fbpx

كما مأساة إسراء غريّب:
رنا الحداد ضحية العائلة والعشيرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رنا الحداد تنضم إلى قافلة المغدورات اللواتي انتزع ذكور من عائلاتهن حقهنّ في الحياة، في ظل ثقافة تميز ضد النساء وتستسهل قتلهن بذرائع كثيرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رنا الحدّاد. 

قلة سمعت باسم هذه الشابة الفلسطينية ومأساتها، فهناك محاولات حثيثة لطيّ صفحتها. لا أحد من عائلتها يريد الحديث عن حياتها وموتها، مع رفض تام حتى لنشر صورة لها وكأنما يراد أن تُنسى بأسرع وقت ممكن. 

رنا الحداد (25 سنة) من محافظة الخليل في فلسطين، قتلها والدها خنقاً ثم نام في فراشه ليستيقظ صباحاً ويصلي الفجر ثم ذهب ليدفن ابنته وبقي 15 يوماً يدّعي فقدانها والبحث عنها إلى أن اعترف بجريمته. 

رنا الحداد من عشيرة محافظة جداً، كانت بداية ضحية تزويج مبكر، عانت خلاله الأمرين، ثم انفصلت عن زوجها عام 2020، وأجبرت على ترك ثلاثة أطفال بسبب الخلافات بين عائلتها وعائلة زوجها. 

هنا سارعت عائلتها إلى تزويجها لرجل خمسيني ولم يستمر زواجها إلا 18 يوماً، وفي يوم طلاقها وهو اليوم الذي قتلت فيه، كانت تنوي الرجوع إلى زوجها وأطفالها الثلاثة، فحصل زوجها السابق على “فتوى شرعية” تسمح لها بالرجوع.

بحسب البيان الذي أصدرته العائلة، في يوم الجريمة، نشب خلاف بين رنا ووالدها على ضوء “تصرفاتها”، فقام بضربها بهدف “تأديبها”. فحاولت الهرب وترك بيت والدها والعودة إلى أطفالها وزوجها السابق، فمنعها والدها بالقوة من ترك البيت، والسبب أنها في “عدة الطلاق” “فتوفيت بين يديه عرضياً، ودون أي نية مسبقة لقتلها أو إيذائها”، كما زعم بيان العائلة التضامني مع الأب القاتل.

“فنتيجة خوف وارتباك الوالد قام بنقلها إلى منطقة خالية بعيدة ودفنها، وأخبر عائلته أنه نقلها إلى مكان آمن خوفاً من أن تهرب وتترك المنزل”. والد رنا، أخبر مجلس العائلة بما حصل، وسلم نفسه للأجهزة الأمنية وأخبر عن مكان دفن ابنته. وصفت العائلة في بيانها جريمة قتل رنا بحادث “عرضي نتيجة القوة المفرطة، ودون أي إصرار مسبق أو تخطيط”، وطالبت “بإظهار الحقيقة درءاً للإشاعات المغرضة والتأويل والتأليف”.

البيان التوضيحي لعائلة “آل أبو شمسية الحداد”، حول جريمة قتل رنا كان في حقيقة الأمر بياناً تضامنياً مع الأب القاتل، بحيث تم إلقاء اللوم على “اضطرابات عقلية وسلوكية وعدم اتزان” رنا، فيما أسهب في الحديث عن أن الوالد لم تكن لديه “نية مسبقة لقتلها أو إيذائها”. وقال البيان إن “رنا، تعرضت لحادث سقوط من علو على رأسها قبل نحو 8 سنوات، استدعى مكوثها في المستشفى ما يزيد عن أربعة أشهر، واستغرق علاجُها ما يزيد عن 8 أشهر، وتبين لاحقاً أن هذا الحادث أثر في قدراتها العقلية وتسبب لها باضطرابات عقلية وسلوكية وحالة من عدم الاتزان، ما أدى إلى طلاقها وانفصالها عن زوجها العام الماضي، وقد تسببت بكثير من المشاكل لعائلتها نتيجة تصرفاتها غير المتزنة والمستقرة”.

مجتمع صامت يبرر للقاتل فعلته

ليس قتلة النساء من الغرباء ولا من اللصوص وليسوا قطاع طرق، إنهم من أقرب الناس… وتلك الجرائم الفظيعة تُنفّذ في أجساد النساء في بيوتهن وغرفهنّ، في الأماكن التي يفترض أنها الأكثر أماناً. إسراء، نورا، نيفين، روزان، وغيرهن كثيرات، جميعهن قتلن على يد أحد أقربائهن، ووجدت جثثهنّ بعد محاولات للتستر على القاتل. 

إنها قصص متشابهة، بين تواطؤ الأهل مع المجرم وتبرير فعلته، ومجتمع صامت، يدين الضحية، ويخفف جرم القاتل ويجمّله. فأصبح السقوط من علو أو المس من الجن أو الاضطراب النفسي والسلوكي، أسباباً أدت إلى موتهنّ. يقول المستشار القانوني لمركز “شمس لحقوق الإنسان”، محمد النجار،  إن الخطير في قضية رنا هو حالة النكران التي عاشتها العائلة وحالة التماهي مع المجرم بتبرير فعله من منطلقات ذكورية، وأنه هو ابن العائلة الذي يجب ألا يتم التنازل عنه، والدفاع عن جريمة بهذه البشاعة وتبريرها، يعطي مبررات لقتل كل فتاة مثل أن تكون ممسوسة ومسحورة  أو لديها اضطرابات نفسية. سائلاً: “وإن كانت مريضة نفسياً فهل هذا يبرر قتلها ويسلبها حقوقها؟”. ويقول النجار: “هناك استلهام في بيان عائلة رنا بما حصل مع إسراء غريب (التي سبق أن قتلتها عائلتها عام 2019) وإعادة استخدام له، بأنها تعاني من اضطرابات نفسية وفاقدة لعقلها، وهذا يؤكد أن العنف ضد النساء متقاطع في الثقافة الذكورية، ومتشابه في المبررات”.

توضح المديرة العامة لمركز الدراسات النسوية، ساما عويضة، أن هناك مشكلة في الثقافة المجتمعية الموجودة، فالجرائم ضد الذكور تستدعي استنفاراً، بينما تلك المرتكبة بحق النساء، تتجه إلى نوع من “الطبطبة” والتستر والاستهتار. تقول عويضة: “مقتل رنا يضعنا أمام مشكلتين، الأولى استخدام وقوعها قبل 8 سنوات من علو كمبرر لاضطراباتها النفسية، التي كان يمكن علاجها إذا كان ما ذكر صحيحاً، لكن المشكلة الثانية هي الضرب لتأديبها إلى جانب المشكلات النفسية، فكان من الأولى احتضانها وعدم ضربها حتى الموت. إنه مبرر غير مقنع أن تُضرب فتاة لأنها غير متزنة نفسياً”.

قضاء فلسطيني متخاذل 

قضية مقتل رنا مرتبطة بسياق عام في قضايا العنف ضد النساء والفتيات الأخريات مثل قضية إسراء غريب، التي تم الإفراج عن المتهمين بمقتلها في شباط/ فبراير الماضي. تتابع تلك الأحداث وتشابهها، يشكلان رسالة تأييد للثقافة العنيفة للتعامل مع النساء كأسلوب تربوي، فيما يكون العقاب أقلّ بكثير من حجم الجريمة، وسنوات السجن القليلة لا تشكل رادعاً كافياً لمجرمين آخرين قد يقتلون نساء أخريات، ويطلق سراحهم أو تقفل قضاياهم بجلسة مصالحة بين العشائر. 

تشير عويضة إلى أن قانون العقوبات المطبق في فلسطين سواء كان في الضفة الغربية أو قطاع غزة، قديم جداً، والقانونان الأردني والمصري تم تعديلهما في كلا البلدين، إلا أنهما ما زالا مطبقين في الضفة والقطاع، وعلى رغم وجود المجلس التشريعي السابق وإقراره الكثير من القوانين، إلا أنه لم يقر قوانين عقوبات وأحوال شخصية ومدنية في فلسطين، وحتى بعد حلّه عام 2007، صدرت قوانين بمرسوم رئاسي في ما عدا هذين القانونين، إذ لم يتم تعديلهما، وبقيا على ما يحويانه من ثغرات وفجوات وظلم. 

إقرأوا أيضاً:

عشائر تحل القضية بفنجان قهوة

إشكالية القضاء العشائري في فلسطين معقدة وتعود إلى أسباب كثيرة، منها ما يتعلق بالقضاء العادي أو النظامي، وتحديداً في مسألة ضعفه وتأخر صدور الأحكام والتكاليف والمماطلة والوقت الطويل الذي يستغرقه التقاضي. هذه الأمور تدفع للذهاب إلى الحلول العشائرية الأسرع، ويشير النجار إلى أنه في جرائم قتل النساء يتم اللجوء إلى القضاء العشائري لحماية المجرمين، فالقضاء النظامي على ضعفه إلا أنه أكثر حزماً في التعامل مع قضايا النساء، ما يدفع المجرمين أو عائلاتهم للذهاب إلى القضاء العشائري المستند إلى ثقافة ذكورية بحتة يتم تعميمها أحياناً كثيرة.

أصدر منتدى مناهضة العنف ضد المرأة وتحالف أمل لمناهضة العنف ضد المرأة في 10 نيسان/ أبريل بيان شجب واستنكار إزاء جريمة مقتل رنا، وتم تحميل مسؤولية الجريمة للسلطة الوطنية الفلسطينية، التي لم تتقدم خطوة واحدة باتخاذ قرار بسن قوانين تحمي رنا، ونفين، وآيات… وغيرهن من النساء. وأكد أن العشائر التي صاغت البيان لتبرير الجريمة ومنح المجرم غطاء مجتمعياً، هي التي تحرض على ارتكاب مثل هذه الجرائم والعنف الممارس بحق النساء، فرنا ليست الأولى التي تُحرم من أبنائها، فهي تنضم إلى قائمة اللواتي قُتلن بدم بارد، إذ بلغ عددهن 38 امرأة لعام 2020. وكان يفترض تناول الوضع النفسي لرنا، والذي يستوجب الدعم والإسناد وليس الضرب والقتل بهدف تأديبها.

قانون حماية الأسرة من العنف 

مشروع قانون حماية الأسرة من العنف، مطروح على طاولة الحكومة الفلسطينية منذ عام 2004، وفي السنوات الأخيرة ازدادت مطالبة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والنسوية بإقرار هذا القانون، مع ما نشهده من جرائم قتل نساء. لكن كلما اتجه القانون إلى طريق الإصدار، جوبِه بمعارضة شديدة من قوى محافظة ومتطرفة ومن مراكز قوى ذكورية تقوم بمحاربة هذا التشريع وتحول دون إصداره. يقول النجار: “حتى الآن لم يتم إصدار هذا القانون على رغم أن إصداره ليس مجرد حاجة بل هو جزء من التزامات فلسطين الدولية بعد انضمامها في 1 نيسان 2014 إلى اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة  “سيداو”، وأصبح ذلك التزاماً دولياً وقانونياً، وليس أخلاقياً فقط”.

في المقابل، تؤكد عويضة أن عدم وجود قانون يحاكم المجرمين ويحمي من العنف، سيؤدي إلى انتشار جرائم العنف أكثر، بالتالي سنّ القانون سيكون رادعاً للجرائم وضرورة لمحاسبة الجناة، وإعادة تأهيل الفرد العنيف ودمجه داخل الأسرة وإبعاده لفترة من الزمن منها، وهذه الجوانب مهمة لبناء أُسر قوية ومتماسكة، حيث تنعم النساء بالأمان والحماية.

رنا الحداد تنضم إلى قافلة المغدورات اللواتي انتزع ذكور من عائلاتهن حقهنّ في الحياة، في ظل ثقافة تميز ضد النساء وتستسهل قتلهن بذرائع كثيرة. يحصل هذا في ظل تكريس مبدأ الإفلات من العقاب للمجرمين والقبول المجتمعي بتبريرات القتل والحلول العشائرية، جميعها مؤشرات لمسؤولية النظام السياسي عن هذه الجرائم لأنه عاجز عن إنفاذ العقد الاجتماعي، والقانون الأساسي، المتعلق بالمساواة والأمن والأمان للنساء.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.