fbpx

ميشال عون يعرض على العراق خبرته في التهرّب من المسؤولية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حين يبرق رئيس الجمهورية اللبنانية معزّياً بحريق مستشفى “ابن الخطيب”، عارضاً وضع “أمكانيات لبنان” في تصرف الدولة العراقية، فكأنما يحاول الرئيس اللبناني ان يقول للسلطة العراقية: “أنا هنا، اذا اردتم الاستفادة من خبرتي في التهرب من المسؤولية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أبرق رئيس الجمهورية اللبناني إلى نظيره العراقي معزّياً بضحايا “الحادث المأسوي” الذي وقع في مستشفى “ابن الخطيب” في بغداد. ووضع ميشال عون، قدرات لبنان الطبية لمعالجة جرحى الحريق. خطوة “نبيلة” من رئيس دولة تجاه دولة شقيقة لم تقصّر في تقديم يد العون للبنان حين انفجر مرفأ بيروت وتشظّت المدينة بفعل الحريق الذي اتى على كميات من نيترات الأمونيوم المخزّنة في احد العنابر. يعامل الرئيس اللبناني العراق بالمثل. يردّ الجميل في الوقت المناسب. ويضع بتصرف السلطات العراقية “الامكانيات اللبنانية” المتاحة للمساعدة في تخطي الكارثة التي حلّت بالمستشفى وبالقطاع الطبي في بغداد الذي يواجه الأمرّين بسبب تفشي وباء كورونا. يعرف الرئيس اللبناني ان “الحال من بعضه” بين العراق ولبنان. والحادثة التي وقعت في بغداد تذكّر بنكبة بيروت بعد انفجار مرفئها في آب من العام الماضي. لا مناص من المقارنة. فالانفجاران وقعا بفعل الاهمال والفساد. والانفجاران سببهما المباشر السلطتان اللبنانية والعراقية. والانفجاران وضعا السلطتين أمام امتحان المحاسبة.

في العراق غضب الناس من السلطة بعد حريق المستشفى. لم ينتظروا تحقيقاً ولا محققاً قضائياً ليقول لهم إلى من يوجهون أصابع الاتهام. تماماً كما حدث في لبنان: “دولتي فعلت هذا”. كتبها الناس على جدار مقابل للمرفأ. وفي العراق قالها العراقيون: “أقيلوا وزير الصحة”. سارع العراقيون إلى تحميل الوزير، ومعه مدير عام الوزارة والمحافظ، مسؤولية الإنفجار في المستشفى لأنهم يعلمون حجم الفساد المتفشّي في القطاع الصحي. ويعلمون، من دون تحقيق، ان المستشفى الذي انفجر متروك بلا رقابة ولا صيانة ولا معايير سلامة عامة، كما حال معظم المنشآت الصحية في العراق. لم ينتظروا اي تحقيق. ولم تتنظر السلطة ايضاً اي تحقيق. سارعت لاستيعاب غضب الناس، وسحبت يد وزير الصحة ومعها يد محافظ بغداد ومدير صحة الرصافة واحالتهم جميعاً إلى التحقيق. القرار جاء من رئاسة الحكومة بعد اقل من 24 ساعة على وقوع الحريق.

حتى في الأردن، بعد وقوع حادثة مستشفى السلط، وفقدان ثمانية مرضى حياتهم بسبب انقطاع الاوكسيجين، قدّم وزير الصحة استقالته بعدما أمر الملك الأردني بذلك، وطرح مجلس النواب الثقة بالحكومة، وهزّت الجريمة البلاد، ولم تمرّ مرور الكرام.

في بيروت بعد 24 ساعة من الانفجار كان رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب يعِد بانهاء التحقيقات في التفجير خلال خمسة ايام وتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة. مرّت حتى اليوم اكثر من ثمانية اشهر على التفجير ولم يعزل مسؤول واحد من منصبه. حتى اولئك الذين اوقفهم القضاء على ذمة التحقيق، كمدير عام الجمارك بدري ضاهر، رفض رئيس الجمهورية ميشال عون توقيع مرسوم اعفائه من مهامه، لانه محسوب سياسياً على فريق رئيس الجمهورية ومحمي من صهر الرئيس جبران باسيل. في اسقاط على الحالة العراقية، لم تسحب يد اي من المسؤولين المباشرين عن تفجير مرفأ بيروت، حتى الآن. لا وزير ولا مدير ولا محافظ. بل اقتصر الأمر على استقالة قدمها رئيس الحكومة حسان دياب، محملاً الطبقة السياسية (التي أتت به رئيساً ووزيراً للتربية قبل ذلك) سبب كل المصائب في لبنان وانها “أنتجت فسادا ومصائب كبيرة، وفسادهم أنتج هذه المصيبة المخبئة منذ سبع سنوات”، على حد تعبيره، ليستمر مع الاستقالة بـ”تصريف الأعمال”، مع باقي الوزراء، على الطريقة اللبنانية.

في الحالة العراقية، الكارثة أصابت بشكل مباشر قطاعاً واحداً، هو الصحة، مع حريق المستشفى الذي تعتمد عليه بغداد بشكل كبير في مكافحة فايروس كورونا. أكثر من ثمانين قتيلاً في حريق لم تعمل معه اجهزة اطفاء الحريق في المستشفى الذي تبين انها معطّلة منذ العام 2015. والحريق وقع، كما يبدو، بسبب استخدام احد اهالي المرضى جهازاً للطهي داخل احدى الغرف، حيث سمح له بادخاله بسبب غياب اي معايير واي رقابة. وهذا تتحمل مسؤوليته بوضوح وزارة الصحة المشرفة والوصية على المستشفيات. والمسؤولة عن متابعة تطبيق معايير صارمة في هذه الصروح التي يقع على عاتقها أمن المواطنين الصحيّ. صحيح ان الفساد ينخر ايضاً مواضع مختلفة في بغداد غير القطاع الصحي. وكما هي الحال في لبنان، تطغى سلطة الميليشيات والمافيات، على سلطة الدولة، وتتدخل في عملها. لكن ردّ الفعل البديهي والطبيعي على حريق مستشفى بهذا الحجم هو محاسبة وزير الصحة والمحافظ ومدير عام وزارة الصحة في الحد الأدنى. هذا أضعف الإيمان. وهو ما حصل في العراق ولم يحصل في لبنان. البعض ربما يطالب رئيس الوزراء العراقي بالاستقالة أيضاً. وقد يكون مطلباً محقاً في قضية مماثلة. لكن، حتى اضعف الإيمان، لم يحدث في لبنان. لم تتحرك السلطة اللبنانية في كارثة، متعددة الأوجه، للمحاسبة.

انا هنا لاعلّمكم كيف تمنعون المحاسبة عن اي مسؤول، وكيف تخرجون من” المأزق بالكلام والخطابات وافتعال الازمات الطائفية”.

انفجار المرفأ لم يمس قطاعاً لبنانياً واحداً. كان شيئاً أشبه بـ”تكاتف” لـ”جهود” الفساد في قطاعات مختلفة. طال التفجير جميع مفاصل الدولة المهترئة: الأمن والجيش والجمارك والاقتصاد والتجارة والأشغال العامة والنقل وادارة المرفأ والقطاع الصحي ومحافظة بيروت وبلدية بيروت. كلها مفاصل طالها الانفجار، وكلها ايضاً، بالفساد والاهمال والتواطؤ، كانت سبباً في حدوثه. طال الدمار المدينة بأسرها. سقط قتلى وجرحى. تدمّرت مستشفيات كانت تعمل على مكافحة فايروس كورونا. تدمّر المرفأ عن بكرة أبيه مع ما يتركه ذلك من أثر كارثي على الاقتصاد اللبناني. كشف الانفجار تحلّل جميع أساسات النظام اللبناني القائم على الفساد والهدر والاهمال واللامسؤولية. ومع ذلك، جرى تسويف جميع محاولات المحاسبة. وتكاتف النظام، بكل مكوّناته، لمنع الوصول إلى حقيقة ما حدث فعلاً، عبر إحالة القضية برمّتها إلى القضاء والقدر، ووضع خطوط حمراء طائفية تمنع حتى مساءلة المسؤولين الكبار، وكنس الزجاج ومحو “دولتي فعلت ذلك”، واغلاق الملف، و”يا دار ما دخلك شر”.

حين يبرق رئيس الجمهورية اللبنانية معزّياً بحريق مستشفى “ابن الخطيب”، عارضاً وضع “أمكانيات لبنان” في تصرف الدولة العراقية، فكأنما يحاول الرئيس اللبناني ان يقول للسلطة العراقية: “أنا هنا، اذا اردتم الاستفادة من خبرتي في التهرب من المسؤولية. انا هنا لاعلّمكم كيف تمنعون المحاسبة عن اي مسؤول، وكيف تخرجون من المأزق بالكلام والخطابات وافتعال الازمات الطائفية”. لو ان الحريق وقع في مستشفى لبناني، كان الرئيس ليتأسف على الهواء مباشرة ويعرب عن حزنه، في خطاب موجه للبنانيين، ويعدهم، على عادته، بالمحاسبة. سيقول كلاماً معدّاً مسبقاً، ومنمّقاً، وممنتجاً وركيكاً عن ضرورة مكافحة الفساد والتغيير والاصلاح. وكان وزير الصحة اللبناني ليسرح ويمرح(ويدبك) من دون اي حساب أو مساءلة. وسيتكفل “القضاء والقدر” في تبنّي موت اللبنانيين وأخذه على عاتقه، وينهي الرئيس خطابه بـ”عشتم وعاش لبنان”، والقصد طبعاً: “متّتم ومات لبنان!”.

هذه زبدة “التجربة اللبنانية” في قضية تفجير مرفأ بيروت، يضعها الرئيس اللبناني بين يديّ السلطات العراقية لـ”الخروج” من قضية حريق مستشفى “ابن الخطيب”. وهي “مضمونة” و”مجربة” و”مكفولة”. فهل يضيّع العراقيون هذه الـ”فرصة”؟!

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.