fbpx

جمهورية الكبتاغون القوية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السعودية أقدمت على عقاب جماعي! نعم هي فعلت ذلك، لكن موبقة النظام اللبناني أكبر بكثير، فهو أرسل شحنة الكبتاغون إلى السعوديين. المعادلة هنا هي أن السعودية “تكره” لبنان فأوقفت استيراد مزروعاته، لكن في مقابل ذلك، لبنان “يكره” السعودية فأرسل لها كبتاغون، فأي من الخصمين أكثر ظلماً وخبثاً؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نعم، ما أقدمت عليه السعودية لجهة وقف استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية هو عقاب جماعي، وهو امتداد لسياسة عقابية كان انتهجها العهد الجديد في المملكة لم يميز فيها بين اللبنانيين وبين خصومه من بينهم، وهي امتدت لتشمل أقرب الأطراف اللبنانيين إلى السعودية ومن بينهم سعد رفيق الحريري.

لكن هذا المعطى الثابت والذي لا يختلف لبنانيان حوله يجب أن لا يحول دون حقائق أخرى أكثر ثقلاً، كان آخرها شحنة الكبتاغون الهائلة القادمة إلى المملكة من لبنان. فهذه الشحنة ليست حدثاً منفصلاً عن طبيعة النظام السياسي الذي تستهدفنا عبره الرغبة العقابية السعودية. فلبنان صار جزءاً رئيساً من مشهد الكبتاغون في العالم. وهذه الوظيفة التي يؤديها لبنان، مرعية ومحمية من نظام جعل من الكبتاغون اقتصاداً يلتف عبره على العقوبات الزاحفة إلينا من كل حدب وصوب. ولعل عبارة الشيخ صادق النابلسي الأخيرة، وهو المقرب من الحزب الحاكم، أي حزب الله، تعبر صراحة ومن دون مواربة، عن طبيعة هذا النظام. قال الشيخ أن تهريب السلع عبر الحدود هو جزء من “العمل المقاوم”، ذاك أنه يهدف بحسب الشيخ إلى كسر الحصار!

وفق هذه المعادلة، الكبتاغون أيضاً جزء من “العمل المقاوم”، ذاك أنه محاولة للالتفاف على العقوبات! أما الفضائح المدوية التي لحقت بسمعة لبنان من جرائه، بدءاً من الباخرة الإيطالية في العام الفائت ومروراً بالباخرة في المرفأ اليوناني قبل نحو أسبوع، ووصولاً إلى ما ضبطته قبل أيام السلطات السعودية، فهذه لن تفوق فضائح الإفلاس والسطو على ودائع الناس ولن تفوق فضيحة أكبر انفجار غير نووي في التاريخ الحديث، والذي أصاب العاصمة ودمر نحو ثلثها!

كيف يفنى بلد؟ هي تجربة غير مسبوقة حتى نستطيع أن نقيس عليها! البلاد تنتهي عندما تُحْتَل مثلاً، أو عندما تتقسم أو عندما تلتهمها حرب كبيرة، وكل هذه الاحتمالات لا تلوح حتى الآن. إذا ما هو شكل نهايتنا؟ الكبتاغون يصلح لأن يكون نهاية.

الأرجح أن النظام يسابق نفسه، فبعد إنجازه أكبر انفجار في العالم، ها هو يحقق سبقاً آخر هو أكبر شحنة كبتاغون في العالم! وهو عثر على إجابة لضائقة العقوبات. السعودية أقدمت على عقاب جماعي! نعم هي فعلت ذلك، لكن موبقة النظام اللبناني أكبر بكثير، فهو أرسل شحنة الكبتاغون إلى السعوديين. المعادلة هنا هي أن السعودية “تكره” لبنان فأوقفت استيراد مزروعاته، لكن في مقابل ذلك، لبنان “يكره” السعودية فأرسل لها كبتاغون، فأي من الخصمين أكثر ظلماً وخبثاً؟

نعم وراء ظاهرة الكبتاغون نظام سياسي يرعاه. اللبنانيون يعرفون خريطة المصانع التي تنتجه، ويعرفون الطرق التي يسلكها المهربون، لا بل أن الأخيرون كشفوا عن وجوههم لوسائل الإعلام، وجاهروا بحبهم لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وباحترامهم لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وهم قد يعتبون على الرجلين بين حين وآخر، إلا أن طريق الأجهزة الأمنية إليهم وعرة، وتحدها خطوط المواجهة مع العدو، وشروط كسر العقوبات الجائرة.

لبنان اليوم في هذا الموقع، أي في موقع مواجهة العالم. عقوبات أميركية، ويأس أوروبي وتخلٍ عربي شبه كامل. هذا الموقع فرضته حقيقة أننا نعيش في ظل سلطة حزب الله وفي ظل رئيس جمهورية غير مستعد للذهاب خطوة واحدة أبعد عن الحزب وعن مستقبل صهره السياسي. وفي كل مرة نقول إننا بلغنا ذروة السوء ليأتي ما هو أسوأ. الكبتاغون هو آخر هذه الذروات، وهو تنويع غير تقليدي على أنماط الفساد التي صارت جوهر الهوية اللبنانية في زمن ميشال عون. فاللبنانية تعني اليوم انفجار المرفأ وتعني السطو على ودائع الناس وتعني الكبتاغون. لكن ثمة مضمون آخر للبنانية أيضاً، فهي تعني بين ما تعنيه أن ثمة ملايين من الناس هم ضحايا مركبات هذه الهوية.  

يصلح الكبتاغون لأن يكون نهاية. انها النهاية. نهاية السياسة ونهاية الاقتصاد ونهاية الأمن ونهاية الأخلاق. لا شيئ يمكن أن نصف به ما يجري إلا عبارة “النهاية”. وما يلي النهاية ليس سوى المجاعة. لبنان باشر بمجاعته. هذه ليست استعارة للعبارة، وليست تشبيهاً، إنها ما يجري فعلاً في الشوارع والبيوت. خطوات قليلة في شارع الحمرا أو في بدارو تأخذك إلى أهل المجاعة وإلى وجوهها. إنهم مجرد لبنانيين عاديين ممن يمكن أن تصادفهم في مكاتب الشركات، أو نُدلاً في المقاهي، أو زملاء دراسة أو عمل!

والنهاية هي أيضاً ان لا نجد من نواجهه، أو من نرفع أصواتنا في وجهه، ذاك أننا في مواجهة مجاعة، وكيف للمرء أن يرفع صوته في وجه الجوع، وهل الجوع يمكن تجسيده حتى نرفع صوتنا في وجهه، ألم يسبق أن تحسر علي بن أبي طالب على أن يتجسد له الجوع برجل لكي يقتله، لكن الجوع لم يفعل. من هو الجوع؟ هل هو جبران باسيل؟ هل هو حسن نصرالله أم ميشال عون؟ من هم هؤلاء أصلاً، وإلى أين ندير وجوهنا إذا ما أردنا أن نرفع أصواتنا في وجوههم؟

ونحن اذ نعيش ما نحن فيه شرعنا نقول: لكن كيف تكون النهاية؟ كيف يفنى بلد؟ هي تجربة غير مسبوقة حتى نستطيع أن نقيس عليها! البلاد تنتهي عندما تُحْتَل مثلاً، أو عندما تتقسم أو عندما تلتهمها حرب كبيرة، وكل هذه الاحتمالات لا تلوح حتى الآن. إذا ما هو شكل نهايتنا؟ الكبتاغون يصلح لأن يكون نهاية.

نعم وراء ظاهرة الكبتاغون نظام سياسي يرعاه. اللبنانيون يعرفون خريطة المصانع التي تنتجه، ويعرفون الطرق التي يسلكها المهربون، لا بل أن الأخيرون كشفوا عن وجوههم لوسائل الإعلام، وجاهروا بحبهم لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وباحترامهم لرئيس مجلس النواب نبيه بري

 صديقنا عباس بيضون يقول أن النهاية هي المجاعة التي يعقبها تحلل وبعده يأتي الموت. 

لكن ما لا شك فيه هو أنها النهاية. هذه حقيقة لا يمكن أن تدحض. كل المؤشرات تأخذنا إليها. هل سبق أن شهد بلد لا يعيش على مشارف نهاية وشيكة ظاهرة القاضية غادة عون مصحوبة بمناصرين تجوب الشوارع وتحاول كسر أبواب محال الصرافين الفاسدين؟ هذا مشهد من مشاهد النهاية، تماماً كما مشهد المواطن المستعطي في الحمرا وفي بدارو، ومشهد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وهو ينتقد رئيس الجمهورية في الفاتيكان، ونائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي وهو ينشق عن العونيين ويدعو قائد الجيش للإطاحة بميشال عون واستلام السلطة. 

الكبتاغون، قد يكون أيضاً بداية تعقب هذه النهاية. أن نصير بقعة في هذا العالم لا قدرة للعالم على معاقبتها كونها منفصلة عنه، ولا تتصل به إلا عبر محاولاتها شحن الكبتاغون إليه. وهو اذ يقاومها، لا يقوى سوى على رد الشحنات اذا ضبطها.

النهاية هي المصير المحتوم لبلد داخل بلد. للبنان داخل دولة حزب الله. فكيف يستقيم اقتصاد والحال هذه؟ وكيف تستقيم سياسة إذا ما كانت البندقية مسددة إلى رؤوس السياسيين والمواطنين؟ وكيف تستقيم علاقات مع دول غير عدوة؟

لبنان اليوم بلد بلا سياسة وبلا اقتصاد وبلا سيادة، فما هي النهاية غير هذه الشروط. لبنان بلد بلا بلد. لبنان جمهورية كبتاغون. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!