fbpx

أرغب في تذكيركم بالإبادة الجماعية للأرمن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أعرف أن هذا سيحدث ثانيةً. بل بالفعل اُرتكبت الجريمة نفسها بحقي عندما عاد الجيش التركي، بِجنرالاته وطائراته المقاتلة لمهاجمة الأرمن في إقليم “كاراباخ”. بعد قرنٍ من الإبادة عاد المجرمون لقتل الضحايا ثانيةً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ها هو يوم 24 أبريل/نيسان يحل علينا مرة أخرى، لهذا أود تذكيركم بمذابح الأرمن.

لن أروي لكم تاريخ الإبادة الجماعية للأرمن التي أتوقع أنكم تعرفونها بالفعل. ربما حتى قرأتم كتاباً أو على الأقل طالعتم مقالةً أو اثنتين حول تلك الإبادة الجماعية التي وقعت قبل 106 سنوات. ولن أحكي لكم أيضاً قصصاً من تلك المذابح لأنكم على الأرجح شاهدتم بالفعل صوراً من “مسيرات موت”: عندما أُرغم شعب بأكمله على النزوح إلى الصحراء السورية في صيف عام 1915 – تحت غطاء الحرب العُظمى (الحرب العالمية الأولى) – ليهلك كثير منهم بفعل حرارة الطقس أو جوعاً أو عطشاً أو حتى ذبحاً. 

اذا كنت لا تكترث بأول جريمة إبادة جماعية في التاريخ المعاصر والتي حدثت قبل أكثر من قرنٍ، فإن السبب في ذلك لا يرجع إلى جهلك بها. بل لأنك ببساطة غير مهتم. لأنك لم تشعر بالألم. لأنك اطلعت على آلام الآخرين من بعيد، وكل ما شعرت به هو الضجر.

أريد تذكيركم بإبادة الأرمن، ودعوني أؤكد لكم أنني لن أطلب منكم أيّ شيء.

لن أطلب منكم أيّ معروف. وعلى أيّة حال، لن يساعدني معروفكم بشيء. 

ولن أطالبك بتحقيق العدالة، لأنني أعرف أن عدالتكم تعجز عن مواجهة جريمة كالإبادة الجماعية: جريمة الجرائم.  كيف يمكن للعدالة الإنسانية أن تتصدى لجريمة اجتثاث الملايين من أرضهم، وسرقة كنائسهم ومدارسهم وبيوتهم وحدائقهم بل وحتى مقابرهم؟ أيّ عدالة تلك التي يمكنها إنصاف شعب تعرض كافة أعيانه ومثقفيه للقتل بوحشية، وقُتل الذكور البالغون جماعياً، وتعرضت مئات الآلاف من نسائه للاختطاف والاغتصاب، وأُجبر مئات الآلاف من أطفاله اليتامى على اعتناق دين غير دينهم والتحدث بلغة غير لغتهم وتمثيل هوية غير هويتهم؟ ما هو عدد الصفحات التي يتعين عليك كتابتها من أجل دعوتك القضائية؟ وما هو عدد المحامين الذين تحتاجهم للدفاع عن الضحايا؟

هل لا تزال هناك عدالة إنسانية أصلاً بعد ارتكاب جُرمٍ كالإبادة الجماعية؟ عدالتكم باتت عاجزة.

لن أُطالبكم حتى بإقرار الحقيقة التاريخية لحدثٍ سابق. لأنه إذا عجزت الإنسانية برمّتها عن الاعتراف بحدثٍ ضخمٍ كإبادة حضارة بأكملها على مدار قرنٍ، فما قيمة اعترافكم المتأخر؟

أطالبكم باعترافٍ؟ وما الغاية من ذلك؟

لن أردد حتى العبارة الجوفاء: “لن يحدث هذا مجدداً!”

إلى أطفال ضحايا حروب الإبادة الجديدة، من سوريا إلى وسط أفريقيا، ومن ميانمار إلى جبل سنجار، كل ما يسعني قوله لكم هو إنه لا خيار أمامكم سوى الكفاح، لا خيار أمامكم سوى الصراخ في وجه الإنسانية اللا مبالية. ستكون معركتكم طويلة وسوف يتعين عليكم خوضها بمفردكم

أعرف أن هذا سيحدث ثانيةً. بل بالفعل اُرتكبت الجريمة نفسها بحقي عندما عاد الجيش التركي، بِجنرالاته وطائراته المقاتلة “بيرقدار تي بي 2” و”إف 16″، لمهاجمة الأرمن في إقليم “كاراباخ”. بعد قرنٍ من الإبادة عاد المجرمون لقتل الضحايا ثانيةً. وقد فعلوا ذلك مع إفلات كامل من العقاب. “اعتراف” الأمم المتحضرة بحدوث الإبادة الجماعية لم يَحول دون مهاجمة الضحايا ثانيةً، على يد الجناة أنفسهم.

سيحدث هذا مجدداً. عرفت هذا بينما أشاهد “الحديقة” التي افتتحت مؤخراً في باكو، والتي تعرض مجسمات وتماثيل من الشمع لِجنود أرمن وهم مقيدون بالسلاسل، وجنود يحتضرون، وتماثيل مسيئة تظهرهم “بأنوفٍ معقوفة ورؤوس مسطحة”. ربما يصطحب الآباء أبنائهم بعد ظهيرة أيام الأحد إلى حديقة الرعب الترفيهية تلك ليمارسوا لعبة “كيف تقتل الأرمن”. يحدث هذا في وقتنا الحالي، وليس في زمن “النازية”.

سيحدث هذا مجدداً. وعندما يحدث ذلك سيكون”أوصياء الأخلاق” في عصرنا، مِن البيروقراطيون الدوليون ومَن نصّبوا أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان، منشغلين بكتابة تقارير تملؤها شهادات واقتباسات من قبيل: “قال فلان، وقالت فلانة”. 

إقرأوا أيضاً:

إلى أطفال ضحايا حروب الإبادة الجديدة، من سوريا إلى وسط أفريقيا، ومن ميانمار إلى جبل سنجار، كل ما يسعني قوله لكم هو إنه لا خيار أمامكم سوى الكفاح، لا خيار أمامكم سوى الصراخ في وجه الإنسانية اللا مبالية. ستكون معركتكم طويلة وسوف يتعين عليكم خوضها بمفردكم، لكن لا خيار آخر لديكم.

أنا أيضاً لا أذكركم بالإبادة الجماعية للأرمن من أجل التظاهر بأيّ “سمو أخلاقي” في عالمٍ لا يكترث أحد فيه بالأخلاق. والفلسطينيون هم خير مثال على ذلك. إذ تواصل إسرائيل، الدولة التي تأسست في معظمها من قبل الناجين من الهولوكوست، احتلال شعب آخر. لا تعترف إسرائيل – الدولة – “بالهولوكوست الأرمني الذي سبق الهولوكوست اليهودي”، وتُنكر حدوث إبادة جماعية للأرمن. لم تحجم إسرائيل عن إرسال أطنان من أسلحتها المتطورة خلال الحرب في كاراباخ لقتل المجندين الأرمن الشباب. جدير بالذكر أن إسرائيل عرضت أيضاً تقديم مساعدات إنسانية لأرمينيا. 

لا محل للسمو الأخلاقي بعد أن رأيت مدينة “آغدام” التي تحولت إلى أطلال. 

إذا كنت لا تكترث بأول جريمة إبادة جماعية في التاريخ المعاصر والتي حدثت قبل أكثر من قرنٍ، فإن السبب في ذلك لا يرجع إلى جهلك بها. بل لأنك ببساطة غير مهتم. لأنك لم تشعر بالألم. لأنك اطلعت على آلام الآخرين من بعيد، وكل ما شعرت به هو الضجر.

واليوم، كل ما أريده هو تذكيرك بالإبادة الجماعية التي حدثت قبل أكثر من قرن. 

جئت إليكم برسالة، لا أكثر
لأنني أعرف
إن حدث هذا لي، فربما يحدث لك أيضاً
عندها؛ ستشعر بألمي

إقرأوا أيضاً: