أسلحتنا ونقتل المدنيين لنتأكد من فاعلية نظامنا العسكري!”. إذاً في المحصلة ليست الأرض والشعب السوري سوى فأر تجاربٍ للروسي يتأكد من خلالهم من فعالية خططه وأسلحته.

يبدو أنه بالنسبة إلى نظام الأسد لم يعد الاحتلال يعني أخذ الأرض بالقوة والحروب والمعارك، بات الاحتلال أكثر بساطة، إنه يدعى “صديقاً وحليفاً” ويُمنح المواقع الإستراتيجية والقواعد والثروات ومن ثم يُحتَفل بلغته و”ستايله” الغريب بخروج الاحتلال من الأرض التي يحتلها هو الآن!

وبين المفهوم الكلاسيكي للاحتلال الذي يقوم على سلب الأوطان بالقوة، تلجأ روسيا إلى احتلال من نوع جديد، تحت ذرائع محاربة الإرهاب والتحالف مع سوريا، وما حضور مغنين وفرقة أوركسترا روسية خصيصاً لهذه المناسبة، إلّا رسالة مفادها أن الروس يتصرفون على أساس أنهم أصحاب أرض ولهم في سوريا أكثر ما للسوريين فيها، أيعقل عدم مشاركة مطرب سوري واحد في الحفل؟ ولو من باب التدليس للنظام لا مجاملة الشعب.

روسيا التي ستتخلى عن الأسد يوماً

منذ تدخل روسيا بشكل فعلي عام 2015 بعدما كان دورها مقتصراً على تسليح النظام وبعض التدريبات لعناصره، حيث اتخذت بشكل مباشر من قاعدة حميميم مركزاً لعملياتها وبدأت قصف مواقع المعارضة السورية منذ الأسبوع الأول لانتشارها، ليغير هذا التدخل بشكل واضحٍ في موازين الحرب بعدما كانت المعارضة المسلحة تحرز تقدماً على الأرض مقابل ضعف عناصر الجيش السوري، بسبب قلّة خبرتهم وإقحامهم مباشرة في المعارك من دون تدريب جيد بسبب نقص أعداد الجنود، مع بدء هجرة الشباب هرباً من الجيش.

ولا يخفى على أحد أن العامل الأساسي للتدخل الروسي هو محاولة إعادة روسيا إلى الساحة العالمية وفرض قوتها وموقعها السياسي أمام الولايات المتحدة الأميركية، وكلّ ما تفعله اليوم هو لتأكيد سلطتها على الأراضي السورية، باعتبارها واحداً من أهم الملفات الدولية في الوقت الراهن، وعلى رغم أن أحد أدوار روسيا المتوقعة كان إصلاح القطاع الأمني السوري إلّا أن هذا الأمر لم تظهر ملامحه للآن، لكن عموماً غدا الدور الروسي واضحاً وأكثر تماسكاً وطغى إلى حد كبير على الدور الإيراني الذي ما زال يفضّل العمل في الظل، وبات اليوم أي تفاوض مع النظام يعني التفاوض مع الروس بشكل مباشر، لكن هذا لم يلغِ الدور الإيراني بشكل كامل للآن.

ساعد على تقوية الدور الروسي في سوريا، علاقتها الطيبة مع “إسرائيل”، التي يفتقدها الإيرانيون، والتي تشكل حجر زاوية أساسي في الصراع السوري اليوم، وإن كانت روسيا لم تظهر رؤيتها السياسية للآن، إلا أن ضعف إيران في الفترة الأخيرة سيشكل ورقة رابحة لها، إذ ستختفي مخاوفها من لجوء النظام إلى إيران في حال ضغطها عليه نحو تغييرات سياسية، وهذا ما أشار إليه الدكتور اندريه كورتنوف، المدير العام للمجلس الروسي للعلاقات الخارجية خلال ندوة في كلية واشنطن للحقوق. فروسيا منحت الأسد فرصة أخيرة خلال الانتخابات المقبلة لإجراء تغييرات وتحسينات فعلية على أرض الواقع اجتماعياً واقتصادياً وإدارياً، مع بدهية فوزه بالرئاسة في ظل غياب الشفافية والموضوعية في الانتخابات. وبحسب أندريه فإن روسيا غير متمسّكة بالأسد في حال وجود نظام صديق يكون بديلاً عنه، وهذا يعني تخلي روسيا عن الأسد في أي لحظة، وهذا ما لن يقبله النظام بطبيعة الحال، ما سيشكل بوابةً لأزمات سورية جديدة.

إذاً وحتى مع علم النظام بأنه ليس الابن المدلل للروس، ما زال يستمر بالتدليس وحني الرأس أكثر أمامهم، لحين إيجاد البديل وتأكده من قدرته على السيطرة مجدداً والتقاط زمام مصالحه.

سوريا اليوم كلّها محتلة، إنها وطن ليس لنا، لا نملك سوى البكاء عليه لمرة واحدة، وطن غدا كقطعة حلوى وزّعت بغير تساوٍ على دول غريبة، روسيا، تركيا، أميركا، إيران، حزب الله اللبناني وتنظيمات متشددة… لكنّ ذلك لا يعتبر احتلالاً!

ما الفرق حقاً إن كان الشعب ما زال يعيش في أسوأ أزمة اقتصادية سورية، فيغدو نظام الأسد محتلاً كذلك، محتلاً نهب ثروات السوريين وكمم أفواههم وقتلهم وأخرجهم من منازلهم، فالمحتل ما زال بيننا منذ أكثر من أربعين عاماً، محتلٌ يمتصّ حياة السوريين وحريتهم.

إقرأوا أيضاً: