fbpx

رفض واسع للتأجيل… “ليمبو” الانقسام الفلسطيني يلقي بظلاله على مسار الانتخابات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا أفق لما بعد الانتخابات، طالما أن إسرائيل لا تزال هي اللاعب الأساسي في المنطقة وهي لا تُفضل أن تحدث، ولكنها ترى ومعها الولايات المتحدة، أن الانتخابات إذا أجريت فلا بأس في ذلك”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يزداد المشهد السياسي الفلسطيني تعقيداً، مع اقتراب الموعد المقرر للانتخابات التشريعية نهاية أيار/ مايو المقبل. ولكن هذا الانهماك الذي صاحبته حركة نشطة في دوائر السياسة الفلسطينية ومحاولة تهيئة الشارع الفلسطيني للعملية الانتخابية، تحول إلى ترقب للإعلان عن تأجيل الانتخابات، بحسب ما أوحت به التصريحات الرسمية الأخيرة، خصوصاً بعد موقف الرئيس محمود عباس بقوله إن “القدس خط أحمر” وتأكيده عدم القبول بإجراء الانتخابات، من دون مشاركة المقدسيين فيها في ظل رفض إسرائيلي لاقتراع المقدسيين.

ومع شيوع أنباء عن تأجيل الانتخابات من دون إعلان ذلك رسمياً، رفضت قوائم مرشحة لانتخابات المجلس التشريعي، التأجيل تحت أي ظرف، معتبرة التأجيل إن حصل “قفزة في الهواء وهروب من المعركة”.

من يحق له الاقتراع؟

وكان الرئيس عباس أصدر مرسوماً رئاسياً منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي يقضي بإجراء الانتخابات على ثلاث مراحل خلال العام الحالي: تشريعية في 22 أيار ورئاسية في 31 تموز/ يوليو، واستكمال المجلس الوطني لمنظمة التحرير في 31 آب/ أغسطس.

على إثر ذلك، وقّعت حركتا “فتح” و”حماس”، وفصائل أخرى ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، في اجتماعها بالعاصمة المصرية القاهرة في شباط/ فبراير الماضي على الالتزام بعدم عرقلة الانتخابات أو السعي إلى تأجيلها من قبل أي طرف، حيث لاقى مرسوم الرئيس عباس توافقاً مع تطلعات حركة “حماس” لتجنب عزلها من المشهد السياسي الفلسطيني إذا ما أجريت الانتخابات من دون موافقتها على إجرائها في قطاع غزة، الذي تسيطر عليه منذ بدء الانقسام السياسي الفلسطيني عام 2007. 

لكن برزت عقدة القدس التي ترفض إسرائيل إجراء انتخابات فيها. وبحسب المعطيات، في القدس حوالى 180 ألف ناخب، وينظم عملية مشاركتهم في الانتخابات البند (6) في الملحق الثاني لاتفاقية المرحلة الانتقالية، التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في واشنطن في أيلول/ سبتمبر 1995، ويضمن البند  أن يتمّ الاقتراع في الجزء الشرقي للمدينة في مكاتب بريد تتبع سلطة البريد الإسرائيلية. وعلى رغم شرعية اقتراع فلسطينيي القدس ترفض إسرائيل إجراء هذا الأمر. وهنا لا يبدو الموقف الإسرائيلي من إجراء الانتخابات في مدينة القدس غامضاً، إذ عمدت السلطات إلى عرقلة عدد من الأنشطة المتعلقة بالتحضير للانتخابات في المدينة ومنعها، عدا توقيف ممثلين عن قوائم انتخابية مسجلة لدى لجنة الانتخابات، بينما لم يصدر موقف رسمي إسرائيلي بعد حول موضوع إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس.

هل ملف القدس وحده يحرّك قرارات رئيس السلطة الفلسطينية بشأن الانتخابات، والذي يحظى بنسبة 65 في المئة من رغبة الفلسطينيين برحيله عن رئاسة السلطة، بحسب إحصاءات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الأخيرة، وذلك في ظل وجود عدد من البدائل الممكنة والأدوات للدفع بفرض إجراء الانتخابات في المدينة المقدسة؟

يؤكد هذه الفرضية الناشط الحقوقي ورئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي، لـ”درج” أن “مبرر تأجيل الانتخابات سياسي ولا يوجد مبرر قانوني لتعطيلها”، مفسراً ذلك بأنه “في الحالة الفلسطينية يجب أن تقوم على قاعدة الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي وتقرير المصير، اعتماداً على التمسك بالمعايير الدولية والضغط للمجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بالعمل بالاتفاقيات الموقعة، لأنه لا يجوز إعطاء فيتو لإسرائيل للتحكم في ذلك”. 

وأضاف عبد العاطي، أن السلطة الفلسطينية لم تهدد بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، أو تعطيل العمل بالاتفاقيات الموقعة معها، كما لم تتوجه بخطة عمل جادة للتعبئة والحشد الدولي في اتجاه الضغط على إسرائيل للسماح للمقدسيين بالمشاركة في الانتخابات، كما أنها أولاً وأخيراً، تملك الصدام مع إسرائيل وقوتها في القدس، ومعها في ذلك أبناء شعبنا وإرادتهم القوية. 

إقرأوا أيضاً:

بعد 15 عاماً…

تبدو المفارقة منطقية إلى حدٍ بعيد، بعد مرور نحو 15 عاماً على الانتخابات الأخيرة التي أجراها الفلسطينيون في أراضي السلطة الوطنية، إذ تُظهر نسبة التسجيل لدى لجنة الانتخابات المركزية توق الناخبين للمشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم لمن يختارونهم ممثلين عنهم والتعويض عن حرمانهم طيلة هذه المدة من تفويض من سيمثلهم في المجلس التشريعي ورئاسة السلطة الفلسطينية. 

لكن سنوات الانقسام الطويلة لم تمر بهدوء، ولم تتح الفرصة للفلسطينيين لخوض تفاعلات سياسية حرة قادرة على إبراز قيادات مجتمعية جديدة تتلاءم مع حجم المسؤوليات الملقاة عليها. وإلى جانب تضييق إسرائيل وسلطتها العسكرية على أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، عملت “فتح” و”حماس”، خلال سنوات حكمهما في الضفة والقطاع، على تقليص مساحة الحركة في الفضاء العام في مناطق حكمهما، وذلك ما يفقد جولة الانتخابات المقبلة بريقها قبل أن تُجرى، حيث من المستبعد أن تعمل على إفراز طرف ثالث في الساحة الفلسطينية، رافض للانقسام ومنحاز لتطلعات الشعب الفلسطيني بعيش حياة أفضل من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وإنما ستعيد إنتاج السلطة الحاكمة ذاتها. 

حاربت السلطة الفلسطينية نشاط أنصار “حماس” بالضفة، كما أن الأجهزة الأمنية التابعة لـ”حماس” في غزة اعتمدت سياسة التكميم والقبضة الأمنية المشددة على نشاطات أبناء “فتح”؛ ما أدى إلى غياب المشاركة والفاعلية السياسية، وذلك في ظل قمع الحراكات المطلبية وملاحقة القائمين عليها، والتي في غالبها سعت إلى تحقيق مطالب لتحسين الوضع المعيشي والحقوق الأساسية للمواطنين، والذين غالباً ما شعروا بأنهم غير قادرين على اتخاذ القرار فيما يتعلق بمصالحهم.

لن يتغير شيء!

خلال دردشة أجراها كاتب هذه السطور مع الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، يقول الأخير إن الانتخابات إذا ما أجريت، فإنها ستزيد من فداحة الوضع القائم وليس التغيير فيه، ذلك أن ذهاب “حماس” و”فتح”، وهما أكبر فصيلين في الساحة الفلسطينية، إلى إجراء الانتخابات بمعطيات الواقع الحالي، “كمن يضع الهرم على رأسه، فالانتخابات في هذه المرحلة تمثل تملصاً من حالة العجز في إنهاء الانقسام، أو بدرجة أقل، تغييب تركيز الجهود لإيجاد حلول والاتفاق على الملفات الأساسية فيه”، ويضيف: “هناك تسليم بالحالة القائمة، بل من المؤكد أن الانتخابات إذا ما أجريت، فإنها تعزز هذه الحالة بدلاً من أن تلغيها”.

“دولة عميقة في غزة تتحكم في مقاليدها حماس، وأخرى في الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية، وهذا هو الحد الفاصل الذي يجعل من خوض الانتخابات عملية تقسيم جديدة، وتحويلاً للانقسام السياسي بين غزة والضفة إلى انفصال حقيقي”، ويضيف: “على رغم أن نتائج الانتخابات غير مدروسة، إلا أن هذا لا يعني أنها خطأ، بل إنه سؤال في البحث عن مصدر الأزمة التي يعانيها النظام السياسي الفلسطيني، وتقليص مساحتها”. 

يتضح أن الإجابة على أسئلة المرحلة في الحالة الفلسطينية، لا تتعلق بخوض الانتخابات بحد ذاتها، على رغم كونها استحقاقاً ديموقراطياً ضرورياً، بل بضياع الجهود الرامية إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني بين طرفيه، ولكل منهما قدره في تحمل مسؤولية هذا الفشل، وذلك ما أدى في نهاية المطاف إلى ثغرة التعلل بالانتخابات. 

حبيب يرى أن التوافق بين الفصائل الفلسطينية بشأن إجراء الانتخابات “أمر غريب وجاء بسرعة غريبة”، في الوقت الذي يعتقد فيه أطراف الصراع الداخلي الفلسطيني على سبيل الاعتقاد الخطأ أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستفتح ملف المفاوضات مجدداً وتساهم في تسريع الحل السياسي لقضية الفلسطينيين، بينما هي لا تضع الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية كأولوية للحل، في ضوء تحديات أخرى تواجهها في الشرق الأوسط كالملف الإيراني، عدا كون الوضع القائم يخدم إسرائيل والولايات المتحدة”.

“تأتي الانتخابات في ظل المعطيات الراهنة كمناورة، وهذا نوع من خداع الذات، العالم لا يتابع انتخاباتنا باهتمام بالغ كما يعتقد كثيرون، وموضوعنا لا يؤرق أحداً” يقول حبيب، فالملف الفلسطيني لا يشكل عبئاً سياسياً على أي طرف في المنطقة، ويضيف: “لا أفق لما بعد الانتخابات، طالما أن إسرائيل لا تزال هي اللاعب الأساسي في المنطقة وهي لا تُفضل أن تحدث، ولكنها ترى ومعها الولايات المتحدة، أن الانتخابات إذا أجريت فلا بأس في ذلك”.

إقرأوا أيضاً: