fbpx

القلاقل السياسية أبرز نتائج لقاح “سبوتنيك V”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يتضح بعد ما إذا كان “سبوتنيك V” سيؤدي في النهاية إلى انهيار الائتلافات الحاكمة الهشة في كل من سلوفاكيا وجمهورية التشيك بلا رجعة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نظراً إلى أداء الاتحاد الأوروبي مخيب الأمال في عملية طرح اللقاح وديبلوماسيته المخزية التي تثير الشكوك حول مدى فعالية جرعات لقاح “أسترازينيكا”، من السهل تفهُّم سبب تولي حكومات بلدان الاتحاد زمام الأمور بنفسها.

فقد قرر فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، أن تعتمد البلاد على ذاتها إلى أقصى حد. وفي كانون الثاني/ يناير، قبل وقت طويل من جاهزية اللقاحات للشحن، أبرم الرجل القوي صفقات لشراء مليوني جرعة من لقاح “سبوتنيك V” الروسي، و5 ملايين جرعة من لقاح “سينوفارم” الصيني، متجاوزاً بذلك استراتيجية شراء اللقاحات التي وضعتها مفوضية الاتحاد الأوروبي ومتجاوزاً أيضاً موافقة وكالة الأدوية الأوروبية على اللقاحات قبل استخدامها. ومن خلال إعطاء المواطنين 4.2 مليون جرعة، تصبح المجر التي يبلغ تعداد سكانها 9.7 مليون نسمة الدولة الأكثر تطعيماً لمواطنيها من بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

اتبعت حكومات أخرى النهج ذاته: فقد أفادت تقارير بأن سيباستيان كورتز، المستشار النمساوي، اختتم مفاوضات لشراء نحو مليون جرعة من لقاح “سبوتنيك V” الروسي. وخلال مؤتمر عبر الفيديو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ناقشت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عملية ترخيص اللقاحات من قبل الهيئات التنظيمية الأوروبية، واحتمال تصنيعه في الاتحاد الأوروبي.

ظاهرياً، ربما لا يكون التطلع إلى الشرق من أجل وضع حد للجائحة، جنوناً تاماً. في استطلاع رأي أُجري في سلوفاكيا، احتل لقاح “سبوتنيك V” المرتبة الثانية، بعد لقاح “فايزر”، بوصفة اللقاح المضاد لفايروس كورونا الأكثر “موثوقية”، تليه لقاحات “مودرنا” و”أسترازينيكا” و”جونسون آند جونسون”. وبما أن غالبية الموالين لروسيا في المنطقة هم أنفسهم المعارضون لفكرة التطعيم، ربما يكون توفير لقاح “سبوتنيك V”، أمراً محورياً لإقناع المتشككين وتحقيق مناعة القطيع في نهاية المطاف.

لكن مفاوضات اللقاح الروسي تنطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة إلى البلدان التي انخرطت فيها. فحتى اللحظة، أظهر اللقاح أن فعاليته في زعزعة استقرار دول أوروبا الشرقية أفضل بكثير من فعاليته في حماية سكان تلك البلدان من الفايروس.

في البداية، لدينا سؤال حول مدى فعالية اللقاح وسلامته. في حين أن دراسة مجلة “لانسيت”، التي يتم الاستشهاد بها على نطاق واسع، والتي تشير إلى فعالية بلغت 91.6 في المئة في مقاومة أعراض المرض تبدو واعدة، فإن لدى وكالة الأدوية الأوروبية أسباباً وجيهة لعدم التسرع في ترخيص اللقاح والموافقة على استخدامه. فحتى مطلع آذار/ مارس، كانت الوكالة تفتقر إلى معلومات كافية عن اللقاح لبدء مراجعة سلامته وفعاليته قبل طرحه في الأسواق الأوروبية. يُعد التحقق من الأوضاع التي صُنع اللقاح بموجبها والتدقيق في المعلومات الأساسية الخاصة بالتجارب السريرية التي أجريت في روسيا من ضمن المعايير المألوفة للجودة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي.

لكن بينما تؤدي وكالة الأدوية الأوروبية عملها، بدأ البعض بالفعل في التحذير من اللقاح. فقد اختبرت وكالة الأدوية السلوفاكية عينة من اللقاحات التي اشترتها الحكومة السلوفاكية وخلصت إلى أن محتوى الزجاجات كان مختلفاً عن اللقاح المستخدم في دراسة مجلة “لانسيت”. وقد بدت الدفعات المصنعة في مصانع متفرقة مختلفة عن بعضها بعضاً، إضافة إلى ذلك، لم يتم تضمين بعض المعلومات الأساسية، مثل استقرار اللقاح خلال تخزينه وتاريخ انتهاء صلاحيته.

استناداً إلى الشواهد، من الصعب التوفيق بين ارتفاع فعالية اللقاح الروسي وسهولة تصنيعه وبين معدلات التلقيح المنخفضة للغاية في روسيا ذاتها. فقد تلقى 4.7 في المئة فقط من الروس الجرعة الأولى على أقل تقدير، مقارنة بنسبة بلغت 15.5 في المئة في الاتحاد الأوروبي. ربما تبرهن هذه الأرقام على مدى إيثار السلطات الروسية والعالمية آفاقها، التي أعطت الأولوية في توفير جرعات اللقاح للبلدان الأخرى. لكن الأمر الأكثر احتمالاً هو أن تلك الأرقام تشير إلى مدى تشكك الشعب الروسي نفسه في فعالية اللقاح (وهو أمر ربما يكون له ما يبرره وربما لا)، أو تجاهل الحكومة الروسية مواطنيها خلال سعيها إلى تحقيق أهدافها الجيوسياسية، أو الأمرين معاً.

فضلاً عن ذلك، لم تؤدِّ ريادة المجر في تلقيح مواطنيها، معتمدة بصفة رئيسية على اللقاحين الصيني والروسي، إلى أداء أفضل من ناحية الحد من انتشار الفايروس على أرض الواقع مقارنة بالبلدان المجاورة، بل العكس تماماً هو ما حدث. فبينما شهدت أعداد الإصابات اليومية تراجعاً في الآونة الأخيرة، لا يزال معدل الإصابات الجديدة بين كل مليون فرد ضمن المعدلات الأعلى عالمياً، في حين تقترب أعداد الوفيات اليومية من أعلى معدل لها على الإطلاق. وبالمثل، سارعت صربيا مطلع هذا العام إلى وضع برنامج تلقيح خاص بها باستخدام لقاحات صينية وروسية الصنع، لكنها اضطرت إلى فرض إغلاق تام في البلاد في منتصف آذار/ مارس.

إقرأوا أيضاً:

ثانياً، هناك السؤال المتعلق بالشق السياسي. تصاحب لقاح “سبوتنيك V” عقبات ثبت أن حكومات أوروبا الشرقية تجد صعوبة بالغة في التعامل معها، بسبب قلقها من أن تصبح مدينة لروسيا. فقد استبعدت بولندا استخدام اللقاح الروسي بدافع من المخاوف الجيوسياسية التقليدية، في حين أبدت الحكومة بالفعل شكوكاً إزاء لقاح “سينوفارم” الصيني، بسبب عدم توافر بيانات موثوقة. في المقابل، أعرب قادة التشيك، وأبرزهم رئيس البلاد الموالي لروسيا والصين ميلوش زيمان، عن اهتمامهم بكلا اللقاحين، على رغم انقسام الائتلاف الحاكم في التشيك حول هذا الموضوع.

الغريب في الأمر أنه على رغم أن الرئيس في ظل النظام الدستوري التشيكي لا يقوم إلا بدور شرفي، فقد بدأ زيمان في دفع تلك الأجندة بطريقة قوية على غير العادة. فقد صرح خلال مقابلة أن أولئك الذين يعارضون استخدام اللقاح الروسي (وذكر صراحة، وزير الصحة يان بلاتني، ورئيسة وكالة الأدوية التشيكية، إيرينا ستوروفا) هم المسؤولون مباشرة عن وفاة المواطنين التشيكيين. وقال إن “الحل يكمن في إقالة كليهما”، وهذا من صلاحيات رئيس الوزراء وليس رئيس الدولة.

بيد أنه بعد بضعة أسابيع، لبى رئيس الوزراء التشيكي، أندريه بابيش، هذا الطلب، واضطر إلى استبدال بلاتني، ليحل محله الطبيب بيتر أرينبرغر، الذي بدأ بالفعل دراسة السبل التي يمكن من خلالها شراء اللقاح الروسي والموافقة عليه للاستخدام في حالات الطوارئ في جمهورية التشيك. في حين شهد الوضع مزيداً من التصعيد عندما أقال بابيش وزير الخارجية توماش بيتريتشيك، الذي يُعد أحد المنتقدين لتقارب الحكومة مع روسيا.

تأخذ التطورات في جمهورية التشيك منحنى مشابهاً لتلك التي تحدث في سلوفاكيا. ففي نهاية شباط/ فبراير، اشترى رئيس الوزراء آنذاك إيغور ماتوفيتش، مليوني جرعة من لقاح “سبوتنيك V”، واضعاً قادة تحالف حزبه أمام الأمر الواقع، عندما عادت طائرة عسكرية سلوفاكية من موسكو محملة بالشحنة الأولى من اللقاحات والتي تحتوي على 200 ألف جرعة. فقد عُقدت تلك الصفقة من دون علم وزير خارجية البلاد إيفان كورتشوك، المؤيد بقوة لأهمية التعاون عبر الأطلسي- بين أوروبا والولايات المتحدة وكندا في ما يتعلق بالشؤون السياسية- والموالي للاتحاد الأوروبي، والذي لم يكن أمامه خيار سوى الاستقالة.

في أعقاب الأزمة التي نشبت بين شركائه في التحالف، وافق ماتوفيتش على ترك منصبه وتولي وزارة المالية. ونتيجة لذلك، أُعيد تشكيل الحكومة بسرعة تحت رئاسة رئيس الوزراء الجديد إدوارد هيغر، الذي أبقى على معظم الوزراء من الحكومة السابقة في مناصبهم، بما في ذلك كورتشوك.

بيد أن هذا لم يكن نهاية ملحمة لقاح “سبوتنيك V”. فقد واصل ماتوفيتش مهاجمة قيادة وكالة الأدوية السلوفاكية، التي أرادت أن تلتزم بقرار وكالة الأدوية الأوروبية حول مدى فعالية اللقاح وسلامته. وراهناً سافر ماتوفيتش إلى موسكو، على الأرجح بصفته رئيس الوزراء السابق، متجاهلاً بذلك كورتشوك والديبلوماسيين السلوفاكيين في روسيا مرة أخرى. ليس ذلك فحسب، فقد زار أيضاً في وقت لاحق من ذلك الأسبوع أوربان في بودابست. ولم يكن يرافقه السفير السلوفاكي أو أي دبلوماسي آخر كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات. بل كان ضمن مرافقيه، جوراج جييميسي، وهو عضو قومي مجري في البرلمان السلوفاكي ينتمي إلى حزب ماتوفيتش. وقد صرح أوربان في مقطع فيديو نُشر على موقع فيسبوك، أن مختبراً مزوداً بأحدث التقنيات المتطورة للغاية في المجر سوف يختبر لقاحات “سبوتنيك V” لسلوفاكيا.

لعل هذه البادرة المذهلة المتمثلة في “ديبلوماسية” اللقاح التي أطلقها وزير المالية، هي أمر غير قانوني، نظراً إلى أنه تجاوز إلى حد بعيد الاختصاصات المحددة التي توكلها الحكومة إلى إدارته. والأهم من ذلك، أن ذلك العمل يُعد من الأعمال المثيرة للاضطرابات على مستوى السياسية الداخلية، إذ إنه وضع وزير الخارجية ورئيس الوزراء في موقف لا يحسدا عليه. فضلاً عن أنه دفع سفراء البلاد الحاليين إلى توقيع رسالة مفتوحة على نحو غير مسبوق، وصفوا فيها تقارب ماتوفيتش غير المدروس “بأنه إهانة للدبلوماسية السلوفاكية… وحط من قدر سلوفاكيا، ويمثل تهديداً لمصالحها الوطنية”.

لم يتضح بعد ما إذا كان “سبوتنيك V” سيؤدي في النهاية إلى انهيار الائتلافات الحاكمة الهشة في كل من سلوفاكيا وجمهورية التشيك بلا رجعة. بيد أن صحيفة “نيويورك تايمز”، أعربت عن الأمر بصورة مغايرة تماماً للواقع عندما وصفت التطورات الأخيرة بأنها مجرد “عقبة” أمام ديبلوماسية اللقاحات الروسية. ففي ظل حالة الفوضى التي عمت حكومتين من بلدان أوروبا الشرقية، وغياب أحد وزراء الخارجية الموالين للغرب، ووزير خارجية آخر واقع بين المطرقة والسندان، فإن الكرملين لم يكن ليأمل بالتوصل إلى نتيجة أفضل.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا  الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: