fbpx

العراق: النبذ والعنف وغياب القوانين تمنع “العابرين جنسياً” من… العبور!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كنت أشعر بأنني غريب بين مجتمع الفتيات ، وأخشى أن انجذب اليهن.. أنا بداخلي رجل وكان علي كل يوم أن امثل دوري الأنثوي وهذا الأمر أرهقني”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ابني لا يعرف بماذا يناديك: خالو أو خالة، أتمنى ألا تتواصل معنا في المستقبل، وإذا فعلت سنقتُلك!”، كانت هذه الكلمات آخر ما سمعه أحمد (29 سنة) من أخته، قبل خروجه من منزل والديه بعد أيام على وفاتهما. 

وقع ذلك منتصف عام 2013 ومن يومها يتنقّل أحمد، الذي يحب أن ينادى باسم ياسمين، من مدينة إلى أُخرى، تجُنباً لتعرضه للتهديد والتحرش، فمع عدم استطاعته إجراء عملية العبور الجنسي تبقى حياته في خطر، بسبب اختلاف “تصرفاته” عن هيئته الخارجية كرجل.

العملية ذاتها، التي تنشدها ياسمين، لم تشكل الخلاص لعمر (27 سنة) بعدما أجراها بشكلٍ قانوني في مصر، وبموافقات رسمية وفق متطلبات الدولة، إذ أكمل جزءاً كبيراً من عبوره الجنسي “من أنثى الى ذكر”، لكن بعد عودته لم تمنحه الحكومة العراقية حق تغيير جنسه في الأحوال الشخصية، بحجة انه لم يكمل العملية بشكل كامل عبر زراعة القضيب.

عمر بكتفين عريضين ولحية سوداء كثيفة ويدين خشنتين مملوءتين بالشعر، لا يزال في صورته الشمسية التي تتصدر أوراقه الثبوتية، أنثى تحمل اسم سارة: “تغير شكلي الآن، أنا رجل ولا أستطيع أن أبرز هويتي الانثوية لأي شخص لأنها لا تشبهني اليوم”.

الآلاف من العابرين جنسياً في العراق يتعرضون للاضطهاد والإساءة من جماعات متشددة أو أفراد في المجتمع ومن أقاربهم وعائلاتهم، كما يواجهون الملاحقة الدائمة ويتعرضون للاغتصاب أو يهددون به، ويُحرَمون التعليم، وسط بيئة اجتماعية ترفض وجودهم وقوانين لا تحميهم.

وبحسب تقديرات منظمات دولية قتل نحو 220 عابراً جنسياً خلال عام 2017، ويتعرض عشرات منهم للاعتقال بحجج واتهامات مختلفة، ويتم توقيف العديد منهم في نقاط التفتيش حين يُضبطون بملابس لا تتوافق مع ما هو مدون في هوياتهم الشخصية فيمضون فترات طويلة في الحجز تصل أحياناً لأشهر قبل تبرئتهم في المحاكم. 

وتدفع قلة التوعية بهذه الفئة المجتمعية المعزولة والإصرار القانوني والمجتمعي على عدم الحديث عنها الى وقوع أفرادها في فخ إجراء عمليات العبور خارج العراق، ليبقوا بعدها بلا أوراق تُثبت هويتهم الجديدة فيعيشون في سجنٍ كبير.

تحرش واغتصاب ومحاولات قتل

بعد أشهر من استقراره في شقة على أطراف بغداد تعود الى خالته، تعرض أحمد، الذي أصر على أن نناديه باسم ياسمين ونذكره في التقرير كامرأة، إلى الاغتصاب على يد خمسة ملثمين اقتحموا الشقة. تقول ياسمين “تركوني أنزف… ثم ضربوني بالعصي حتى تكسرت بعض أضلاع صدري”. تضيف “لم أرتكب أي ذنب لكن شكلي وهويتي الجندرية جعلتهم يحاولون قتلي مرتين”.

بعد تماثلها للشفاء نزحت ياسمين الى إقليم كردستان، وعملت في مركز للتجميل قبل أن تتعرض للتحرش والتهديد هناك وتضطر إلى ترك المركز والعمل في النوادي الليلة، لكنها مجدداً تعرضت للاغتصاب “ذات ليلة ساومني أحد زبائن النادي على جسدي، رفضت ولم اتصور انه يمكن ان ينتظرني خارج المحل ويخطفني ثم يرميني مجدداً في الشارع”.

إقرأوا أيضاً:

“لا قانون يحمينا”

محاولات القتل والاستغلال التي طاولت ثلاثة أشخاص من مجموع خمسة التقى بهم مُعد القصة، نفذتها أحياناً مجموعات مجهولة أو أشخاص في أماكن عمل العابرين أو العابرات جنسياً، وأحياناً الأهل، وفي مناطق متفرقة من العراق.

لم يُبلِغ أي من هؤلاء الجهات الأمنية بعمليات الاعتداء التي تعرضوا لها، وكرروا الكلام نفسه: الذين يعتدون علينا عادة هم أشخاص متنفذون في الدولة ولا أحد يستطيع محاسبتهم.

تُفيد تقارير لمنظمات حقوقية كمنظمة “عراق كوير” بأن جهات مسلحة تُلاحق وتقتل المنتمين لمجتمع الميم، وأنها قبل القتل تغتصب الضحية، فضلاً عن اختلاف عمليات وسائل القتل والأدوات التي تستعمل فيها، بين الضرب بطابوق البناء (البلوك) وأنابيب الغاز، أو استخدام الأسلحة النارية والبيض”.

وبحسب تقرير نشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” عام 2019 عن الانتهاكات التي تطاول مجتمع الميم في العراق، فإن “جيش المهدي نفذ عمليات ضد أفراد من مجتمع الميم في العراق”، وقد وثق التقرير عدداً من تصريحات لقيادات جيش المهدي التابع للزعيم السياسي مقتدى الصدر، تحث على “قتلهم وتطهير المجتمع العراقي منهم”.

في تقرير آخر أُنجز عام 2016، تذكر المنظمة أن الحملة ضد مجتمع الميم في العراق تكررت عام 2012 من جهات مسلحة. لكن التقرير أورد بياناً للزعيم الشيعي مقتدى الصدر دعا فيه إلى “ضرورة تقبلهم وإيقاف العنف ضدهم وهدايتهم بالطرائق العقلانية”. وبعد أعوام، ومع اجتياح فايروس “كورونا” العراق، غرّد الصدر عبر حسابه على “تويتر” أن “الفايروس بسبب زواج المثليين”، وهو ما عده نشطاء هجوماً على كل مجتمع الميم في العراق وليس على المثليين فقط.

368 انتهاكاً خلال سنتين وأربعة أشهر

منظمة “ألوان” المعنية بحقوق مجتمع الميم في العراق، وثقت  بين مطلع عام (2019 الى نيسان 2021) 368 انتهاكاً بحق أشخاص من مجتمع الميم، أي أن شخصاً واحداً يتعرض كل يومين تقريباً إلى نوع من أنواع الانتهاكات التي شملت الاغتصاب والتعذيب والتهديد والسرقة.

العراق وبعد موجة من العنف ضد العابرين أو العابرات من مجتمع الميم، شكل لجنة حكومية خاصة بشؤونهم في أواخر 2012، لكن هذه اللجنة سرعان ما اختفت عن الساحة، فبحسب تقرير “هيومن رايتس ووتش” فإن عضوين من اللجنة اختفيا عام 2015 وترك آخرون في اللجنة عملهم ليتقلص عدد أعضائها الى أربعة فقط من أصل تسعة. كما أظهر استبيان أجرته منظمة “عراق كوير” على مجموعة من مجتمع الميم، أن 96 من المشاركين في الاستبيان تعرضوا للعنف أو التحرش أو التهديد أو جميعها.

يقول سيف الماجد، وهو أحد المهتمين بشؤون مجتمع الميم إن “السبب وراء العنف ضد مجتمع الميم اجتماعي أكثر مما هو ديني، والفصائل المسلحة تعتقد أن موضوع المثلية أو العبور جاء في السنوات الأخيرة من الغرب، لكن هذا مجرد وهم، فأنا أعرف أشخاصاً من مجتمع الميم قبل 2003”.

يتفق معه همام العراقي، ويشير إلى أن المجتمع العراقي يحدد صفات للذكورة وأخرى للانوثة، ومن هذه الصفات ما يرتبط بالملابس والشكل الخارجي للأشخاص “المجتمع يرى الأشخاص العابرين قبل عبورهم على انهم “مخنّثون” ويتم اضطهادهم بشكل مستمر ويتعرضون أحياناً للضرب بل حتى للقتل”، مذكراً بأن ملصقات وزعت عام 2017 في مدينة الصدر تحذّر “المخنثين” كما سمتهم، من العقاب. في حين يرى مدير منظمة “الوان” هازان كاريسي أن العنف ضد مجتمع الميم جاء “نتيجة انعدام سلطة القانون ووجود السلاح المنفلت”، الذي ينتشر بشكل كبير بين الأفراد، مشيراً إلى أن “غياب التثقيف يجعل حياة مجتمعات الميم مهددة بشكل دائم”.

استهدافات أخرى

لم يقتصر استهداف مجتمع الميم على عناصر من جيش المهدي، فقد كشف تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عام 2018، أن مجموعة “عصائب أهل الحق” وهي الجناح المسلح لكتلة “صادقون” النيابية، أعدّت قائمة اغتيالات بحق أفراد من مجتمع الميم، ونفذت فعلياً حكم الإعدام ببعضهم. يشبّه التقرير هذه الممارسات بما يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المناطق التي سيطر عليها ضد العابرين والعابرات والمثليين. 

وبحسب تقديرات منظمة “عراق كوير” فإن عدد القتلى عام 2017 بلغ 220 فرداً من مجتمع الميم، وجميع هذه الجرائم “لم تتم محاسبة مرتكبيها أو حتى اتخاذ خطوات لمقاضاتهم”.

في العام نفسه، انتشر مقطع فيديو مصور عِبر صفحات السوشيال ميديا يظهر رجلاً يمارس الجنس مع رجل آخر، وعلى رغم الاعتذار الذي قدمه الرجل وقوله إنه فعل ما فعله “تحت تأثير التخدير”، لكنه تعرض للقتل على يد ابنه “غسلاً للعار”. ونشر الابن فيديو لاستقبال أعدته له عشيرته بعد الجريمة. 

يقول المدون والعابر جنسياً همام العراقي: “يمكن ان يستهدف أفراد مجتمع الميم من قبل ذويهم لغسل العار، عادة ما تتم الجرائم عند حصول ما يسمونه الفضيحة المجتمعية”.

تعدّ مناطق وسط العراق من أكثر الأماكن خطراً على مجتمع الميم، بحسب “عراق كوير”، حيث بلغت نسبة خطورتها 54 في المئة، يليها إقليم كردستان بـ 29 في المئة، بينما مدن جنوب العراق مثلت 17 في المئة فقط.

يعلق العراقي على تفاوت النسب، “معظم الاعتداءات في الجنوب لا يتم التبليغ عنها لأن مرتكبيها هم الاهل والأقارب”، وهؤلاء يحاولون الاستفادة من قانون تخفيف الأحكام عن الجرائم التي ترتكب بداعي “الشرف”. لكن المحامي محمد جمعة يؤكد أن “قانون تخفيف الاحكام” لا يشمل الأشخاص الذين يقتلون أبناءهم لأنهم من مجتمع الميم، لأن القانون المذكور “خاص بالضحايا النساء ولا يمكن أن يخفف إذا كان الضحية ذكراً”، مشيراً إلى أن القانون العراقي يعاقب على عقوبة القتل العمد بمدة عشر سنوات وتصل الى حد الإعدام، و”الأمر يعود إلى تقدير القاضي”. ويكشف جمعة أن المحاكم تشهد عشرات القضايا المتعلقة بأشخاص عابرين جنسياً، يتم إلقاء القبض عليهم بملابس نسائية، ويمضون فترات تصل لأشهر بالتوقيف حتى يصلوا إلى المحكمة التي قد تبرئهم. وهذا يعود إلى قلة ثقافة رجال الأمن ومعرفتهم بمجتمع الميم، وأيضاً إلى الإرباك الذي يسببه حصول حالات هروب عناصر “داعش” وهم يرتدون أزياء نسائية.

انقطاع عن التعليم

يجبر معظم افراد مجتمع الميم على ترك الدراسة في وقت مبكر بسبب حالات التنمر والتحرش التي يتعرضون لها. انعدام التثقيف الجنسي في المدارس، يجعل منهم “محط سخرية” لاقرانهم في الدراسة او الشارع فالصورة النمطية التي يحملها المجتمع تجاه العابرين جنسيا لا يمكن تغييرها، تقول فرح التي أمضت سنوات مراهقتها بلا أصدقاء “الجميع كان يمنع ابنه من ان يكون صديقي.. شعرت دائما اني كائن غير مرغوب فيه”.

واجه عمر المشكلة ذاتها في مدرسة البنات التي كان يدرس فيها واضطر لتركها في مرحلة مبكرة: “كنت أشعر بأنني غريب بين مجتمع الفتيات ، وأخشى أن انجذب اليهن.. أنا بداخلي رجل وكان علي كل يوم أن امثل دوري الأنثوي وهذا الأمر أرهقني”.

“العبور الجنسي ليس مرضاً”

ترى الطبيبة النفسية تقى محمد، أن عدم وجود دعم من المجتمع، ومن عائلة أفراد مجتمع الميم، والحياة المزدوجة التي يعيشونها تدفعهم الى العزلة عن الجميع “عمر كان يشعر بأنه منبوذ اجتماعياً ولا أحد يفهمه في محيطه ويستمع اليه، وانعزاله أمر خطير، فحين يصل الإنسان إلى تلك المرحلة يحتاج إلى تدخل مختصين”.

ويقول مدير منظمة “ألوان” هازان كاريسي، ان جنس الأشخاص يُحدد بناءً على مجموعة الصفات البيولوجية التي يحملونها عند الولادة، متجاهلين الإحساس الداخلي للأشخاص “فقد يولد الأشخاص ذكوراً لكنهم يشعرون بانهم فتيات والعكس، فهم لا يشعرون بالراحة مع أجسادهم”.

ولا تُعد “منظمة الصحة العالمية” العبور الجنسي مرضاً، بل ترى أنه “حالة طبيعية تمر بمراحل مختلفة حتى يصل الشخص الى توافق بين جنسه البيولوجي ونوعه الاجتماعي”. 

من الأشخاص الخمسة العابرين جنسياً الذين تواصل معهم معد التقرير، هناك شخص واحد أكمل تعليمه الجامعي بينما الآخرون تركوا الدراسة في أعمار متفاوتة، وكان السبب المشترك بين جميع الحالات هو “التنمر من قبل الأقران، وشعورهم بالإرهاق من وجودهم في اجساد وأماكن لا تمثلهم وأنهم يعيشون مع حالتي الذكورة والأنوثة في آن واحد”.

لا يتوقف الأمر عند اضطرارهم الى ترك الدراسة، فقد فُصل ستة طلاب من جامعات عراقية حكومية واهلية للعام الدراسي 2017-2018 بسبب الاشتباه بأنهم من مجتمع الميم، وتوزعت الحالات بين أربعة في بغداد وواحدة بكركوك وأخرى في النجف، بحسب منظمة “ألوان”. ويرجح مدير المنظمة أن يكون عدد الذين يتعرضون للفصل أكبر، لكن خوفهم من الإبلاغ أو عدم معرفتهم بوجود منظمات تدعمهم يجعلهم لا يبلغون عن أوضاعهم.

إقرأوا أيضاً:

العبور الصعب

“محمد” (26 سنة) الذي تحول قبل أكثر من 3 أعوام الى “سناء” بعد عملية عبور جنسي أجراها في ايران بدون علم والده، ما زال يعيش مستخدماً هوية محمد حتى داخل عائلته.

خلال فترة إعداد التقرير، اختفت سناء لأكثر من أسبوعين عن منصات السوشيال ميديا، قبل ان تعود وتكتفي بكتابة جملة واحدة “لا أستطيع الحراك. لقد استسلمت حالي كحال الآلاف من العابرين جنسياً”.

تعيش سناء اليوم بمظهر مختلف عن هويتها الجندرية أو البيولوجية، وتخشى قول الحقيقة لوالدها: “لا اعرف ماذا افعل، هو يقوم بتعنيفي دائماً ويضربني لأنني لست كبقية الفتية”. تسكت قليلاً ثم تتابع بصوت خافت ومتقطع “ماذا سيفعل بي لو عرف اني تحولت إلى أنثى كاملة؟”.

ولا تعرف سناء مصيرها القانوني بعدما أجرت عملية العبور بدون اخطار السلطات العراقية أو العرض على اللجنة الطبية، “أخشى أن حقي بالحصول على أوراق ثبوتية جديدة قد تبدد، وأنا خائفة من أن يعرف أبي الحقيقة عندما أقوم بتغيير اوراقي”.

لا توجد سوى تعليمات بسيطة لوزارة الصحة صدرت عام 2002 تحت عنوان تصحيح الجنس ونصت على عرض الشخص الذي يرغب بتصحيح جنسه على لجان طبية قبل إجراء العملية. واشترطت “إثبات أن الشخص يعاني من اضطراب الهوية الجنسية لإخضاعه لعملية العبور”. يؤكد محامون تلك التعليمات، العبور الجنسي في العراق “يكون للضرورة الطبية وفي هذه الحالة سيعترف القانون بالعابر ويغير أوراقه الثبوتية وإذا كان العبور لغير الضرورة الطبية فسيفقد العابر كل حقوقه القانونية”.

منظمة “ألوان” ترى أن التعليمات التي صدرت عام 2002 تشوبها “الضبابية” وتُعامل العبور الجنسي “كمرض” وهذا مخالف لما جاء في توصيات منظمة الصحة العالمية التي تعتبر العبور “حالة طبيعية”.

رصد معد التقرير، حالة عبور من ذكر إلى انثى، تبنتها وزارة الداخلية عام 2018. ووصف مستشار وزير الداخلية حالة الشخص “بالضحية لحالة بيولوجية وعلينا تحقيق رغباته”. في حين علق ضابط في دائرة الجنسية ” لا يوجد ما يمنع من تغيير الجنس، إلا أن الأمر يجب أن يتم بموافقة الجهات العليا”.

وفق خبراء قانونيين فإن تغيير الجنس يجب ان تسبقه موافقات قانونية من الجهات المسؤولة . ويصف طارق حرب، عودة الأشخاص الذين يجرون عمليات تصحيح للجنس خارج العراق وبدون اخطار السلطات “بالمستحيلة” نتيجة لتغير شكلهم الخارجي، وإذا استطاعوا العودة فسيواجهون “تعقيدات قانونية كثيرة”.

كثر من العابرين جنسيا عند عودتهم إلى العراق يعيشون “في سجن داخل منزلهم” بحسب عمر الذي لم يخرج من مدينته منذ أكثر من عامين لاختلاف شكله الخارجي عن صورته في بطاقة الهوية، في وقت تمنعه أوضاعه المالية السيئة من اكمال عملية زراعة القضيب، ليستطيع تغيير هويته قانوناً، ويصبح “حراً من جديد” على حد وصفه. المشكلة ذاتها تواجهها ياسمين التي لم تجر أي عملية، وهي الأخرى تعيش في بيت لا تستطيع الخروج منه إلا نادراً، لخوفها من تعقبها وتكرار الاعتداء عليها.

من مجموع خمسة أشخاص التقى بهم معد التقرير، أكمل شخص واحد عملية عبوره الجنسي من دون إخطار السلطات، وشخص آخر ما زال يحتاج لعملية واحدة، بينما لم يخضع ثلاثة منهم لأي عملية.

“علاج تحويلي”

يخضع معظم أفراد مجتمع الميم لـ”علاج” نفسي إجباري من قبل ذويهم لأجل “إعادتهم لحالتهم الطبيعية” بحسب اعتقادات يؤمنون بها. لكن هذا “العلاج” يؤثّر سلباً في صحتهم، وتصنفه لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب “بممارسات قد تصل لحد التعذيب”، وتصفه بـ”المهين وغير الإنساني”، فيما تشدد الرابطة الأميركية للطب النفسي على العاملين الصحيين “الامتناع عن محاولات تغيير التوجه الجنسي للأفراد”.

ورصدت منظمة “ألوان” نحو 48 حالة من مجتمع الميم تعرضوا للعلاج التحويلي بين عامي 2018 و2020، مبينة أن أفراداً “خضعوا لهذا العلاج صعقاً بالكهرباء او بطرائق أخرى قد تؤثر في حياتهم وسلامتهم الشخصية”. وهذا ما حدث مع همام العراقي، الذي أخضع لهذا “العلاج” من دون معرفة مسبقة، بعدما أعطاه طبيبه هرمونات أنثوية، ما أصابه بتشنجات وآلام شديدة على حد وصفه، ليدخل بعد تركها مرحلة من الاكتئاب. وهذا ما واجهته ياسمين، أيضاً في سنواتها الأولى من اكتشاف نفسها وقبل وفاة والديها، إذ أخضعاها للعلاج بهرمون ذكوري وجلسات نفسية و”كنت أشعر بأنني تائهة وكثيراً ما فكرت بإنهاء حياتي”.

ياسمين تنتظر اليوم إكمال أوراق هجرتها إلى أحد البلدان الأوروبية، لتبدأ حياة جديدة تشعر فيها بأنها إنسان: “منذ 20 عاماً أشعر بالخوف والألم والظلم، ولطالما تمنيت الموت بسبب ما أعانيه”. تصمت لبرهة ثم تكمل بابتسامة خفيفة “سأهاجر لأعيش كياسمين فقط، فالعيش بشخصيتين مؤلم جداً… أكثر من الضرب!”.

أنجز التقرير ضمن مشروع “أنترنيوز” للكتابة عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر).

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.